هل يخرج الدستور من عنق الزجاجة؟

هل يخرج الدستور من عنق الزجاجة؟
الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:08

تكشف مجموع التفاعلات التي برزت بعد تقديم المضامين الرئيسية للمراجعة الدستورية عن مخاض حاد من أجل إخراج مشروع الدستور من عنق الزجاجة، وخاصة بعد المواقف التي تم التعبير عنها بوضوح ضد ما اعتبر إرهاصات انقلاب هوياتي ومرجعي تمثل في بوادر التراجع عن المقتضيات الدستورية الحالية ذات العلاقة بالهوية المغربية والمرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع، والتوجه عوضا عن ذلك إلى إدماج مقتضيات جديدة تضعف ما تم النص عليه رغم محدوديته، وذلك في الوقت الذي كانت التطلعات تسير نحو تعزيز تماسك الهوية المغربية وتقوية موقع المرجعية الإسلامية للمجتمع والدولة، وفق ما جاء في الخطاب الملكي ل9 مارس.


للأسف ثمة استهانة عند البعض بخطورة قضايا الهوية والمرجعية في الوثيقة الدستورية، وكذا بعلاقتها العضوية بالنظام السياسي البرلماني والحكومي المقترح في تلك الوثيقة، ونقف هنا عند عنصرين يمثلان النموذج الجلي لاستيعاب هذه الخطورة.


فعلى مستوى قضايا الهوية، فإن تجارب العديد من الدول التي “لغمت” نظامها الدستوري بعناصر التنافر الهوياتي والمحاصصة سواء منها الطائفية كلبنان أو المذهبية- الإثنية كالعراق أو اللغوية كبلجيكا تؤكد أن نظامها الديموقراطي مهما بلغت جودته من الناحية المثالية فإنه يبقى مشلولا بفعل المحاصصة القائمة في الحياة السياسية، وللعلم فإن المحاصصة قبل أن تتشكل كنظام لتوزيع السلطة والثروة وفق الحصص بين مجموع مكونات البلاد، تكون بداياتها بإقرار مقتضيات دستورية تؤسس للتنافر بين مكونات الهوية ولا تضع قواعد للجمع والتكامل بينها، وتضعف من سمو الانتماء الوطني لمصلحة الانتماء للهويات الفرعية، والنتيجة هو ترك نظام المحاصصة يتشكل كواقع فعلي وثقافة مهيمنة قبل الانتقال إلى ترسيمه، ثم يكون لفشل المحاصصة دور مفصلي في تفكيك الدولة وتجزئتها.


قد يبدو مثل ذلك أمار مستحيلا لكن التسلح بوعي استراتيجي مستقبلي يفرض عدم استبعاد مثل هذه المآلات، وخاصة بعد أن ظهرت مخاطر الانزلاق إلي اعتماد نظام هوياتي هلامي متعدد الروافد بما فيها الهامشية جدا ودون خيط ناظم يضمن تكاملها، بل يأتي الاعتراف الدستوري بها ليمثل المستند في تغذية الاحتجاجات الهوياتية الهادفة لتكريس التمايز والانفصال عن باقي الهويات الفرعية المفترض أنها منافسة، والمطالبة بفك الارتباط بما يرمز لها، أو تأسيس روابط هامشية لتعزيز القدرة على المنافسة، وهو ما ظهرت إرهاصاته بوضوح بالاستجابة من قبل البعض في مشروع الصياغة الدستورية لدعوات تقليص العلاقة بالعالم العربي والإسلامي وإضعاف البعد العربي في الهوية المغربية، وتأسيس ثنائية العربية في مقابل الأمازيغية، وإعطاء المكون الثقافي العبري بعد هوياتي مشوش يخدم سياسة الخلط. وهي دعوات لا تستند على مرتكزات علمية ومناقضة للواقع التاريخي والجغرافي والاجتماعي، وخاصة ما يهم الاتباط الهضو للمغرب بالعالم العربي- الإسلامي.


أما على مستوى المرجعية الإسلامية، فإن بعض الصيغ التي جرى تداول كيفية النص عليها في الوثيقة الدستورية، حولت المغرب من دولة إسلامية إلى بلد مسلم، كما لم يتم ضبط العلاقة بين المرأة والرجل المرتبطة بالتشريع الأسري بمقتضيات صريحة مثل ما حصل في مدونة الأسرة، ثم عوض النص على أن الدولة تكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية كما كانت في الدستور الحالي أصبح الحديث على النص على حرية المعتقد في إطار عدم المس بالنظام العام وهذا المبدأ من الناحية النظرية لا يمثل مشكلا لكن وضعه في السياق المغربي يكشف عن تحديات عميقة ، حيث يصبح بمثابة تقديم هدية لكل من دعاة التنصير الأمريكي وللعاملين من أجل علمنة متطرفة على الطريقة الفرنسية ثم للرافضين للوحدة المذهبية الدينية للمغرب، وهي عناصر ثلاث شكلت أساس توجهات الأمن الروحي والعقدي في مواجهة تحديات مغرب هذا القرن، وذلك حتى لا يتعرض للذوبان والاندثار في زمن العولمة الجارفة.


في زمن الربيع الديموقراطي لم يعد مقبولا فرض دستور يحرف حقيقة المجتمع والدولة، أو يؤسس لزرع الفوضى والتفكك في بنية المجتمع والدولة، وإلا فقد الدستور شرعيته الديموقراطية، ولهذا فإن توجس عدد من الجهات والفعاليات إن لم نقل توجست من حيثيات حالة التوتر والاستقطاب الثنائي الحاد الذي ظهر في الأيام الماضية حول قضايا المرجعية والهوية في مشروع الدستور المعدل، توجس مشروع والتطور الديموقراطي لبلادنا يتطلب معالجة الاختلالات بوضوح وحزم.


لقد صحح بلاغ الديوان الملكي ليوم الجمعة جزءا من الخلل الذي ظهر جليا في مسار المراجعة الدستورية وعرضه لتشويش كبير كان من شأنه استمراره أن يخدم دعوات التشكيك في مصداقية وجدية مشروع الإصلاح الدستوري، وهو تصحيح طال مستويين مفصليين، هما منهجية تدبير التشاور حول مشروع الوثيقة الدستورية وتمكين أعضا الآلية السياسية من مسودة الدستور، والثاني التأكيد على الإطار العام الحاكم في التعاطي مع مضمون هذه المسودة والمتمثلة في كل من ” التوافق الإيجابي، والغيرة الوطنية، والتشبث المتين بثوابت الأمة، والإلتزام الديموقراطي”. ونعتبر أن مجموع القوى السياسية والنقابية والمدنية المعنية بمستقبل الديموقراطية المغربية مطالبة بتحمل مسؤوليتها في المرحلة القادمة، حتى تتمكن من إخراج الدستور من عنق الزجاجة ويقع اعتماد دستور ديموقراطي لا يضع المغرب في صدام مع هويته ومرجعيته.


افتتاحية التجديد 13-6-2011

‫تعليقات الزوار

8
  • karim
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:14

    ;cest ça les premieres consequences d une commissions constitutionelles imposees ;non populaire;non democratique :les ennemis du peuple veulent profiter du changement inevitable pour terminer la destruction du peuplee

  • Abdelali
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:16

    Il faut interdire à certaines personnes de s’autoproclamer police de la morale dans la rue, et sur les colonnes de la presse. Une constitution démocratique, c’est une constitution qui garantit le droit à la différence, qui permet à des gens différents de vivre ensemble dans un espace commun. Seule la laïcité garantit cela. Hélas, nous serons loin de cela avec la nouvelle constitution, et il faudra se battre encore des années avant que les marocains ne se rendent compte que la source du mal, c’est quand la religion s’immisce dans la vie publique

  • bassou
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:22

    المحاصصة قادمة للمغرب ابينا اوكرهنا فالتعصب للعربية او الامازيغية
    نتيجته الحتمية هي التفرقة والمحاصصة وويلاتها وهدا هو نتاج التظاهر بلاعقل والتكالب العدلوي القاعدي لاضعاف الدولة التي تنازلت لاقصى الحدود فبإسم الديمقراطية مزقت كثير من البلاد
    ،ومازال العاطي يعطي

  • فضولي
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:20

    هههه قال ليك:”…حتى تتمكن من إخراج الدستور من عنق الزجاجة ويقع اعتماد دستور ديموقراطي لا يضع المغرب في صدام مع هويته ومرجعيته.”
    يريدون أن يشوقونا إليه، كما لو كان ديمقراطيا ويعرقل ولادته مقاومون للديمقراطية…على من تضحكون؟؟؟؟؟
    يا سيدي، قبل 20 فبراير كنت تنادي بتصدير الديمقراطية المغربية إلى تونس بعد نجاح ثورتها في إشارة إلى أننا لسنا بحاجة إلى تلك الثورة…الحاصول,,,

  • منا رشدي
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:12

    رجاء ا أن تتفظلوا علينا بشرح ماهية الأصالة وماهية المعاصرة فحدسي لا يستريح لا للأولى إن كانت مرجعيتها شرقية خالصة ولا للثانية إن كانت غربية خالصة ؛ فأين المغرب والمغاربة بينهما . الحدس ذاته يجعلني أخشى على هوية المغاربة الحقيقية لا هوية يراد فرضها بالإكراه !!
    ما أسهل بناء مجتمع ديمقراطي ما دام طريق البناء مسلط عليه ما يكفي من الضوء كي لا يعثر أحد ، وما أصعب بناء مجتمع مستبد لكونه يستنزف الوقت والجهد داخل مستنقع العتمة حتى لا يكشف مكره وخداعه أحد .

  • منا رشدي
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:24

    لطالما حذرت النخب المغربية عامة ونخب العدالة والتنمية خاصة من الذهاب إلى الشرق لسبب واحد هو خوفي على عقولهم أن تشحن بأيديولوجية المشارقة لكونها مهدمة لإنسانية الإنسان وهي التي تفتح باب الغرائز على مصراعيه لانطلاق الفتن والقتل على الهوية . هاهي العدالة والتنمية تسقط في ما حذرت منه . القتل لا يكون ماديا مثلما اعتدنا رؤيته في المشرق ( كترمايا نموذجا ) ؛ لا ؛ القتل أيضا قتل معنوي وما كتابات ” الخلفي ” إلا جزء من فيض لفكر طارئ على بعض المغاربة . جلالة الملك منذ بداية الألفية وهو يعمل على الحفاظ على الأمازيغية ، كرئيس دولة مسؤول عن كل المغاربة ، فجلالته لم يتردد في قول ” الأمازيغية إرث لجميع المغاربة ” كما اعتبر جلالته في خطاب 9 مارس الأمازيغية في صلب الهوية المغربية ، نظرة جلالته إستباقية للآتي من السنوات ونحن على أبواب عولمة حقيقية قي تفرغ المجتمعات من خصوصيتها التي تميزها عن مجتمعات أخرى ومن يفقد خصوصيته لا تاريخ ولا مستقبل له ولا أحد يجزم بما سيكون عليه الغد .
    فكونوا في الموعد كافة نسيجنا المجتمعي في تجانس تام بين مختلف مكوناته والتحدي لا يحتمل إلغاء أحد والمشرق العربي قبلتنا للصلاة لا تحولوه قبلة تكريس الطائفية التي لا نعرف عنها إلا ما تتفوهون به !

  • Omar
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:18

    il faut que la religion s’immisce dans la vie publique nous sommes un pays islamique il ne faut pas l’oublier ,si on oublie ça on va aller surement à la dérive , l’islam unifie les peuples et donne à chacun tous ces droits si on dit le contraire c’est qu’on est soit aveugle soit ignorant ,il faut juger l’islam sur le contenue du coran et ahadit et ne pas suivre des gens qui prétendent être musulman aveuglément dans des choses malsaine , sinon je suis d’accord sur le faite de créer une commissions constitutionnelles élu par le peuple mais comment peut on réaliser ça?? merci pour l’article et on attends d’autres info

  • أبسلام
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:26

    ثنائية العربية في مقابل الأمازيغية،
    هل تريدون إقصاء الامازيغية من جديد المغرب بلد أمازغي وعربي ولهذا لا يجب التشدق بالانتماء لما يسمى بالمغرب العربي وتشويه هوية المغرب
    فالدول التي تكون هدا المغرب المزعوم ،المكون الامازيغي هوالبارز فيه فلمذا المغرب العربي ،المغرب الكبير أقل ضررا للأمازيغ…

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة