زوج لم أختره

زوج لم أختره
الأربعاء 1 فبراير 2017 - 21:00

وقفت قبالة المرآة وشرعت تتحسس ما تركته الأيام من أثر فوق جبينها وعند ملتقى جفنيها.. أخبرتي بأن نوعا من الخوف بدأ يعتريها وهي تعد الأيام في انتظار بلوغ الثلاثين من عمرها. لم يكن يفصلها عن ذلك سوى سنة أو بعض السنة.

ضغط من العائلة وضغط أكبر من مجتمع لا يرحم، فلم تجد أمامها خيارا سوى أن تتصل بصديقتها وتخبرها بأنها موافقة على الالتحاق بإحدى المجموعات “الفيسبوكية” التي تهدف إلى إنشاء مشاريع زواج بين الراغبين فيه. حكت لي كيف أن الراغب في الزواج يضع منشورا على المجموعة٬ يعلن فيه عن اسمه وسنه ونوع العمل الذي يقوم به، ثم هناك من قطع أشواطا كثيرة ليصل به الأمر إلى التصريح بممتلكاته ( أملك سيارة من نوع كذا وشقة في حي كذا وأتلقى أجرا قدره كذا) بعد ذلك تنهال عليه التعليقات من كل صوب وحدب. فتيات أعجبن “بممتلكاته وصورته”، فتيات خلنه مصباح علاء الدين الذي سيلبي متطلباتهم المستقبلية وأخريات كن يأملن فقط في العثور على شخص يثبت براءتهن من تهمة “العنوسة” التي صارت تلازمهن كاللعنة. يتلقى تعليقات من نوع “interessée” تكتبها له كل من أعجبتها السلعة التي عرضها وبعد ذلك ينتقلون إلى مرحلة التعارف ومن ثم الإقصائيات فالنهاية.

قالت رباب :” كنت أيضا ممن اقترفن تعليقا من ذلك القبيل وتعرفت على شاب لم أعرف عنه آنذاك سوى القليل .. ثم تزوجنا. لم أختره بل الفيسبوك من فعل ذلك”.

– رغم كل شيء، رغم صخب وزحمة الحياة وافقت “رشى” على إخباري بقصتها. جلست قبالتي تحادثني بابتسامة دؤوبة زينت ما بقي على قيد الحياة من ملامح وجهها : ” كنت في الخامسة عشر من عمري آنذاك، أخبروني بأنه رجل ميسور الحال وأنه سيضمن لي العيش الكريم بل وأنني سأكون سعيدة معه ( لم أستطع يوما أن أستوعب كيف لأناس أن يسمحوا لأنفسهم بالجزم في أمر سعادة الآخرين). علاوة على كل الصفات السالفة، أضافوا بأن عمره سيجعله يتحرى الروية والنضج في معاملته لي، وليس كما يقترفه شباب اليوم من استهتار.

-” ما هو فارق السن بينكما؟”

– أجابت : “الطريق الفاصل بيننا طويل جدا؛ عشرون سنة: رأيتها كافية بأن تشيد سورا حصينا يحجب عقلينا وقلبينا عن بعضهما البعض. لكنهم كانوا ينظرون إلى العشرين سنة كوصل أمانة يضمن أن هذا العريس لن يتصرف بطيش وأن يكون ولي أمري بالمعنى الحرفي للكلمة.. فكرت للحظة بأن علي فعل شيء ما لكي لا يتم الأمر، استجمعت قواي لأرفض حكمهم القاسي، تبعثرت الحروف في حنجرتي ثم التحمت مرة أخرى لكنها في آخر المطاف خرجت على شاكلة “نعم موافقة” .. كيف لي أن أرفض وأنا الفتاة التي تخلى عنها أبوها وهي لازالت رضيعة، ليأويني بيت أخوالي بعدها. كيف لي أن أواجههم بالرفض. لم يكن لي سند وأنا الطفلة الضعيفة، كان لهم ما أرادوا وزجونيه .. لم أختره بل الظروف هي من فعلت”

– “لا تدعي في يوم من الأيام قراراتك عرضة لغيرك!”.. هكذا استهلت “منى” كلامها وهي تحكي لي عن قصة زواجها : ” كنت وصديقاتي جد مرتبطات ببعضنا. كنا نتقاسم أدق التفاصيل حتى تلك المرتبطة بحياتنا الشخصية. في السابق تقدم لي بعض العرسان وفي كل مرة كنت أشاور صديقاتيحتى أتمكن من اتخاذ قراري. ليس ضعفا مني ولكنني وضعت فيهن ثقة أكبر من اللازم، أو ربما كان ضعفا؟ على أي، في كل مرة كن يعرين عيبا من عيوب العريس ويختمون بكونه لا يستحقني. فهو مثلا لا يملك كذا وكذا أو أن شكله لا يناسبني ( لا أدري هل خلنه عقدا كنت لأتزين به أم معطفا أود ارتداءه). لم يسألنني ولو لمرة هل أشعر بشيء تجاهه، هل سلوكه حسن ثم هل هو شهم ومحترم، بل كانت جل أسئلتهم من النوع الآتي : ماذا يعمل؟ هل لدية شقة؟ هل لديه سيارة؟ كم وزنه وطوله؟ أرني صورته حتى أرى إن كان وسيما إلى غير ذلك من الاستفسارات حول القشور. وفي أحد الأيام جاء من يلبي كل شروطهن وتزوجته .. لم أختره بل صديقاتي من اخترنه”.

– “مطلقة! تلك كانت تهمتي..

طوال الفترة التي تلت صدور قرار طلاقي كان الجميع ينظرون إلي بنوع من الاستنكار وكثير من العتاب، وكأنني وصمة عار لطخت سمعة العائلة أو كأنني مجرم فار من العدالة وعائلته تحاول التستر عليه. كنت أظن بأن الطلاق سيكون خلاصي الآمن من معاناة دامت حولين كاملين، حتى خاب ظني، واكتشفت الوجه الآخر لمجتمع لا يرق قلبه. لا أدري ما الذي اقترفته بكوني كنت مطلقة لكنني أعلم جيدا ما الذي تعانيه امرأة تحمل تلك الصفة.

مرت بضعة شهور، وفي زيارة لنا لابنة عمي أخبرتني بأنها تحمل أخبارا سارة تخصني. استفسرت عن الأمر فأخبرتني بأن هنالك من تريد تزويجي لابنها، وأكملت :”إنه رجل أربعيني مقعد ووالدته لم تعد قادرة على رعايته بسبب كبر سنها. وهي تبحث له عن فتاة تقبل رعايته والتكفل بأموره. إنه وحيد أبويه وسوف يكون لك منزلك الخاص إن تزوجته، وأنا أظن بأنها فرصة لا تفوت، على الأقل ستكونين أفضل حالا من كونك مطلقة”. قابلت كلامها بالرفض في بادئ الأمر، لكوني لا أعرف ذلك الشخص ولأن عرضها جاء وكأنهم يبحثون عن ممرضة وليس عن إنسانة بغرض الزواج. لكنني تذكرت تلك النظرة القاسية لمجتمعنا العربي وما تسببه لي من إحساس يجثم على روحي حتى يكاد يخنق أنفاسي. فاستسلمت في النهاية وتزوجت زوجا لم أختره وإنما تلك الأفكار الرجعية لمجتمعي هي من دفعتني لذلك”

تعددت الأسباب لكن المفاد من القصص التي ذكرت كان واحدا. في العديد من المرات تكون حرية المرأة في اختيار شريك حياتها مقيدة، أحيانا بسبب قلة حيلتها وأحيانا كثيرة بسبب كومة من الأفكار الجائرة التي يقترفها المجتمع في حقها، وأحيانا أخرى تكون هي نفسها سببا في ذلك، فمن تنتظر من عريس الغفلة أن يصنع لها مستقبلا خططت له وهي تضع قدما على قدم ليست بالحرة أبدا.

‫تعليقات الزوار

6
  • رجل من زمن آخر
    الأربعاء 1 فبراير 2017 - 21:45

    تحية ، نقول" متطلباتهن" ، ثم بعد ذلك "ينتقلن " وليس متطلباتهم ثم ينتقلون ، فالحديث هنا عن جمع المؤنث يا استاذة ، اما مسالة انتظار عريس الغفلة فقد اصبحت من حكايات الجدات بعد ان امتلات الشوارع والفضاءات عن اخرها بالحرات اللائي اصبح الرجل أمامهن لا يجد له موطئ قدم ، تجدهن يرهبن الذكور بسياراتهن الفارهة ونظراتهن التي تقطر عنجهية وترفعا وحركاتهن الأميرية والغطرسة و" البخ " يجردهن من رقة الأنوثة ، ليتحول الرجل الحر عازفا عن هذا الصنف من الإناث وشبيهه الشبح من يبحث عن عروس الغفلة .

  • الرياجي
    الأربعاء 1 فبراير 2017 - 23:15

    اذا كان "زواج ليلة تدبيره عام" فزواج فايسبوك تدبيره خمسون الف سنة مما تعدون ،لا باس ان ننفخ الارقام اننا في عالم افتراضي حيث ينفخ في السور والقلوب واقرب مسافة بين نقطتين تمر بالقطب الشمالي مرتين او اكثر لا احد يدري انها هندسة غير الهندسة المعتادة.ولذا فالحب هناك يقاس بالنانو /ثانية وكل عاشق مغامر دام حبه اسبوع يسمى مجنون ليلى يلد بنون وبنات افتراضيين .ينقطع التيار يموت الجميع فرحمة الله عليهم جميعا.لا داعي للبكاء انهم يبعثون مثل المسيح بعد ثلاثة ايام وهكذا دواليك الى المهدي المنتظر.
    مع giga تحية
     

  • أسمو
    الخميس 2 فبراير 2017 - 11:39

    لا يمكن القاء اللوم على المجتمع في اختياراتنا لان المرأة كالرجل في هذا الوقت لها الحق في الرفض كما لدى الرجل .فان نظرنا الى الواقع سنجد الرجل أيضا يرغمونه على الزواج من قريباته لانهن أشرف من بنات الناس !
    بالاضافة الى اختيار الأسرة لابنها على حسب الأعراف القبلية والا ستتعرض الزوجة لاحقا لمضايقات لا تحصي

  • رد على "أسمو"
    الخميس 2 فبراير 2017 - 11:54

    أتفق معك وأصبت بالقول أن الرجل أيضا يكون أحيانا مسيرا وليس مخيرا فيما يخص اختيار زوجته المتقبلية، وذلك لاعتبارات وأسباب عديدة. لكنه لا يقبع ولو لمرة تحت لعنة ما يسمى "بالعنوسة"بالنسبة للمراة كما أنه لا يعاقب على كونه طلق من قبل أكان ذلك لمرة أو العديد من المرات. وهاتان الصفتان يكبل بهما المجتمع اختيارات المرأة بشكل مرعب .. في كثير وأقول كثير وليس جميع الأحيان يكون من الصعب على من تأخرت بالزواج أو من سبق وطلقها زوجها الإفلات من أحكام المجتمع التي لا محل لها من الصحة .. كل ذلك سببه ترسبات من أفكار واهية وأحكام مسبقة تتبناها أغلب المجتمعات العربية ..

  • اسماعيل هاشمي
    الخميس 2 فبراير 2017 - 12:51

    دينك دينك لحمك ودمك اغلى من اي شئء في الحقيقة تشكراتنا لطرح مثل مثل هذه المواضيع والتي تعطينا فهما لفئة ما،
    لكن ديننا الحقيقي يعطينا فهما شاملا وكاملا لمثل هذه المواضيع وانظري واقراي جيدا قصة سيدتنا رميساء حتى نعرف انا نعيش بالقناعات وليس بالتاثيرات حتى نكتب الثقة في الله ثم بعده في النفس هذا يدفعنا الى التطلع الى المزيد من العلم من عند الله ومن االانبياء والمرسلين والصالحين
    وفقك الله للخير واعلمي ان الدنيا ليست زواجا او غيره -من عرف ما قصد هان عليه ما وجد-

  • محمد
    الخميس 2 فبراير 2017 - 14:54

    مقآل جميل عمومآ , ولكن صدقيني يآسيدتي أن البنآت الآن هن من يخطبن ويخترن بعد أن يفعلن كل مآيشئن قبل الزوآج الا فض غطآء البكارة , خلاصة الكلام الطيبون للطيبات والطيبات لطيبيين

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة