الكتب تموت إذا غاب قراءها

الكتب تموت إذا غاب قراءها
السبت 25 فبراير 2017 - 11:19

قبل أيام انتهت النسخة الثالثة والعشرون للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، معرض التقى محبو الكتب والقراءة والمطالعة مع ما يحبون، الكتاب، هو كالإنسان كما قال الأديب عباس محمود العقاد فمنه المحترم والوقور ومنه اللبق والكيس ومنه البديع الرائع، والساذج والغر والصادق، والأريب المخطئ، ومنهم الخائن والجاهل والوضيع والخليع والدنيا تتسع لكل هؤلاء. ولن تكون المكتبة كاملة إلا إذا كانت مثلا كاملا للدنيا.

فالكتاب هو صديق للإنسان لا يخون ويكون في زمن قد يغيب فيه الآخرون ولا يترك شعورا بالوحدة إلا وملأها ولا يدع معرفة إلا وقواها ولا يفارق أسرارا إلا وكتمها وصانها، وهو جليسك وأنيسك وصديقك الذي لا يسعى لإراحتك بعدم إقلاقك وهو الرفيق الذي لا يضجرك وَيمَلُكَ وهو الأذن المستمعة التي لم ولن تسعى لأذيتك وهو جارك الذي لا يتأخر عنك وعليك وهو صاحبك الذي لا يتملق إليك ولا يمكرك ولا ينافقك ولا يخدعك، الكتاب يعطي لسانك سلاسة وسهولة وطلاقة تضفي على حديثك جودة المتعة وبيان الإمتاع بمنحك تبجيل الأقوال، لا يخرج عن طاعتك ليس في الليل وآناء النهار وفي عزلتك بل وفي سفرك أيضا. هو بمثابة معلم القيم الذي لا يحط من مقدرتك أو يحتقرك وهو الذي لا يحبس عنك الفائدة وإن حبست عنه المادة، كما لا ينقلب عليك وإن عاديته ولا يسوؤك ويضرك وإن قطعت حبل الوصال والاتصال منه وبه.

الكتاب فيه السمين وفيه الغث، السمين يصيب معدة المخ الضامرة، وأما ما يحتويه الكتاب الغث من طعام أفكار فتستفيد منه معدة المخ القوية كغذاء وحياة. لذلك على قدر معدة المخ التي لديك يأتيك طعام أفكار على شاكلة غذاء صالح فلا تكن مثل أولئك القراء الذين لا يقرؤون إلا الكتب المختارة والمنتقاة مثل المرضى الذين لا يأكلون إلا أطعمة مختارة من طرف أشباه الأطباء لأن كل ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف المعدة لديهم أكثر منه على جودة القبول والقابلية.

كل الأمهات والآباء تجدهم يرددون جملة: اذهب واقرأ ما ينفعك. في حين أن الصواب هو الانتفاع مما نقرأ، لأن السؤال الواجب طرحه هنا ما هي الكيفية أو الطريقة التي من الممكن معرفة منفعة كتاب قبل قراءته؟

الكتاب ليس مدادا وحبرا منثورا على الورق بل أفكار وبالأفكار وصل الإنسان للقمر وربما قد يصل إلى أبعد من ذلك، كما أن الأفكار إحساس ووعي وإدراك وخلق أو كما قيل في البدء كانت الكلمة وكانت رسالات السماء التي جاءت إلى الإنسان في الصحف كالثوراة والانجيل والقرآن الذي حث على القراءة في سورة العلق (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ثم بعد سنون مما تعدون تلكم الكلمات تفجرت في حياة الإنسانية ثورات نفضت عنه غبار الماضي لينظر إلى المستقبل الجديد، كانت الثورة الفرنسية هي كتابات فولتير وقد تفجر بارودها، وكانت كل كتابات عن التغيير بمثابة انفجار للقوة الناعمة الكامنة في الكتابات، لقد سحرت كلمات شهرزاد مسامع شهريار فأمسك عن القتل وسفك الدماء ليستمع، الصلاة والشعر والغناء كلمات وبها عَبَدَ العابد واشتعل وجدانه.

عليك أن تدرك عزيزي القارئ بعدم المجازفة بإطلاق أحكام القيمة مثل هذا كتاب نفيس ولا حتى بمدة صلاحية أجله لأنك قد تعود وتتوق لإعادة قراءته بعد سنين فتجد نفسك حزين للحكم الذي أطلقته على ذلك الكتاب بتثمينه أو تبخيسه أو فراغه، فحكمك كمن حكم على بخيل لا يتصدق من ماله لكن حين تراجعه وتلح عليه إصرارا ربما قد يعطيك ويهبك المنعم الكريم فيعرض عنه ويهجره وتلكم هي الضريبة التي نؤديها في صداقة ومصاحبة الكتب.

الكتاب يعلمك ثقافة النقد والممانعة وقول لا ويلقنك ثقافة كيفية الاختلاف مع من كانوا…ومع من هم الآن…ومع القادمين… يقول علي فرزات، وإذا كان ديكارت يقول أنا أفكر إذن أنا موجود، فعلى الإنسان أن يطبق أنا أقرأ إذن أنا حي وحر وموجود.

أخيرا، الكتاب إبداع والإبداع مرتبط بالممارسة والممارسة مرتبطة بالحرية والحرية مرتبطة بالديموقراطية؛ ونحن نعيش أزمة كبيرة في: الإبداع، الحرية والديموقراطية…أما الأزمة من وجهة نظري وحده الإنسان سببها مفكرا كان أديبا أصبح مثقفا أمسى إن أي كتاب يساعد الطفل على تنمية عادة القراءة؛ أي َجعْل القراءة من الاحتياجات الدائمة والعميقة بداخله، هو كتاب نافع له، إن اكتساب عادة القراءة يعني أن تقيم لنفسك ملاذًا بعيدًا عن مآسي الحياة الإنسانية. وإذا سألوك عن معرض الكِتاب قل ما أكثر عارضوه، وما أقل الكُتب والكِتَاب فيه.

الإنسانية هي الحل

‫تعليقات الزوار

1
  • saccco
    الأحد 26 فبراير 2017 - 12:58

    عرفت الانسانية محطات مهمة غيرت جذريا تطور الانسانية ،فإذا كان انسان العصر الحجري غير مستقرا بل راحلا ونازحا ضمن جماعات قليلة ومتفرقة وراء ثمار النباتات والطرائد فإن إنسان العصر النيوليتيكي قد احدث اكبر ثورة ستغير تاريخ البشرية نوعيا بممارسته الفلاحة وتدجين الحيوانات بالاستقرار وإنشاء تجمعات بشرية اي التمدن مما يستوجب ضرورة التوثيق للملكيات بالحساب والكتابة وستكون بذلك اولى لبنات الخطوات الكبرى للحضارات الانسانية
    ونحن اليوم محضوضون لاننا شهود عيان لبداية اكبر ثورة ستعرفها الانسانية أساسها ثورة معلوماتية بدءا من ولادة الترانستور وسيكون من باب الحمق والجنون تصور ما سيحدث في نهاية هذا القرن وكيف ستكون عليه الانسانية، واكيد ستدخل بعض ادواتنا المستعملة اليوم متاحف المستقبل ومنها الكتاب وربما سيسمى العصر الذي نعيشة الآن بالعصر الورقي على وزن العصر الحجري وسترى اجيال المستقبل الكتابات الورقية كما نرى نحن اليوم الكتابات المسمارية

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة