اندحار مستبد

تنطبق عليه مقولة ” كيف قتلت ستموت ” ، حيث قام بانقلاب على الملك إدريس ، وسمى ثورته ” ثورة الفاتح العظيم” ، وعرج عن الحكم الديمقراطي إلى الحكم الاستبدادي باعتباره رئيس مجلس قيادة الثورة . اعتبر ديمقراطية حكمه ديمقراطية مباشرة تعتمد على المؤتمرات الشعبية الأداة للتشريع ، واللجان الشعبية كأداة للتنفيذ . زعم أنه جاء بالنظرية الثالثة التي شرحها في كتابه الأخضر، وأطلق على ليبيا ” الجماهيريةالعربية الليبية الشعبية الاشتراكية. أطلق عليه جمال عبد الناصر لقب ” أمين لقومية العربية ، والوحدة العربية ” ازداد سنة 1942 وحكم 42 سنة ، ولد بقرية ” جهنم ” في وادي جارف بالقرب من سرت.

قال عنه جين كريتز ” بأنه شخصية زئبقية ، غريب الأطوار ، يعاني من عدة أنواع من الرهاب. يحب رقص الفلامنكو الاسباني وسباق الخيل ، يعمل ما بدا له ويزعج الأصدقاء والأعداء على حد سواء . يصاب من نوبة من الخوف اللاإرادي من المرتفعات “.

هو معمر عبد السلام أبو منيار القذافي ، عميد الحكام العرب حسب قوله ، والذي حاول قيام الولايات المتحدة الإفريقية ، وقيام عدة اتحادات لم تعرف النور ولا يوما واحدا . عرف عبر العالم بمساهماته في ” الإرهاب الدولي ، فكان حادث “بان اميريكان” فوق بلدة لوكربي أحد الآثار السلبية على الأمن العالمي ، كما ساهم في اشتعال عدة بؤر منها مساهمته في تمويل واحتضان البوليساريو ، فخلق مشاكل سياسية لأحد بلدان المغربي العربي الذي هو أحد مؤسسيه .وكذلك لبلدان أخرى بسبب انحرافات هنبعل داخل سويسرا.

ورغم عائدات ليبيا من النفط والتي كانت وراء تكوين القذافي لثروة تقدر 131 مليار حسب ويكيليكس فإن غالبية الشعب الليبي – في نفس الآن -كان يعاني من كل أشكال الاضطهاد والتهميش والتفقير في وقت كان فيه القذافي جد كريم مع محيطه ومع دول أخرى حيث كان ينفق لصالحها الملايير من أجل الوجاهة وتأكيد النفوذ . فاستطاع بموجبها الحصول على زعامة الولايات المتحدة الإفريقية ، والنفاذ إلى دول افريقية فقيرة سيستغل فقر مواطنيها ليوظفهم كمرتزقة لمحاربة الشعب الليبي بعد انتفاضة 15فبراير 2011.

فبعد خطاب القذافي الشهير في حق التونسيين دفاعا عن رفيقه زين العابدين بنعلى الذي اضطر إلى الرحيل إلى السعودية ، وترك السلطة تحت الضغط الشعبي ، فوجئ القذافي بمظاهرات 15 نوفمبر بطرابلس وبعض المدن الليبية منها بنغازي مما اضطره إلى التدخل العنيف والمسلح ضد المتظاهرين . وفي 17فبراير أعلن عن ثورة حقيقية لإسقاط القذافي ، خاصة بعد نعته الليبيين ” بالجرذان” . فأقام الثوار والمعارضون والرافضون لسلوك القذافي واستبداده ” المجلس الوطني الليبي ” الذي قاد الثورة إلى حدود سقوط آخر معاقل القذافي ” باب العزيزية ” يوم الثلاثاء 23/8/2011 وهو يوم تاريخي سقط فيه نظام مستبد فوق العادة .

أراد القذافي، ليبيا ممزقة ،فحاول اللعب على وتر القبلية ، كما حاول عبثا إخماد الثورة الليبية باللجوء للسلاح الثقيل والطائرات زاحفا نحو ” بنغازي ” وهو الفخ الذي بناه لنفسه وسقط فيه ، حيث بموجب القرار الأممي1973 شرع النيتو في قصف كثائب القذافي حماية للمدنيين ،بتفعيل الحظر الجوي الذي طالبت به الجامعة العربية .لقد كانت خطابات القذافي في حق الشعب الليبي أشد عليه من الرصاص . لقد نعت الليبيين بكل أشكال الأوصاف ” أولاد الحرام ” القطط والفئران” عملاء المخابرات الأجنبية” الوسخين” مستعملي الحبوب” ، وهو تصرف غريب فعلا من زعيم يدعى العمودية . فبذلك كله كان القذافي يقضي على نفسه بنفسه ، وينهي مستقبل أبنائه في ليبيا.

أقل ما يقال أن القذافي كان يهرق الزيت على النار بلسانه ، وصدق من قال ” لسان الفتى نصف ونصف فؤاده* *ولم يبق إلا صورة اللحم والدم. ولقد أثبت القذافي أنه لا يمتلك الفؤاد الطيب ولا اللسان الزكي ، وإنما الصلابة والاستبداد والعنجهية والتكبر على الضعفاء ، إذ كان يتلذذ بضعف الآخرين ، وكأنه كان يجد شهوته في قهر الليبيين ، وخلق المتاعب لغير الليبيين، التي لم يسلم منها حتى الحكام العرب وغير العرب .

هذا الزعيم الذي كان يشتري النفوذ بالمال والأصدقاء بالثروة ، كان يعول على زعماء أفارقة كي ينتشلوه من مأزقه وأزمته مرة أخرى وكما سبق لهم أن انتشلوه من حصار أزمة “بان أمريكان” ، فانقلب سحره عليه ، وسقط في الشباك التي كان الغرب يتمناها له ، كي يستريح العالم من خرجاته التي أثعبث الجميع ولو أقرب الأقربين إليه .

سؤال ، هل نهاية القذافي ستكون شبيهة بنهاية صدام حسين ؟ وهل سيظهر القذافي أمام الكاميرات “بلحيته ” هو الآخر وكما ظهر ابنه سيف الإسلام ، وهو يتشبه بالمؤمنين (لحية وذكر لله كل حين ).ذكرى ، آية من آيات الله ، تثبت لمن لايزال يشكك بأن ” خليفة الله في أرضه ” لا يعني الاستبداد ، وحب السلطة إلى الجنون وإنما الحرص على حدود الله والدعوة إلى الإحسان بلسان بلسم ، وأخلاق عنبر وطيب ، وسلطة نور يتبعه الخلق سيرا على المحجة البيضاء.وأن السلطة والمال و القصور والخدم والحشم ما هي إلا زينة زائلة . والعبرة أن القذافي كغيره بدأ بسيطا وعاد بسيطا ، لكنه مثقل بأوزار غيره وهذا صلب المشكلة.

وعسى أن يستفيق النائمون الحالمون ، ليحسنوا سياسة الناس ، وليسيروا الشأن العام كما شاء الله وليس كما شاءوا هم . فأين الجبابرة ؟ كلهم رحلوا تحت أقدام ناصري الحق ” وتلك الأيام ندولها بين الناس” فمن أحسن فيها لنفسه وللناس أحسن الله إليه.وقته ، القذافي وأبنائه في حالة فرار ، الثوار من ورائهم ومحكمة الجنايات الدولية أمامهم ، فإلى أين المفر؟؟