الفقر في المغرب بين الدستور والواقع

الفقر في المغرب بين الدستور والواقع
الخميس 22 فبراير 2018 - 03:50

لم يعد يقصد بالفقر ذلك المفهوم الاقتصادي الضيق الذي يرتكز على المقدرة المالية للأفراد والأسر؛ بل أصبح مفهومه متعدد الدلالات والأبعاد، حيث عرّفته الأمم المتحدة بأنه ظرف إنساني يتسم بالحرمان المستدام أو المزمن من الموارد والمقدرات والخيرات والأمن والقوة الضرورية، للتمتع بمستوى لائق للحياة وغيرها من الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وللحد من ظاهرة الفقر، نصت الأمم المتحدة في المادة الـ25 من إعلانها العالمي لحقوق الانسان على أنه لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وعلى صعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يؤمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.

إلا أنه برجوعنا إلى آخر التقارير الأممية الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي نجده يصنف المغرب بناء لمؤشر التنمية في ذيلية المراتب، حيث احتل المرتبة الـ123 من أصل 188 دولة شملها التصنيف.

ولعل ما يؤكد هاته التقارير الدولية هو تنامي الحراك الاجتماعي والاحتجاجي بالمغرب خلال السبع سنوات الأخيرة التي انطلقت مع حراك 20 فبراير سنة 2011، واستمرت في موجة ثانية مع حراك الريف، زاكورة، جرادة… وغيرها من المدن والأرياف التي تعاني من الفقر والبطالة والجوع والعطش.

هذا الوضع المتردي جعل الدولة تخالف وتناقض ما التزمت به اتجاه مواطنيها في الفصل الـ31 من دستور 2011 الذي ينص على ما يلي: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية، الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة، الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، التنشئة على التشبث بالهوية المغربية والثوابت الوطنية الراسخة، التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية، السكن اللائق، الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي، ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق، الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة، التنمية المستدامة”.

وبرجوعنا إلى لغة الأرقام الرسمية نجد كل ما تعهدت به الدولة في الفصل أعلاه لم تلتزم به، حيث لا يزال 650 ألف طفل بدون مقعد في المدرسة، بل غادر هذه المدرسة لأسباب اجتماعية 218 ألفا و141 تلميذا، ليحتل المغرب حسب مؤشر التعليم، المركز الـ101 عالميا من بين 140 دولة، حسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي لسنة 2017، وهذا يخالف أيضا الفقرة ما قبل الأخيرة من الفصل الـ32 من الدستور المغربي الذي ينص على أن التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة.

أما بخصوص قطاع الصحة، فحسب تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في ماي 2017 فإن المغرب يخصص 14.9 إطارا طبيا لكل مائة ألف مواطن مغربي محتلا بذلك المركز الـ16 عربيا، وهي نسبة ضئيلة إذا ما قورنت مثلا بـ218 طبيبا في النرويج أو حتى 90 طبيبا في ليبيا.

كما أبرز التقرير أعلاه أن المغرب يخصص لقطاع الصحة حوالي 6 ٪ فقط من ميزانيته العامة، وهي نسبة لا تصل حتى إلى النسبة المقررة من قبل منظمة الصحة العالمية، أي 9 ٪.

وإذا كان الفصل الـ31 من الدستور المغربي يتحدث عن ولوج الوظيفة العمومية حسب الاستحقاق، فقد قامت الدولة خلال سنة 2017 بشن حملة إعفاءات ظالمة طالت أزيد من 150 موظفا موزعين على عدد من القطاعات الحكومية بسبب انتمائهم السياسي أو نشاطهم النقابي. كما عمدت إلى ترسيب العشرات من الأساتذة المتدربين والمئات من الأساتذة المتعاقدين، ناهيك عن انتهاج الدولة لسياسة تجميد الأجور والرفع من الاسعار وضرب القدرات الشرائية للمواطنين والتخلص من الخدمات الأساسية وتقليص الغلاف المالي المرصودة للوظيفة العمومية واعتماد التوظيف بموجب عقود محددة المدة.

وعلى الرغم من كون الفقرة الأخيرة من الفصل الـ31 من دستور 2011 تتحدث عن حق المواطنين المغاربة من الحصول على الماء فإن مأساة ساكنة مدينة زاكورة تعري الحقيقة البشعة لهذا المقتضى الدستوري، فما زال المغاربة يناضلون من أجل قطرات ماء ليروون به عطشهم، فكان مصير متزعمي تلك الاحتجاجات 20 شهرا حبسا لمشاركتهم في مسيرة العطش.

أما عن الجوع فيكفي أن نورد مأساة 15 امرأة مغربية لقين حتفهن، بينما أصيب خمس أخريات بإصابات متفاوتة الخطورة خلال ماي من السنة المنصرمة، على إثر تدافع للآلاف أثناء عملية توزيع مساعدات غذائية نظمتها جمعية محلية بالسوق الأسبوعي لجماعة سيدي بولعلام التي تبعد بنحو 60 كلم شمال شرق مدينة الصويرة غربي المغرب؛ وهو ما يجعل الدولة تتناقض مع مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل الـ35 من الدستور التي تنص على أن: “الدولة تسهر على ضمان تكافؤ الفرص للجميع والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا”، كذلك يخالف مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل الـ42 من الدستور ذاته التي تنص على أنه: “يحدث أيضا صندوق للتضامن بين الجهات، بهدف التوزيع المتكافئ للموارد، قصد التقليص من التفاوتات بينها”.

أمام كل هاته المعطيات، لا نملك للأسف إلا أن نعلن عن خلاصة مفادها أن المغرب يوجد في مفترق الطرق، وأن ظاهرة الفقر والهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تنخر كل مؤسساته وقطاعاته الحيوية؛ وهو ما يتنافى مع أهم وأول المبادئ الأساسية التي دبج بها دستور 2011 والتي تقول: “المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديموقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة”.

*محام بهيئة البيضاء

‫تعليقات الزوار

1
  • محمد بن عبد السلام
    الجمعة 23 فبراير 2018 - 11:19

    حين يطرح مشكل , أعتقد أنه من المعقول التطرق إلى الأسباب . من فضلكم , إن تقرؤون تعاليق القراء, أن تقولون لنا ما هي أسباب الفقر في المغرب وهل هناك دولة في العالم تقول لرعاياها : تناسلواتكاثروا …لا تفعلوا أي شيئ …أنا أضمن لكم ولأولادكم كل ما تطلبه تكاليف الحياة من إيوا ء ,تدريس , تشغيل, ترفيه…إلخ. ( لقد قال المرحوم علال الفاسي إن مداخيل الفوسفاط تمكنونا من منح كل مغربي 10 درهما كل يوم .!!.)؟؟؟ جازاكم الله خيرا.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين