الأسرة بين الحماية القانونية وإكراهات الواقع

الأسرة بين الحماية القانونية وإكراهات الواقع
الأربعاء 14 مارس 2018 - 14:49

جل المواثيق والدساتير الدولية تولي مؤسسة الأسرة أهمية بالغة، وتمنحها مكانة رفيعة؛ فالمادة الـ16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة الـ23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تنصان على أن الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.

المنحى نفسه ذهب إليه الدستور المغربي في فصله الـ32، حيث اعتبر الأسرة القائمة على الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع، وأن الدولة تعمل على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها.

وفي الاتجاه نفسه حرص المشرع الجنائي المغربي على توفير الحماية الجنائية للعلاقة الزوجية عندما أقر بتجريم الخيانة الزوجية، وإهمال الأسرة، والعنف المرتكب بين الزوجين، كما نص كذلك على الحماية القانونية للعلاقة الأبوية بتشديد العقاب في جرائم العنف ضد الأصول، وعدم التساهل اتجاه الأفعال الإجرامية المرتكبة في حق الأطفال سواء تعلق بالعنف الموجه ضدهم، أو ترك الأطفال والتخلي عنهم وتعريضهم للخطر، أو بيعهم واستغلالهم جنسيا وكذا استخدامهم في التسول.

وعلى الرغم من دسترة الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة في دستور 2011 وسن الحماية الجنائية للعلاقة الزوجية والأبوية وضمان الحماية للأطفال في القانون الجنائي، وإفراد مؤسسة الأسرة بمدونة خاصة سنة 2004 فإن واقع الأسرة بالمغرب ما زال يعيش وضعا هشا وغير مستقر على جميع الأصعدة.

فعلى المستوى الاجتماعي، عرفت نسبة الطلاق خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا مهولا، حيث وصل عدد حالاته خلال سنة 2015 حسب تقرير رسمي صادر عن وزارة العدل إلى 24254 حالة طلاق، منها 1686 طلاقا رجعيا و3602 طلاقا خلعيا، و3601 طلاق قبل البناء، و15306 من حالات الطلاق الاتفاقي، و18 طلاقا مملكا، و41 طلاقا بالثلاث بينما عرفت سنة 2016 حوالي 6007 حالات طلاق فقط بمدينة فاس، ليحتل المغرب عربيا المركز السادس بست حالات طلاق كل ساعة.

وبرجوعنا إلى لغة الأرقام الرسمية، نجد أيضا أن كل ما تعهدت به الدولة في الفصل الـ32 من الدستور لم تلتزم به، حيث ما زال 650 ألف طفل بدون مقعد في المدرسة، بل غادر هذه المدرسة لأسباب اجتماعية 218 ألفا و141 تلميذا، ليحصل المغرب تبعا لمؤشر التعليم، على المركز الـ101 عالميا من بين 140 دولة، حسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي لسنة 2017.

وهذا يخالف أيضا الفقرة ما قبل الأخيرة من الفصل الـ32 من الدستور المغربي التي تنص على أن “التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة”.

ويتنافى أيضا مع مقتضيات الفصل الـ169 من الدستور الذي يلزم الدولة بإنشاء المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، المحدث بموجب الفصل الـ32 من هذا الدستور، والذي تعهد إليه مهمة تأمين تتبع وضعية الأسرة والطفولة، وإبداء آراء حول المخططات الوطنية المتعلقة بهذه الميادين، وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية في مجال الأسرة، وضمان تتبع وإنجاز البرامج الوطنية، المقدمة من قبل مختلف القطاعات والهياكل والأجهزة المختصة؛ إلا أن هذا التنصيص للأسف بقي مجرد حبر على ورق، و هو نفس مآل الفقرة الثالثة من الفصل الـ32 التي تعهدت من خلالها الدولة، بسعيها إلى توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية.

ناهيك عن الاستهداف البين لقيم وأخلاق الأسرة المغربية من خلال مهرجانات الفن الساقط التي يصرف عليها من دافعي الضرائب وكذا غياب الرقابة على البرامج والمواد الإعلامية التي تبث على القنوات العمومية للدولة، والتي تخدش في الحياء العام وتؤثر سلبا في تربية الأطفال والشباب.

أما حق الأمومة، فأصبح كابوسا يتهدد النساء المغربيات أمام الاختلالات الكبيرة التي يعرفها قطاع الصحة وفي غياب الخدمات الصحية التي تحفظ الكرامة الآدمية؛ وهو ما يبقي معدل وفيات الأمهات في ارتفاع كبير، واقع يجعلنا نتساءل عن جدوى إثارة موضوع الإجهاض وإفراده بالنقاش أمام تفاقم معضلة الصحة الإنجابية ووفيات الأمهات والأطفال لغياب شروط الرعاية الصحية الضرورية.

زد على ذلك تنامي مقلق للعديد من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تلقي بظلالها على واقع الأسرة، حيث التزايد الكبير في مظاهر الفقر والبطالة وارتفاع في معدلات الجريمة على أساس النوع، ونسب الدعارة المخجلة والانتعاش المستمر لتجارة البشر والسياحة الجنسية، وارتفاع معدلات الإجهاض السري، وتعاطي المخدرات، وتزايد نسب الطلاق والتفكك الأسري، وامتهان التسول والعنف ضد الأصول… كلها أعطاب تفضح واقع الهشاشة والمظلومية الذي تعيشه الأسرة المغربية بمختلف مكوناتها.

إن الرغبة في ضرب الرصيد الرمزي والقيمي للأسرة المسلمة تعود بالأساس إلى خطة صهيونية ماسونية، حيث برجوعنا إلى محاضرهم السرية في إطار ما يسمى ببروتوكولات حكماء صهيون نجدهم يخططون لتدمير الحياة الأسرية وإفساد دورها التربوي، ومما جاء بين طيات بروتوكولاتهم: “يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل شاب فنستعمل آنذاك سيطرتنا…إن فرويد منا، سيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار الأخلاق”.

وهذا ما أكده ماركس في فلسفته بالعمل على هدم نظام الأسرة وتنشئة الأطفال في محاضن عامة، حيث لا يكون لهم أي ارتباط بأم أو أب أو أسرة، بل يكون ارتباطهم الوحيد بالدولة والحزب.

خلاصة الأمر، أيها السادة، أن الأسرة المسلمة على الرغم من تعرضها خلال عقود طويلة للغزو العسكري والسياسي والاقتصادي فإنها ما زالت تقاوم وتتمسك ما أمكن بقيمها وهويتها الإسلامية، وأنها تتفوق بالرغم من كل ذلك على كل الأسر الغربية التي أنهكتها سهام الانحلال الأخلاقي والتفكك الأسري.

وبناء على ما سبق بسطه وتحليله، نخلص إلى معطى مفاده أن الأسرة صمام أمان المجتمع ولبنة أساسية في بناء سرحه؛ وهو ما يتعين علينا أن نكثف الجهود لنوفر لها أمنها الروحي، الفكري، الاقتصادي والاجتماعي. يقول الحق سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ صدق الله العظيم.

*محام بهيئة البيضاء

‫تعليقات الزوار

1
  • ابن طنجة
    الخميس 15 مارس 2018 - 07:57

    الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع ونظامه الاجتماعي بداخلها تتشكل قيم وأفكار ومعتقدات الإنسان وارتباطاته بأسرته ومجتمعه لهذا عمدت كل المخططات الصهيونية على تدمير وتفكيك الأسرة فكان للأسرة المغربية النصيب الأوفر من هذه المخططات حيث قامت الاستخبارات الصهيونية الفرنسية بإقامة مهرجان موازين بالمغرب وتمويله ودعمه كل عام الهدف الاساسي منه هو التهديد لقدسية ورمزية ومكانة الأسرة المغربية وزعزعة استقرارها وتفكيك ارتباطها عبر استهداف وطمس قيمها وهويتها على المدى الطويل و هذا ما فعله الفرنسي نابليون عندما جاء بسفينة محملة بعاهرات وراقصات ومغنيات إلى مصر وسئل عن ذلك قال ( إن كأس خمر وراقصة يفعلان بأمة محمد ما لا يفعله ألف مدفع )

صوت وصورة
حقيقة خلاف زياش ودياز
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:58 5

حقيقة خلاف زياش ودياز

صوت وصورة
هشاشة "سوق النور" في سلا
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:30 1

هشاشة "سوق النور" في سلا

صوت وصورة
الركراكي والنجاعة الهجومية
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:04 1

الركراكي والنجاعة الهجومية

صوت وصورة
كاريزما | محمد الريفي
الإثنين 25 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | محمد الريفي

صوت وصورة
رمضانهم | الصيام في كوريا
الإثنين 25 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | الصيام في كوريا

صوت وصورة
الفهم عن الله | رضاك عن حياتك
الإثنين 25 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | رضاك عن حياتك