في عبقرية اللغة الأمازيغية

في عبقرية اللغة الأمازيغية
الخميس 29 مارس 2018 - 23:52

الزاي بين التفخيم والترقيق … وخاء النتانة

لا شك أن جميع اللغات البشرية لغات عبقرية وعظيمة، واللغات المحظوظة منها قد حظيت بدراسات كشفت الكثير من خباياها وأسرارها، أما اللغات غير المحظوظة فقد كشف النزر اليسير فقط من أسرارها، ومن هذه اللغات نجد اللغة الأمازيغية، وسأحاول في هذا المقال كشف جانبين من الجوانب العجيبة لهذه اللغة، انطلاقا من تحليلات وتأملات شخصية، ومن دراسات وتحليلات غيري من المهتمين بالأمازيغية.

الزاي المرققة والزاي المفخمة في الأمازيغية

سأتناول في هذه الفقرة الفرق بين حرف الزاي المرقق z/ⵣ/ز والزاي المفخم ẓ/ⵥ/ژ، وبعض استعمالات هذين الحرفين.

تتجلى عبقرية اللغة الأمازيغية في توفرها على حرفي الزاي المرقق والزاي المفخم صوتا وكتابة، ذلك أن اللغات الأخرى تتوفر عليه فقط في الصوت ولا يتم فرزه عن المرقق كتابة، ذلك أن ترقيق الكلمة أو تفخيمها عبر حرف الزاي قد يغير معناها كلية، مثال:

-izi الذبابة

-iẓi المرارة

-Izli الشعر

-iẓli الفرع

وهنا، سنقف عند أهمية الترقيق والتفخيم، فالكثير من الكلمات التي نرقق فيها الزاي تكون ذات معنى جميل أو أن الصوت التي تصدره يكون جميلا أو رقيقا أو أنها المدلول صغير الحجم، والكلمات التي نفخم فيها الزاي تكون في الغالب ذات معنى قبيح أو أن الصوت الذي يصدر منها يكون مزعجا أو غليظا أو أن المدلول يكون ضخما وكبير الحجم، فنقول مثلا tazzwit تازّويت (النحلة)، وهي حشرة نافعة، تصدر صوتا رقيقا بل وتشبه بها الفتيات في الثقافة الأمازيغية، وهي رمز العمل المتقن والاتحاد والدواء، ونجد حشرة تشبهها في الشكل وهي aṛẓẓi/wiṛẓẓan، وهي حشرة قاتلة، رمز الشؤم والرعب، لا تعمل في جماعات ولا تنتج شيئا.

نجد كذلك كلمة izi/izan (الذباب)، وهي حشرات صغيرة الحجم، وتصدر صوتا رقيقا وتطير بسرعة كبيرة، تحب الظل ودرجات الحرارة المعتدلة. ونجد في مقابلها حشرة wiẓugn وهي حشرة صيفية، أكبر من الذبابة، تصدر صوتا مزعجا، مرتبطة بارتفاع درجة الحرارة.

من الأمثلة الكثيرة كذلك، نجد كلمة izli (الشعر)، والجميع يعرف أن الشعر كلام جميل موزون فيه الكثير من الصور الشعرية الجميلة، وفي الجانب الآخر نجد tiẓukki/taẓukki وهي أسراب الطيور الصغيرة التي تنشط في وقت الحصاد، حيث أنها كالجراد، لا تبقي ولا تذر، تصدر أثناء تنقلها أو انشغالها أصواتا مزعجة جدا، حيث أنها تزقزق جماعة، ولا سبيل لحماية الحقول منها سوى الفزاعة.

من الأمثلة أيضا، نجد tamẓa أو الهيشة بالدارجة، وهي كائن خرافي أنثوي سيء السمعة، قبيح الأوصاف، يدرج في الحكايات الشعبية على أنه رمز الشر ويخاف منه الصغار لأنه يأكلهم في الغالب (في الحكايات)، في مقابلها نجد tawnza وهي خصلات الشعر التي تزين جبهة الفتيات، وهي كذلك رمز الأنوثة والجمال والدلال، تستعمل في الشعر كناية عن الفتاة الحسناء، وكذلك هي رمز الحظ والفأل الحسن.

زاي النتانة …

هذه المرة سأحط حرف الخاء ⵅ/خ/x تحت المجهر، ولا بأس أن أعتمد على بعض الأمثلة من الدارجة المغربية على اعتبار أن المغاربة الناطقين بالدارجة أمازيغيوا الثقافة، كما أن الدارجة مجال توارد بين العربية والأمازيغية حسب الأستاذ محمد شفيق.

لا شك أن الكثير من الكلمات الأمازيغية والعربية التي يشكل حرف الخاء أحد حروفها تحيل على كل ما هو قبيح وذو رائحة نتنة، ولا غرابة إن وجدنا أن أول ما ننهى به الأطفال الصغار عند وضعهم شيئا غير صالح للأكل في الفم هي عبارة xx/xxic خّ/خّيش … لذلك سأسرد بعض الأمثلة لتأكيد هذا المعطى.

– إخورجان ixuṛjan، مفردها أخرج axʷṛj وتعني الأوساخ أو المياه الراكدة أو الطعام الفاسد السيء التحضير، ويوصف من يأكل الأكل الفاسد أو ذو المذاق أو المنظر السيء ب bu ixuṛjan.

– إيخّ ixx، عبارة متداولة كثيرا في الأمازيغية والدارجة للتعبير عن الرائحة النتنة الكريهة، فيقولها الشخص حينما يمر بجيفة في طريقه أو حين استنشاق رائحة كريهة …

– أخليل، أخلول axʷlil, axlul، أي إفرازات الأنف عند الإصابة بالزكام، منظرها سيء مثير للغثيان.

أخوجمو axujmu، نقول تخوجما txujma لفاكهة ما بمعنى أنها فاسدة، أي أنها لم تعد صالحة للأكل بسبب ترهل قشرتها وفساد لبها، تسمى كذلك بالدارجة الخمج، خامجة.

– أبخوي abxxuy/abxxʷiy ، تسمى كذاك تاوكّا tawkka أي الدود، أو الحشرات المخيفة، والجميع يعرفون أن الديدان تثير الغثيان وتكون غالبا في الجيف والفواكه الفاسدة وبعض الجروح التي يهملها أصحابها … في الدارجة نجد كذلك البخوش، وهو نفس المعنى تقريبا، بحيث أن الشراب لو سقطت فيه حشرة ما (بخوشة) فلم يعد صالحا للشرب …

– الخنز، خانر، أي ذو رائحة كريهة، وأعتقد أن توفر الدارجة على هذه الكلمة إنما هو نتيجة لتأثرها بالأمازيغية التي يعتبر فيها حرف الخاء مصدرا للنتانة والفساد (المادي) وكل ما يثير الغثيان.

نستنتج من كل ما سبق أن وجود حرف الخاء في الكثير من الكلمات الأمازيغية والتي نجد أن معانيها لا تخرج عن الرائحة الكريهة أو مصادرها أو كل ما يثير الإشمئزاز والغثيان ليس من عبث، بل هو ترابط تلقائي بين الدال والمدلول في اللغة.

الأمثلة كثيرة جدا بحيث يصعب حصرها، لكن المؤكد هو أن من أطلقوا هذه الأسماء في غابر الأزمان لم يفعلوا بشكل اعتباطي، بل أن هناك علاقة وطيدة بأي شكل من الأشكال بين الدال والمدلول في اللغة، وهنا أقول أن الفائدة من هذه المقارنات هي أن هذه الطريقة تساعد على فهم الثقافة وفك رموز الكثير من ألغازها، وأن دراسات مثل هذه تساعد الناطقين بالأمازيغية وغير الناطقين بها على تعلمها بسهولة.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • Me again
    الجمعة 30 مارس 2018 - 08:45

    نفس الشيء بالنسبة لحرف الجيم (ج)
    في حالة: اجا Ijja
    اذا كانت رقيقة فالكلمة تعني: ذات رائحة معطرة. و اذا كانت مفخخة, فالكلمة تعني العكس تماما اي: ذات رائحة كريهة!

  • منير
    الجمعة 30 مارس 2018 - 11:23

    والله هذا علم لا ينتفع به وهدر للوقت واستبلاد للعقل ، وكفى من التشرذم والتفزيت والتمزق خدمة لفرنسا

  • تكنضوت
    الجمعة 30 مارس 2018 - 17:58

    تحياتي سي هشام دمت متألقا، حقيقة اللغة الأمازيغية لغة عظيمة وعبقرية لا تقل عبقرية عن نظيراتها من اللغات الأخرى، تحتاج إلى مناضلين وباحثين من قيمتكم لكشف هذه العبقرية وهذه العظمة التي تتميز بها .

  • ايت واعش
    الجمعة 20 أبريل 2018 - 19:17

    التعليق 2 وهل ينتفع بعلم النكاح وكيف ركب امرؤ القيس دابته وبكاءه قرب حومل، اي علم هذا واي انتفاع يرجى منه؟ مع العلم انه كان مفروضا علينا بزيز تدريسه وحفظه ، وماذا بيننا وبين كُعل المغيرة وكيف اهترزت ؟

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز