المشروعية النضالية مرتكز العمل السياسي

المشروعية النضالية مرتكز العمل السياسي
الجمعة 14 أكتوبر 2011 - 02:48

رسالة إلى من لم تطأ يوما أقدامهم ساحة نضال

ابتليت بلادنا في العشرية الأخيرة بطينة من مناضلي الربع ساعة الأخيرة، الذين احتكروا تدبير الشأن العام بالمغرب دون توفرهم على تكوين سياسي وتربية تنظيمية مسبقة و لو حتى انتماء تنظيمي له امتدادات في المجتمع. مما شكل ضربة قاتلة لكل مشروع ديمقراطي إنخرط فيه المغرب، نظرا لعدم ارتباط اتخاذ القرار بصناديق الإقتراع، فأضحت الاختيارات الشعبية المعبر عنها خلال الاستحقاقات الانتخابية غير ذي قيمة لكونها ظلت عاجزة عن فرز حكومة تمثل حقا الإرادة الشعبية بواسطة تحالفات لمشاريع مجتمعية متقاربة تصبو لنفس الأهداف، وذلك استجابة لانتظارات القواعد التنظيمية للأحزاب المشاركة والناخبين الذين منحوهم ثقتهم.

هذا السيناريو المنافي للديمقراطية، الذي ميز مشهدنا السياسي، تسبب في عزوف كبير عن العمل السياسي، لكون التكنوقراطي الذي تم صبغه بأحد الألوان السياسية قبيل خط الوصول ( الاستحقاقات الانتخابية أو تشكيل الحكومة)، لا يتوفر أصلا على أدنى حس سياسي أو ثقافة تنظيمية تدعوه للأخذ بعين الاعتبار “عقاب الناخبين” ومحاسبة القواعد الحزبية. فكل تركيزه ومجهوده منصب حول كيفية إرضاء ولي نعمته الذي أنزله، في اللحظة الأخيرة، ببارشوت متعدد الاستعمال، في تواطؤ تام مع قيادات حزبية معينة وغير مستعدة للتخلي عن المكاسب التي تتمتع بها رفقة ذويها وحواريها.

هذه الوضعية كرست جمودا سياسيا توج بالانقلاب على المنهجية الديمقراطية في 2002. فكان الخطأ القاتل لقيادات الأحزاب الوطنية آنذاك المتمثل في تجاوزها لإرادة مناضليها بالمشاركة في حكومة تكنوقراطية. وحتى لا ننافق أنفسنا، وجب الإقرار بهذا الاختيار السياسي الخاطئ الذي قصم ظهر هذه الأحزاب، وقد أدت ثمنه “عينا” بعقاب الناخبين المغاربة لوزرائه خلال انتخابات 2007 لكونه خلق إحباطا جماعيا اتجاه آخر معاقل النضال الشعبي بالمغرب. وبالرغم من العودة للمنهجية الديمقراطية بعد الإنتخابات التشريعية الأخيرة، فقد ظلت عاجزة عن استعادة ثقة المواطنين المغاربة ودفعهم للمشاركة الفعلية. ولكون الطبيعة لا تقبل الفراغ ومماهاة مع الثورات العربية، خرج الشباب المغربي إلى الشارع يوم 20 فبراير معبرا عن رفضه لهذا الوضع السياسي الرديء ومطالبا بإصلاحات حقيقية وبإسقاط الفساد والاستبداد.

وقد أفرز هذا المخاض إصلاحات دستورية جديدة، بالرغم من عدم ارتقائها إلى نظام ملكي برلماني كامل، يسود فيه الملك ولا يحكم، إلا أن الصلاحيات الواسعة الجديدة ستمكن، لو احترم الفاعلون السياسيون مضامينه، من فرز حكومة سياسية خصوصا بعد استجابة شرائح شعبية واسعة بتصويتها الإيجابي على الدستور، إيمانا منها بثقافة المشاركة السياسية المبنية على قبول الآخر المختلف سياسيا مما سيساعد على تقديم قيادات جديدة قادرة على ترجمة انتظارات الشعب المغربي عبر برامج مجتمعية واضحة المعالم ومحددة الآجال. لكن و للأسف الشديد، فإن المؤشرات الحالية التي تميز تحركات القيادات الحزبية، الضعيفة أصلا، تؤكد بالملموس طغيان ثقافة الاستحواذ بالنفوذ السياسي وبالثروات واستغلال مقدرات البلاد على المستوى المحلي والوطني. فقد دفعت هذه الشراهة المرضية (la boulimie) بأصحابها إلى محاولة إنتاج نفس الوضع السياسي لما قبل 20 فبراير 2011. كيف ذلك؟

عوض أن (يحشمو على عرضهم) ويفهموا أن الشعب المغربي يرفضهم، لكونهم آلية تنفيذ التوجه الاستبدادي الذي عكر صفو الحياة السياسية المغربية خلال العقد الأخير؛ فالتماهي الكبير مع أولياء النعم (مهندسي الفرق الحكومية المتعاقبة) ورغبتهم في عدم إغضاب (أصحاب الحال) جعلهم يتغنون بنفس الأنشودة القائمة على مقام (بني وي وي)، وهذا ما يفسر انقطاع الوصل والود مع قواعدهم الحزبية ونفور الشعب المغربي منهم. وانطلاقا من الفهم المعكوس لمبدأ (ما لا يدرك كله، لا يترك جله) وبعد الخطاب الملكي المطالب بتجديد النخب السياسية، أصرت هذه المخلوقات السياسية المشوهة على الاستمرار في خنق الإرادة الشعبية عبر فرض فلذات أكبادهم وما ملكت أيمانهم على الشعب المغربي. وذلك بالإنزال بواسطة باراشوت لشباب لا يربطه بالحياة الحزبية إلا درجة قرابته مع شيخ القبيلة الحزبية، والذين لم تطأ أقدامهم يوما ساحة نضال. وبالتالي ستتم إعادة إنتاج نفس الكائنات السياسية المشوهة التي لفظها المجتمع المغربي مؤخرا وعبر عن عدم تمثيلية هذه البوكيمونات السياسية المصطنعة لإرادته.

بعبارة أخرى، ستتم إعادة نفس الفاعلين السياسيين السلبيين مع اختلاف طفيف في الفئة العمرية، لكونها تتشابه على جميع المستويات، ولكونها كذلك لم تشارك قط القواعد الحزبية في معاركها النضالية داخل القطاع التلاميذي (لدراستهم بالبعثات الأجنبية) والقطاع الطلابي (لدراستهم بالجامعات الخاصة الأجنبية بعد حصولهم على الباكالوريا الأجنبية). كما أن اعتيادهم على رؤية المناضلين (كيقطعو السباط) من أجل إنجاح آبائهم في الاستحقاقات الانتخابية، والذين حسبهم المناضلون حاملين لبرامجهم الاجتماعية، جعل هؤلاء الأطفال المدللين احتساب المناضلين الحزبيين مسخرين فقط لخدمتهم كما لو كان ذلك منتهى قدر هذه القواعد الحزبية…

وبتدقيق بسيط للملاحظة، سنكتشف أن جل القيادات الحزبية القابضة على ناصية العمل السياسي في البلاد، لم ترغب أبدا في الزج بأبنائها في المخاضات السياسية والشعبية التي شهدها المغرب، بل أكثر من ذلك، فهم ينتظرون الربع ساعة الأخيرة لفرض الأبناء على الإرادة الشعبية (كمبارك والقذافي) أو الزوجات (كزين الهاربين بنعلي). فإذا كان الشعب المغربي قد عبر علانية عن رفضه لأشباه السياسيين، فإن القواعد الحزبية ستتصدى، لا محالة، لسياسة الإقصاء المفضوحة التي ترغب في تكريسها القيادات الحزبية المرفوضة أصلا (…)مما سينتج عنه تفجير نزاعات تنظيمية ستدك أوتاد الأحزاب وتزيد من تقزيمها ورفض المجتمع المغربي لها.

هذا الوضع الخطير سيزيد من تأزيم الوضع السياسي بسبب الاقتتال الداخلي المرتقب بين مكونات الأحزاب (القواعد الحزبية الأصيلة و القواعد المتحركة المدفوعة الأجر مسبقا)، و لكونه سيعيق هذه التنظيمات السياسية من لعب دورها الحقيقي المتمثل في تأطير الشعب والقيام بدور الوساطة بين الحاكمين والمحكومين، والتي تعتبر الضامن الأساسي لاستقرار البلد في ظل واقع إقليمي متوتر.

وما علينا إلا استخلاص الدروس التي أنتجتها الدول العربية المجاورة…

‫تعليقات الزوار

2
  • مصطفى
    السبت 15 أكتوبر 2011 - 20:29

    لم يعد هناك وقت إضافي لإعادة التجارب الفاشلة في تشكيل الخريطة الحزبية والسياسية بالمغرب،إننا في مرحلة" إما وإما" وعلى من يغامر بالاستهانة بالمغاربة وبقدرتهم على دحض شائعة الاستثناء المغربي، أن يتحمل عواقب ما ستفجره ضغوطات الخيبات المتتالية.

  • mustapha k
    الأحد 16 أكتوبر 2011 - 07:20

    تشخيص جيد أخي كريم للوضع المتأزم و الذي يصر البعض على طول أمده و تأبيده كقدر محتوم , و يضرب عرض الحائط كل التحذيرات المعبر عنها من طرف القوى الحية و الصادقة في هذا البلد , لكن غدا أكيد لناظره لقريب ورائحة الوردة ستعود للحقول

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 21

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير