تمثلات أستاذ متدرب

تمثلات أستاذ متدرب
الثلاثاء 25 شتنبر 2018 - 09:33

التاريخ 24 يناير 2014، المكان “القاعة الزرقاء” بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالجديدة، والحصة حصة “علوم التربية” (مجزوءة التدبير)، وجماعة القسم تكونت من أستاذ مكون وأساتذة متدربين. تمحورت الحصة الافتتاحية حول موضوع “التمثل” كعملية ذهنية يتولى من خلالهــا الأساتذة المتدربون رصد تمثلاهم بخصوص تجاربهم السابقــة كتلاميذ ونوعيــة علاقاتهم مع أساتذتهـــم الذين تركوا بصمات إيجابيــة أو سلبيــة في مسارهم الدراسي، بهـدف “التموقـع في التدبيــر” عبـر تجـــاوز مواطن ومكامن الضعف والقصــور في التجارب السلبيــة في أفق وضع تصورات عن “الأستاذ/النموذج”.

وهكذا، واشتغــالا على الموضوع، طلب الأستاذ المكون من الأساتذة المتدربين رصد تجاربهم السابقة كتلاميذ في علاقاتهم مع مدرسيهم، وقد تقرر في هذا الإطار الاشتغال على الموضوع في شكل مجموعات، بأن يقوم كل أستاذ(ة) متـدرب(ة) بتدوين تجربـته الخاصة على أساس أن يعرض عضو من كل مجموعة تجربته نيابــة عن المجموعة التي ينتمي إليهــا. وبعد مضي حوالي نصف ساعة من الزمن، قدمت التجارب تباعا في أجواء تقاطعت فيها الحماسة وحسن التتبع والإصغاء.

وبخصوص تجربـة “سليم” – كما دونهــا في حينــــــه – فقد كانت على النحو التالــي:

“يصعب علي اللحظة وأنا في موقــع الأستاذ المتدرب أن ألبس وزرة التلميذ.. أن أختزل الزمن وأعود كما كنت.. تلميذا في الابتدائي والإعدادي والثانوي وحتى الجامعي.. يصعب علي اللحظة وأنا في موقع الأستاذ المتدرب أن أنبــــــش في ذاكرتي الدراسية التي تمتد لسنوات طوال.. ورصد جزئيات وتفاصيــل أساتذة حظيت بشرف التتلمــذ على أيديهم.. يصعــب علي اليوم الحكم على أساتذة علمونــي وغدا سيصبحـون زملاء لي.. إذا كان لا بد من الحكم.. إذا كان لا بد من التقييــم.. فأنا أقـــول إن كل هؤلاء الأساتذة والأستاذات أثروا في شخصي وفي مساري وتوجهاتي.. منهم من أثار انتباهي من حيث الهنــدام.. منهم من نال إعجابي من حيث الطريقــة والأداء.. منهــم من كسب ثقتي بالجديـــة والانضباط.. ومنهم أيضـــا من ترك بصمات وانطباعات سلبيــة.. وهنا أستحضر صورة الأستاذ “العنيف”، “السلطوي”، “الانتهازي”، “النمطي”… إلخ.

وأمام هاتين الصورتين الإيجابيـــة والسلبية.. ومادام الوقت لا يسمح برصد كل التمثلات.. فأنا أكتفي برصد نموذجين وصورتين: الصورة الأولى لأستاذ التعليم الابتدائي الذي كان يفرض علينا كتلاميذ صغـار أن نحضر له وجبة الفطور بالتناوب كل صبــاح، كما كان يفرض علينا أن نأتيه من حين لآخــر بكمية من الخضر، إلى درجة أنه كان يحمل معه في نهاية الحصة كيسا من سعة مائة كيلوغرام مشحونا بالخضر والفواكه، وتارة أخرى كان يطالبنا بإحضار بيضتين لكل واحد، وكان يدرس وقتها فوجين، ويمكن أن نتصور كم بيضة يمكن أن يحصل عليها (160 بيضة على الأقل) ولنتصور أيضــا.. كم بيضة سيحصل عليها في الموسم الدراسي.

أما التجربة الثانية، فقد كانت أستـــــــــــــاذة مــــادة “الآثــار” بالكلية، وهي أستاذة متواصلة جدا.. كانت مندمجة مع الطلبة إلى أقصى حد.. وأعطت بطريقتها الخاصة نكهة خاصة للمــــادة.. ولعل من ثمار عملها أن ساندت وشجعت طلبة الفصل على تنظيم معرض للصور الأثريـــة برحاب الكلية.. وقد تحققت هذه المبادرة على أرض الواقع وكان لها صدى واسع بين أوساط الطلبة والأساتذة على حد سواء”.

وعلى ضوء التجارب المعروضة، فقد تمكن سليم من رصد الملاحظات التاليــة:

– أن التجارب رصدت الأستاذ “الإيجابي” مقابل الأستاذ “السلبي”، فالإيجابي هو أستاذ محفز، ودود، محتــرم واسع المعرفة، متواصل، منهجي. أما السلبــي، فهو أستــاذ مفلــس ذو أخلاق رديئــــــة، محتقر، عنيف، غير ديمقراطي لا يملك آليــات التدبير والتخطيط، متواضع الهندام، عديم القدرة على ضبط القسم.

– أن التجارب المعروضة موقعت المدرس في زاويتين اثنتين متقابلتين: الزاوية الأولى تحيل على الأستاذ “الإيجابي” والثانية يتموقع فيها الأستاذ “السلبي”، وهذا ما سمـــح بطرح جملة من التساؤلات من قبيل ما المقصود بـ”الايجابي” و”السلبي”؟ وماهي الحدود الفاصلة بينهما؟ ما هي مؤشرات ومعايير “الأستاذ الايجابي” و”الأستاذ السلبي”؟ لماذا صار “الأستاذ إيجابيا” ولماذا تحول الآخر إلى نموذج “سلبي”؟ هل الإيجابي والسلبي مرتبط بانطبــاع “شخصي” أم هو موقف جماعي؟ وهل تمت محاكمة الأستاذ بعقلية التلميذ المتعلم أم بعقلية الأستاذ المتدرب بكل ما يحمله من مستوى إدراكي؟

– الملاحظ أن كل التجارب المعروضة موقعت الأستاذ انطلاقا من مستوى إدراك الأستاذ المتدرب وليس بعقلية التلميذ المتعلم، بدليل إسقـــاط مجموعة من المفاهيم التي لا يمكن للتلميذ المتعلم أن يستحضر كنهها بل والوعي بها، من قبيــل “التخطيط”، “التدبير”، “التواصل”… إلخ، كما أن التجارب لامست مواضيع كبـرى من قبيل الأستاذ المتخلق والمتسلط والمحتقر وغير الديمقراطي والعنيــف… الخ، وهذا يحيل على تساؤلات كبـــرى تلامس مفاهيم “الأخلاق” و”التسلط” و”الاحتقار” و”الديمقراطية” و”العنف”، وغيرهــا.

– على المستوى الإدراكي، لا يمكن لتلميذ في الابتدائي أو الإعدادي أو حتى الثانوي أن يصدر أحكاما من هذا القبيل عن وعي وإدراك، وبالتالي فإن سؤال “الأستاذ الإيجابي و”الأستاذ السلبي” لم يكن سؤالا خالصا نابعا من ذهنية التلميذ المتعلم، بل تحكمت فيه عقلية الأستاذ المتدرب بكل ما تحمله من مستويات إدراكية معرفيــة وسلوكية وغيرهـــا.

– من الناحية الواقعية يصعب النفــاذ إلى “تمثـــــل” التلميذ دون حضور عقلية “الأستاذ المتدرب”، ويصعب بل ويستحيل إيجاد حدود فاصلة بين “عقلية التلميذ المتعلم” و”عقلية الأستاذ المتدرب”، بل لا مناص من القول بأن هذا الأستاذ المتدرب ما هو إلا “ابن” لذلك التلميذ المتعلم بكل سيروراتــه. وتأسيسا على ما سلف، يبقى السؤال العريـــض على النحو التالي: ما مصداقية الشهادات التي عبر عنها الأساتذة المتدربـــون؟ هل يمكن إقصاؤها وتجاوزهـا؟ هل يمكن القبول بهــا رغم انطباعيتها والتأسيس عليها؟

-الواقع أن صورة “التلميذ” حاضرة بقوة في ذاكرة وذهنية “الأستاذ المتدرب”، وهّا الأخيــر ما هو إلا نتاج لسيرورة تلك الصــورة بكل ما حملته من معارف ومكتسبات، من نجاحات وإخفاقات، من انفعالات وتأثيرات وغيرها، وإذا كانت التمثلات المعروضة تبقى حاضرة ولا يمكن تجاوزها أو نسيانها رغم طابعها النسبي والانطباعي، فكيف يمكن للأستاذ المتدرب استثمار تجاربه السابقــة كتلميــذ، من أجــل رسم صورة “الأستاذ النموذج” أو على الأقل “الأستاذ الإيجابي”؟ فإدانة التلاميذ “شر لا مفر منــه” إن جاز القول، لذلك فإن كل أستاذ متدرب مدعــو إلى الاجتهـاد والانفتاح على المقاربات وطرق التنشيط الحديثة والتسلح بالتكوين الذاتي، ومدعــو أيضــا إلى التحلي بقيمــة “العدل” والإنصاف بين التلاميذ من أجل تموقــع أفضل ورسم معالم صورة أستاذ “أرقى” بأسلوب جديد ومتجدد، مهما كانت الإكراهات والمعوقــات.

– من جهة أخرى، الملاحظ من خلال التجارب المعروضة، وإن اختلفــت تقاطعاتهـا واتجاهاتهـا، فإنها تمركزت جميعها حول “الأستاذ” ووضعته على كرسي الإدانة، بينما غاب أو تم تغييــب صورة التلميذ، وفي ظل هذا الوضع غابت بعض ملامح الحقيقــة، فقد كان من الإنصاف أن ترصد الشهادات المعروضـــة معطيات عن هذا التلميذ الذي يبقــى طرفــا أساسيــــا في العملية التعليمية التعلمية، فمثابرتـــه واجتهاده، انضباطه وتخلقــــه، لامبـــالاته وتهـوره، شغبه وانحرافاتـه، كلهــا مؤثـرات تتحكم في أداء وسلـــوك وردود فعل الأستاذ إيجابـا وسلبا، فالأستاذ قبل أن يكون كذلك، فهو كائن إنساني سيكولوجي وسوسيولوجـي ينفعل ويتفاعل، يؤثــر ويتأثـــر، والمفترض بل والمطلوب في هذا الأستاذ أن يكون إيجابيا أداء وسلوكــا، لكن هذه الإيجابية لا بد لها من مجال إيجابي (جماعة القسم) لتنمــو وترقى وتتطــــور وتتجــدد، وهنــا يتدخل التلميذ أو التلاميذ لصون إيجابيـــــة الأستاذ وتجويدهــا، أو على الأقل الحفاظ على توازنهــا واستقــرارها، بــل بإمكان هؤلاء التلاميذ أن يكسروا طوق “السلبي” في الأستاذ، ويحولوه إلى أستاذ إيجابي مجدد ومتجـدد، ويمكن أن نتصور صورة أستاذ إيجابي وســــط تلاميذ “أشقيــاء” سلبييــن، ويمكن أيضــا أن نستحضر الصورة في بعدها السلبي، أي صورة “أستاذ سلبـي” مقابل تلاميذ “إيجابيين”.

بين الصورتيــن قد تتناسل مجموعــــة من التساؤلات والمعطيات، لكن الأكيــــد أن نجاح أو إخفاق الأستاذ يبقــى من جهــة رهينـا بمدى قدرته على التجديد والتجدد والانفتـــاح على المقاربات وطرق التنشيط الحديثـة، ومن جهـــة ثانيـة رهيـنا بنوعيـة أداء وتأثيـــر التلاميذ، فالعلاقــــــة إذن هي علاقـــة تأثيــر وتأثــر، فكما أن الأستـاذ يؤثر في التلميذ إيجابا وسلبـــا، فإن هذا الأخيــر بدوره يؤثـــر على الأستاذ سواء من خلال سلوكاته الإيجابيــــة أو من خــلال انحرافاتـــه وشقــاوتــه داخل فضاء القسـم.

*مقتبس من “يوميات أستاذ من درجة ضابط”.

*أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك التأهيلي (المحمدية) باحث في القانون وقضايا التربية والتكوين.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • أستاذ الإجتماعيات
    الثلاثاء 25 شتنبر 2018 - 23:15

    تتحدث عن أستاذ إيجابي و أستاذ سلبي، و كأن الأساتذة تقفل عليهم الأقسام مع تلاميذ من السماء، تلاميذ ملائكة !!!!
    إذا إستثنينا أساتذة الإبتدائي، مع تلاميذهم الأطفال الأبرياء، الذين نحسدهم عليهم، فإن أستاذ الإعدادي و أستاذ التأهيلي يعاني الأمرين مع كائنات لا تستحق لقب تلميذ أو أي لقب آخر محترم. لا مكان للإيجابية مع هذه الطينة من أبناء المغاربة، خاصة جحافل التعليم العمومي القادمة من الأحياء الشعبية
    و الصفيحية و المهمشة.
    لا أنكر وجود عينة من الأساتذة عديمة الضمير و الأخلاق، عينة ضعيفة معرفيا و منهجيا و مظهرا خارجيا.
    لكن الغالب على رجل التعليم النزيه و الجدي، الإحباط و الإنكسار. لا شيء يدعوا للإيجابية أو الإبداع أو التفاني في العمل.

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 17

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات