تضاريس الزمن الردييء(2) : شعب بلا هوية

تضاريس الزمن الردييء(2) : شعب بلا هوية
الثلاثاء 8 يناير 2008 - 17:52

في الوقت الذي كان البلد يحتاج لتلاحم كافة أبنائه في كتلة واحدة مهما تعددت مشاربهم واختلفت مذاهبهم ومواقعهم لخلخلة التخلف واقتلاعه من جذوره لتستدرك الدولة زمنها الضائع بين كماشة الاستعمار وتلتحق بالركب الصاعد لتسترد موقعها السليب – وكان ذلك ممكنا لو اعتمدت فكر محمد الخامس بعد خروجها من الجهاد الأصغر، وتشبعت بالروح الوطنية الصادقة كما هي متعارف عليها في ألمانيا واليابان والصين واسبانيا…- ركب المغتصبون للسلطة والثروة غول الاستعلاء والاستكبار، وسيجوا عرينهم بجثث هامدة وأدمغة عفنة وحصنوا مواقعهم بترسانة أمنية عمياء وصماء لقيطة، وشيدوا دهاليز جوفية لتخزين البشر، ونسجوا قوانين سياسية وإدارية وقضائية واقتصادية تلائمهم وفرضوها على الشعب فرضا جعلته ذئبا يصارع نفسه تحت أبراجهم العاجية يتصدر قائمة المصابين بفيروس الخوف والبؤس ويغرق في لعا ب الطامعين الأشرار ، لتكون مزابل التاريخ مثواهم .


وتحقيقا لرغباتهم القذرة وأطماع أعداء الوطن المسطرة سلفا تشبث المغتصبون بالفكر ألمخزني وقسموا الوطن لشعبين:


أقلية متعددة الجنسيات تسوس البلاد بعقلية أجنبية وتعيش بذوق مستورد وهوية غير مغربية، وأغلبية صاحبة حق جردت منه بعصا التتار تعيش مع القطط والكلاب الضالة في جوف صناديق القمامة بعدما سحبت منها حقوقها الإنسانية في الأكل النظيف والسكن الكريم والتعليم العلمي والتطبيب الصحي…والعيش الشريف. وهكذا تكون الأقلية المستبدة ، بسياسة الاستعلاء وتحالفها الأعمى مع مصاصي دماء الشعوب، قد غدت من توابع أعداء الوطن لتكون مزابل التاريخ مثواهم الاخير .


وحتى تبقى فوق أبراجها تدغدغ مشاعر الأغلبية طوقت قلاعها بمتفجرات التفرقة الشعبية : فشجعت الفساد الديني الذي أصبح الأب الشرعي للفساد الروحي والأخلاقي والتربوي، وابتكرت الفساد السياسي الذي أضحى آلة أتوماتيكية للفساد الإداري والاقتصادي والاجتماعي ، فأمسى الشعب بلا هوية يعيش فوق أرضه مسلوب الكرامة تدحرجه أقدام الأقزام الخارجية وتبتلعه بطون المتعملقين فوق هامته. الشعب الذي كان مضرب المثل في الكرم والشجاعة والإقدام تهابه وتتودد إليه كل الشعوب وجد نفسه – بين عشية وضحاها – تحت العتبة يتكالب عليه من لا تاريخ لهم ، يذرف دموعا حارقة خلف حتى ، يحن بمرارة إلى أيام زمان ويتزاحم أبناؤه على ركوب أمواج الانتحار ليلتحقوا بأعداء الأمس والغد والعيش على رصيف حياتهم بفتات موائدهم مجردين من تاريخهم.


فإذا كانت جل شعوب المعمور امتلكت سلطتها وثروتها وسطرت لنفسها قانونا أسمى يطبق نفسه بسيف العدالة والمساواة في ظل ديمقراطية حقيقية مطلقة ، وطردت فلول البؤس والتخلف فارتقت إلى أسمى درجات الغنى الفكري والمادي دون أن تفرط في ثوابتها التاريخية وسيطرت على العالم بقوة المال والسلاح ؛ نجد أن حكامنا تملكهم الغرور فوأدوا آمال المواطنين، حيث اختلقوا صراعات دينية وسياسية واقتصادية باسم ديمقراطية مزيفة بين مختلف طبقات الشعب فعمت البلاد فتنة نارية التهمت اسم وتاريخ الوطن . لكن ما كانت عقلية أعداء الشعب الداخليين والخارجيين لتنجح في تحقيق أهدافها لو لم تكن عقلية المثقفين والمتحزبين والنقابيين والجمعويين فاسدة لأن كلتا العقليتين مستنسختين في مختبرات أجنبية ، فالصراعات التي احتدمت بينهما وما زالت بين بعضهما باسم الشعب ما هي إلا صراعات الذئاب على الشاة الميتة ، والشطحات البرلمانية والمهرجانية ما هي إلا منفذ إلى قلاع وخزائن الوطن . فأصبحت الأحزاب “الشعبية” كتلك ” الإدارية” والنقابات العمالية والجمعيات المتعددة الألوان مدارسا تنجب منافقين وخونة ، ولصوصا ومجرمين . فعلى صعيد النفاق السياسي، الذي كان ومازال وباء على الوطن ، كلما حان موعد التهريج وشراء الذمم يبدأ المنافقون في الداخل والخارج يتهافتون على الشعب يركبون على بؤسه ويمسكون بيد من حديد على شكيمته وينومونه بخطبهم الببغائية وعندما تنتهي المسرحية يقذفون به من جديد إلى جوف البركان النتن ويستوطنون مراكزهم الخالدة ولن يعود لا هذا ولا ذاك إلى أهل القرية والحي والدرب – ولو من باب نفاقه – ليطلع على الحفر التي يتساقطون فيها بالجملة إلا بعد نهاية مدة رضاعته . فأي “وطني” هذا لا يتذكر أهله ومنتخبيه إلا عندما يحتاج لرقابهم ، وأي وطن هذا ينتدب فيه شخص من باريس أو من الرباط بإسم آلاف المواطنين في تيسة أو في صفرو او في تالسينت لا يعرف حتى موقعها ؟؟ إنه وطننا . كل من تعاقب على تسيير هذه البلاد كان همه الأوحد هو اكتساب المزيد من الثروة والنفوذ، فلا نتذكر ولا مرة واحدة منذ الاستقلال عاش الشعب ما يشبه الرفاهية أو بشر بها ولو لفترة. . لقد تعددت الوجوه والعملة واحدة … فماتت أحلام الشعب بين اليمين المتخم واليسار الجائع المتلهف ، وتحول دين ولغة الأمة إلى قضية تمرغ بين الحلال والحرام وتتمطط بين سبل الارتزاق …فكما مورس ، بالأمس القريب ،أسلوب الاضطهاد على الشعب باسم مكافحة الإرهاب الشيوعي والاشتراكي يمارس اليوم نفس الأسلوب على المساجد وروادها باسم مكافحة الإرهاب الديني وبتآمر واضح بين الظالم والمظلوم ، رغم أن الدين واللغة ركن من أركان الوطنية ومن فرط في دينه ولغته فرط في وطنه بكل أركانه ، ويعلم الله على من ستدور الدائرة غدا وإلى من ستشير أصابع أعداء الوطن . إن الدين واللغة والملكية كانوا عبر تاريخ وجودنا نقطة لقائنا وتلاحمنا وقوة بقائنا مهما اختلفنا وتفاوتت قوة إيماننا، وهي ثوابت تشد المواطن الصادق لوطنه .


ففي الدين واللغة والنظام الرشيد سر النجاح والخلود، وأعداء وطننا الواحد يراهنون على اختلافاتنا القومية والفكرية والطبقية لاندثارنا أكثر مما يراهنون على قوتهم، ومع الأسف، هو ما قد يتحقق لهم إن لم نستدرك أمرنا . فالإسلام قوة ومناعة ومدرسة فاضلة إن لم يتخذ مطية لتحقيق مآرب ذاتية ، واللغة والنظام ذراعين قويين يشدان عضد الشعب الواحد في وطن واحد . فأي منطق هذا أن يسلخ شعب من هويته بجرة قلم والدول التي تأمرنا بذلك تستشير شعوبها حتى في أبسط أفكارها ولا تسمح لنا بمس مقدساتها ولو في أحلامنا… ألا يؤدي بنا هذا السلوك إلى الانقراض البطيء ؟؟ أسوء ما في هذا البلد هو أن كل الشعب يتقن فن التقليد: كاللباس والأكل والكلام ، والغناء والرقص ، والفساد الروحي والأخلاقي والصحي .. نقلد الأعداء قبل الأصدقاء في أتفه وأبغض الأشياء، إلا في الصدق وروح المواطنة.


فهل لكل “وطني” جرأة الوقوف أمام مرآته الطويلة مجرد من كل ستائر الدنيا دون خجل ويراجع حساباته المتخمة في الخارج والداخل وشعبه يحمل فقره على ذراعيه يطوف به بين السهول والجبال وبين الأزقة والدروب ؟ هل يستطيع أي إنسان أن يتنكر لعورته ويتناسى مصيره المحتوم حتى وإن جمع بين قارون وذو القرنين.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة