كما نعلم أن المجلس الوزاري يلعب دورا مهما في مشروع قانون المالية، والذي خوله طبقا لاختصاصاته الدستورية، وبالتحديد الفصل 49 من دستور 2011، صلاحية وضع التوجهات العامة لمشروع قانون المالية والخطوط العريضة التي يجب أن يسير في سياقها على الرغم من تخويل مجلس الحكومة صلاحيات تنفيذية واسعة، ذاتية تقريرية وأخرى تداولية، تحال على المجلس الوزاري ليبتّ فيها، ضمن ما تم الاحتفاظ له به من صلاحيات استراتيجية وتحكيمية وتوجيهية؛ بما فيها الحرص على التوازنات الماكرو-اقتصادية والمالية.
وبالاطلاع على مشروع قانون مالية 2019 من خلال قراءة فوقية له يتبين لنا بشكل واضح وجلي بأنه ركز على تخصيص مناصب مالية مهمة لفائدة المؤسسات العمومية والقطاعات الوزارية وصلت إلى حوالي 25 ألف منصب مالي، وكانت حصة الأسد منها لفائدة إدارة الدفاع الوطني 9000 منصب ووزارة الداخلية بـ8100 منصب، وهذا يكرس الاهتمام بالبعد الأمني، ولو على حساب قطاعات اجتماعية واقتصادية حيوية؛ كالعدل مثلا الذي اكتفى المشروع بتخصيص له فقط 100 منصب، ووزارة الصناعة 34 منصبا، ثم وزارة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية بـ20 منصبا.
وكان بالأحرى بالمشروع التركيز على تخصيص مناصب مالية يراعى في وضعها تحقيق التوازن والتكامل بين مختلف القطاعات الوزارية، تحقيقا للحكامة الجيدة كمبدأ دستوري والذي من مقوماته الشفافية والجودة والمردودية كالتركيز على جانب التشغيل سواء عن طريق الرفع من مناصب التوظيف أو التشغيل الذاتي من خلال تخصيص ميزانية كافية ومعقولة لتشجيع المبادرة الحرة وتشجيع الابتكار وتمويل المشاريع حاملة الابتكار سواء بصيغ التمويل التقليدية أو التشاركية.
بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ اهتمام الدولة بمسألة التوظيف عن طريق العقدة، كحل ترقيعي يوضح فشل سياسة التوظيف هذا الأخير الذي يضمن للموظف الاستقرار النفسي والوظيفي ويحفزه على المشاركة الفعالة والمسؤولة في إصلاح الإدارة العمومية وينأى بها عن كل مظاهر البيروقراطية والفساد الإداري، بدل التوظيف بالعقدة الذي يزرع ثقافة الخضوع الرئاسي، ويخدش كرامة أطر هيئة التدريس ويولد لديهم الإحساس المستمر بالفصل من العمل ولو بدون سبب مشروع وجدي.
وفي الختام، ننتظر من السلطة التشريعية إعادة النظر في المناصب المالية المذكورة عن طريق تحقيق التوازن بين القطاعات والتركيز على الرفع من نسب التشغيل قبل المصادقة على القانون.