لا شك في أن الثورة الإلكترونية التي عرفها العالم اليوم تؤرخ لحقبة جديدة من تاريخ البشرية، حيث قدمت الوسائط الإلكترونية (الحاسب الآلي–الأنترنت- الهاتف…) للبشرية الرقي في جميع المجالات؛ فأصبحت هذه الأخيرة وسيلة العالم نحو الرقي الحضاري والاقتصادي، ومصدرا للثروة ومعيارا تقاس به قوة الشعوب.
هذا التقدم المذهل واكبه من جهة أخرى، ظهور مواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الأنترنت، مثل “سكي بلوغ، تويتر، انستغرام، الفيسبوك…” باعتبارها من أحدث منتجات تكنولوجيا الاتصالات وأكثرها شعبية.
ولما كان الفيسبوك (على الأقل إلى الآن) هو أكثر هذه الوسائل شهرة وأوسعها استخداما على المستوى العالمي؛ فلابد من وضع ضوابط (أدبية) للتعامل مع تقنياته، أقول (أدبية) لأنه لا يوجد ضوابط قانونية أو عقابية للتعامل معه إلا في أضيق الحدود، وخصوصا من قبل الدول (جرائم التشهير بالأشخاص ونشر صورهم أو أقوالهم بالفصول 1-447 إلى 3-447 من مجموعة القانون الجنائي، وجرائم السب والقذف بالمواد من 83 إلى 87 من قانون الصحافة والنشر)، أو من قبل الذين يشرفون على إدارته، وهذه الضوابط لا تكفى – في ذاتها – للتعاطي مع هذا العالم المفتوح الذي يمثله الفيسبوك؛ وهو ما يطرح عدة تساؤلات: فهل أصبح للنشر الإلكتروني أدبيات يجب تمثلها؟ هل صارت له تقاليد يجب مراعاتها؟ هل له قيم ومثل وأعراف يجب التمسك بأهدابها؟ الإجابة عن الكل (نعم)، فصفحتك الشخصية هي ملكك، وما تنشره عليها يعبر عن رأيك أنت نعم، ولكن الآخرين يطالعون ذلك، وطبيعي أنهم قد لا يتفقون معك في الرأي. ومن ثم، فلا يجب أن تدفع بأنها صفحتك الشخصية، وبالتالي أنت حر فيما تنشر، لأن كل ما ينشر قابل للمناقشة، بل للاختلاف، ولكن كل ذلك يجب أن يكون بأدب ولياقة شديدين.
وقبل أن تتورط في قبول طلب صداقة، حاول أن تلقى نظرة سريعة على صفحة الطالب؛ فمحتويات صفحته قد تساعدك في معرفة اتجاهاته، وكذلك مدى ارتباطه بالفيسبوك، لأن هناك من لا يظهرون إلا في رمضان والعيدين لإرسال وتقبل التهاني، ولا يغرنك عدد الأصدقاء المشتركين بينك وبين عدد كبير من أصدقائه، فقد يكون هو استثناء من قاعدة المجموعة.
أما حين تطلب أنت صداقة أحد، فاختر من هو قرينك الفكري؛ فالعبرة ليست بكثرة عدد الأصدقاء، ولكن بجودتهم، علاوة على أن من يطلب صداقتك قد يعرفك من خلال نوعية أصدقائك، إن كانوا خيرا فخير، وإن كانت الأخرى فسيتحول عنك، لأن المرء على دين خليله.
إذا علقت عند أحد (أو حتى راسلته على الخاص) فاعلم من تحادث، إذ يجب أن تنزل الناس منازلها الحقة، فتخاطبهم بأرق الألفاظ وبأحب الألقاب، ولا تزدري أحدا على صفحة أحد ولا تسخر من فكره؛ لأنك بذلك ستحرج الاثنين: الذي أهنته ومعه صاحب الصفحة نفسه، ويكون (البلوك) في هذه الحالة أمرا اضطراريا.. وأيضا إذا علقت تحت منشور أحد، فيجب أن تقرأ منشوره جيدا، وبشكل كامل، كي لا تعلق على فكرة مبتورة، أو عبارة مجتزأة من السياق العام، فيظهر أنك متسرع أو غير واع، إذ ربما تكون الفكرة كلها في آخر سطر، أو في آخر كلمة في المنشور.
لا تحاول أن يكون تعليقك لمجرد الكتابة، فيأتي خارج الموضوع تماما، ويفضح جهلك، فاكتف بــ(لايك) إن لم يكن عندك ما تكتبه، وقديما قالوا: دع الناس يظنون أنك أحمق، ولا تتكلم فتؤكد ظنهم.
لا تدخل في جدال (طويل وممل) مع أحد المعلقين، فقد ينتهي ذلك بخلاف وليس مجرد اختلاف، فضلا عن أن بعض الناس عندهم أفكار نعم، ولكن قد تعوزهم القدرة على سرعة الكتابة، أو ربما يعانون من ضعف البصر، خصوصا وأن الهواتف النقالة هي السائدة الآن أكثر من الحواسيب المحمولة.
بالنسبة (للخاص) يجب أن يكون استخدامه في أضيق الحدود الممكنة، فلا يعقل أن ترسل عليه صورا وفيديوهات وأدعية، وعبارات (أرسلها إلى عشرة وستسمع خبرا مفرحا اليوم) بمناسبة ومن غير مناسبة، خصوصا إذا علمت أنها لا تهم من ترسلها له، ولا يبادلك نفس السلوك، ولا حتى يشكرك عليها.
وبالنسبة إلى الأحداث الشخصية، صحيح أن الفيس وسيلة تواصل (اجتماعي) وأننا نعرف من خلاله كثيرا من الوقائع، ولكن لا يعني ذلك أن نحيله إلى صفحة وفيات (أرشيفية) فأن ننشر نعيا لأحد نعم، ولكن أن نكتب الذكرى التسعين لوفاة ابن أخت زوج عمة خالي، فهذا شيء سخيف، وأحد علامات الإفلاس الفكري، بل والأخلاقي أيضا.
وأخيرا وليس آخرا، فالفيسبوك أصبح واقعا لم يكن يحلم بتحقيقه (مارك زوكربيرغ) نفسه، فقد تطورت استخداماته عالميا بشكل لافت، وأصبح له عاشقوه. ومن ثم، أصبحت له مثله الاجتماعية التي يجب اتباعها أدبيا وأخلاقيا، كي نستطيع توظيف معطياته على نحو نموذجي، أو على الأقل يقترب من النموذجية.