إني أحترق.. إمنحني قلبك!

إني أحترق.. إمنحني قلبك!
الثلاثاء 15 يناير 2019 - 22:55

حين استقبلت أول رسالة منها على الخاص، أحسست أن شاشة محمولي ستنفجر، فتاة في العشرينات، تحكي قصة حب وفراق، كلماتها محترقة تفوح منها رائحة “الشياط ” .. في إسهاب حكت.. كلمات وقصائد وأبيات ومشاعر مبعثرة .. لاهثة.. أنهار من دموع –كما تخيلت- حب يتنكر أحيانا ليلبس ثوب الكراهية، وأحيانا قناع الرغبة في الانتقام!

أحسست وأنا أقرأ احتراقاتها واحتضاراتها أنها تعيش نهاية العالم.. لا تجد لأي شيء طعما ولا لونا ولا رائحة.. الأيام متشابهة والساعات تمر رتيبة..

حاولت أن أستزيدها حكيا علي أنجح في رؤية الأشياء بمنظورها ومن منطقتها.. وعل الحمل يصير عليها أخف.. ولكن أي الكلمات يمكن أن أقولها لإنسانة تحس أنها تعيش يوم البعث؟ وأن العالم انتهى بغيابه؟ وأن القيامة قامت؟!

كانت وسط الحكي تكرر السؤال: كيف أنساه؟! فكأنها تبحث عن عصا سحرية تفك بها هذا الارتباط وتستريح!

كنت أمتلك قلبا ومناديل ورقية ..ولم تكن لدي عصا سحرية أحضر بها لبن العصفور الذي تطلبه: النسيان الفوري..

صعب أصدقائي أن تجلس في كرسي الناصح العاقل، خصوصا حين تكون أمام إنسان يحترق، عقله شبه معطل.. وأنت بكامل زينتك العقلية تتبختر أمامه وتقدم إليه نصائحك المتآكلة المتوارثة: “الزمن سيداوي جراحك”

أو “اصبر.. لعل في هذا الأمر خير “

هل من المعقول أن يهرع إليك شخص تحس من خلال حكيه أنه فقد عقله، فتتلقفه بعينين باردتين عاقلتين، وتلبس عباءة لقمان الحكيم وتقول له: “إعقل.. إعقل. ما تحسه عبث وجنون “؟!

ردة فعل مثل هاته تذكرني بنوع من العلاج النفسي اسمه العلاج العقلاني

Psychothérapie émotivo-rationnel

هاته المدرسة من العلاج النفسي تركز على عقلنة الأحداث ومرافقة المريض إلى منطقة التحليل المنطقي.. أجدها مفرطة في برودها ومنطقها وعقلانيتها.

أغمض عيني وأتخيل مراسلتي المسكينة تحكي لأحد هؤلاء المعالجين، دموعها على خديها وقلبها ينزف:

هي:” أنا أحبه.. أحتاجه “

يجيبها المعالج وهو في كامل لياقته العقلية و”إيده في المية ” : خطأ.. الجملة خطأ.. أنت تحتاجين الأكسجين، الماء، الطعام لتستمري في الحياة، وليس الأشخاص، أول شيء سنعمل عليه هو إعادة صياغة الكلمات في عقلك.. كلمة احتياج يجب وضعها في سياقها الصحيح”

هي منهارة: “لقد غادرني دكتور! “

هو بنظراته الزجاجية:” هل تعلمين أن الاختيار حق أصيل تمنحه له الحياة.. هو حر ، كما أنك حرة.. تعاستك سببها شعورك الداخلي وليس هو.. هو مجرد عامل خارجي.. وحدك المسؤولة عن كل ما تعيشينه.. و..و..”

وتتوالى الجمل التصحيحية البعيدة عن التفهم، جمل عقلانية تصبح عديمة المعنى حين تتقاسمها مع غريق.. أو مجنون!

إن الإسهال في تقديم النصائح المعلبة والمتآكلة، ولعب دور المفتي و” أبو العريف ” يصبح في كثير من الأحيان نوع من العبث والغباء العاطفي.

لا جدوى من كلمات صادرة من عاقل “يديه في الماء” لشخص يعيش جنونا أو احتضارا وكل جسمه في النار!

أن تدخل على مريض تلقى لتوه خبر إصابته بمرض عضال، ولا زال في مرحلة الصعقة والإنكار، وتقول له-وأنت تحسب أنك تحسن صنعا – جملا من قبيل: “المؤمن مصاب “و “إنه ابتلاء سيرفعك الله به درجات “

إذا قلت له ذلك قبل أن يدخل مرحلة الرضا والتقبل فأنت عاطفيا كائن غبي!

أصمت .. ما دام هو لم يبادر بالكلام فإنه غير مهيأ لمواعظك الخارجة عن السياق!

دعه يغرق في صمته وهامشه وحزنه.. ويحس أنك هنا من أجله دون كثير رغي وموعظة و..اقتحام!

أغلى ما يمكن أن تهديه لمحترق داخليا هرع إليك مستنجدا هو أذنيك وقلبك، اصغ وتفهم.. إنه ليس أنت وما يناسبك لا يناسبه.. قده في سلاسة لمزيد من الانكشاف عليك دون جلد.. فوسط حكيه قد تتضح له الصورة ويأتيه الحل الذي يناسب شخصيته وقناعاته.. انتهى دورك !

‫تعليقات الزوار

1
  • عبد القادر
    الأحد 20 يناير 2019 - 07:13

    الناس يخلطون الاعراف والتقاليد البالية وكثير من الجهل بالدين فان تجد واحد الانسان مصدوووم من مرض او موت والناس حداه كلها داير فيها مفتي، الله يهدينا وخلاص

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة