كيف شرح العلامة بنحمزة حديث "أمرت أن أقاتل الناس..."؟

كيف شرح العلامة بنحمزة حديث "أمرت أن أقاتل الناس..."؟
الثلاثاء 26 فبراير 2019 - 20:47

لا شك أن هذا الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلاه إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويوتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله” شكل ضربة قاضية للكثير من المسلمين قليل العلم والاطلاع، وقد تم استغلاله من طرف أعداء الإسلام أيما استغلال ليثبتوا، فرحين، بأن الإسلام حقا قد انتشر بالسيف وأرهب الناس وأن لا علاقة له بالتسامح والحوار وحسن الجوار.

وفي تفسير مثير ومقنع، يقف العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة عند قول الحديث وهو حديث لا ينكر العلامة صحته بخلاف من لا يدري له تفسيرا ولا شرحا فيشكك فيه لخطورة ما يحمله ظاهريا، أو لصعوبة إيجاد مخرج من مأزق الدعوة إلى قتال الناس حتى يسلموا.

لكن العلامة بن حمزة بفطنته وحسن فهمه وإدراكه، يبدأ بطرح تساؤلات تنويرية من شأنها أن تجلي اللبس الحاصل وتزيل الغشاوة عن الأعين، فيقول: لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي، ليطرح السؤال التالي: فكيف استمر هذا اليهودي على قيد الحياة حتى أدرك النبي أن يشتري منه طعاما بدين ويرهنه درعه إذا كان شأن النبي أن يقاتل كل من لم يسلم؟

ثم يقول: ألا يستفاد من رهن الدرع لدى يهودي أن فيه معنى آخر هو معنى الأمان وعدم الاستعداد والتهيئ للحرب ما دام المحارب لا يرهن سلاحه لأنه قد يحتاجه؟ وإن هو رهنه فإنه لا يرهنه لدى محاربه، لأن السلاح هو عنوان قتالية المقاتل.

ثم يسترسل قائلا: إذا صح أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعامل مع غير المسلمين إلا من موقع القتال فكيف ينسجم هذا مع إيصائه باليهود والنصارى، ودعوته إلى حقن دماء الرهبان والعباد والمنقطعين في الصوامع في حالات المواجهة، مع أنهم الأصل في بقاء الدين المخالف بما يقدمونه من توصيات للاستمرار عليه؟ ولو تعلق الأمر باستئصال الدين المخالف لكان رجال الدين أولى بأن تتجه إليهم المقاتلة. ثم يستمر سائلا ومستنكرا: كيف يتفق موقف القتال المطلق للمخالفين مع ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عامل يهود خيبر على رعاية النخيل وإصلاحه، وبعث معادا إلى اليمن وأمره أن يأخذ من غير المسلم دينارا أو مقابله من ثياب؟

ثم يلفت النظر إلى مسألة غاية في الأهمية وهي لو أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعامل مع غير المسلمين إلا بقتالهم، فكيف أسس أحكام المعاهدات والذمة، وأحكام الإبقاء على الكنائس وعدم مضايقة أهلها، والسماح للمسلمين بأن يتزوجوا بالكتابيات، بل ومن أين ستأتي الكتابيات أصلا في المجتمع المسلم حتى يتزوجهن المسلمون؟ ثم كيف له، والحال هاته، أن يوصي بالأقباط خيرا، بل وكيف يستمر الوجود الفعلي لليهود والنصارى في البلاد الإسلامية بكثافة قوية، وكيف استمرت معابدهم وكنائسهم القديمة ماثلة إلى اليوم حتى بلغت أحد عشر ألف كنيسة في زمن المامون كما يؤكد ذلك وول ديورنت وغيره؟

ويبدو أن العلامة بن حمزة قد اقتصر فقط هلى ثلة من الأسئلة التي يمكن طرحها، في الوقت الذي يمكن طرح أخرى، كما يقول، وذلك لكفايتها في التدليل على أن الإسلام في تعامله مغ عير المسلمين كان تعاملا متنوعا لا يتأسس على الرغبة في الاستئصال.

ليخلص، في الأخير، إلى أن الفهم الصحيح للحديث يتجه إلى أن النبي حدد الغاية من القتال حينما يقع، أي أنه بهذا الحديث إنما يبعد أن يكون القصد هو الاستيلاء على خيرات الآخرين أو إبادتهم للحلول مكانهم أو لإنهاء دورهم الحضاري، وهي الأمور التي طالما توخاها الغزاة الذين لم يحملوا إلى الآخرين رسالة أو قضية، وإنما سعوا إلى إزاحتهم عن بلادهم وإلى الاستيلاء على خيراتهم.

كما يخلص إلى أن الموقف الحقيقي والنهائي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من غير المسلمين لا يمكن استخلاصه من جملة من النصوص المتعلقة بالموضوع على طريقة المقابلة والترجيح بينها، بل يجب استخلاصه أيضا من الواقع العملي ومن المواقف المتعددة التي ترشد إلى الإطار العام للتعامل مع غير المسلمين.

وأما من حيث اختلاف التعامل مع غير المسلمين فقد كانت تمليه طبيعة المواقف والمعاملات التي كانت تصدر عن الآخرين تجاه الإسلام، ومن ذلك ما قاله ابن عباس في حديث للإمام البخاري: “كان المشركون على منزلتين من النبي ومن المومنين كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونهم”. ويذهب العلامة إلى تصنيف المحاربين إلى ثلاثة أصناف أملتها طبيعة مواقفهم والوضعية التي يكونون عليها: فمنهم أهل الذمة وهم الذين يساكنون المسلمين بصفة دائمة، ويوفر لهم المسلمون حقوقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، ويهيئون لهم فرص المشاركة الاقتصادية والاجتماعية، ويتولون الدفاع عنهم ضد أعدائهم بموجب انتمائهم للمجتمع الإسلامي. ومنهم أهل هدنة: وهم الذين صالحوا المسلمين على أن يكونوا في ديارهم آمنين وتجمع بينهم وبين المسلمين مقتضيات المعاهدة وما تتضمنه من تعاون وتبادل للمصالح وللزيارات، ولا يشترط أن يكون من مقتضى المعاهدة دوما دفع مقابل مالي. ومنهم المستأمنون: وهم غير المسلمين من الوافدين إلى البلاد الإسلامية من غير أن يستوطنوها، ومن هؤلاء السفراء وحملة الخطابات الرسمية والتجار والمستجيرون وهم اللاجئون الفارون من حرب أو ظلم، ومنهم طالبو الحاجات كطلب العلم والسائحون.

وهكذا، وبهذا الشرح المستنير، ولو كان مختزلا ومقتضبا، يكون العلامة مصطفى بن حمزة قد أزاح ثقلا كبيرا من فوق ظهور المسلمين الذين قد أشكل عليهم الحديث إشكالا كبيرا، كما أنه دحر أطروحات كل الذين كانوا يمتطون ظاهر الحديث ليثبتوا بأن علاقة الإسلام بجيرانه من أصحاب الديانات الأخرى كانت عدوانية قتالية وصدامية.

‫تعليقات الزوار

9
  • imstirne
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 05:50

    التحريف لم يكن في التأليف فقط، وإنما في طروحاته، فأطروحة "صاحب الوحيين" نقلت مركز الإسلام من التنزيل الحكيم إلى "محمد" وجعلت كل أقوال النبي وأفعاله هي أساس الدين، وأضافت عليها ما يسمى "الأحاديث القدسية" على اعتبار أن الله تعالى لم يكتف بالمصحف وإنما زاد عليه أيضاً ما هو مختلف عن الآيات، وأطروحة "بني الإسلام على خمس" جعلت الشعائر هي أساس الإسلام والأخلاق ليست ضمن أولوياته، وأودت بكل من لا يقيم الشعائر على طريقة محمد (ص) إلى جهنم وبئس المصير، ومن ثم حددت علاقة "المسلم" بالآخر المختلف على هذا الأساس.

  • Milano
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 09:50

    طرح او تساؤلات السيد بنحمزة غير مقنعة تماما و تعتمد على التقية و الهروب من الجواب الصريح.
    لو كان بنحمزة يمتلك جواب على الأمور اللااخلاقية و اللاإنسانية الموجودة بكثرة في الصحيحين (و القران) لأجاب شخصيا السيد رشيد أطلال على كتابه.
    أما قصة ذرع اليهودي التي يتغنى بها المسلمون فهي لا تستقيم مع الآيات و الأحاديث.
    الحديث الذي يقول "لئن عشت إن شاء الله لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً"، او الحديث الذي يقول "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"خير دليل على كذب السيد بنحمزة.
    اما قمة العنصرية و الاحتقار يتلخص في الآية القرانية "أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام".
    اذن الامر واضح و ليس فيه شك
    و شكرًا

  • رد على milano vatican
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 12:07

    انت troll, اصلا, ولكن للاستئناس,انقل لك النص التالي

    ألا يدل ذلك أنهم فقهوا أن المنهي عنه ليس مجرد وجود اليهود والنصارى في جزيرة العرب ولكن أن يكون لهم كيان استيطاني دائم، وأما وجودهم الطارئ كأجراء ومعاهدين ومستأمنين فليس هو مراد النبي –صلى الله عليه وسلم- وإلا لما تركهم الخلفاء الراشدون وذهبوا يفتحون آسيا وأوربا وأفريقيا.

    اما بخصوص المشركين فهو حكم مكاني للتعبد في اقدس بقاع المسلمين, اذن المشركين نجس دينا لانهم يعبدون ويشركون غير الله عز وجل في العبادة, هل يمكن لمسلم التعبد في كنيسة والصليب امامه او كنيس , لا , اذن العب غيرها

  • التحريفيون
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 14:08

    هدا إسلام.لا علم. لنا به. ،لم نسمع عن هدا الحديث الا. عند المتطرفين كمن يقول انه. موجه الى. العرب فقط. اي ان محمد ان قاله و هو مستبعد أو قال. ما يفيد دلك المعنى. و انتم أهل زخرف. القول وسادة التحريف. لسيما في انتقاء وابتداع وإعادة صياغة الأحاديث وفق الظرف التاريخي. وشروحاتك و شروحات بن حمزة. اسطع دليل فقد كان يقصد قبائل العرب. .لنعد الى موضوع السلاح و العنف. في الإسلام و هو ليس في حاجة الى تنظير. جائز فقط للدفاع عن النفس اي المال والعرض والأرض فالإسلام و بيانه القرأن ياخد ككل القران في شموليته على خلاف الخوارج والأحاديث. في إطار السيرة محمد كان يطالب فقط بحرية التعبير. وحورب وهجر من دياره للمتر من عقد وفقط القران أجاز له حمل السلاح انه دفاع عن النفس اي عن اوطانهم فادا كان كل معتقد ديني أو فلسفي أو سياسي يجيز الحرب فمادا سيكون عليه العالم حروب مجمد كانت لرفع ظلم ما اصابه هو و أصحابه وهنا يختلف محمد عن عيسى و فق ما كتبه الرهبان مال ما سطره المحدثون لا نعرف صدقه من انتحاله .

  • مسلم
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 19:51

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى جازا الله عنا سي بن حمزة كل جزاء ومتعه الله تعالى بعلمه وبارك الله في صحته وايده على المحجة البيضاء يارب. فالعالم له قدره عند الله لهدا يجب على العوام احترام العلماء. وعدم تطاول عليهم نحن لا نزكيه على الله. بل الله اعلم بمن اتقى. العالم يصيب ويخطء من اراد الر د ان يجب عليه ان يكون من دوي الاختصاص وبا ادب بارك الله فيكم

  • sifao
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 20:39

    من روائع الخطاب الديني انه الخطاب الوحيد الذي يجمع بين التناقضات في تناغم غريب ، لا فرق بين"لكم دينكم ولي ديني" وبين "من ابتغى من غير الاسلام دينا فلن يُقبل منه"او"قاتلوهم الى ان يشهدوا ان …"جميعها قد تفيد نفس المعنى حسب الظروف والسياق، في الاسلام وتاريخه تتعايش الوقائع المتناقضة والاحداث المتضاربة بشكل مدهش ،الصدق هو الكذب حسب سياق وروده ، الظلم هي العدالة حسب ظروف وقوعه ، السلم هو روح الدين والحرب مبدأ انتشاره ، الحب الله بقدر الكره لغيره …، المسلم في دفاعه عن عقيدته لا يكلف نفسه عناء التفكير،كل شيء عنده جاهز مسبقا لا يفتقر الى مراجع، عندما يكون في موقم مهاجم منتشي بالانتصار يقول ان الاسلام انتشر بالسيف ويروي بطولات خالد بن الوليد واعداد ضحاياه وجروح جسده وعمر بن العاص وغنائمه وطارق بن زياد وقواربه وصلاح الدين الايوبي وجيوشه…وعندما يكون في موقف مدافع مهزوم يقول ان الاسلام فتح البلدان ب"طلع البدر علينا"وفتح ابوابه للشعوب والقبائل فدخلوا فيه افواجا…وان الافعال السيئة المنسوبة الى السلف الصالح والخلف اللائق هي من صنع اعداء الاسلام ، هذا في الوقت الذي لا نعرف من هم اصدقاءه ؟

  • عبد العليم الحليم
    الخميس 28 فبراير 2019 - 00:14

    قال دوزي:

    (إنّ تسامح ومعاملة المسلمين الطيّبة لأهل الذمّة أدّى إلى إقبالهم على الإسلام؛

    لأنّهم رأوا فيه اليسر والبساطة،مما لم يألفوه في دياناتهم السابقة)

    قال يوري افنري(صحفي يهودي) :

    " لقد حكم المسلمون اليونان فهل أصبح اليونانيون مسلمين هل حاول احدهم
    أسلمتهم؟على العكس لقد تبوأ المسيحيون اليونانيون مراكز عليا في تركيا العثمانية.الصرب والبلغار وغيرهم من الدول الاوربية التي كانت تحت الحكم العثماني ظلت مسيحية نعم الالبان و البوسنيون أصبحوا مسلمين ولكن هذا كان خيارهم و ليس بالاكراه.

    في عام 1099 الصليبيون اجتاحوا القدس و ذبحوا المسلمين و اليهود المقيمين فيها دون تمييز باسم المسيح الطيب الرقيق.في هذا الوقت اي بعد 400 عام من حكم القدس من قبل المسلمين كان المسيحيون في القدس اكثرية طوال هذه الفترة الطويلة لم يقهرهم احد على التحول للاسلام…
    كما انه لا يوجد اي دليل على اي محاولة مورست ضد يهودي لتحويله للاسلام…
    إن أي يهودي امين لا يستطيع الا ان يشعر بالعرفان والتقدير للاسلام وأهله الذين حموا خمسين جيلا من اليهود في الوقت الذي كان فيه العالم المسيحي يضطهد اليهود ويحاول تغيير عقيدتهم بالسيف"

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة