هل يفلح ”البي جي دي“ في تشكيل الحكومة المقبلة ؟؟؟

هل يفلح ”البي جي دي“ في تشكيل الحكومة المقبلة ؟؟؟
الخميس 1 دجنبر 2011 - 02:01

رغم النقائص والتجاوزات التي أتت بها لعبة صناديق الاقتراع في فترة ما بعد الدستور الجديد، يمكن القول أن التجربة الديموقراطية التي عرفها المغرب مؤخرا قد اتسمت بنوع من الجدية والنزاهة الواعدة. فأمل المغاربة كبير في أن يكون قطار الديموقراطية قد وضع على السكة ليبدأ المشوار الطويل والعسير للوصول إلى غايته. فالجميع يعرف أن طريق العودة إلى ظلمة الاضطهاد والاستبداد لم يعد سهلا ومعبدا كما كان.

الآن وقد عين جلالة الملك عبد الاله بنكيران، لرئاسة الحكومة المزمع تشكيلها، يبدو وكأن لاشيء يقف في طريق قيادة حزب العدالة والتنمية مغرب الغد و مغرب المستقبل. غير أن الأمر ليس بهذه البساطة التي قد نتصور. فالواقع المعقد في الساحة السياسية المغربية تجعلنا نشكك في بداهة هذه الخلاصة التي تبدو للكثيرين وكأنها أصبحت حقيقة لا نقاش فيها. إن قراءة متأنية للرهانات والتناقضات تحت قبة البرلمان، تجعلنا نطرح أكثر من علامة استفهام. فهناك إشكاليات عويصة وتحديات عظام تواجه إمكانية تشكيل الحكومة وقيادتها من طرف حزب العدالة والتنمية. من بين تلك الإشكاليات والتحديات نذكر ما يلي :

1- إشكالية إمكانية إحداث تغيير موعود .
2- إشكالية تشكيل حكومة ائتلاف.
3- مصداقية الحزب على المحك.

1- إشكالية إحداث تغيير حقيقي:

إن المرتبة الأولى لحزب العدالة والتنمية التي أفرزتها صناديق الاقتراع توهمنا وكأن المقترعين قد منحوا هذا الحزب فعلا قوة تأثير فاعلة داخل مؤسسة صناعة القرار. لكن الحقيقة قد تكون اكثر مرارة مما قد يتصور حزب العدالة والتنمية ومناصروه. إن امتلاك ربع مقاعد البرلمان أو أكثر قليلا لا تمنح أي حزب كان القوة ولا السلطة لإحداث تغيير كبير يريده هو والمتعاطفين معه. من أجل تحقيق تغيير منشود يتعين على الحزب أن يتوفر على أغلبية مريحة في البرلمان. هذه الأغلبية المريحة لا يتوفر عليها أي حزب حاليا. ولا يمكن لأي حزب مهما انتشرت شعبيته واتسعت أن يتوفر عليها في إطار التركيبة الانتخابية الحالية. قوة ما أرادت أن تحول دون ذلك بخلقها لهذه التركيبة المضرة بحرية الشعب في اختيار من يتولى أمره. فحزب العدالة والتنمية، أكبر الأحزاب اليوم، لا يستطيع لمفرده سن قوانين أو تغيير أخرى. أمر من هذا القبيل رهين إذن بمدى استعداد أحزاب أخرى وتحمسها لذلك. فالأحزاب كلها لا تريد لبعضها لا العظمة ولا الخلود. فعظمة هذا تعني فيما تعنيه، هزالة الآخر وقلة شأنه. فالمنافسة القاتلة تظل قائمة قبل تشكيل الائتلاف، أثناءه وبعده. هذا الأمر يؤدي بنا إلى الإشكالية الثانية: تشكيل الحكومة.

2- إشكالية تشكيل الحكومة و لعبة المفاوضات:

يبدو أن هذا الانتصار الذي حققه حزب العدالة والتنمية يطرح له من المشاكل أكثر مما يحلها. فهو وإن بدا للجميع حزبا كبيرا نسبيا، فإنه مازال في واقع الأمر حزبا صغيرا وضعيفا في نفس الآن. والدليل القاطع على ضعفه وصغر حجمه أنه في حاجة ماسة إلى حلفاء لمزاولة السلطة. بمعنى آخر، أنه يحتاج للآخرين والآخرون ليسوا بالضرورة في حاجة إليه. لولا الدستور الجديد لربما ما حظي بمبادرة الشروع في تشكيل الحكومة المرتقبة.

فالمشكل العويص الأول وليس الأكبر، الذي يواجه حزب العدالة والتنمية هو إذن البحث عن شركاء سياسيين مناسبين لتشكيل الحكومة. قد يبدو هذا الأمر هينا للكثيرين، لكن الواقع الراهن يعكس صورة مغايرة تماما. لأن الأحزاب التي ستبدي رغبتها في المشاركة في تشكيل الحكومة، ستعرض كمقابل لذالك، مطالب سياسية من العيار الثقيل. فبالإضافة إلى مسألة توزيع الحقائب الوزارية، هناك معركة ما يسمى بالاحتفاظ بملامح الوجه الحزبي وعدم التفريط فيه داخل الائتلاف المزمع تشكيله. كل طرف سيكافح من أجل تقوية ملامح وجهه من خلال تحقيق جزء من مطالب مناصريه والمصوتين عليه. هذا يفرض تنازلات مؤلمة على الجميع. وبما أن نجاح حزب العدالة والتنمية التاريخي كان من أهم أسبابه رغبة المقترعين في تحقيق التغيير والتغيير الحقيقي، فان تقديم تنازلات مهمة لشركائه، سيمس مباشرة مصداقيته وشعبيته أكثر مما يمس مصداقية وشعبية منافسيه.

3- مصداقية الحزب على المحك:

في حالة إذا ما نجح حزب العدالة والتنمية في قيادة الحكومة المقبلة فانه دون ريب، سيضع مصداقيته على المحك. مناصروه والمتعاطفون معه أهدوه الانتصار أملا في تغيير واضح وجلي. وسيعتقدون انه وهو يقود حكومة الائتلاف لقادر على ذلك. فعليه حينذاك إذن أن يحارب الفساد والمفسدين كما وعد. وعليه أيضا أن يرسخ أركان الديموقراطية و يفي بالوعود الأخرى الصغيرة والكبيرة من بينها ملفات التعليم والتشغيل والتنمية الاقتصادية وغيرها. أما إذا عاد من مفاوضاته مع شركائه المفترضين بسلة نصف فارغة، فسيكون ذلك مسيئا جدا لمصداقيته وشعبيته. لذلك سيكون حتما على هذا الحزب في لحظة ما قادمة، أن يطرح على نفسه هذا السؤال الصعب ويجيب عنه: قرار دخول السلطة، جنبا إلى جنب مع أحزاب وأشخاص سئم منها الكثير من المغاربة، مقاطعين للانتخابات وغير مقاطعين، هل هو قرار مفيد لمستقبل الحزب أم مسيء له؟ لا أحد بإمكانه الإجابة على هذا السؤال نيابة عنه. لكن كل من يعلم قليلا بخبايا السياسة ودهاليزها يضع في حسبانه أن نسبة نجاح محاولة العدالة والتنمية في قيادة الحكومة المقبلة قد تكون أقل كثيرا من فشلها. غير أن الفشل في هذه المهمة قد يضاعف نجاح الحزب في الانتخابات المقبلة إذا ما استطاع أن يوظفه على أنه عداء وتكالب من طرف منافسيه. وهذه الحقيقة ستؤرق الكثير من منافسيه.

و يبقى من المرجح أن حزب العدالة والتنمية قد لا يقوم بمغامرة تولي السلطة إلا في حالة تمكنه هو الآخر من إحراز مكاسب هامة في مفاوضاته المتوقعة مع شركائه المفترضين. قد تكون من بين هذه المكاسب إمكانية العمل على التعجيل بتحقيق ملكية دستورية حقيقية وسن قوانين تمكن الشعب مستقبلا من اختيار من يتولى مسؤولية تسيير دواليب الحكم دون تقزيم أو تحجيم. والمقصود بذلك فتح الأبواب الموصدة حاليا في وجه إمكانية حصول حزب ما – إذا نال ثقة الشعب – على الأغلبية البرلمانية وبالتالي إمكانية تحمله لوحده مسؤولية الحكم دون استجداء مساندة منافسيه داخل البرلمان. ينبغي أن تكون للشعب القدرة الحقيقية على رفع أعداد ممثليه من الحزب الواحد إن شاء، أعلى عليين وأن ينزلهم إن شاء، أسفل سافلين. حينذاك يمكننا فقط أن نقول أن الشعب فعلا هو مصدر السلط، وتلك هي الديموقراطية الحقة.

فهل سيكون للعدالة والتنمية شرف الرقي بالمغرب إلى مصاف الدول الديموقراطية؟ هذا على الأقل ما يتوقعه منه الكثيرون. فبعد الربيع العربي، لم يبق الخبز هو الهم الأوحد و الوحيد للمغاربة. ولعل الجميع يعلم الآن ذلك.

*خريج جامعة محمد الأول بوجدة. مقيم حاليا خارج أرض الوطن.

‫تعليقات الزوار

7
  • الودغيري محمد
    الخميس 1 دجنبر 2011 - 11:15

    إن العاءق الوحيد امام تقدم المغرب هو عقلية الطبقة الممسكة بمفاصل الوضيفة العمومية وعموم التجار فالأول يستغني من بتيسير القوانين والتاني يزداد تضخما وتسلطا وليس هناك طريق واضح للمعاملات الأدارية و التجارية سوا ان تهيأ ضرفا و تقضي حاجتك بسلاسة هدا يخلق اقتصاد موازي يجعل الطبقة كبيرة من الشعب في حيرة ليس بإكانهم اختراق الحاجز اللذي تخلقه هده الوضع وهدا التناءي هو من سيقف ضد اي حكومة نزيهة سواء من العدالة والتنمية او غيرها 

  • الوكيلي
    الخميس 1 دجنبر 2011 - 12:03

    مقال غاية في الروعة ، تحليل جد ذكي للمرحلة المقبلة التي يضع فيها حزب العدالة والتنمية أولى خطواته فيها ، الإشكاليات التي طرحها الكاتب هي فعلا رهان التحدي الذي يجب أن يكسبه الحزب الإسلامي ، وحين نتحدث عن الكسب فإننا نقصد بذلك ، كما قال الكاتب ، كيف يستطيع العدالة والتنمية خوض غمار تجربة الحكم مع أحزاب شبه فاقدة للمصداقية ؟ ثم ماذا سيجني لو اتخذ قرار عدم تشكيل الحكومة ؟ هي أسئلة ليس من السهل الإجابة عليها ، الأيام المقبلة وحدها الكفيلة بتوضيح رؤية المشهد السياسي المغربي بعد الانتخابات وبعد تعيين السيد بنكيران رئيسا للحكومة .
    شكرا للكاتب على هذا التحليل الدقيق الذي حاول فيه لمس كل المقاربات التي تتعلق بالتوازنات التي تتعلق بمستقبل العدالة والتنمية والإشكاليات التي تعترضه في بلورة حكومة تنسجم مع أرضيته كحزب إسلامي أولا ومع برنامجه الانتحابي الذي وعد به المصوتين ثانيا .

  • sami
    الخميس 1 دجنبر 2011 - 12:17

    لعل الشيء الجميل الذي ورد في مقال الكاتب السيد الحمداوي عبد المجيد ، خروجه عن النمط التقليدي للتحاليل التقليدية لاستشراف آفاق المرحلة المقبلة التي ستلي تعيين السيد بنكيران رئيسا للحكومة ، ان قدرة ومهارة الكاتب تتجلى أساسا في كونه استطاع أن يرسم عدة سيناريوهات لا أحد – أو لنقول _ ليس هناك الكثير من المحللين السياسيين من وضع مثل هذه السيناريوهات في الحسبان . وهي سيناريوهات حسب القراءة المتأنية والعميقة للكاتب تؤكد بأنها واردة جدا وقد تتحقق في ظل الضبابية التي تسود الوسط السياسي المرتبك جراء التغييرات المتسارعة المتمثلة في تغيير الدستور وعدم قدرة الكثير من الأحزاب الإدارية مسايرة تطور هذا الدستور الذي ينتظر منه أيضا أن يتطور أكثر فأكثر خلال حكومة بنكيران المقبلة

  • karim
    الخميس 1 دجنبر 2011 - 12:29

    الكاتب وهو يضع مقاله بين أيدينا ، يضع في الواقع صورة للوضع الذي ستؤول إليه المرحلة المقبلة ، صحيح نجح حزب العدالة والتنمية ، ولكن هل بإمكانه تشكيل الحكومة ؟!! هذا السؤال البسيط يخفي عمقا في تأويل الأجوبة السياسية الملائمة لمرحلة عصيبة يمر بها الحزب ، وربما كانت هذه المرحلة هي الأصعب في تاريخ الحزب حتى في سنوات الاضطهاد والتعسف الذي تعرض لهما في تاريخه . انه الآن مبدئيا على رأس الحكومة ، ويفترض كما قال الكاتب أن يشكل حكومة متوازنة لا تخل بمصداقيته وسمعته التي بناها عن جدارة لدى مناصريه ، لذلك يصعب التكهن بمصير تواجده على رأس الحكومة من عدمه ، هناك عدة اكراهات حللها الكاتب باقتدار وشرحها بكل الوضوح الممكن . فقط يبقى السؤال المقلق : اذا لم يشكل البي جي دي الحكومة ، فأي حزب أو تكتل حزبي سيفعل ؟ هل نعود مرة أخرى لنعيش سنوات طوال من الإحباط ؟ سيناريو جد مخيب للآمال ، بل قد يقود البلاد لما لا نتمناه لها .

  • ازوركي
    الخميس 1 دجنبر 2011 - 12:46

    تطلعاتنا ان تكون الحكومة المقبلة في خدمة الشعب وتكون القطيعة مع الفساد .ان فشل حزب العدالة في تكوين الحكومة يعني ان اللاخرون يخافون من القطيعة مع الماظي السئ المليء بالفساد . ومذا بعد

  • رشيد
    الخميس 1 دجنبر 2011 - 15:31

    قلت :
    قوة ما أرادت أن تحول دون ذلك بخلقها لهذه التركيبة المضرة بحرية الشعب في اختيار من يتولى أمره. فحزب العدالة والتنمية، أكبر الأحزاب اليوم، لا يستطيع لمفرده سن قوانين أو تغيير أخرى

    هل يعني دلك ان 20 فبراير كانت على حق و ان الانتخابات مجرد مسرحية لا تعطي حق الحكم لمن اختاره الشعب ؟

    اتمنى ان لا يكون هدا صحيحا لان البديل للتغيير سيكون مكلف و غير معلوم العواقب

    ارجو ان لا يكون تم خداعنا بهدا الدستور و الانتخابات لمجرد تهدئة الوضع فقط

  • رشيد
    الخميس 1 دجنبر 2011 - 15:37

    ارجو من السيد بن كيران ادا ضهر له ان التحالف مع احزاب اخرى كحزب الاستقلال الفاسد سيؤدي الى تنازلات كبيرة لن تسمح بحكومة قوية قادرة على الاصلاح
    ان يقوم بخطوة جريئة جدا و شجاعة جدا و هي تقديم الاعتدار للملك و ترك الساحة للمفسيدين ليعودو للنهب و الفساد و ليقوم الشارع بفعل اللازم معهم اعتقد هدا هو الحل الاخير ادا لم تنجح في تشكيل حكومة قوية و نضيفة لاول مرة مند الاستقلال

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 1

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال