ما السبب في عدم وجود عالمات مفسرات للقرآن الكريم؟

ما السبب في عدم وجود عالمات مفسرات للقرآن الكريم؟
الأربعاء 17 أبريل 2019 - 21:41

إن الخطاب الديني اليوم منفصل تماما عن الواقع، ومنفصل كذلك عن زمانه ومكانه ومحيطه، ينبغي تجديده وعصرنته وعقلنته وترشيده، فديننا الإسلامي ما فتئ منذ نزوله يدعو الناس كافة إلى التفكر والتدبر والتبصر والتعقل والتعايش.. فكل مثقف أو مفكر أو كاتب أو عالم أو شيخ أو داعية ينتهج الخطابات العنصرية والمثالية والخرافية والطائفية، والحزبية والأيديولوجية فهو في الحقيقة يسهم في عرقلة مسيرة وطنه وتقدم أمته، كما يعاكس عالمية دعوة الإسلام وهدي النبي العدنان الذي أرسله الله رحمة للعالمين، ولا يحصد من نوعية هذا الخطاب إلا الإعجابات و”اللايكات” والتصفيقات من قبل الغوغاء والدهماء والحمقى الذين ليس لهم نصيب في الفكر الديني، وفي السياسة، وفي الثقافة، ولا هم في العير ولا في النفير كما يقال..

ولا أبالغ إن قلت بأن هناك أزمة فكر إسلامي، وأزمة خطاب ديني وأزمة الأمة المسلمة كلها، وإن اختلفت الرؤى حول نوعيتها، هل هي أزمة فكرية أم سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية ؟، فهذا لا يغير من الأمر شيئا.

ومن خلال استقرائنا للأوضاع الدينية في العالم الإسلامي يمكن تحديدها في جوانب كثيرة؛ منها عدم قدرتنا على فهم النصوص القرآنية فهما مقاصديا، بحيث كان الاهتمام بتفسير عموم آيات القرآن الكريم وإغفال النظر إلى القضايا العامة التي تناولتها آياته، وغلب التفسير الموضِعي -حسب تعبير الداعية محمد الغزالي- بدل التفسير الموضُوعي الذي يهدف للإجابة عن الأسئلة الكبرى والقضايا الأساسية، مع العلم أن مادة التفسير واسعة جدا، وكان يمكن استثمارها للإجابة عن قضايا الواقع ومعالجة هموم الناس ومستجدات العصر بموضوعية وعلمية؛ لكن شيوع الأول أحدث جمودا في علوم القرآن ككل، وكانت المرأة المسلمة المتضرر الأول من نوعية هذه التفاسير وهذا الجمود الذي أصاب عقل الفقيه والمفسر معا؛ بحيث فسرت آياته من قبل المفسرين تفسيرا ذاتيا ذكوريا جعلوا من أنفسهم محور الكون، كما منحوا لأنفسهم شرعية التحكم في المرأة، واعتبروها ناقصة عقل ودين، وبضاعة ومتاع ودابة تركب وعبدا من عبيدهم يتصرفون فيه متى شاؤوا وكيفما شاؤوا، ومن يراجع كتب الأحكام الفقهية المتعلقة بالمرأة سيتفاجأ بكثير من المرويات والأحاديث الموضوعة والضعيفة؛ بل والمكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصب جلها في هذا الاتجاه، وهي تثبيت أفضلية الرجل على المرأة! ومن هذه الأحاديث أخرج الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه أدب لهم”.

وفي هذا السياق، قالت لي سيدة، وهي تحاورني عن حقوق المرأة في الإسلام وعن إنتاجها الفكري والثقافي والديني، وقالت بالحرف الواحد: لا نكاد نعثر على مفسرة واحدة للقرآن الكريم عبر التاريخ الإسلامي، يا ترى ما السبب؟ فقلت لها مباشرة وبدون تردد: معك حق سيدتي وأوافقك الرأي، وخصوصا في شأن مشاركة النساء المسلمات في تفسير القرآن الكريم ورواية الحديث وغير ذلك من العلوم الإسلامية، مع العلم أن زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت المرأة تعيش عصرها الذهبي؛ بحيث برزت صحابيات عالمات ومحدثات وفقيهات ومفسرات، أمثال فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول صلى الله عليه وسلم، وخديجة رضي الله عنها، حتى عائشة رضي الله عنها – وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم- أصبحت لها مدرسة فقهية وتفسير معتبر واجتهادات متميزة وفتاوى متعددة في كثير من القضايا والنوازل، وتوبيخها لأبي هريرة رضي الله عنه لخير دليل؛ لنقله معلومات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ربما لم يفهم معانيها أو نسي شيء منها، جاء في الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بأن ثلاثة يقطعون القبلة (أي الصلاة): “الكلاب والحمير والنساء”، فقامت عائشة رضي الله عنها بتصحيح الحديث وأنكرت على أبي هريرة هذه الرواية، وقالت بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا وإنما قال: “إننا لسنا مثل اليهود الذين يقولون بأن ثلاثة أشياء تقطع القبلة: “الكلاب والحمير والنساء”. فهذه القصة تعطينا بأن المرأة المسلمة كان لها وجود فعلي في عصر النبوة وفي جميع المجالات، سواء الدينية منها أو السياسية.

ويرجع، حسب رأيي الشخصي، عدم وجود عالمات مسلمات ومفسرات للقرآن الكريم وفقيهات ومحدثات إلى أسباب كثيرة؛ من أبرزها التقاليد والأعراف الجاهلية التي كانت تعطي السيادة والقيادة للرجال على الناس، هذه التقاليد تغلغلت في عقلية الرجل المسلم ولم يستطع الانفكاك عنها، مع أن الإسلام أبطل الكثير منها وجعل المرأة كالرجل تماما ومتساوية معه ولا فرق بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح كما جاء في القرآن الكريم “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، وليس كما دون في بعض كتب التراث بأن المرأة حبل من حبائل الشيطان، فتانة، أفعى، ساحرة، خبيثة، وإلى غير ذلك من الألفاظ المشينة، التي استعملت من قبل الرجل لإذلالها وإسكاتها وطمس مواهبها وإلجامها والتحكم فيها، تارة باسم هذه التقاليد والأعراف، وتارة باسم الدين..

حتى تجرأت بعض الحركات الدينية المتطرفة في السنوات الأخيرة لمنعها من القراءة والكتابة والتعلم، فألّف أحدهم رسالة صغيرة تحت عنوان: “الإصابة في منع النساء من الكتابة”، فهذه الجهالات التي سجلت في بعض كتب الفقه الإسلامي عن المرأة مخالفة تماما لتعاليم القرآن الكريم، فالمرأة في القرآن شقيقة الرجل ومتساوية معه، وشريكة له في تحمل المسؤوليات وتأدية الواجبات، حتى في طلب العلم، قال صلى الله عليه وسلم: “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة” وقوله صلى الله عليه وسلم “النساء شقائق الرجال”.. ولهذا، فدورها في عصر النبوة وباقي الفترات المشرقة من تاريخنا الإسلامي كان إيجابيا جدا ولم يكن مقتصرا على الوظائف البيتية والأسرية، كما تعلمنا في هذه الكتب، وهناك نماذج لا تعد ولا تحصى من نساء رائدات كـ”الشفاء العدوية” التي ولاها عمر بن الخطاب رضي الله عنه السوق وكانت أهلا لذلك، كما كان لها شأن في علوم الطب والتجارة والفلك وغير ذلك، وإلا فمن الذي اخترع الأسطرلاب، إنها مريم الأسطرلابي. كما أنَّ جامعة القرويين بالمغرب، وهي من أقدم الجامعات في العالم، أسّستها امرأة فاضلة كرّست جهدها وثروتها لأعمال تعود على الناس بالفائدة، إنها فاطمة الفِهرية، هذه الجامعة تخرّج منها الكثير من العلماء الكبار ووصل إشعاعها إلى أوروبا في القرون الوسطى.

وخلاصة القول، وهو أنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وابتعاد المسلمين عن نور نبوته وعن هديه صلى الله عليه وسلم، مع سيطرة التقاليد والعادات القبلية والأعراف الجاهلية على المجتمعات العربية والإسلامية، والتي أصبحت فيما بعد عبارة عن قوانين “إسلامية” يحتكم إليها الرجل المسلم باعتبارها تعاليم دينية يجب التقيد بها، بالإضافة إلى العادات والموروثات السلبية التي تغلغلت في شرايين دمه وترسبت في عقله الباطني عبر التاريخ، جعلت نظرته سلبية جدا تجاه المرأة.. ولهذا، لا يستطيع مشاهدتها، وهي فقيهة عالمة مفسرة للقرآن الكريم، أو رئيسة علماء، أو قاضية، أو رئيسة دولة، أو رئيسة جامعة إسلامية، أو مفتية ووزيرة للأوقاف والشؤون الدينية.. وهذا في الحقيقة خلاف لما عليه تعاليم القرآن الكريم الذي مدحها في أكثر من موضع وأشاد بها في كثير من آياته؛ بل وسميت سورة في القرآن الكريم باسمها، وهي سورة “النساء”.. وأكثر من هذا فقد كرمها الله تعالى من فوق سبع سماوات وجعل الجنة تحت أقدامها، وما توصلت إليه المرأة المسلمة وغيرها من النساء في العالم اليوم من تحقيق مكاسب كثيرة وتسلق مناصب عليا ما هو إلا بفضل البيان العالمي لحقوق الإنسان، مع أن الحقوق المتضمنة في هذا البيان العالمي كان قد ضمنها البيان القرآني منذ ما يزيد عن 14 قرنا.

‫تعليقات الزوار

7
  • Peace
    الخميس 18 أبريل 2019 - 04:15

    وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4) الليل الله تعالى خلق الذكر و الانثى و هو يقسم بذلك, لانه شيء عجيب في حد ذاته يحتاج الى التفكر في عظمة الخالق و تسبيحه, كيف يخلق من نفس واحد مخلوقين مختلفين فيزيولوجيا و لكل منهما خصوصياته و مزاجه و في نفس الوقت يكملان بعضهما و لا يستطيع الواحد الاستغناء عن الاخر و بينهما مشاعر…و ان سعيكم لشتى, سواءا بالنسبة للرجل او المراة, فكلاهما سيحاسب على افعاله امام الله. و يمكن للمراة ان تكون مؤمنة طيبة و يمكن ان تكون كافرة و شريرة. "ان كيدهن عظيم" لان للنساء خصائص معينة كما ان للرجل نقط قوة, فالنساء معروفات بكيدهن, اما الرجل فمعروف بعنفه. و اذا كانت المراة كافرة, فيمكن ان تكون كالافعى. و هناك نساء فضلهن الله على نساء العالمين , يعني ان الله يوتي فضله من يشاء, سواءا اكانت امراة او رجل و الله ذو الفضل العظيم, طبعا اذا فضل الله امراة على العالمين, فانه اذا كان مثلا زوجها مؤمن, فهو ايضا يكون يليق بها, لان الطيبون للطيبات, مثلا سيدنا محمد و خديجة او علي و فاطمة

  • sifao
    الخميس 18 أبريل 2019 - 07:49

    صاحبنا يقول ان هناك ازمة في الفكر الاسلامي وليس في الاسلام ، اي ان الازمة فيما ينتجه المسلم من افكار حول الاسلام وليس في الاسلام ذاته، لذلك يِؤجل الحكم في قضية دامت زهاء 14 قرنا من الزمن ، هل هي ازمة فكر ام ازمة انسان ، رغم مرور 15 قرنا على نزوله لم يستطع الانسان المسلم فهم نصوص دينه فهما صحيحا ، ولا اعرف كم قرنا اضافيا يحتاج كي يفهمه فهما صحيحا ، واذا فهمه فهما صحيحا ما هو النموذج التنموي البديل الذي سيقدمه لنا لتجاوز ازمة التخلف ؟ اعتقدنا لزمن طويل ان التخلف سببه العوز المادي ، ننظر الى الغرب على انه متقدم لانه يملك احداث التقنيات ، افخم السيارات والطائرات والياختات ورغد العيش ووفرة كل شيء للمواطن الغربي ، لكن اكتشفنا ان امتلاك مثل هذه الاشياء لا يعني التقدم ايضا،هناك مسلمون يمتلكون ما لا يملكه احد الا انهم متخلفون في افكارهم وسلوكاتهم ، مظاهر الثراء المادي اذا لم تصاحبها مظاهر الثراء القيمي لا تعني تجاوز الازمة قطعا ، التغيير اذا لم يمس الاسس لا يسمى تغييرا ولا يمكن ان يغير من واقع الحال في شيء ، عسر الفهم الذي يبني عليه الاسلاميون تبريرهم لازمة المسلمين ودينهم يضعهم خارج التاريخ

  • عبد الله عبد الرحمان
    الخميس 18 أبريل 2019 - 10:45

    ومن يمنع المرأة من أن تكون عالمة أو مفسرة مع ضرورة مراعاة الضوابط الشرعية.أرى أن فهمكم للأمور ضعيف جدا وضيق، هذا إن كان عن حسن نية، أما إذا كان مسخرا في التشكيك في التوابث فهذا شئ آخر. الاحاديث التي أوردها الاستاذ فهي بالنسبة ل'علقوا السوط…' فهو حديث ضعيف وإذا افترضناه صحيحا فمن أدراك أنه قيل في المرأة أو الزوجة…. وبخصوص حديث المرأة والكلب فكان المقصود منه المرأة البالغة التي بها يفتتن الرجال وبالتالي لايتم خشوعه في الصلاة شأنها شأن الحمار الذي ينهق والكلب الذي يشوش على المصلي. اما في ما يخص رد عائشة رضي الله عنها على الحديث فكان من إجتهادها ورأيها والسنة بكونها وحي من الله تقدم على باقي الاجتهادات والاراء. أسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويهدينا جميعا الى سراطه المستقيم.

  • Peace
    الخميس 18 أبريل 2019 - 11:14

    الاسلام و كثير من الفقهاء لا يمنعون المراة من العلم و التفسير و الدعوة الى الله و التصدق و فعل الخيرات و و و لكنها في الماضي و حتى في الحاضر تقوم بذلك بشكل مختلف عن الرجل, لانها مثلا لا تحب الاختلاط بالرجال و اظهار وجهها و محاسنها و رفع صوتها في المنابرو هي تتكلم عن الدين, و هذا من التقوى, فكانت غالبا تكتفي بالتحدث في شؤون الدين و شؤون اخرى فقط مع محارمها و مع النساء, و هي التي اختارت ذلك اي عدم الظهور و الشهرة و رغم ذلك فنها تصبح مشهورة و تدخل في التاريخ.

    اما ناقصات عقل و دين, فالعقل في الشريعة لا يعني الفكر و انما واجب التذكر, كما نقول بالدرجة "واش عقلتي على هديك المراة لي جات و قالت" فتقول المراة "لا م عقالتش" و ليست مرغمة بادلاء الشهادة عن جريمة امام القاضي. و ايضا ناقصة دين, ليست ملزمة بالذهاب الى المسجد و صلاة الجماعة. يعني فقط سقوط الواجب على الرجل شرعا.

  • Peace
    السبت 20 أبريل 2019 - 07:13

    4 – عبد الله عبد الرحمان

    السيدة عائشة رضي الله عنها هي من اكبر علماء الامة, فكيف تتجرا و تقول انه اجتهاد منها فقط, اصلا هذا ليس اسلوب النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث, هذا اسلوب اليهود, جمع الحمار و الكلب و المراة, رغم ان المقصود ليس هو المراة في حد ذاتها و انما الرغبة الجنسية التي تثيرها او النجاسة او لنقل عدم الطهارة بدم الحيض و النفاس, فعلى المراة ان لا تدخل للمسجد الا طاهرة و الا تدخل متبرجة لاثارة شهوة الرجال. اما الصلاة بصفة عامة فلا يفسدها مرور حمار او كلب او امراة متبرجة, المسلمون وضعوا حدود زربية الصلاة, يجب على المار عدم اجتيازها, فسواءا كان المار امامك طاهرا ام لا عليه الا يتجاوز هذا الحد و يكون مكان الزربية طاهرا..

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 1

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب