الخطابي عن فلسطين: الشكوى لا تغني .. ولو بكينا إلى قيام الساعة!

الخطابي عن فلسطين: الشكوى لا تغني .. ولو بكينا إلى قيام الساعة!
الخميس 24 يناير 2008 - 04:19

لا يختلف اثنان على أن العرب ومعهم القضية الفلسطينية يمرون في أحلك فترات تاريخهم المعاصر. فكلما خرجوا من نكسة أحياء بلا حياة، يصدمون بنكسة أخرى أشد وقعا من الأولى حتى أضحت أجيال النكسات معقودة اللسان، “مقوسة” الظهر لا تعرف للسماء لونا.
أسوق هذا الكلام وأنا أتصفح أوراقا نابضة من حياة بطل من أبطال وطننا الكبير المخذول بحكامه. بطل آمن بأن الشعب وحده هو صانع التاريخ. وحينما يُهمش الشعب وتُغيب إرادته، تخبو جذوة العطاء وينطفئ الأمل. هذا البطل هو محمد بن عبد الكريم الخطابي قائد ملحمة أنوال الخالدة. تلك الملحمة التي جسدت تلاحما رائعا بين شعب رفض وجود الأجنبي فوق أرضه، وبين قائد ترجم معاني ذلك الرفض إلى أنشودة رائدة أصبحت نبراسا لطلاب التحرر في العالم.
عبد الكريم الخطابي قام بواجبه الوطني مع إخوانه الريفيين، فلقن للاستعمار درسا في الإباء لم يخطر أبدا على بال المخططين العسكريين لا في إسبانيا ولا في فرنسا. ويكفي دليلا على قوة الصدمة التي شعر بها المستعمرون، أن فرنسا استدعت جنودها المرابطين على الحدود مع عدوتها ألمانيا لمواجهة الريفيين، وأن إسبانيا لجأت إلى سلاح الغازات السامة لقصف القرى والتجمعات السكنية الآمنة. هذا فضلا عن الحصار الدولي المضروب على الشواطئ الريفية، بحجة مراقبة ومنع تهريب السلاح. كل هذا و “الجمهورية الريفية” صامدة ومجاهدة لمدة خمس سنوات. وعندما استنفد كل وسائل المقاومة المشروعة، سلم الخطابي نفسه وعائلته لسلطات الحماية الفرنسية التي نفته إلى جزيرة “لاريونيون” في المحيط الهندي، حيث مكث مدة تزيد عن عشرين سنة. وفي سنة 1947 نزل في القاهرة في مغامرة ما تزال فصولها غامضة. ومن قاهرة المعز لدين الله، استأنف الخطابي مشوار نضاله من أجل التحرر والانعتاق من نير الاستعمار ومن ذل التبعية.

ولقد صادف نزول الخطابي في مصر، بلوغ تفاعلات القضية الفلسطينية ذروتها. فكان من الطبيعي أن تشغل موقع الصدارة في اهتماماته النضالية، مبديا استعداده ليقود مع شقيقه امحمد أفواج المتطوعين المغاربة، لإحياء أسلوبه العسكري الذي انتهجه بنجاح باهر خلال حرب الريف. ففي أعقاب اجتماع بينه وبين أمين عام الجامعة العربية، أدلى عبد الكريم الخطابي بحديث صحفي نقلت “الأهرام” مقتطفات منه (9/9/1947)، أكد فيه أن “القضية الفلسطينية تحتل المكان الأول، والأعمال الآن أولى من الأقوال”. وأضاف قائلا: إن “الأيام القريبة ستظهر أعمالنا“.
نعم! إن الأعمال أولى من الأقوال. فالاستعمار لم يغز الأوطان بالأقوال. وفلسطين لم تغتصب بالأقوال، وبالتالي فإن إرجاع الحق لن يتم أبدا بواسطة الأقوال. ولعل هذه الحقيقة البديهية كانت وراء نجاحاته العسكرية في ميادين التحرير.
لقد آمن الخطابي بإمكانية صد العدوان على فلسطين وتحقيق النصر المؤمل في “أيام معدودات”، شريطة “تضافر القوى ولمّ الجهود في فلسطين أولا وفي العالم العربي ثانيا” (مجلة ‘الأمانة’ المصرية، ع. 3، يناير 1948)”. ويحق لنا أن نتساءل بعد مرور ستين سنة على هذا الحديث ، هل تحقق الحد الأدنى من هذا الشرط؟ الجواب ناصع الوضوح وكأني بالخطابي يصرخ في قبره: ما أشبه اليوم بالبارحة!!
كان الخطابي يرى أن أولى الخطوات في سبيل إحقاق الحق، هي البدء في شن حرب اقتصادية على المعتدين. “ولعل أجدى سلاح ـ يؤكد الخطابي ـ في أيدي العرب الآن تنظيم مقاطعتهم [اليهود] مقاطعة كاملة في التجارة والصناعة والتعامل وما إلى ذلك …” ومن عجائب الأمور أن هذا السلاح الفعال تتقن الأنظمة العربية اليوم استخدامه فيما بينها، في حين تسرح سلع أعدائها وتمرح في أسواقها دون أن ترتفع للشعوب قصبة.
إن تضافر الجهود إذن، وتوحيد الصف والاعتماد على النفس، وصفاء الطوية، وتجنب الحزازات السياسية والحسابات الضيقة؛ كل هذا كفيل بتعبيد الطريق نحو تحرير فلسطين. بيد أن المهمة المباشرة تقع، في رأي الأمير، أساسا على الفلسطينيين أنفسهم. ويقتصر دور الحكومات العربية على إمدادهم بالسلاح والعتاد وتوحيد الكلمة (صحيفة ‘الإخوان’ المصرية، 23 /5/1948، على أن يكون الأسلوب المتبع هو الكفاح المسلح، مادمنا نعيش “في عصر يضيع فيه الحق إذا لم تسانده قوة ويظاهره سلاح وعتاد ويكتل فيه الرجال شيبا وشبابا” (مجلة ‘العالم العربي’، 10 يوليه 1948).
كان الخطابي ينظر إلى تفاعلات القضية الفلسطينية من زاوية نظرته إلى الاستعمار في جميع الأقطار. والتزاما بمبدئه في الصراع ضد الإمبريالية، كان يضع ثقة كاملة في الجماهير الشعبية. وتقوم هذه النظرة على ضرورة تحريك الشعب من الداخل لإنجاز مهمة التحرير. أما مسؤولية التعبئة فملقاة على كل من يحس في نفسه القدرة على كسب ثقة الشعب. وأي عمل معزول عن القاعدة الشعبية مصيره الفشل لا محالة.
إن الخطابي يؤمن بالشعب فقط كأداة فاعلة في حسم الصراع ضد الاستعمار. أما المناورات السياسية، ولعبة شد الحبل بين الزعامات السياسية ومغازلة سلطات الاحتلال فهي من قبيل تضييع الوقت وتفويت الفرص، ما دام الشعب لا يعيرها اهتماما لأنه لا يفهمها. يقول الخطابي في إحدى المناسبات: “إننا إذا أردنا حقا حريتنا فهي بيدنا، ووسيلة الوصول إليها سهلة جدا. فما علينا إلا أن نفكر فيها ونعطيها ما تستحقها من الاهتمام … وإذا سعينا بالجد وقام الغيورون على الدين والوطن بواجبهم …فالحرية على الأبواب، وعلينا أن نعمل بما يقضي به العقل والمنطق، ونبتعد عن الأوهام”. هذه هي فلسفة عبد الكريم إن جاز لنا أن نسميها فلسفة.
غير أن إعطاء أولوية تحرير فلسطين للفلسطينيين لا يعفي القادة العرب من مسئوليتهم التاريخية. ويعتقد الخطابي أن في يد العرب مفتاح الانتصار “متى صحت عزيمتهم على إدراك هذه الغاية” (مجلة الأمانة(.
إن صحت عزيمة العرب…!!
و …. في انتظار حدوث المعجزة، نقرأ ما جاء في رسالة أرسلها الخطابي إلى ناصر الدين النشاشيبي (شخصية فلسطينية)، ونشرها في جريدة الجمهورية المصرية بتاريخ 12/4/1962، يستعرض فيها واقع السياسة العربية القائمة على الشكاوى والتظلم. يقول: “…إنه في استطاعتنا الكف عن الشكاوى للغير … ونتصرف بقوة شعوبنا وتطبيق خطتنا ضد المستعمر .. فنجليه عن بلادنا ونقضي على كل توابعه وذيوله! علينا أن ندرك هذا ونعلم أن الأمر بيدنا متى شئنا“. ويختم رسالته المعبرة بقوله: “والله يفتح بصائرنا حتى نعلم أن الشكاية لا تغني عنا فتيلا لو بقينا نبكي إلى قيام الساعة …”
رحم الله عبد الكريم الخطابي .. فكأنه كان يتحدث عن أحوال العرب والمسلمين اليوم.


[email protected]

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين