"كون سبع.. وكولني"

"كون سبع.. وكولني"
الجمعة 23 دجنبر 2011 - 20:40

في الوقت الذي كان فيه رفاق بنسعيد آيت يدر، يشجبون في بيانهم العام للمؤتمر الثالث المنظم ببوزنيقة، من 16 إلى 18دجنبر الجاري، “الممارسات اللامسؤولة للأصولية الدينية بأطيافها المختلفة في عدد من المواقع للهيمنة على حركة 20فبراير”، كانت جماعة الشيخ ياسين تعلن في بيان لها بث على موقعها الإلكتروني، عن توقيف أنشطتها داخل حركة 20فبراير، لأن الأخيرة ” حفلت بمن جعل كل همه كبح جماح الشباب، أو بث الإشاعات وتسميم الأجواء، أو الإصرار على فرض سقف معين لهذا الحراك وتسييجه بالاشتراطات”.

وطبعا، نزل الخبر كالصاعقة على كل الفاعلين والمتتبعين السياسيين، ـ (ولو أن البعض كان يتوقع ذلك الانسحاب أو التوقيف، سواء من جانب الجماعة أو من جانب حزب النهج الديمقراطي، مند أن بدأ رفاق بنسعيد في فرملة عجلة الحركة عبر إذكاء نقاش الوضوح السياسي والإيديولوجي كلما أحسوا بالبساط يسحب من تحت أقدامهم داخل الحركة) ـ إذ كيف تنسحب الجماعة من الحركة بهذه السهولة، وهي التي خاضت معارك وجود طاحنة على مدار 9 أشهر خلت، من عمر تواجدها بالحركة، مقاومة كل الدسائس والمؤامرات الساعية لتفجير حركة 20 من فبراير، من الداخل، بعد أن فشلت سياسة “القمع” و”البلطجة” في تفجيرها.

لقد ارتعدت فرائس المستبدين والمفسدين، حين رأوا شعبا مغربيا متماسكا ومتلاحما، يسير في موكب واحد، بصفوف متراصة، وهو يهتف بصوت واحد وأوحد: “الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد”، لتتحرك شياطين المفسدين في كل اتجاه وصوب، مجربين في خضم ذلك، كل الخطط والوصفات من قمع و”بلطجة” ورشاوى للنقابات ودعاية مغرضة وفبركة للفيديوهات، وتوسل للإشادات الأجنبية واستنجاد بالخبرات الدولية. وكل ذلك كان يجري تحت تأثير سؤال واحد مقلق ومحير: كيف يمكن للرعاع “والخماسة” المغاربة أن يحاسبونا ويصيروا مواطنين كباقي البشر؟

واليوم، بعد أن أعلنت الجماعة موقفها من الحركة، وتحقق حلم أعداء التغيير والديمقراطية، نتساءل مع اليساريين لماذا تنكرون على الجماعة حقها المشروع في الهيمنة إذا لم تنحرف عن مطالب حركة 20 فبراير في يوم من الأيام. ومن ذا الذي يكره أن يهيمن مشروعه السياسي والمجتمعي ويسود في الحياة بشكل عام؟ ألا تشتكون من هيمنة النهج الديمقراطي، على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؟ ألا يشتكي بعض مناضلو الحزب الاشتراكي الموحد من هيمنة المنحدرين من تيار الوفاء للديمقراطية على الحزب وتخوفهم من إمكانية قيادة الأخير في اتجاه تحالف مع الإتحاد الاشتراكي؟

ثم ألا تسخر أمريكا وفرنسا زعيمتا ما يسمى بـ”العالم الغربي الديمقراطي الحداثي”، ليل نهار كل إمكاناتهما المادية والبشرية واللوجيستيكة للهيمنة على شعوب العالم ومقدراتها.
وماذا تعني ديكتاتورية البروليتاريا في الأدبيات السياسية للفكر الاشتراكي، أليست هي مرحلة من مراحل الثورة الاشتراكية، حيث تجتث البروليتاريا بالعنف والإكراه بقايا البرجوازية حتى لا تنبعث من جديد.

إن النزوع نحو العنف والإكراه والهيمنة بدون مزايدة، يسكن كل المشاريع الفكرية والسياسية والدينية التي عرفتها البشرية، وربما لا يتسع المقام هنا للوقوف على التاريخ المأساوي لملايين الأرواح التي أزهقت تحت راية الفتوحات الإسلامية بالأندلس والمنطقة المغاربية وغيرها.. ولا ملايين الأرواح التي أزهقت تحت راية الفتوحات الاشتراكية في أسبانيا الثلاثينات وإيطاليا والصين الماوية وروسيا الستالينة.. ولا ملايين الأرواح التي أزهقت تحت راية الفتوحات الديمقراطية في العراق وأفغانستان. وطبعا كل قادة وأصحاب الفتوحات الاشتراكية والإسلامية والديمقراطية يجدون ما يبررون به حروبهم وعنفهم اتجاه الغير..

ولكن، بلغة السياسة وما تقتضيه حكمتها نقول لمن أراد أن يتعظ ويعتبر، لقد أضاع اليساريون، اليوم، بانسحاب جماعة الشيخ ياسين من حركة 20فبراير، ـ وهم أصحاب مشروعية نظرية وفكرية خلاقة ـ فرصة تاريخية ثانية بعد أن أضاعوا فرصة التناوب “المغدور” مع تشكيل حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، لخلق ميزان قوى سياسي جديد ضد الفساد والاستبداد، وكان يمكن لليساريين ـ لو غلبوا قليلا من الحكمة والمرونة السياسية ومصلحة الشعب العليا على مصلحة الحزب وفلسفته، ـ أن يستفيدوا من العدل والإحسان والإسلاميين سياسيا وعدديا، ولكن الظاهر أن صوت العاطفة كان أقوى من صوت العقل عندما راحوا ينقبون في مقابر الشهداء ويتمترسون خلف يوتوبيا الوضوح السياسي والإيديولوجي، وكأنهم التقوا حلفائهم في مقر حزبي، وليس بشارع عام.

إنه لواهم، إن لم نقل أحمق، من يعتقد وحده محاربة الفساد والمفسدين وقيادة المغاربة نحو الديمقراطية والحياة الكريمة، دون انضمام كافة الأطراف السياسية وخاصة القوى الإسلامية ذات الثقل الاجتماعي الوازن، في الزمن السياسي الراهن.

إن التنوع السياسي والفكري والعرقي، عبر وجود العدل والإحسان والسلفيين واليساريين والديمقراطيين والامازيغيين في الحراك المجتمعي المغربي، هو قيمة مضافة تغني الشروط الموضوعية الإقليمية الإيجابية اتجاه التغيير المنشود، شريطة إتقان استثمار ذلك التنوع والإستفاذة منه، عبر توفير مناخ سليم للنقاش وجو صحي وهادئ للسجال والاختلاف، أما حين يطغى صوت العاطفة على صوت العقل، وتنتصر نزعات الانتقام على روح السجال واللجاج، وتعمى البصائر السياسية والفكرية، لا يسعنا إلا أن نقول: إنكم للاستبداد، وإنكم له لراجعون.

إن محاربة الاستبداد والفساد، والذي هو كالأخطبوط المتفشي في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية المغربية، لا يمكن نجاحه وتحقيقه إلا بوجود سند شعبي قوي، الشئ الذي يقتضي بالضرورة إنضاج الوعي السياسي والفكري للشعب، والذي لن يتأتى إلا في إطار سجال سياسي وفكري قوي وساخن بين جميع الأطراف والمكونات السياسية، وكما قال احد قادة الاشتراكية العظام: “إن وجود أناس منشقين ومستائين ونقديين، بل وحتى رجعيين يبعث الحياة والحيوية في الثورة، إن المواجهة والسجال ينميان عضلات الشعب الفكرية، إنهما رياضة وترياق ضد تصلب المفاصل وضد السلبية”. وبلغة مغربية حكيمة: “كون سبع وكولني”.

‫تعليقات الزوار

8
  • بو زبيطة علي مدرس تا مزيغت
    الجمعة 23 دجنبر 2011 - 22:02

    كلام الا خ حميد المهدوري ينبثق من الو اقع و يستند الى مر جعيات سيا سية و تا ر يخية و المغرب يتميز بالتعددية و ملزم بالو حدة التي لا يمكنها النجاح الا في ظل الملكية الد ستورية و المو ضوع المطروح الدي يناقش حاليا مو ضوح انسحاب العدل و الا حسان من حلركة 20 فبراير مو ضوع يستحق كل العناية و الفهم العميق لاننا كما نعلم فا لجما عة ليست بتلك البسا طة التي ينظر اليها بعض الفبر اير يين الدين قللوا من ا نسحابها عن مشهدهم الحر اكي حيث صرح بعضهم ان الحركة با مكانها تقو ية صفو فها عما قريب نا سيا ان الجماعة ا بلت بلاء حسنا طيلة ال 9 ا شهر المنصرمة من حيث التنظيم و التا طير و كدل التنظير و لكنها ا صطدمت با يد يو لو جيات مخا لفة لها تماما كما انها حصلت على و عود من لدن ر ئيس الحكومة الجد يد بتمكينها من التر خيص من ا جل ا قا مة حزب لها و هدا ما جعلها تختار الطر يق القو يم عو ض الطر ق الملتو ية التي غالبا ما تؤ دي الى الها وية شخصيا ا هنيء الجما عة على الا نسحاب و ا تمنى لها ان تحصل على تر خيص بالحزب و ان تغير طر يقة تعا ملها مع النظام لاننا لا غنى لنا عن الملكية الد ستورية و النصر لجلالة الملك

  • 20 فبراير تجربة أولى مفيدة
    الجمعة 23 دجنبر 2011 - 22:42

    تحليل منطقي في أغلبه ، لكن الفرصة لم تضع المغرب اليوم هو في نفس وضع مصر قبل 4 سنوات فإما تحقيق إصلاح كبير من داخل النضام وإما إسقاط كل أركانه

  • noureddine : f-d-t
    الجمعة 23 دجنبر 2011 - 23:51

    كلامك يمكن ان نعتبره صحيحا بعض الشيء ولا كن عليك ان تفكر وتدهب بعقلك بعيدا ايضا ان الجماعة ربما عقدت صفقة من تحتها …في هده الضرفية … فاللعبة السياسية في جميع الدول غير مفهومة …لدا عليك ان لا تحكم وتخلق الفتنة بين اليساريين و الجماعة من خلا ل ما تقدمت به …وشكرا

  • أبو وليد
    السبت 24 دجنبر 2011 - 02:40

    حقا إن اليسار تحكمه عقدة الشعور بالشرعية التاريخية النضالية، لذلك لا يقبل بالإسلاميين ولا بغيرهم، كما تحكمه عقلية الحزب الوحيد، وكانت منظمة العمل الديموقراطي الاستثناء الوحيد، لكن فكرها الديموقراطي ذاب مع الوافدين الجدد في إطار اليسار الموحد.
    أقول لليساريين عليكم أن تؤمنوا بحق الاختلاف والتعاون مع الحساسيات الأخرى التي تتقاسم معكم هموم الشعب، وإلى ستؤولون إلى ظواهر تاريخية في طور الانقراض، وما تركيزكم الأخير على الحريات الفردية في بعدها المائع: سكر ، نعري ، شذوذ جنسي…. إلا ضرب من خيانة مشروع اليسار الشعبي الحقيقي المرتكز على الكرامة في العيش والشغل والصحة والتعليم ….

  • محمـــد لميـــن
    السبت 24 دجنبر 2011 - 06:00

    حين خرجت مظاهرات تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا لم نسمع من متزعميها على كل شاشات العالم خطبا تمتح مفاهيمها من سراديب زمن الماركسية اللينينية وتتكأ على أكوام من المداخلات الجاهزة على أرصفة دهاليس فصائل يسارية لم تفتح نوافذها للهواء منذ الستينيات وأخرين كفوا عن إرتياد مساجد الله وشيدوا قلاعهم الدينية منذ الثمانينيات فكان المغرب على موعد مع متزعمين لحراك خبروا فن السفسطة في الجامعات وإسودت أسنانهم من فرط التقريع الإديولوجي وغاب عن المشهد شباب بسطاء يرتجلون الكلام يجيبون أبسط مما يسألون يهرولون للدارجة المصرية أو التونسية أو الليبيبة أكثر مما يلوون أعناق المفاهيم والحقائق يعترفون أنهم غرباء عن بعضهم هداهم الفايسبوك للقاء في الشوارع والميادين فتبادلوا التحية وكانوا بها يمثلون الوطن والشعب ببساطته وعفويته وألتف حولهم الوطن وبدلوا الحكام وليس مثل الهنا عتاة صناديد يطلون عليك متأبطين مجلدات حمراء أوصفراء ومرافعات بإسم الشعب والشعب لايفهمها وكنا الإسثتناء يأتي المتحدث بإسم العدل والإحسان ليتحدث بإسم عشرين فبراير ويأتي الخلفي من خلف ذلك ليبرهن أنه فاقد العذرية التي بها زفت باقي الشعوب ربيعها

  • بداوي الحسين
    السبت 24 دجنبر 2011 - 11:21

    من يتحدث عن صفقة بين اجماعة وطرف اخر او اطراف . جاهل بتاريخ الجماعة. الجماعة في التمانينيات لم تكن بهده القوة العددية .وكانت محاصرة اشد الحصار.حيت منعت كل منابرها الاعلامية الصبح والخطاب وجريدة العدل والاحسان ومجلة الجماعة ورسالة الفتوة والتشويش بعد دلك على موقعها الالكترونى .يام ادريس البصري وما ادراك ماالبصري .وايام المخابرات بكل انواعها واساليبها.ايام الحسن2 وماادراك ما الحسن رحم الله الجميع. وحاول النظام القوي بخنق الجماعة والهائها بمحاكمات صورية للاعضاء والحكم عليهم محاكمات ماراطونية بمدد وصلت الى 20سنة للفرد وغرامات خيالية .واستعصى على المخزن ترويضها لصالحه .وكلما فشل زاد جرعاته من القمع.مرة واحدة في بداية التسعينيات حيث حلم المستبد ان هده الجماعة وصلت الى نقطة قد ينفع البيع والشراء معها في الدمم .وكان مستعدا ان يقدم اغلى ثمن حسب تقييمه. كان قويا والجماعةليست بقوة اليوم.يصدم برد الجماعة برفع سقف المطالب واثمن .اكتشف الطاغية ان الجماعة ليست للمساومة.اليوم والجماعة بهده القوة. والنظام مصدع. تقول صفقة من تحتها.الجماعة ليست لديها ها.الوضوح الوضوح .اقرا من نحن ومادا نريد

  • baidar
    السبت 24 دجنبر 2011 - 19:44

    لا يمكن فك هده الألغاز السياسية في المغرب إلا إدا تدخل الله مباشرة لحلها.لقد تمكن الفاسدون عبر عقود خلب من اتقان لعبة الشطرنج السياسي ولهدا مهما يكن فإنهم يعرفون متى تحرك البيادق لعرقلة الخصم وهزمه.

  • abdou172
    الأحد 25 دجنبر 2011 - 09:50

    " إن المواجهة والسجال ينميان عضلات الشعب الفكرية"
    كلام في الصميم
    لكن هذا ضد اما ان اهيمن او انسحب
    حتى لا نلعب بالكلام
    وشكرا

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 2

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة