أسرار

أسرار
الثلاثاء 13 غشت 2019 - 12:26

ذهبت أسرار مع نسيم، صديق حبيبها، إلى صخور تطل على البحر.

أسرار كانت تحب تمارين الصوت أمام البحر، ولأن نسيما كان مهتماً بالغناء لم يكن يرفض الذهاب معها والدخول في طقوس الصراخ والآهات لتحسين طبقات صوته.

ـ نسيم اصرخ أكثر لا تلتفت إلى الآخرين، أغمض عينك واستمر…

ـ خطأ خطأ

ـ اُنظر إليّ كيف أجري التمرين..

أغمضت أسرار عينيها وأخذت نفساً عميقاً وبدأت تصرخ ونسيم يراقب الآه الطويلة المنبعثة من بطنها، ينتقل بنظره إلى صدرها النافر، إلى حنجرتها وفمها المفتوح الصارخ، بدأ يشعر بموسيقى جامحة تحوم في الهواء، مع رجع الصدى وتلاطم الأمواج، تأمل في وجهها وشاهد دمعتين تنحدران على خديها من شدة الانفعال..

يا إلهي مرت دقيقة وهي مستمرة دون توقف!

استغل نسيم عينيها المغمضتين ليتأمل وجهها كما لم يفعل من قبل، لم يستطع مقاومة التحديق أكثر في حروفها..

فتحت أسرار عينيها على نظراته المتلهفة…

نسي نسيم نفسه ولم يستوعب أنها كشفته متلبسا… انتبه فجأة وشعر بالحرج، أنقذت أسرار الموقف وقالت:

ـ هيا جاء دورك!

استمرا نصف ساعة في التمرين، ثم جلسا على صخرة.

ـ عطشت!

أجابت: وأنا أشد منك عطشاً، شربت أسرار وناولته الماء ليشرب…

مرت لحظة صمت لم يستطع نسيم خلالها أن يطرد من مخيلته وجه أسرار المتأوه بعنفوان أوبرالي.

وبرغم خجله من إعجابه المباغت بحبيبة صديقه عمر فإنه خمن، ماذا لو أخبرتها بأنني لوهلة أردت أن أقبلها؟

ـ أسرار بماذا ستشعرين لو قلت لك كنت مثيرة وجذابة في التمرين، إلى درجة أني وددت لثم شفتيك حينها؟

ضحكت وقالت:

ـ شعرت بك واحترمت رغبتك الآن أكثر عندما صرحت بها، وفي لحظة غروب جميلة كهذه لا أستطيع أن أرفض لك ذلك؛ ولكن نسيم كأصدقاء، كأصدقاء فقط لا أقل ولا أكثر.

اقتربت منه أسرار ومنحته قُبلة.

عندما التقت بحبيبها عمر أخبرته بعفوية بكل ما حدث.

صرخ فيها:

ـ هل أنت مجنونة؟

ـ أرجوك، اهدأ أنت تعرف عفويتي ونسيم صديقنا ليس إلاّ…

ـ عن أي عفوية تتحدثين؟ هذه خفة، أنت خفيفة إلى درجة لا تطاق، وهذا الكلب لي معه حوار آخر.

ـ يا حبيبي اهدأ أرجوك وسأضعك في الصورة…

أرادت أسرار أن تقول له إن الحنان الذي بداخلها يفيض على الآخرين بغير إرادة أو تخطيط مسبق منها، وأن صديقهما نسيم مسكين عاش يتيم الأم وهو بحاجة إلى جرعة من الحنان… ففي لحظة ما شعرت بالشفقة عليه ومنحته قبلة وأكدت كأصدقاء!

لم تكن أسرار تعرف أنها تعيش كالوردة من غير لماذا… فقط تتشارك الجمال مع العالم، وليست مطالبة بتبرير ذلك.

وعندما تحدثت لم تتطرق لطاقة الحنان التي تسكنها، خانتها بلاغتها، ووجه عمر الغاضب أجهض كل الأفكار التي رتبتها.

فقالت:

ـ كانت لحظة غروب ولا أعرف كيف منحت نسيماً القبلة، ربما لأنني أشفقت عليه… سامحني عمر!

ـ لا غروب ولا شروق أنت خفيفة وربما ستفعلين أكثر من ذلك بداعي الشفقة.

ـ أنت تعرف طبيعتي البسيطة، هل تتذكر تلك الليلة عندما غنى لنا نسيم موال “امبارح في الحلم حبيبي في أحضاني” وتحت تأثير شجوه نزلت على ركبتي وقلت له: هل تتزوجني على طريقة السينما، وضحكنا ثلاثتنا على ردة فعلي البريئة.

ـ كنت تقبلني وتتفهم، فما بك انقلبت على مبادئك وأصبحت تسقط عليّ صورا ساقطة؟

ـ المنطق لو أنصت لك ينتحر!

ـ اخترتِ هذا التوقيت بالتحديد لتذكريني بتصرفاتك البهلوانية؟ يبدو أنك تتعمدين الدفع بي للحمق أو لأمر آخر أجهله.

ـ فليذهب المنطق إلى الجحيم أنت تعرف أنني لا أجيده، أنا عفويه وبسبب عفويتي أغرمت بي كما أخبرتني والآن تنقلب عليّ وتحدثني عن المنطق.

التزم عمر الصمت!

أتُراه صَمَت تجاوزاً أو خوفاً مما تتمتع به الأنثى من حدس ومنطق عفوي قادر على تقويض كل حججه والدفع به لاستخدام قبضة يده؟

مرت عشر دقائق من الصمت كان عمر يشعر فيها بالإهانة وعدم المساواة في علاقتهما فعبر لها عن ذلك بصراحه:

ـ لماذا أنت بهذه الوقاحة؟

ـ جربت أن أمنح الحب أو الحنان كما تسميه للأخريات؛ ولكني لم أستطع، وجدت نفسي غير مستعد لمنحه لغيرك، ولكنك متهيئة لإعطائه بسخاء للآخرين!

ـ أنا وقحة لأني أعدّك أعظم عشق!

ـ لم أصل مع أي كان إلى الجنون الذي بلغته معك.

ـ ولكن ربما ترى أنني أخف إنسانة التقيتها!!

ـ يبدو أننا لسنا على ذات الرتبة من العشق، هل تستطيع أن تنفي؟

ـ حتى لو حرّمت على قلبك النظر إلى الفتيات، حتى لو كنت مخلصاً في مخيلتك لي وحدي، يظل حبك أقل درجة، فلا تغالطني في العطاء.

ـ وعوض أن تخبرني بأنك جربت أن تمنح غيري ولم توفق أثبت لي عظمة عشقك المتوحد بي!

في ساعة الاستراحة، أسرعت فدوى الخطى تجاه نسيم:

ـ هيا هيا معي.

ـ انتظري سأجلب معي سجائر،

ـ معي ما يكفي لا تقلق.

أشعلت سجارتين وبادرته:

ـ لا أخفيك أنني كتمت نشوتي عندما كان عمر يشتم أسراراً، ولكن لم يرقني يا صديقي أنك طرف في الموضوع.

ـ طرف في الموضوع؟

ـ ماذا تقولين، يا فدوى؟

وهي تخبره بقصة القبلات على الشاطئ بدا أنه قد توتر؛ ولكنه سرعان ما ضحك متعجباً:

ـ أسرار كذبت على عمر، لم يحدث ذلك بالطريقة التي روتها.

ـ في لحظة ما، صحيح أنني أُثرت وربما نظرت لها بعين شبقة؛ ولكنها هي من بادرت حينها، وقالت لي بالحرف: (وش فيك ما تعمل ولا غتبقى غير تشوف فيا) ودون الدخول في التفاصيل كان هناك أكثر من مجرد قبلات.

كان لديّ إحساس بأن تلك الطفلة تتلاعب بعمر؛ ولكن دائماً أترفع عن مصارحته بذلك، حتى لا أسقط في فخ الغيرة وأصبح في نظره امرأة نكديه.

فأنت تعلم، يا نسيم، بأنني لست غيورة ولست ضد مشاعر الحب؛ فجميعنا لدينا الحق في أن نحب واحدا أو أكثر، الحق في الحب بلا قيد ولا شرط.

وأنت أيضا يا نسيم لديك الحق وليس هناك ما تخجل منه، اليوم عندما ننتهي من العمل نذهب سوياً ونخبره بالحقيقة.

ـ فدوى! إذا كان عمر تريحه الحقيقة النابعة من روايات أسرار؛ فلا أريد أن أكون المكدر لذلك النبع الذي يرتوي منه.

ـ لا، يا نسيم، هكذا تصبح خائناً، يجب أن تصدقه وتخبره الحقيقة وأنا سأكون معك.

ـ هل بإمكانك أنت أن تصدقيني وتخبريني عن سبب هذه الشعلة من الحماس التي تسري فيك، أترى من أجل الحقيقة أم لتلويث النظرة الملائكية التي ينظر بها عمر لطفلته؟

ـ أصدقك القول نعم لكي يكف عمر عن النظر بسذاجة ملائكية إلى هذه الطفلة، حتى لو كانت صادقة لا يغير ذلك شيء.

ـ يجب أن يعرف عمر أنها بشر، ولها الحق في الشر.

*كاتب وصحافي من السعودية مقيم بالرباط

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات