المدرسة العمومية وترحيل المسؤوليات

المدرسة العمومية وترحيل المسؤوليات
الجمعة 27 شتنبر 2019 - 00:29

افتتح الموسم الدراسي الجاري على إيقاع تعابير الاستياء والتضامن مع مضمون الشريط الذي نشرته إحدى الأستاذات مرفوقا بتعليقها على الوضعية المزرية التي فوجئت بها وهي تزور الوحدة المدرسية مقر عملها الحالي، وهو أمر يتكرر غالبا بعد كل عطلة مدرسية خاصة بالوسط القروي. تعاطف ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مع صاحبة الشريط وانتشر على الصفحات كالنار في الهشيم مع تعاليق هنا وهناك، تعلق في مجملها المسؤولية كاملة على شماعة وزارة التربية والتعليم، إلا أن المشهد في حقيقة الأمر، يستدعي قراءات أخرى تسائل أكثر من جهة، إذا كنا نعتبر المدرسة مرفقا عاما مشتركا يقدم خدمة عمومية كحق لكل مواطنة ومواطن.

لا أحد يشكك في أهمية توفير خدمة الحراسة بالمؤسسات، وأن غياب هذه الخدمة يدخل القطاع الوصي في تدبير اللاجودة، حيث يستنزف ميزانيته لتعويض الخسائر والمسروقات وإعادة تأهيل المؤسسات التي تتعرض سنويا لأعمال الإتلاف والهدم بما قد يفوق أجور حراسها، لكن وحتى لا ننساق وراء انطباعاتنا الأولية حول خطاب عدم اكتراث الوزارة لواقع بنيات الاستقبال واستمرارها في تقديم محفظة بثمن بخس، وحتى لا نبخس حجم أعمال التخريب الممنهج التي تطال مؤسساتنا، وحتى لا نقلص من مسؤولية من يهبون للتدخل في شؤون المؤسسة حين لا يهمهم الأمر ويصمون الآذان إن هم شاؤوا لها الدمار، وحتى نتريث في قراءة ما وراء الحدث بعدسة تضع كل مسؤول عنه وعن تداعياته في حجمه الطبيعي، نطرح بكل حياد وموضوعية التساؤلات التالية ؟

يبدو أن المدرسة موضوع الشريط كانت، وإلى زمن غير بعيد، تتوفر على تجهيزات ولازالت محاطة بسياج خارجي، من يقف إذن وراء عملية النهب الوحشي الذي تعرضت له المؤسسة ؟ هل هم التلاميذ أنفسهم من يخربون بيوتم بأيديهم وبمباركة من الأولياء، أم هم الراشدون قد فقدوا رشدهم واستباحوا ما لايحل لهم؟ أم هم الغرباء من اخترقوا ودمروا وكسروا وشحنوا في هدوء وسكينة أجواء القرية دون أن يعلم بقدومهم أحد ولابمغادرتهم؟

إن كان محيط المدرسة لا يستنكر السطو على الممتلكات العامة ولا يعتبر ذلك جرما شنيعا، زد على ذلك أن الأستاذة نفسها لم تنتبه إلى التنديد بذلك واكتفت بإلقاء اللوم على المركز، ما جدوى دروس التربية على المواطنة والسلوك المدني التي سترهق مقررات المدرسة المنكوبة هؤلاء التلاميذ بترديدها؟

إذا كانت عين عون السلطة لا تسهو ولاتنام عن كل صغيرة ولاكبيرة بالمداشر، كيف غابت عنه معلومة اجتياح مرفق عام ونهب ممتلكاته؟ لماذا لم يقم بإبلاغ السلطة بالجريمة في وقتها وفتح تحقيق عاجل في الأمر لاسترجاع ما يمكن استرجاعه؟

ما مآل تلك المسروقات (نوافذ، أبواب، طاولات…)؟ وإن آلت إلى أحد البيوت أو أحد الأسواق، فهل يعقل أن يتعذر التعرف عليها والكشف عن مصدرها؟

يتغاضى أغلب ممثلي الساكنة عن حاجيات سكان القرية الأساسية لرفع العزلة عنهم من المطالبة بتعبيد المسالك الوعرة، إحداث المنشآت الفنية (القناطر) وصيانتها ، الترافع على خدمات التطبيب و الربط بشبكة الماء الصالح للشرب والكهرباء وتوفير سكن لائق للأساتذة…لكن لا يتوانى معظمهم عندما يتعلق الأمر بجزئيات خدمة التمدرس عند تأخر أحد الأساتذة أو في حالة تغيب حتى ولو كان مبررا لدى إدارة المؤسسة… صحيح أن المجلس الجماعي هو أقرب شريك للسلطات التربوية في تأمين هذه الخدمة باعتبارها أول ما يتربع على قائمة الاختصاصات المنقولة للجماعة حسب التشريعات الجاري بها العمل، فأن يكون المنتخب شريكا فعالا للمدرسة بحكم عضويته في مجلس تدبيرها، هو أمر مطلوب، لكن من الغريب أن لا يحرك ساكنا حين يغتصب حق أبناء الساكنة في التمدرس وتنتهك حرمة مؤسستهم وتظل بهذا الشكل إلى حين بداية الموسم، فهل غابت عنه المعلومة هو الآخر؟

غياب الأمن عن المؤسسة التعليمية، وهي تضاهي المسجد والمقدس في أدوارها، هو مؤشر واضح على غياب الأمن بين أهل المنطقة عموما؟ أليست بذلك البيوت، كما هي المدرسة صيفا، عرضة للانتهاك بمجرد غياب أهلها؟

حتى وإن استبدلت الطاولات بطاولات والأبواب بأبواب…هل لهؤلاء أن يستبدلوا الفكر الهدام بفكر بناء؟ هل للأستاذة وزميلاتها أن تنعمن بعدها بالشعور بالأمان وتباشرن عملهن بنشاط حيث لا أمان ولا أخلاق ولاغيرة على المدرسة ولا على مرتاديها بالمرة؟

‫تعليقات الزوار

7
  • معلم من الزمن الطباشيري الأول
    الجمعة 27 شتنبر 2019 - 12:48

    الوحدات المدرسية النائية غالبا تكون بدون حارس وخاصة في العطلة الصيفية..بعض الحاقدين على المدرسة من سكان الدواوير يعبثون بمعداتها لأن المدرسة بالنسبة لهم هي ممثل الدولة الأقرب لهم والتي ليس لها من يحميها وخاصة في الليل فيصبون غضبهم عليها وكأنها هي سياسة الحكومة وفيها يتجلى الفشل الحكومي . أما الأستاذة فليس من حقها التصوير والتشهير بالمدرسة.فحتى زيارة قناة تلفزيونية وطنية أو دولية للمدرسة تحتاج لرخصة من الجهات المسؤولة فما بالك ب (معلمة).أعتقد أنه خطأ مهني جسيم.

  • Anass
    الجمعة 27 شتنبر 2019 - 23:33

    لقَد أسمَعتَ لَو نادَيتَ حَيّاً — ولكن لا حَياةَ لِمَن تُنادي
    فَلَو ناراً نَفَختَ بِها أضاءَت — ولكن كُنتَ تَنفُخُ في الرَّمادِ
    أستاذتي الغالية: منك تعلمنا أن للنجاح قيمة ومعنى، ومنك تعلمنا التضحية والتفاني والإخلاص، ومعك آمنا أن المستحيل كلمة بلا معنى، وأن الإرادة هي انتصارنا الأكبر في معركة الحياة، فشكراً لك.

  • مواطن
    السبت 28 شتنبر 2019 - 01:33

    يبدو ان المدرسة العمومية تهدم اليوم بمعاول من كانو تبجانها الى امد قريب وبفؤوس منكانت موجهة اليهم في الاصل او من كنا نسميهم طبقة شعبية.اتحول الصراع مع الجهل الى صراع مع ما تبقى من بصيص الامل.وااسفاه

  • متتبع
    السبت 28 شتنبر 2019 - 08:02

    هي معركة تدور رحاها في الخفاء.كان المعلم هو الزمز.وهو القائد والمنور…وكان ينال شرف الاحترام من كل شرائح المجتمع.الا ان ذلك ازعج اطراف اخرى.كانت تتوجه لها الانتقادات حول مردودها الضعيف لذلك توحدت كل هذه الكائنات ضد رجل التعليم لتجعله سخرية بين الناس وتم تدريجيا نخر هذه المؤسسة الى ان اصبحت على ماهي عليه واصبحمن هب ودب ينتقد رجل التعليم .من درسهم ومن لم يحصل لهم شرف التتلمذ على يديه

  • التكوبن للجميع
    السبت 28 شتنبر 2019 - 13:59

    اوا حتى هاد المتعاقدة الله يهديها.ما عارفا تشريع ولامذكرات .غي لقات بورطابل وبقات تصور.ماعارفات ان التصوير ممنوع في المؤسسات الابترخيص.المهم خاص الوزارة تقتح المراكز د التكوبن كيما كانت بسنتين والناس تقرا التشريع وتعطالهم كافة الحقوق وتوفر ليهم الامن وظروف العمل هاد يمكن نتكلمو على المردودية.

  • مغربي حر
    الأحد 29 شتنبر 2019 - 15:29

    مقال في الصميم، في كل مقالاتها تضيء صاحبة المقال الزوايا المظلمة التي لا ينتبه إليها الرأي العام وتطرحها في تصميم مقنع وأسلوب سلس ولغة أنيقة و رؤية موضوعية لا تنحاز لجهة دون أخرى، هكذا ينبغي أن تكون الكتابة الصحفية النظيفة. المدرسة مسؤولية الجميع، والمعلمة التي نشرت الفيديو خرقت القانون واستعملت كلمات لا تليق بمعلمة.

  • مراد
    الأحد 5 يناير 2020 - 05:20

    ماشاء الله أنا من المتتبعين للأستاذة رجاء ، في الحقيقة كل مرة تبهرني بسلاستها وتحليلها الرائع سواء باللغة العربية أو الفرنسية ، كما أنني حضرت لمجمل ندواتها عن التربية والتعليم ، جزاها الله ألف خير إن شاء الله نراها في وزارة التعليم وتكوين الأطر فهي أهل لهذا المنصب

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب