"الموضة" عبودية العصر

"الموضة" عبودية العصر
الأحد 27 أكتوبر 2019 - 14:25

الموضة ذلك الغول الذي طرق أبوابنا جميعا، وفتحنا له بوعي أو دون وعي، واستقبلناه بحفاوة حتى قيدنا جميعا وصرنا عبيدا لمافيا تستغل تغيُّرَ المواسم لترمي إلينا بما جادت به من عري ومسخ ثقافي لطمس هوياتنا وقتل معتقداتنا. وقد كانت المرأة المستهدف الأول، فيكفي أن تتأثر واحدة حتى يعم البلاء في كل المجتمع.

الجلباب المغربي والحذاء الرياضي

كان الجلباب المغربي لا يلبس إلا مع حذاء بكعب عال أو بلغة تقليدية تعكس أنوثة المرأة، لكن أصبح اليوم يلبس مع حذاء رياضي. وكان هذا الشكل أول ما ظهر منبوذا لأنه ارتبط بنساء التهريب المعيشي على باب سبتة ومليلية منذ وقت طويل، وذلك لتسهيل حركتهن حسب ما يتطلبه هذا العمل الشاق من حركة خفيفة. غير أنه انتشر بشكل لافت بعد أن دخل سنة 2018 -أو قبلها بقليل- باب الموضة فأصبحت تلبسه الشابة والعجوز على حد سواء وأصبحت تختاره وتنتقيه كما يختار للجلباب خياطته وألوانه وجواهره وكل ما يتطلبه من زينة، غير أن الحذاء الرياضي مع الجلباب أخفى في المرأة مشيتها الرزينة الهادئة، والاتزان النفسي الذي يوحي به الجلباب، فأصبحت تهرول كرجل يسابق الزمن على شيء.

السراويل الممزقة

جاءت موضة السراويل الممزقة التي تفضح من الجسد أكثر مما تستره، فاشترك الموسر مع الفقير في الثوب الممزق، ولم يعد يتحرّج أحد من ثيابه الممزقة إناثا وذكورا بل يُدخل عليها تحسينات لتناسب ما جاء في سوق الموضة. والذي جاء بهذا المسخ كان ذكيا جدا فبدأ بتمزيق الركب كأنه يجس نبض الشارع ومدى تقبله لهذا الشكل الجديد، ولما وجد هذا الإقبال والتنافس عليه عاد ليعري الأفخاذ والأكمام والبطن والأكتاف حتى لم يُبقِ في الجسد عورة، فأصبح الشارع أنفاسا ممزقة والجسد فيه سلعة مشاعة.

ومثل الثوب الممزق موجة الأثواب الشفافة التي تكشف ما تحتها حتى أصبحت الفتيات يتنافسن في تنسيق ما تحت الشفاف وإظهاره بعناية. ولم يكن الرجل بعيدا عن هذه الموضة بل شارك المرأة في هذا، فتعمّد إظهار لباسه الداخلي دون حرج بالتركيز على ماركة المنتوج والكشف عن صدره العاري في كل مناسبة.

عمليات النفخ والشفط

هذه الموجة التي أخذت وقتا طويلا ولازالت، ولعلها ستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، موجة لم يسلم منها الغني والفقير، والرجال والنساء كل يغير ما كره فيه ويصنع من نفسه مخلوقا جديدا. فتنافسوا على المتخصصين للتصغير والتكبير، والتعديل والتبديل، بالجراحة والوصفات الطبية والشعبية بل حتى بالقدور.

قصات الشعر

ولأن الشعر هو الجزء المهم عند المرأة وبه يتغير شكل الوجه، فقد تفننت المرأة في قصاته لتبدو كل موسم بإطلالة جديدة. فمن موضة التطويل إلى موضة التقصير حتى وصلنا إلى قصة الشعر العجيبة وهي حلق جزء من الرأس الأيمن أو الأيسر مع بقاء الجانب الآخر، أما أجرأ موضة فهي الحلق الكلي للشعر. وبالمقابل هناك من فضلت أن تجعل من شعرها مكنسة شعثة متجهة نحو الأعلى، أو غابة أدغال إفريقية، لا يهم قلق الآخرين وخوفهم المهم مواكبة الموضة.

التاتو

كل شيء يهون من أجل عيون الموضة، ومن أجلها فقط يغيَّب الدين والمرجع العقدي فيسمح بكل شيء، والوشم هذا الدخيل الخبيث بدأ حييا في أوساط النساء. انتقل من وشم بالحناء الحمراء والحناء السوداء إلى طابع في شكل ملصقات تجميلية، لينتهي وشما حقيقيا بوسائله المعروفة جراحة أو لايزر. فتتعمّد المرأة إلى إظهار الوشم بشتى الطرق فلا حرمة للجسد أمام محراب الجمال.

هكذا جعلت الموضة من الناس خلقا جديدا لا هوية ولا دين لهم، خاصة المرأة التي توشك أن تلتحي باسم الموضة والتقدّم فلا شيء ضد الموضة وكل شيء لعيونها يهون. ويكفي أن يظهر أحد المشاهير من السينما أو الرياضة بشيء غريب حتى ينتشر في الأوساط الاجتماعية كالنار في الهشيم .

لقد أحكمت الموضة بقبضتها على مجتمعاتنا، وجعلتها سوقا كبيرا لتسويق منتجاتها المادّية والفكرية حتى انصهر كل ضعيف أمامها، وأصبح مقيدا بسلاسل الماركة ينتظر كل موسم ما جد في الساحة، حتى يكون أول من يظهر بها كأنه الأصل وكل من سيأتي بعده تقليد لا أكثر. ولا تلام الشركات الكبرى التي التهمت الأسواق العربية التهاما بقدر ما يلام العقل العربي الذي غيّب الثقافة العربية والإسلامية التي لا يناسبها كثير من صور الموضة اليوم.

لكل واحد وجهة نظر ولكل منا قناعاته، لكن الانسلاخ من الثقافة مسخ، والتعري من الأخلاق تفسُّخ، والابتعاد عن الدين خسران مبين، ولا غرابة إذا خسف بنا التاريخ في قعر الحضارة.

*باحثة

‫تعليقات الزوار

5
  • ملاحظوس
    الأحد 27 أكتوبر 2019 - 18:29

    نظر ة بسيطة ايها السيدة المحترمة الى صور المغربيات في الستينات والخمسيات وقبلها لن تجيدين المغربيات يلبسن الحجاب كماشاع في مغربنا في السنين الاخيرة و هذا لم يكن ينقص من إيمان المغربيات ولا من تدينهن بل كنّ نعم المراة المسلمة كانت كلهن صدق وفضيلة وحشمة وإحترام ، فكان الفولار والنكّاب والجلابة لباس مغربي أصيل محترم وساتر ومالوف لذى كل المغاربة لكن بعد فورة بترول الخليجي ظهرت ماركات وموضات البسة افغانية وخليجية من حجاب وخمار …وتأسلم اللباس النسائي المغربي بماركات وموضات لباس بفتاوى فقه وهابي عنيف متشدد طائفي وضاع الاسلام المعتدل الصادق المتسامح في مجتمعنا وشاع النفاق والكذب والغش والفشاد والتعصب …
    فهل المغربيات كنّ يجهلن الاسلام بلبسهن الفولار والنكّاب والزِّيف والجلابة المغربية ام انهن لم يعرفن الاسلام الا بعد فورة البترول ليكتشفن الحجاب والخمار الافغاني الخليجي؟ !

  • trop bas
    الإثنين 28 أكتوبر 2019 - 10:19

    une description d"une pauvreté misérable de dire que la mode chasse l"islam de ceux et de celles qui l"adoptent,
    mais alors Mme vous utilisez l"ordinateur pour envoyer votre texte,"est aussi une mode agréable,vous utilisez le portable pour communiquer alors en mon temps il n "y avait que la grande poste de rabat pour pouvoir téléphoner la nuit apres avoir attendu au moins deux heures c,
    "est trop bas ce commentaire",et que dites vous de l"attestation de célibat imposée à une fille pour se marier ,attestation octroyée par mouka,est ce que c"est l"islam qui l"impose

  • هبة
    الثلاثاء 29 أكتوبر 2019 - 09:21

    مع احترامي لك سيدتي لكن للاسف عندما ارى ما وصلت اليه بعض المغربيات من تفكير رجعي خصوصا اذا اعتبرناهن "مثقفات" فاشعر بالاسى وكما جاء في التعليقات والغريب من رجال احييهم هل لباس امهاتنا وجداتنا يخرجهن من الدين ولباس الخيام وحجاب البترو دولار هو الدين المضحك في الامر ان حتى من ادخلوا لنا هذه الخزعبلات اصبحوا يتنصلوا من ذلك. ملاحظة اخيرة الجلباب مع الحذاء الرياضي دليل على ابداع المغاربة ومواكبتهم للعصر اما تقززك سيدتي من النساء العاملات في الشمال فشخصيا شرف لي ان البس مثلهن هذا اقل ما استطيع فعله من اجلهن وتحية لهن.

  • sifao
    الثلاثاء 29 أكتوبر 2019 - 20:31

    "فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"
    هذه هي القاعدة ، قاعدة الثبات على الحال ورفض اي تجديد أوتغيير في اسلوب الحياة ، كل شيء تم انجازه في لحظة ما من التاريخ وتوقف الزمن منذ تلك اللحظة ، ليعيد الاجيال اجترار نفس اللحظات ، نحن فقط نتحدث عن "الزمن الجميل" الذي هو ذلك الماضي الذي نحن اليه ونتوق للعودة اليه الا اننا لا نعرف الى ذلك سبيلا,,,المسلم ليس جزء من هذا العالم الذي قال عنه هيرقليطس ، نهر لا يمكن ان نستحم فيه مرتين في اشارة الى انه لا يثبت على حال وفي تغير مستمر ، اما المسلم فيرى عكس ذلك تماما ، يراه مثل بركة راكدة اي تغيير او تبديل لمائها يُخرجها من دائرة الطهور الجائز للوضوء والاستحمام…
    ياسيدتي ، اقبال الشباب والشابات على"الموضة" دليل قاطع على ان التربية الدينة نموذج فاشل بما انها لا تلبي رغبات وتطلعات الشباب ، مسايرتهم للموضة لا يعبر عن اعجابهم بها فقط وانما تعبير ايضا عن تحدي وتمرد على ثقافة القمع والمنع التي يفرضها الدين على اي تجديد في الفكر والمظاهر ايضا ، العجوز المتدينة تلبس الجلباب مع الحذاء الرياضي ليس لانها موضة وانما لانه مريح وسياعدها على المشي دون ايذاء قدميها

  • sifao
    الأربعاء 30 أكتوبر 2019 - 08:19

    اذا كنت تقصدين ب"الموضة" آخر ما يروج في الاسواق من سلع ، سراويل ممزقة ، اقمصة شفافة …ومظاهر ، قصات الشعر المختلفة ، نفخ الشفاه والارداف ’’’فأن البرقع والنقاب والحجاب ، واسدال اللحية واللباس الافغاني وعلامة السجود على الجبهة هي ايضا مظاهر جديدة دخيلة على المغاربة ولا تشكل جزء من ثقافة لباسهم ولا عاداتهم ، واذا كنت تقصدين ب\"الموضة" ما هو دخيل علينا من هذه الاشياء ، فإن الرموز الدينية ايضا دخيلة وليست اصلية ، رغم ان الحايك والجلباب مع الفولار يؤديان نفس الوظيفة التي يؤديهما النقاب ومستلزماته و الحجاب وتوابعه الا انهما لا يدخلان ضمن ما يسمى باللباس الشرعي ، ومن هنا نفهم ان الاكسيسوارات الدينية لا علاقة لها بالذوق ولا ثقافة المجتمع ، المحجبة او المنقبة لا تضع النقاب لستر"عورتها" – وجسد المرأة كله عورة حسب اللاهوتيين- وانما لتميز نفسها عن باقي النساء وتقدم نفسها كسلعة لم يتذوقها احد بعد وهي نفس الفكرة التي تدفع بائعات الهوى الى اظهار مفاتنهن لجلب الزبناء ، النظر الى الجسد كسلعة للبيع ، الاختلاف يكمن في طريقة العرض فقط …

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات