المرافق العمومية ورهان التنمية بالمغرب

المرافق العمومية ورهان التنمية بالمغرب
الأربعاء 13 نونبر 2019 - 10:26

تعدّ المرافق العمومية وطبيعة الخدمات المقدمة للمواطن ركائز وأسس الدولة الحديثة. ومن ثمّ، فالسياسة المتبعة اتجاه المرفق العام هي المحددة لمدى نجاحه أو فشله، باعتباره رافعة أساسية للتنمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ فالقطاع العام قطاع إستراتيجي لتحقيق التنمية والتقدم على جميع المستويات. ويعتبر المواطن معنيا مباشرا بهذا القطاع الحيوي؛ نظرا لطبيعة الخدمات التي يقدمها، ونظرا لأن المرافق العمومية يتم تمويلها من أموال دافعي الضرائب. لذلك، فإن المواطن له الحق نظريا وفعليا في مراقبة جودة الخدمات التي يقدمها القطاع العام، وبالتالي ممارسة سلطته عبر المؤسسات الدستورية على أسس الديمقراطية والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة في إطار دولة الحق والقانون.

وعلى الرغم من تبني المجتمعات المتقدمة للخيار الليبرالي وقطعها أشواطا كبيرة في سيرورتها التاريخية نحو التطور والتقدم، فإنها لم تضح ولم تفرط في قطاعها العام وفي مرافقها العمومية؛ بل بالعكس تعتبره قطاعا إستراتيجيا يحظى بالاهتمام والتخطيط للرفع من جودته وحكامته من طرف الدولة ومؤسساتها، لأنها مطالبة بالمحاسبة في حالة الإخلال بالتزاماتها أمام المواطن وسلطته باعتباره دافعا للضرائب ومن حقه الاستفادة من الخدمات الاجتماعية العمومية.

أما في مجتمعنا، فإن القطاع العام لم يحظ بالاهتمام الضروري لإنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية لإخراج المجتمع من الفقر والأمية والفوارق الطبقية والمجالية، بحيث إن الدولة أعلنت وما زالت تعلن باستمرار انسحابها من التزاماتها اتجاه القطاع العام ودلك بخوصصة القطاعات الحيوية والإستراتيجية في المجال الاقتصادي والاجتماعي كالتعليم والصحة بإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي؛ وهو ما يؤدي حتما إلى تعميق الفوارق الاجتماعية وتدهور في مؤشرات التنمية على الصعيد الوطني والعالمي.

لذلك، نقول، وبكل موضوعية، إن المس بالمرافق العمومية وخوصصتها وإهمالها هو مس بالعقد الاجتماعي الذي تواضعت عليه المكونات السياسية والاجتماعية؛ وهو ما يؤدي إلى فقدان الثقة في مؤسسات الدولة، لأن الأساس الذي ينبني عليه العقد الاجتماعي هي المصلحة العامة وتقديم الخدمات الأساسية للمواطن والمتمثلة في مجموعة من الحقوق وعلى رأسها التعليم والصحة والشغل والسكن وأجور تضمن العيش الكريم، بالإضافة ضمان الحريات العامة بما في ذلك حرية التعبير وتأسيس الجمعيات وحرية الصحافة والحريات النقابية. هذه الحقوق هي مشروعة وعادلة من منظور الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ومن منطوق وروح دستور 2011 الذي لم يفعل ولم تتم أجرأته لاستفادة المواطن من مضامينه فعليا وعمليا على أرض الواقع.

إن المسؤولين لا يدفعون شيئا من جيوبهم؛ بل بالعكس يستنزفون المال العام باعتباره مال دافعي الضرائب بتبذيره غير المسؤول وتعويضاتهم الخيالية، والأمثلة عديدة ومتنوعة؛ وعلى رأسها أجور وتعويضات وتقاعد الوزراء والبرلمانيين ومسؤولي المؤسسات العمومية ومديريها في واقع سياسي يغيب فيه ربط المسؤولية بالمحاسبة وتفشي الشعبوية والديماغوجية السياسية التي تسوق الوهم للمواطنين المغاربة في غياب أي برنامج يذكر لتقديم الحلول لواقع الأزمة؛ فأصبح خطاب الشعبوية جزءا من الأزمة وليس جزءا من الحل؛ بل أدى ولا يزال يؤدي إلى تفقير المجتمع وتدهور لقدراته الشرائية والمعيشية، كما يؤدي إلى تفاقم الأزمة والزيادة في منسوب التوتر والاحتجاجات الاجتماعية.

لقد أبان الخطاب الشعبوي بكل وضوح عن فشله الذريع في تحمله المسؤولية السياسية وعجزه عن تقديم أية حلول وبدائل سوى مراوحة المكان في الزمن السياسي الضائع، الذي أصبحنا نعيشه وتعاني من تبعاته مختلف الأطياف السياسية وبدون استثناء.

إن وضعية القطاع العام ببلادنا تتطلب حتما مراجعة شاملة قصد النهوض به؛ لأنه يعتبر رافعة أساسية للتنمية، كما يتيح أيضا للمواطنين الاستفادة من الخدمات الاجتماعية بدون تمييز والعيش بمواطنة بكامل الحقوق.

ويتطلب هذا الهدف البدائل الآتية:

ـ صياغة برنامج تنموي جديد يجعل المواطن في صلب المشروع التنموي؛ بتأهيل المرافق العمومية ماديا وبشريا للقيام بمهامها بفعالية ونجاعة مع ربط المسؤولية بالمحاسبة خدمة للمواطن، باعتباره دافعا للضرائب ويستحق خدمات اجتماعية جيدة تصون كرامته.

ـ إعطاء الأولوية للاقتصاد الوطني وتطويره وجعله قادرا على إنتاج الثروة والمنافسة وحمايته من الفساد والفاسدين.

ـ القيام باستثمارات عمومية من طرف الدولة في المرافق العمومية في المجال الاقتصادي لإنتاج الثروة، وفي المجالات الاجتماعية لإنتاج جودة العيش.

ـ النهوض بالمدرسة العمومية وتأهيلها ماديا وبشريا باعتبارها رافعة أساسية للتنمية تقوم بتربية وتعليم وتكوين أجيال المستقبل بمضمون معرفي علمي منفتح على العصر وبجودة عالية، مع إعطاء الأستاذ المكانة المرموقة في العملية التربوية وإنصافه ماديا ومعنويا.

ـ التراجع عن سياسة التدبير المفوض والخوصصة باعتبارها تكرس ميزا صارخا بين أبناء الوطن الواحد ومبدأ المساواة التي ينص عليها الدستور.

ـ حق المواطن في الخدمات العمومية مجانا باعتباره يؤدى ثمنها بشكل مسبق في الضرائب التي يدفعها.

ـ تنمية مجالية عادلة ترتكز على الجهوية الحقيقية بصلاحيات واسعة وتستفيد من الموارد الضريبية والطبيعية في نطاق الجهة مع دعم الجهات التي تفتقر للموارد مع الاعتماد على نخب محلية وجهوية ملمة بخصوصيات الجهة ومتطلباتها.

وفي الأخير، وجب التأكيد على أن التنمية بمفهومها الحقيقي تتأسس على فعالية ونجاعة المرافق العمومية التي تعتبر رافعة أساسية للتنمية والركائز التي تنبني عليها الدولة الحديثة؛ فالمواطن كدافع للضرائب من حقه محاسبة المسؤولين عن تدبير الشأن العام ومعاقبة ممثليه انتخابيا متى أصبحت حقوقه مسلوبة وأي إهمال وتهميش لهذه المرافق أو خوصصتها أو إهمالها سيؤدي إلى اختلالات وفوارق طبقية تضرب في العمق مبدأ المساواة وتكافئ الفرص التي ينص عليها الدستور. ومن ثمَّ، فإن تغيير المجتمع نحو الأفضل يقتضي إعادة الاعتبار للمرافق العمومية وتجويد خدماتها، خدمة للمصلحة العامة مقابل الضرائب التي يدفعها المواطن.

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس