أية مرتكزات للنموذج التنموي الجديد؟

أية مرتكزات للنموذج التنموي الجديد؟
الجمعة 13 دجنبر 2019 - 19:29

مباشرة بعد تعيين الملك للجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد، سيكون من الضروري الإشارة إلى بعض المجالات التي ينبغي أن تعتمدها اللجنة في صياغة هذا النموذج، وذلك بناء على أسس عقلانية وتجريبية واقعية تتصل بثلاثة مجالات رئيسية: 1. التعليم 2. إعادة توزيع الثروة والقطع مع سياسات الريع أو المكافئات 3. تحقيق سيادة القانون.

1-التعليم أولوية الأوليات

حسب مخرجات برنامج “بيسا” PISA 2018 الذي هو عبارة عن برنامج لتقييم قدرة الأطفال الطلاب في سن 15 عاما على استخدام معارفهم ومهاراتهم في القراءة والرياضيات والعلوم، ومدى قدرتهم على القيام بما يفعلونه، فقد احتل المغرب رتبة جد متأخرة على المستوى الدولي. هذا الترتيب يفسر بشكل رئيسي أو جزئي فشل النموذج التنموي. فعلى مستوى القدرة على القراءة والرياضيات والعلوم، وباستثناء نسبة صغيرة من الطلاب الذين كانوا على مستوى أعلى كفاءة وذلك في مادة واحدة فقط، يتبين أن الطلاب المغاربة يحتلون رتبة متأخرة جدا.

المهم هنا ليس سرد المعطيات بشأن هذا البرنامج، وإنما التأكيد على أن التعليم يجب أن يشكل أحد القضايا المركزية في جدول أعمال اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي. فإذا لم يكن التعليم أحد المداخل الرئيسية للجنة المكلفة بإعداد هذا النموذج، فإن أشغالها ستكون مهدرة للوقت وللمال العام. فالتعليم هو حجر الزاوية في وصفة التنمية، وفي حال لم يكن في الإمكان تقديم وصفات لإصلاح المنظومة التعليمية والرقي بها، فإن النموذج التنموي سيظل قاصرا إلى حد كبير أو سيكون محدودا من حيث الزمن. في هذه الحال، سيكون لزاما بعد مضي القليل من السنوات البحث عن نموذج تنموي جديد.

2-إعادة توزيع الثروة والقطع مع سياسات الريع (دمقرطة الثروة)

الموضوع المتعلق بإعادة توزيع الثروة والقطع مع سياسات الريع هو جزء مهم من علمية “البحث عن النموذج الديمقراطي المغربي”. جميع الديمقراطيات العريقة أو الحديثة تتفق على أن إعادة توزيع الثروة أو ما يعرف في الفلسفة السياسية “بالعدالة الاجتماعية” هي أحد المدخلات الرئيسية لتحقيق الديمقراطية وتكريسها.

في السياق المغربي، أكد الملك مرارا وتكرار على أهمية هذا المعطى، ولكن المسألة تتعلق في الأصل بالكيفيات التي يمكن من خلالها إعادة توزيع الثروة والقطع مع سياسات الريع، الشيء الذي يجعل من هذا الموضوع سؤالا حاسما يجب أن تجيب عليه اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي. ويشمل هذا المعطى على سبيل المثال: تقاعد الوزراء والبرلمانيين، ونفقات الوزارات لاسيما الصناديق السوداء، النفقات غير المبررة…، وغيرها التي تعتبر كما أكد ذلك تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أحد المعضلات التي تؤثر على حسن تدبير المال العام.

هنا، يجب أن تتمتع اللجنة بجرأة أكبر لتبث في موضوع “إعادة توزيع الثروة” وموضوع “سياسات الريع” التي تعتبر أي سياسات الريع إجهاضا لفكرة العدالة الاجتماعية. ففي الوقت الذي تعدم فيه هذه السياسات موضوع إعادة توزيع الثروة، حيث تكون سببا رئيسيا في 1. خلق طبقات اجتماعية جديدة من العدم 2. أو في تكديس الثروة لفائدة طبقات معينة بفضل الريع الذي تتلقاه، فإن ذلك يقوض بشكل رئيسي مسألة “توزيع الثروة”، إذ لا يعقل أن تستفيد طبقات اجتماعية “معينة” من ثروات دون أن تؤدي هذه الطبقات أدوارا ووظائف اجتماعية محددة. والأكثر من ذلك، أن مسألة الريع تتسبب في تقويض الأدوار والوظائف التي يؤديها أفراد داخل المجتمع، فالأصل هو أن يتم فتح المجال أمام جميع أفراد المجتمع “للتنافس المشروع” الذي يقوم على فكرة أن تحقيق المكاسب متصل بطبيعة الأدوار والوظائف التي يقوم بها أفراد المجتمع، وليس على أسس الأصل أو النسب أو الجاه والسلطة، ومن هنا تبرز “سياسات الريع أو المكافآت” كنقيض لفكرة التنمية في حد ذاتها.

3. تحقيق سيادة القانون

قد يتساءل البعض عن العلاقة بين “سيادة القانون” و”النموذج التنموي”، والبين أنها علاقة وطيدة، بل هي شرط مسبق لكل عملية تنمية.

في ظل سيادة القانون تكون جميع مكونات المجتمع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، الأفراد…خاضعة للقانون. فالقانون الدستور، القانون، المراسيم،…هو المرجع الوحيد الذي تتحدد من خلاله حقوق وواجبات مكونات المجتمع، وهو المرجع المحدد لسلوكيات المؤسسات العمومية والأفراد. والمطروح هنا هو أن اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي ينبغي أن تعيد النظر في “وظيفة القانون في المغرب”. فإذا كان ملك البلاد قد أقر في العديد من الخطب الملكية بالنواقص والسلبيات التي تعتري الإدارة المغربية والتي تتسبب في إهدار المال العام ومصالح الأفراد، فإنها ضالعة بشكل ضمني في فشل النموذج التنموي، خاصة أنها مسؤولة عن تنزيله من خلال أجرأة السياسات الحكومية.

ومن هنا فتحقيق “سيادة القانون” وإعادة اكتشاف و”تحديد دور ووظيفة القانون” هي من بين القضايا الرئيسية التي ينبغي أن تعالجها اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي، ذلك أن التوفر على مجتمع قانوني أمر ضروري للعيش في مجتمع صحي.

*دكتور في الدراسات الدستورية والسياسية جامعة لويس – إيطاليا

‫تعليقات الزوار

1
  • طنسيون
    السبت 14 دجنبر 2019 - 07:31

    في الواقع النظام الحاكم في المغرب لا يريد التغيير الحقيقي للشعب بل يرى في تكريس واستدامة المنظور التقليدي المتخلف للتعليم فرصة لضمان التبعية والولاء والطاعة واالخضوع. بل هو يتمادى في حصر الحريات وقمع التعبير وتخويف المواطنين أسلوبا ومنهجا في ضمان الأمن و الاستقرار لتشجيع الإستثمار وانتعاش الاقتصاد. غير أن إهمال الاستثمار في الراسمال البشري وعدم الاهتمام بتكوين وتدريب الكفاءات المهنية بجدية سيجر البلاد إلى التخلف أكثر والإفلاس. التغيير يبقى هو الحل.

صوت وصورة
أحكام قضية الدهس بالبيضاء
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 23:58

أحكام قضية الدهس بالبيضاء

صوت وصورة
معرض الحلي الأمازيغية للقصر الملكي
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 23:55

معرض الحلي الأمازيغية للقصر الملكي

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 3

احتجاج بوزارة التشغيل