التفسير الذكوري للقرآن الكريم وانعكاساته السلبية على المرأة المسلمة

التفسير الذكوري للقرآن الكريم وانعكاساته السلبية على المرأة المسلمة
الإثنين 3 فبراير 2020 - 10:21

الخطاب الديني اليوم منفصل تماما عن الواقع، ومنفصل كذلك عن زمانه ومكانه ومحيطه، ينبغي تجديده وعصرنته وعقلنته وترشيده، فديننا الإسلامي ما فتئ منذ نزوله يدعو الناس كافة إلى التفكر والتدبر والتبصر والتعقل والضرب في الأرض.. فكل مؤسسة دينية أو مثقف أو مفكر أو كاتب أو عالم أو شيخ أو داعية ينتهج الخطابات العنصرية والمثالية والخرافية والطائفية، والحزبية والأيديولوجية فهو في الحقيقة يساهم- بوعي أو بدون وعي- في عرقلة مسيرة وطنه وتقدم أمته، كما يعاكس إنسانية الاسلام وعالميته، ولا يحصد من نوعية هذا الخطاب إلا الإعجابات و”اللايكات” والتصفيقات من قبل الغوغاء والدهماء والحمقى الذين ليس لهم لا في الفكر الديني، ولا في السياسة، ولافي الثقافة، ولا في العير ولا في النفير كما يقال، ولا أبالغ إن قلت بأن هناك أزمة فكر إسلامي، وأزمة خطاب ديني وأزمة الأمة المسلمة كلها، وإن اختلفت الرؤى حول نوعيتها، هل هي أزمة فكرية أم سياسية أم اجتماعية أم تعليمية وتربوية أم اقتصادية ..؟، فهذا لا يغير من الأمر شيئا، ومن خلال مشاركتنا في المؤتمرات الإسلامية الدولية واستقرائنا للأوضاع الدينية في العالم الإسلامي والعربي يمكن تحديد هذه الأزمة في جوانب كثيرة، منها عدم قدرتنا على فهم النصوص القرآنية والحديثية فهما مقاصديا إنسانيا حضاريا؛ بحيث كان الاهتمام بتفسير عموم آيات القرآن الكريم وإغفال النظر للقضايا العامة التي تناولتها آياته، وغلب التفسير الموضِعي -حسب تعبير الداعية محمد الغزالي- بدل التفسير الموضُوعي الذي يهدف للإجابة على الأسئلة الكبرى والقضايا الأساسية والجوهرية للأمة، مع العلم أن مادة التفسير واسعة جدا وكان يمكن استثمارها للإجابة على قضايا الواقع ومعالجة هموم الناس ومستجدات العصر بموضوعية وعلمية؛ لكن شيوع الأول أحدث جمودا في علوم القرآن ككل، وكانت المرأة المسلمة المتضرر الأول من نوعية هذه التفاسير وهذا الجمود الذي أصاب عقل الفقيه والمفسر معا؛ بحيث فسرت نصوص الوحي من قبل المفسرين تفسيرا ذاتيا ذكوريا جعلوا من أنفسهم محور الكون ومحور الوجود، كما منحوا لأنفسهم شرعية التحكم في المرأة، واعتبروها ناقصة عقل ودين، وبضاعة ودابة تركب، وأرض تحرث، وعبد من عبيدهم، يتصرفون فيه متى شاءوا وكيفما شاءوا، ومن يراجع كتب الأحكام الفقهية المتعلقة بالمرأة سيتفاجأ بكثير من المرويات والأحاديث الموضوعة والضعيفة جدا؛ بل والمكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصب جلها في هذا الاتجاه، وهي تثبيت أفضلية الرجل على المرأة! ومن هذه الأحاديث أخرج الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه أدب لهم”.

وفي هذا السياق قالت لي أستاذة باحثة يوم أمس، ونحن نتحاور فيما بيننا عن حقوق المرأة في الإسلام وعن انتاجها الفكري والثقافي والديني، بالإضافة إلى اختفاء بعض العالمات المغربيات من الساحة العلمية والفكرية، قالت لي بالحرف الواحد، لا نكاد نعثر على مفسرة واحدة للقرآن الكريم عبر التاريخ الإسلامي، يا ترى ما السبب؟ فقلت لها مباشرة وبدون تحفظ، معك حق سيدتي الكريمة وأوافقك الرأي، وخصوصا في شأن مشاركة النساء المسلمات في تفسير القرآن الكريم ورواية الحديث وغير ذلك من العلوم الإسلامية، مع العلم أن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كانت المرأة تعيش عصرها الذهبي؛ بحيث برزت صحابيات عالمات ومحدثات وفقيهات ومفسرات، أمثال فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول صلى الله عليه وسلم ، وخديجة رضي الله عنها، حتى عائشة رضي الله عنها – وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم- أصبحت لها مدرسة فقهية وتفاسير معتبرة واجتهادات متميزة وفتاوى متعددة في كثير من القضايا والنوازل، وتوبيخها لأبي هريرة رضي الله عنه لخير دليل؛ لنقله معلومات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ربما لم يفهم معانيها، جاء في الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بأن ثلاثة يقطعون القبلة (أي الصلاة): “الكلاب والحمير والنساء”. فقامت عائشة رضي الله عنها بتصحيح الحديث وأنكرت على ابي هريرة هذه الرواية، وقالت بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا وإنما قال: “إننا لسنا مثل اليهود الذين يقولون بأن ثلاثة أشياء تقطع القبلة: “الكلاب والحمير والنساء”.

كما نجد كذلك نساء جادلن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم فقد أنزل الله الآيات الأولى من سورة المجادلة، (قد سمع الله قول التي تجادل في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما…) بسبب ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ ﺛﻌﻠﺒﺔ وهي ﺻﺤﺎﺑﻴﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ من ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ، ﻭﺯﻭﺟﺔ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺃﻭﺱ ﺑﻦ الصامت، وكذلك القصة المشهورة للمرأة التي عارضت الخليفة عمر رضي الله عنه أثناء خطبة الجمعة، كان يريد تحديد مهور النساء، فاعترف لها بخطئه أمام جموع المصلين وقال: “أصابت امرأة وأخطأ عمر”؛ هذه القصص وغيرها تعطينا بأن المرأة المسلمة كان له وجود فعلي في عصر النبوة والصحابة وفي جميع المجالات، سواء الدينية منها أو السياسية، أو الاجتماعية وعدم وجود عالمات مسلمات ومفسرات للقرآن الكريم وفقيهات ومحدثات يرجع حسب رأيي الشخصي المتواضع إلى أسباب كثيرة من أبرزها التقاليد والأعراف الجاهلية التي كانت تعطي المكانة والسيادة والقيادة للرجال على الناس، هذه التقاليد تغلغلت في عقلية الرجل المسلم ولم يستطع الانفكاك عنها، مع أن الإسلام أبطل الكثير منها وجعل المرأة كالرجل تماما ومتساوية معه ولا فرق بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح كما جاء في القرآن الكريم؛ وليس كما دون في بعض كتب التراث الاسلامي بأن المرأة حبل من حبائل الشيطان، فتانة، أفعى، ساحرة، خبيثة، وإلى غير ذلك من الألفاظ المشينة، التي استعملت من قبل الرجل ضد المرأة لإذلالها وإسكاتها وطمس مواهبها وإلجامها والتحكم فيها، تارة باسم التقاليد والأعراف، وتارة باسم الدين.. حتى تجرأت بعض الحركات الدينية المتطرفة في السنوات الأخيرة منعها من القراءة والكتابة والتعلم، فألّف أحدهم رسالة صغيرة تحت عنوان: “الإصابة في منع النساء من الكتابة”، فهذه الجهالات التي سجلت في بعض كتب الفقه الإسلامي عن المرأة مخالفة تماما لتعاليم القرآن الكريم، فالمرأة فيه شقيقة الرجل ومتساوية معه، وشريكة له في تحمل المسؤوليات وتأدية الواجبات، حتى في طلب العلم، قال صلى الله عليه وسلم: “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة” وقوله صلى الله عليه و سلم “النساء شقائق الرجال” ولهذا فدورها في عصر النبوة وباقي الفترات المشرقة من تاريخنا الإسلامي، كان لها دور مهم وطلائعي، ولم يكن مقتصرا على الوظائف البيتية والأسرية، كما تعلمنا في هذه الكتب، وهناك نماذج لا تعد ولا تحصى من نساء رائدات ك “الشفاء العدوية” التي ولاها عمر بن الخطاب رضي الله عنه السوق وكانت أهلا لذلك، كما كان لها شأن في علوم الطب والتجارة والفلك وغير ذلك، وإلا فمن الذي اخترع الاسطرلاب، إنها مريم الإسطرلابي، كما أنَّ جامعة القرويين عندنا في المغرب – وهي من أقدم الجامعات في العالم- أسّستها امرأة فاضلة كرّست جهدها وثروتها لأعمال تعود على البشرية بالفائدة، إنها فاطمة الفِهرية، هذه الجامعة تخرّج منها الكثير من العلماء الكبار ووصل إشعاعها إلى أوروبا في القرون الوسطى؛ لكن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وابتعاد المسلمين رويدا رويدا عن نور نبوته وعن هديه صلى الله عليه وسلم، مع سيطرة التقاليد والعادات القبلية والأعراف الجاهلية، والتي أصبحت فيما بعد عبارة عن قوانين “اسلامية” يحتكم إليها الرجل العربي المسلم، بل ويعتبرها هي الدين عينه ينبغي التقيد به؛ ولا يسمح أبدا لشقيقته المرأة بأن تكون مفسرة للقرآن الكريم أو رئيسة للعلماء أو رئيسة لمجلس علمي أو قاضية أو رئيسة دولة، أو ضابطة شرطة ورئيسة الجامعة الإسلامية، أو مفتية ووزيرة للشؤون الإسلامية، وهذا في الحقيقة خلاف لما عليه القرآن الكريم وتعاليمه القيمة، الذي مدحها في أكثر من موضع وأشاد بها في كثير من آياته؛ بل وسميت سورة في القرآن الكريم باسمها وهي سورة “النساء” وأكثر من هذا فقد كرمها الله تعالى من فوق سبع سماوات وجعل الجنة تحت أقدامها، وما توصلت إليه المرأة المسلمة وغيرها من النساء في العالم اليوم من تحقيق مكاسب عدة، ما هو إلا بفضل البيان العالمي لحقوق الإنسان، مع أن الحقوق المتضمنة في هذا البيان العالمي، كان قد ضمنها له البيان القرآني منذ ما يزيد عن 14 قرنا.

الله المستعان.

‫تعليقات الزوار

4
  • منتظر
    الإثنين 3 فبراير 2020 - 17:54

    إذًا وجب أن يكون تفسير ذكوري و آخر إناثي للقرآن الكريم ..أو حذف الذكوري و خلق آخر إناثي .. يا أخي ليست هناك صعوبة في تفسير الآيات القرآنية و تفسيرها ذكوريا أو إناثيا ..الصعوبة تكمن في علاقة الرجل و المرأة ..من النساء من تفوض للرجل تحمل جميع المسؤوليات و منهن من تعارض ..آنذاك إذا عارضت فلا أحد في يومنها هذا بقادر أن يستولي على أفكارها و طموحها إلا جاء طاغية في طريقها ..فهذا لا يهم تفسير القرآن الكريم في شيء بل يهم الضعف المجتمعي ..المسائل المجتمعية في القرآن الكريم ليست لها تفسيرات عدة أو متناقضة..إلا في ميدان العلوم التي تتطلب تطورا عقليا للإنسان كالكون و الطبيعة التي كلما تقدم عقل الإنسان كلما تحين فهم الآيات القرآنية..

  • Aissa
    الأربعاء 5 فبراير 2020 - 11:18

    أظن أن احتقار المرأة لا علاقة له بالتفسير أصلا، وإن كان الموضوع لا يخلو من هنات، إهانة المرأة سلوك قديم جديد، ليس في شبه الجزيرة العربية فحسب، بل عند جميع الأمم والشعوب، في عهد قريب كان الإنجليز يبيعون نساءهم في السوق، وكان اليهود لا يؤاكلون المرأة ولا يجالسونها حال الحيض والنفاس، والنصرانية أشد ظلما للمرأة، حتى ذهب بعض المتطرفين والغلاة أن أصلها شيطان ومصدر لكل الشرور…ولعل بعض العادات في الهند لا زالت سارية المفعول، وذلك حين يموت الزوج تدفن معه الزوجة.. أفضل كتاب حرر المرأة المسلمة هو كتاب الله، وكتاب تحرير المرأة في عصر النبوة لصاحبه : ع الحليم أبو شقة، لمن أراد الاستزادة. حال المرأة اليوم ليست على مايرام، بل لا زالت تباع وتشترى في سوق النخاسة. والمسلمون مطالبون اليوم بتحسين صورة المرأة المسلمة كما كان يوصي بذلك الراحل مراد هوفمان " حسنوا صورة المرأة المسلمة. شكرا لسبريس وقرائها.

  • Khadija
    الأربعاء 5 فبراير 2020 - 18:55

    تفسير القران الكريم بشموليته هو اصلا شيء صعب المنال و سهل في نفس الوقت, لان ذلك يتوقف على مدى صلاح الشخص لهذه المهمة, فكل واحد يقرا النصوص على حسب طهارة قلبه و نواياه اتجاه الاخر, الذي ييد انزال تفسير اية ما او حديث عليه. و لذلك هناك ادعية خاصة بقراءة و تفسير القران بعد طهارة الروح و الجسد, ليساعدك الله على فهمه. اولا الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم و مثلا "اللهم اجعله لنا و ليس علينا" او "اللهم اجعل لقران العظيم ربيع قلوبنا و ذهاب همنا… و ذكرنا منه ما نسينا و علمنا منه ما جهلنا" و "اللهم زدني به حكمة و علما و احيي و نور به قلوبنا…و لا تكلنا الى انفسنا طرفة عين"…

    و البداية تكون بقصر السور الفاتحة و الاخلاص و المعوذتين و هكذا. لان مثلا سورة البقرة و ال عمران, تحتاج الى سن معينة لفهمها, لانها تتحدث عن الدياات الثلاث اليهودية و النصرانية و قصص اتباع سيدنا موسى و عيسى مع قومهم, لانها اصبحت تفسر كعنصرية ضد اتباع هذه الديانات, غرورا بالنفس, لان في الحقيقة هذه القصص تقع مع اي نبي او رسول, حتى مع النبي محمد صلى الله عليه و سلم. يعني اننا نحن لا نفرق بين الرسل.

  • Khadija
    الأربعاء 5 فبراير 2020 - 19:17

    فبدل ان تكون قصص الانبياء عبرة لكل مؤمن, ارتأى البعض اعتبارها تنزيها له من تلك الوقائع و الاحداث, فقط لانه مسلم و لا ينتمي الى تلك الديانات او اقوام اولاءك الانبياء و المرسلين, رغم ان رسول الله تجتمع فيه كل تلك الشخصيات. و هناك احاديث تقول بان بعض المسلمين سيفعلون ربما اشياء اكثر مما فعله اليهود و النصارى مع انبياءهم في زمن معين, و من بين هذه الاشياء, ادعاء علو الكعب و الصلاح و العفاف و و و

    و ادعاء ان الرسول مات و ليس هناك من يمكن ان يحمل المشعل بعده بسلسلة متواصلة, بل يدعون انقطاع الحبل معه مباشرة بعد موته و الوصال, حتى مع اقرب الناس اليه, و هناك احاديث كثيرة تثبث العكس, كاحاديث سيدنا بلال, حيث انه راى الرسول في منامه و هو في اليمن و ذهب لزيارة قبره في المدينة المنورة و مرغ جسده في تراب قبره, اشتياقا له و اذن في المسجد..

    اما بالنسبة للتفاسير, التي تتعلق بالمراة, فعلى المفسر او الامام, ان يتزوج امراة مؤمنة تناسبه اولا, هههه, كما في المذهب المالكي, ليصبح اماما معترف به, لان التجربة في الحياة الزوجية و العلاقة مهمة لفهم المراة كزوجة و هي ايضا يكون لها راي في التفسير.

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 7

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس