الانتحار ... الوهم الكبير للتغيير

الانتحار ... الوهم الكبير للتغيير
الجمعة 27 يناير 2012 - 00:09

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:

تعتبر ظاهرة الاحتجاج بحرق النفس من أبرز الظواهر التي شهدتها عدة عواصم عربية منذ بداية الربيع العربي محاكاة للشاب التونسي محمد البوعزيزي ، ولا يمكن أن نقول بأنها وسيلة استثنائية من وسائل الجهاد ضد الحاكم الظالم ؛ حيث أن هناك العديد من السبل أقل ضررا من حرق النفس ، التي بها يستطيع الإنسان أن يعبر عن رأيه بما يوافق الشرع ، وإن صحة المقاصد يلزم فيها صحة الوسائل ، إذ الغاية لا تبرر الوسيلة ، فحق حفظ النفس مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية التي التي لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها بغير حق ، واعتبر الفقه الإسلامي الاعتداء على النفس كبيرة من الكبائر التي يمارسها الإنسان ضد نفسه ، فقال تعالى : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ﴾( البقرة :195) وقال : ﴿ولا تقتلوا أنفسكم ﴾ (النساء:29)

وفي الحديث أن النبي صى الله عليه وسلم قال: مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهْوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ .. الحديث .رواه البخاري

فالكيان الإنساني محل حماية ، تحميه الشريعة الإسلامية في حياته وحتى بعد مماته ، ونفس الإنسان ليست ملكا له يتصرف فيها كيف يشاء ، ولا يباح بحال من الأحوال لأحد أن يقتل نفسه ليستريح من الظلم والطغيان والقهر ، فالإنسان بنيان الله ملعون من هدمه ، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ، حيث أن الصحة هي ركن أساسي في حياة الإنسان حتى تتحقق خلافته في الأرض ، إذ لا معنى للكفاية من غير صحة ، ولا معنى للصحة من غير هداية ، وهذا من فلسفة الابتلاء والقدرة على الصبر والتحمل ، فمهما اشتدت المصائب على الإنسان فإنه يصبر ويحتسب ولا ينقطع رجاؤه من الفرج الإلهي .

فالنفس أمانة من الله إليك أيها الإنسان ، فكن حريصا على حفظ الأمانة ولا تضيعها ؛ لأنك ستسأل عنها ، إذ الاعتداء عليها محرم شرعا . وأنا من خلال هذه المقالة لا أستطيع أن أحكم على الشباب الذين أحرقوا أنفسهم ، أكثر مما أريد أن أوضح حكم الشرع في المسألة بغض النظر عن إسقاط الأحكام على الأعيان ؛ حيث أن الحكم بعد الابتلاء بالفعل ، غير الحكم قبل الابتلاء به عند أهل العلم . وفي السياق نفسه لا يمكن ان نغفل الحديث عن المسئولين الذين فرطوا في حقوق شعوبهم ، فالشريعة الإسلامية جاءت بكل ما ينظم العلاقة بين الراعي ورعيته ، على كل المستويات ، وبما يكفل لهم حقوقهم ، من حياة كريمة ، وصحة ، وتعليم ، وغيرها من الأمور التي تكفل للإنسان حقه في الحياة ، وبتحقيق هذه الأمور، يكون قد قام بواجب تجاه رعيته ، ويكسب حبهم وطاعتهم ، وفي مثل هذه العلاقة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ . رواه مسلم

فالحاكم إذا كان صالحا غرس الله له القبول في الأرض فأحبه الناس ، والناس لا يحبون إلا الأخيار .

وكان وعد الله لكل مسئول أن يشق على شعبه ، أن يشق الله عليه ، فكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ . رواه مسلم . فالمسئول الذي يحتكر كل شيء لنفسه ويذيق شعبه طعم الذل والهوان ، عليه أن يعرف بأن المصير المحتوم له من الكأس نفسه الذي جرع منه شعبه .

وفي الختام أريد أن أوجه رسائل قصيرة الى إخواني الشباب الذين ما زالوا يفكرون في إحراق أنفسهم

1_ لا مبرر لجريمة الانتحار مهما كانت الأوضاع متردية ، إن الانتحار حالة شديدة من ضعف الإيمان لقوله تعالى: ﴿ ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ﴾( الحجر:56)

2_ النضال هو أن توجد قوة على الساحة تعلي كلمة الحق ومستعد للتضحية حتى ولو كان الثمن سجنا ، أو بطشا ، أو قهرا كما نشاهد ، وليس الحل هو حرق النفس .

3_ لا تعيشوا في وهم كبير، لقد خرج كثير من الشباب فأحرقوا أنفسهم أملا أن يحدث التغيير ، ولن يحدث أي تغيير حتى ولو حرق الشعب كله نفسه ، فالصمود ثم الصمود الى أن تستردوا الحقوق كاملة أو تقتلون دونها شهداء بإذن الله .

4_ مهما كانت ظروف الحياة ، فهي لا تستحق أن تزهق روحك من أجلها ، اللهم إذا أزهقت على يد الظالم فأنت شهيد في سبيل الله .والله الموفق للصواب

*طالب مغربي ماجستر في جامعة القاهرة ، وعضو في الرابطة العالمية لخريجي الأزهر.
http://www.facebook.com/younes.baqayan?ref=tn_tnmn

‫تعليقات الزوار

5
  • james
    الجمعة 27 يناير 2012 - 01:06

    والله يعجبني تفكير أصحاب الإديولوجيات الغيبية عندما يامرون الناس للصبر وأن الفرج عند الله قريب البوعزيزي رحمه الله غير خريطة العالم وأنتم يأصحاب اللحى النقية والبطون المنتفخة تضحكون على عواطف الناس بسردكم للآيات القرآنية رحم الله من قال كاد الفقر أن يكون كفرا إدا أنتم بالفعل تتقنون الكتابة فلماذا لاتوجهون اقلامكم صوب المسؤولين لكي تردوا بالحقوق إلى أصحابها مللنا من سماع ترهاتكم التي تقتل في النفس الإرادة والتفكير وان كل شئ مقدر كأن الله خلقنا بدون إرادة

  • Ancienne membre
    الجمعة 27 يناير 2012 - 01:19

    Bien dit…allah yerham ZAYDOUN O YEGHFER LO…
    j'invite tous les manifestants de bien lire l'histoire du MALCOM-X……..vous allez bein voir la différence…
    au moins vous avez de la chance d,etudier,,,d,autres n,ont meme pas,,,,
    Vous avez de la chance d,avoir une belle et bonne santé pour se manifester d,autres n'ont ni santé ni avec quoi se traiter…
    vous avez la chance de se marrier et d,avoir des enfants d,autres ne peuvent pas en pensé..
    vous avez de la chance de tenter vos chances a la fonction privé puis demander la fonction public ,,,,
    d,autres n,ont ni celle-ci ni celle-la….
    vous avez……….
    vous avez la chance d,avoir de l,essence au lieu d,avoir quoi manger….
    soyez honnetes mes fréres et soeurs et cherchez bien qui est dériere tout ca ….la réponse vous allez la découvrir chez la femme de ZAYDOUn…….

    ARRETE LA JAMAA DELADEL WA LIHSAN…SI TU CHERCHES QUELQUE CHOSES DIT LE CLAIREMENT ET NETTEMENT PAS DÉRIERE LES MASAKIN…………………………………..

  • الشاعر
    الجمعة 27 يناير 2012 - 16:59

    بسم الله الرحمن الرحيم انطلاقا من حفظ النفس أمانة في عنق كل مسؤول عن الرعية من كل أطراف الجهة لكن ختام النفس مكتوب في سجل الكتب لكن ليس بالتمني والوسيلة التقليدية اللاطبيعية ……. والرسول يقول لا تتمنوا الموت ….!!! لا تعيشوا عيشة خيالية … ومن خشي الفقر فليقرأ قول الله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق في سياقها… . ولا يسعني إلا أن أشكر أخي يونس بقيان على هذه الدمعة المبكية غيرة على إخوانه في المغرب وغيره حتى يثبتوا في دينهم إيمانا واحتسابا.

  • ريم الرياشي
    السبت 28 يناير 2012 - 19:02

    السلام عليكم
    الانسان الضعيف هو الذي يسترسل في الكلام الانشائى ولايبالي بالاحكام القرأنية
    سبحان الله الاسلام هو الذي قعد للامة أمورها وشؤن حياتها .
    فلماذا نبحث عن الحلول والقران موجود ؟

  • هاجر بنخلدون
    الجمعة 3 فبراير 2012 - 22:47

    في البداية أشكرك أخي على هذا المقال. يبقى حكم الشرع في هذه القضية واضحا و صريحا، و كون يونس أشار لهذه المسألة لا يعني أنه ضد من يطالب بحقه، بالعكس، أرى أنه ينبه الشباب إلى شيء مهم جدا، فكوننا مسلمين مكلفين يجعلنا غير معذورين بجهلنا للدين. فلنطالب بحقوقنا و لنسع للمضي قدما ببلادنا، و لا ننس أن أنفسنا أمانة يجب الحفاظ عليها إلى أن يأخذ الله أماناته

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات