كورونا يقظتنا وإنسانيتنا

كورونا يقظتنا وإنسانيتنا
السبت 28 مارس 2020 - 22:51

يقول شكسبير: “نحن في حاجة للخلافات أحيانا لمعرفة ما يخفيه الآخرون في قلوبهم.. قد تجد ما يجعلك في ذهول، وقد تجد ما تنحني له احتراما”.

هل خصمنا بات يلتزم بقواعد اللعب؟ حتى نراه مجرد تسلية؟

الأمر حتى الآن ليس تسلية، ولا ينبغي أن يكون كذلك… فالحصيلة صارت ترتفع بشكل غير مسبوق مما يشي بخطورة هذا الداء، وبعدُو لا يُرى ويزحفُ سريعا، إن جائحة فيروس كورونا تشكل تهديدا حقيقيا فعليا وخطيرا، ذلك أن حوالي ربع مليون إصابة حول العالم وتكاد تزيد قليلا، والعدد في ارتفاع مستمر، كما أن الإجراءات الاحترازية متسارعة بالعالم، فكيف يمكن أن ننجح في محاصرته وبعض ممارستنا لازالت استثنائية وشاذة، وغير مسؤولة ولا علاقة لها بالسلامة الصحية والأمن الصحي؟ وكيف يتسنى أن نكون على نحو ما يمكن أن نكون عليه؟

إن مثل هذه الممارسات لم تكن لتجري على الصورة التي رأيناها، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك؟ أم ترانا فقدنا الثقة في كل شيء، وحتى في أنفسنا…؟؟ أم تراه هول الصدمة القوية لتكون ردود أفعالنا مشاكسة بهذا الشكل؟ لكن هذا لا يشفع لنا بأي حال من الأحوال في عدم تحلينا بالمسؤولية أحيانا وإن كانت هذه الخروقات تشكل انزلاقا استثنائيا، من خلال بعض السلوكات والتصرفات وردود الأفعال على شاكلة التسيب والفوضى أحيانا في شكل تجمعات ولعب أطفال والاستهتار والجهل أو الركوب على معاناة الآخرين، وشيوع الأخبار الكاذبة والزائفة والإشاعات مما يوحي بعدم التبصر وفقدان الثقة، في الوقت الذي وجب فيه الالتزام والحزم نتيجة الارتفاع الدراماتيكي في عدد الإصابات بكورونا. وعلى الرغم من أن الوضعية الوبائية ببلادنا متحكم فيها، مقارنة وقياسا مع معظم دول العالم التي أشادت بذلك بفضل المجهودات والتدابير الاحترازية والاستباقية التي اتخذت، والرامية للحد من انتشار وحصر وباء كرونا، جعلت المغرب يشكل استثناء في التجربة، إلا أن بعض الاستهتار قد يكلفنا الشيء الكثير، في الوقت الذي وجب أن تتكاثف الجهود ونكون يداً وجسداً واحداً، كما كان دوما عبر التاريخ.

إن الرزايا والبلايا والأزمات والمحن محك ومرآة كاشفة عن حقيقتنا وأصلنا، مجلية لمكامن صفاتنا ومعدننا، معرية لحقائق مراتبنا وقيمنا، فاضحة لشخصياتنا قوة أو ضعفا عبر الاتزان أو سلبية تصرفاتنا، التي يفرضها ظرف ما يلم بنا من شدائد وأهوال وبلايا، تقوي من عزائمنا وتجعلنا مستعدين لبذل الجهود تآزراً وتضامناً، لمواجهة كل المعضلات والرزايا، وبالتالي تجاوز مختلف المحن بسلام أو بأقل الخسائر، دون تواكل ودون ركون أو تقاعس أو انتظار، بل بالتوكل الصحيح وذلك بالاعتماد على الله وحده أولا وأخيراً، والابتهال والتضرع إليه سبحانه والدعاء، ثم الأخذ بالأسباب المادية كاملة لتفادي هذه الجائحة والحد من بأسها ورد أضرارها، ودون تهاون وركون أو تقاعس أو انتظار، كما أن النجاة من الأخطار رهين بدور المجتمع، كل من موقعه وزاويته بعقلانية وحكمة وتبصر، ومسؤولية وامتثال وطاعة وانقياد لاختيارات الأمة والمجتمع ككل، ضمن العيش المشترك والتعايش الجماعي الجمعي، وعدم الاستهانة والتهور والتحلي بروح المسؤولية، إن الأمر يستلزم منا أن يحمل محمل الجد لا الهزل، وسُنن الحياة تقتضي الفرار من قدر الله إلى قدره، على أن حفظ النفس واجب شرعي، بعدم الدفع أو الإلقاء بها إلى التهلكة والهلاك، أو أن يقفوَ الإنسان بما ليس له علم به، ويصير في وقت وجيز عالما وفقيها وحكيما أو طبيبا أو فلكيا… فلا أحد يعلم الحكمة من كل بلاء فذلك مرده إلى الله، ولا أحد يدرك حقيقته سواه سبحانه، على أن الموت في نهاية المطاف يدركنا ولو كنا في بروج مشيدة، والوباء يصيب الأتقياء والصلحاء والأولياء، أجل كلهم يهلكون ولا سيما إذا كثر الخبث، ومع ذلك لا بد من الحياء، فالكل مبتلى، فالله يبتلينا بالشر والخير فتنة، ليبلونا أينا أحسن عملا، ثم لا أحد يمكن أن يتكهن بنهاية العالم، يمكن أن تبدأ الآن حكايات النهاية، إما بفعل ندرة الماء أو بنضوب الطاقة أو الحرب الذريّة، وقد تبدأ من بلدة صغيرة ثم تنتقل العدوى لأبعد مدى ولا تتوقف… أو عبر سيناريوهات عديدة لا نهاية لها. أو من خلال مختبر خطير للتجارب البيولوجيّة… نعم، لعل هذا صحيح. وقد يرتبط بفعل بشريّ عبر نظريّة المؤامرة أو من حدَّيْ سلاح العلم، أو عبر الفيروسات ولاسيما حين تتلاعب وتعبثُ بها أيدي البشر، فتساهمُ في الوباء نتيجة إهمال وجشع الإنسان اليوم، والذي أضحى أشرس وأقذر الشرور. ولكن ماذا لو أزحنا الإنسان وشروره عن الصورة؟ ماذا لو أفردنا الصورة وتركناها كلّها للفيروسات فحسب؟ الفيروسات الطبيعيّة اللطيفة التي لم يتدخّل الإنسان في سيرورة تطوّرها؟ هذه النقطة هي المحور… إن الفيروسات ليست غبية على النحو الذي قد نعتقده كما عودنا تاريخ الوباء بالعالم، وستعود لأن ذلك من سنن الله في أرضه، بأسماء عديدة وبأشكال مختلفة وعبر غزوات متقطعة، ولكن ماذا لو عادت في غزوة منظمة وقوية هذه المرة، وغيرت من تركيبتها وشكلها وجلدها هذه المرة؟ بمعزل عن البشر الذي سيبدو ساذجا بالمقارنة مع كائن لا ينفع معه مال أو منصب… ولا يهجم بأية دوافع أو أهواء عدوانية أو أحقاد عرقية سياسية أو عقائدية… أو عبث عابث بتوازنات الطبيعة، فما الذي بوسعنا فعله آنذاك؟

إنها سيناريوهات متنوعة ونحن أمام واقع يفرض ذاته وبقوة، وأمام جائحة وعدو لا يُرى ويزحف سريعا ويحصد الأرواح، تبقى الإنسانية هاجسا مشتركا في المكافحة والتصدي للوباء والكوارث، ومن هنا ضرورة التحلي بالوعي والانضباط والالتزام بالإرشادات، وأخذ الاحتياطات اللازمة وتقدير الظروف، لقد آن الأوان لنكون صفا واحداً ولنرفع من اليقظة..

أخيرا لنا كلمة للحب والوفاء، فتحت الضغط ومن رحم المعاناة يظهر المعدن الحقيقي النفيس الأصيل، ولأننا نمتلك الحب ولا نخشى الشتاء، وطالما مبادراتنا دوما إيجابية سنتحدى كل الصعاب…

فلنُمسك ألستَنا ولْتَسعنا بيوتنا، وسنخرج بإذن الله منتصرين.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة