عن العقل المسلم .. بين الريسوني وأبو النعيم والفايد

عن العقل المسلم .. بين الريسوني وأبو النعيم والفايد
الثلاثاء 21 أبريل 2020 - 18:44

في خضم التفاعلات بين أطراف من الفاعلين الإسلاميين مع بعض الأحداث المستجدة مؤخرا، يمكن أن نلحظ مواقف وردود فعل متباينة، تَشي بغير قليل من الاختلاف، وبقراءات متعددة للواقع، وسبل تنزيل أحكام الشريعة في ضوئها، بل تُنبئ بمناهج متباينة في أصل تصور مقاصد الشريعة، وفلسفة الصدور عن مصادرها، التي قد تحدد طرائق التعاطي مع النوازل الراهنة.

في هذا الصدد، يمكن أن نرصد ثلاث حالات لفاعلين إسلاميين على اختلاف مستوياتهم العلمية، ومراتبهم الاعتبارية، وتخصصاتهم المجالية.

الحالة الأولى: الدكتور أحمد الريسوني وموقفه من قضيتي القروض الميسرة للشباب ومخرجات أزمة كورونا:

في سوابق فارقة في تاريخه العلمي والإفتائي، انبرى الشيخ أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي كُتبت عليه أمانةُ خلافة عملاق من عمالقة الفقه التجديدي والدعوة الوسطية على هذا المنصب هو الشيخ يوسف القرضاوي، دون تلكؤ، ليُفتيَ بـ:

تحليل القروض ذات الفائدة المخفضة التي خصصتها الحكومة المغربية للشباب الحامل للمشاريع والمقاولات الصغرى والمتوسطة.

جواز تعليق صلوات الجمعة والجماعة كإجراء احترازي وقتي للوقاية من جائحة كورونا.

رفض اعتبار داء كوڤيد 19 الناجم عن ڤيروس كورونا المستجد عقابا إلهيا سُلط على البشرية.

قروض الشباب:

الريسوني، الذي لم يعرف عنه ود كبير بينه وبين دوائر الحكم في المغرب، (نذكر هنا مثلا استقالته المدوية من رئاسته لحركة التوحيد والإصلاح المغربية بعد إصداره لفتوى مثيرة للجدل أثارت استياء المخزن)، وإن كان – بالمقابل – مقربا جدا من تيار الإسلاميين الذين قادوا ويقودون الحكومتين السابقة والحالية، باعتباره من المؤسسين الأوائل للروافد الطلائعية لهذا التيار، سارع مباشرة إلى الجزم بجواز القروض المذكورة التي أطلقتها الحكومة المغربية بمبادرة من العاهل المغربي، بل واستحسنها واعتبرها تقارب ما يسمى في الفقه الإسلامي “القرض الحسن” وهو القرض الخالي من النفع أو بنسبة فائدة منعدمة، الذي يبتغي التكافل الاجتماعي، من قبل الدولة والأغنياء، على اعتبار أنها طرحت بنسبة فائدة متدنية جدا وغير مسبوقة، تمثلت في 2 بالمائة للوسط الحضري، و1.75 بالمائة للمجال القروي، وهو مربط الفرس، الذي حدا بالريسوني إلى اعتبارها قروضا مستحسنة ومحمودة، بل ومأمور بها شرعا، لكون النسبتين تكادان تغطيان محض تكلفة التسيير للملفات، ومتابعة الحكامة الجيدة للمشاريع، وتدفع باتجاه دعم فئات الشباب الحامل للمشاريع، والنهوض بالمشاريع الصغرى والمتوسطة المدرة للدخل للفئات الاجتماعية الهشة.

تعليق صلوات الجمعة والجماعات:

في خرجة تستهدف الجمهور الإسلامي والعربي عامة، طلع الشيخ أحمد الريسوني في حوار على قناة الجزيرة، يؤيد الإجراءات التي اتخذتها الحكومات في الدول العربية والمسلمة، لمكافحة ڤيروس كورونا والحد من انتشاره الشرس داخل المجتمعات، والتي كان من ضمنها تعليق صلوات الجمعة والجماعات، واعتبر ذلك جائزا، بل واجبا، كتدابير وقتية استثنائية لوقاية الأرواح البشرية، لكون حفظ النفس من أوائل مقاصد الشريعة التي لا تتعارض مع مقصد حفظ الدين، الذي يبقى أصلا ثابتا، يمكن الرجوع إليه دائما وقتما ارتفعت الموانع الوقتية لإقامة الصلوات جماعة في المساجد.

ڤيروس كورونا… عقاب إلهي؟

في الحوار نفسه المذكور أعلاه، وفي تعاطٍ غير معتاد في الأدبيات الإسلامية التقليدية، رفض الريسوني اعتبار داء كوڤيد 19 الناجم عن ڤيروس كورونا المستجد، وغيره من الطواعين والكوارث الطبيعية، عقابا ربانيا، جاء ليؤدب البشرية على إفسادها في الأرض، وزيغها عن التعاليم الدينية، وعد القول بذلك ضربا من ضروب التَّقوّل على الله بغير علم، وذلك لكون العقاب الإلهي وإن كان واردا في العموم، وخاصة وقد تواترت عنه الأخبار في النصوص الشرعية، غير أنه لا يصح الجزم به تحديدا في وصف كارثة أو جائحة بعينها، لكون هكذا أقاويل تحديدية تفتقر إلى الحجة المُحدِّدة التي جاءت مبثوثة في النصوص.

الحالة الثانية: الشيخ أبو النعيم وتعليق صلوات الجمعة والجماعات:

بعد خفوت بريق الشيخ المغراوي بمراكش، وبروز الشيخ حماد القباج كبديل متباين نسبيا، بحكم اعتباره مقربا من حزب العدالة والتنمية، وبعد المراجعات الجذرية التي انزاح إليها الشيخ أبو حفص سابقا، الأستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي حاليا، والتي جلبت له زخما حافلا في الأوساط الإعلامية والثقافية، بات الشيخ أبو النعيم يقدم نفسه كرمز من رموز السلفية التقليدية بالمغرب، وبمدينة الدار البيضاء ومنطقة الفداء تحديدا، إذ بدا أن الإجراءات التي اعتمدتها السلطات المغربية بتعليق صلاة الجمعة والجماعات وإغلاق المساجد لم ترقه، ونشر كلمة مصورة، عبر فيها عن رفضه القاطع لتلك الإجراءات، ووصمها بالتدابير الكفرية، إذ لا يعقل في بلاد المسلمين -حسب رأيه- أن تتعطل الصلوات الجماعية تحت أي ذريعة كانت، واعتبر ضرر الجائحة مجرد خطر مظنون، لا يرتب المسارعة إلى حسم قرار التعليق، وهو ما جر عليه تبعات المتابعة الجنائية في حالة اعتقال إلى تاريخ كتابة هذه السطور.

الحالة الثالثة: الدكتور محمد الفايد والنصائح الغذائية والوعظية:

الدكتور محمد الفايد، الباحث ذائع الصيت مغربيا في قضايا التغذية، والنصائح العائلية بخصوص الرجوع إلى المواد الطبيعية والعادات المغربية الأصيلة في تحضير الأطعمة الصحية، بات مؤخرا في قلب زوبعة إعلامية تطرح للنقاش “فتاواه” الغذائية، كجواز الصيام لمرضى السكري، والطرق الطبيعية لتقوية المناعة و”الوقاية” من ڤيروس كورونا، فضلا عن دأبه الانطلاق من النصوص الشرعية الإسلامية، ومدى مصداقية أسلوبه الخاص، الذي يمزج بين بعض المعطيات العلمية والمواعظ الدينية.

سَوْق الحالات الثلاث أعلاه لا يأتي في هذا المقام بمبتغى سرد للوقائع، أو تصنيف للمواقف، أو إصدار أحكام في حق أصحابها، بقدر ما يتعلق الأمر بربط بين سياقاتها المتقاربة في التوقيت، والمتداخلة في الموضوع؛ فهي وإن كانت تأتي، كليا أو جزئيا، في سياق الزمن “الكوروني”، إلا أنها تعبر، بما تمثله من نماذج متباينة، عما يعتمل داخل العقل المسلم من تفاعلات…

فعندما يضطر متخصص في علم من العلوم التجريبية إلى الرجوع إلى الخطاب الديني للنهل منه، في كل مرة، سواء أسعفته الحجة العلمية أم لم تُسعفه، نكون بصدد مشكل، وعندما يشرد عن مجال تخصصه، ويتسربل بجُبة الواعظ الذي لا يمسك بزمام مواعظه، نكون أمام مشكل آخر؛ أما حينما نغدو، كمخاطَبين بتلك “النصائح العلمية”، غير قادرين على هضمها إلا ممزوجة ببهارات النصوص الشرعية، فالطامة وقتئذ أدهى وأَمرّ…!.

ألا يستطيع الباحث الشهير في علوم التغذية أن يُفيدَنا بتوجيهاته وخلاصاته العلمية بأسلوب علمي سلس، يروم إسداء النصيحة الغذائية المحضة، والمبسطة، دون الاضطرار إلى لَيّ أعناق النصوص؟.

أَئِذا اكتفى بذلك كرجل علم يؤدي دوره بالأمانة العلمية المطلوبة يكون في كل مرة مدينا لنا بتأصيل شرعي لمخرجات التجارب العلمية في المختبرات؟ وحين يبتغي أن ينقل لنا آخر الخلاصات من المجلات العلمية المتخصصة، هل يكون حريا به أن يصطحبها معه أولا، للغوص، باحثا لها عن المشروعية الدينية، في أمهات الكتب؟.

وأما ذلك “الطباق” في قصتي الريسوني وأبي النعيم فأعم وأضخم! فحين يأتي الأول، وهو المكبل بمسؤولية عالمية تجر جبالا من الرقابة والمتابعة، بخطاب مبشر بسماحة الإسلام، بأسلوب يطمئن البشرية جمعاء، فضلا عن جماهير المسلمين، بروحانية ورحمة هذا الدين، الذي لم يأت لتخويف الناس، ولا للإلقاء بهم في التهلكة، وبيُسره وحرصه على قضاء حوائج الناس، ورفع العوز عنهم، وتنمية اقتصادياتهم… نجد الثاني يراوح مكانه، لا تسعفه القراءة الواقعية الموضوعية، فضلا عن الحجة الشرعية…!.

ليس كاتب هذه السطور متخصصا في العلوم الشرعية، غير أنه يؤمن أن مستقبل المسلمين بأيديهم، فإما أن يستفيقوا من سُباتهم، ويدركوا أن هذا الدين إذا حُق له أن يكون صالحا لكل زمان ومكان فإنما يكون بجدهم و”اجتهادهم”، وإعمالهم لتلك العقول التي في رؤوسهم، لإدراك السبل الواسعة الأفق، لتنزيل تعاليم مطلقة، على نوازل متغيرة ومتسارعة، وليس بتواكلهم، وانتظارهم لدينهم بنصوصه ومبادئه المجردة أن يقوم مقامهم من تلقاء نفسه، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء فهمه، وتجديده، وتمثله… وإما سيكون مصيرهم قرونا أخرى..تترى… من التخلف…!.

‫تعليقات الزوار

6
  • مسلم
    الثلاثاء 21 أبريل 2020 - 20:16

    تعليقي عن الدكتور الفايد
    اقول للكاتب لماذا تبخسون اعمال وابحاث الرجل طالما ينفع الناس بعلمه و بحوثه فالرجل يتكلم بمنطق علمي محض.
    ثانيا نحن المسلمون ديننا دين حياة لا حياة لنا بدون دين .فالدين و العلم وجهان لعملة واحدة
    فقولو لنا من انتم حتى نقرر هل نقرا كتاباتكم!!!!!

  • الرياحي
    الثلاثاء 21 أبريل 2020 - 22:30

    لا ارى اي فرق بين الحالات الثلاثة
    اما عن مول العلم الدكتور فهل له مختبر ؟لا
    هل له مقالات علمية منشورة في مجلة علمية نخبوية بلجنة قراءة ؟لا
    ما يقول شيء تعرفه الجدات وبديهي فمند غابر الأزمان نعرف ان الأطبيعي البيولوجي يقي من عدة أمراض وكل ما هو صناعي مضر بصحة الناس واين هو العلم
    هو ربما عشاب جيد لكنه ينتحل صفة طبيب ويعطي نصائح خطيرة مثل قوله ان بول البعير لا يحتوي على طوكسينات فهذا كذب وعليه ان يأتي بالحجة مشي عا جئ يا فم هو دوي
    نرى قوز الأمية والشعوبية والجهل وعن سوءالك فانتظر الف سنة

  • جالس في الدار
    الأربعاء 22 أبريل 2020 - 02:18

    اعجب من بعض دارسي العلوم التجريبية حين يتخلون عن مجالهم و تتحول هوايتهم في قراءة بعض المجلات العلمية الموجهة للعموم إلى مجال يتكسبون منه
    المهندس الفايد خريج معهد الزراعة و البيطرة بالرباط يتحول إلى nutritionniste يلجأ للبهارات الدينية قصد اقناع الأخرين عوض الحديث عن نتائج ابحاث علمية موثقة صعبة الفهم و الهضم لدى السامعين

  • الرازي
    الأربعاء 22 أبريل 2020 - 03:14

    تجار الدين لا موقف ثابت لهم كما ترون من مواقفهم المتناقضة. فهم يأخذون من الدين ما يخدم مصالحهم و بما أن الدين فيه الشيء و نقيضهم في نفس الوقت فهم يجدون سهولة كبيرة من تقديم أي رأي يريدون!
    مشكل الفايد مختلف شيئا ما. فهو يخلط بين العلم و الدين و الشعوذة. هناك بعض الأشياء العلمية و العملية فيما يقدم. كمنافع الأكل الطبيعي. لكن طريقته المتعجرفة و الفوقية و الخالية من المصادر العلمية تجعل آرائه دون مصداقية. هذا مثل واحد يفند كل ما يقول. المغاربة و الأفارقة كانوا يستهلكون المواد الصحية و الأعشاب في الماضي أكثر من اليوم، فلماذا كانت تفتك بهم الأوبئة مثل الطاعون و الكوليرا؟

  • قرفاتيكوس
    الأربعاء 22 أبريل 2020 - 19:29

    – مقال او بحث علمي واحد للفايد عن الصوم : not found
    – مقال او بحث علمي واحد للفايد عن مرض السكري : error 404
    – مقال او بحث علمي واحد للفايد عن فقر الدم: not found
    – مقال او بحث علمي واحد للفايد عن النساء الحوامل و تغذيتهن : error 404
    – مقال او بحث علمي واحد للفايد عن أمراض الجهاز الهضمي: not found
    – مقال او بحث علمي واحد للفايد عن الفيروسات : error 404
    – أؤكد: واااااحد ماكاينش. والو. Nada. Nothing. Rien

    الفايد تحدث عن هذه المواضيع بدون أي بحث علمي شخصي و بدون أي مقال علمي شخصي و بدون أية خبرة ميدانية تراكمية، يسأله العوام فيفتي بغير علم.
    حال الفايد مصداق للحديث النبوي الشريف:
    "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا"

  • khalid
    الخميس 23 أبريل 2020 - 12:34

    سأنطلق من حيث عنوان هدا المقال ـ العقل المسلم ـ بحيث لم يكن الجدل الدائر حول فصل الدين عن العلم والعقل، ولكن عبر تقديم قراءة في منتهى العبقرية للدين الحنيف، فقد أجاد مثقفو القرن الأول والثاني والثالث في عقلنة الوعي بالنص روحاً وكياناً، فقد توصلوا مبكراً أن العالم يتطور وفقا للقوانين الطبيعية التي أوجدها الخالق، والتي لا تتبدل أو تتغير كما عبر عنها النص، لقد آمن هذا التيار بأسبقية العقل على الإيمان. و ذالك هو مربط الفرس عند الثلاثة اللذين كانو موضع نقاش. الا أنه لا مجال للجمع بينهم نظراً لاختلاف المواضيع المدكورة ومنهم يومن بأسبقية العقل على الإيمان أو ومنهم يومن بأسبقية الإيمان على العقل. على العموم كان تحليلكم صائبا هادفا كما عهدناه في مقالاتكم السابقة.

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 17

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات