هل أرخت أزمة الشعبوية بظلالها؟

هل أرخت أزمة الشعبوية بظلالها؟
الأربعاء 10 يونيو 2020 - 08:31

منذ بداية تفشي وباء كورونا في أنحاء العالم، تباينت أشكال التعامل معه من قبل قادة الدول وانعكست على مستوى خطابهم السياسي. منهم من أقر بشكل صريح أن بلاده ستواجه مصاعب جمة جراء هذا الوباء وما سيترتب عليه من أزمة تمس مختلف الأصعدة. فيما آخرون تعاملوا معه بشيء من الكبرياء والاستخفاف والاستهتار والثقة المبالغ فيها، في قدرة بلدانهم على مواجهة الأزمة اعتمادا على الإمكانيات المتوفرة لدى الدولة، مع توجيه أصابع الاتهام لجهات معينة وتحميلها المسؤولة بالدرجة الأولى عن الوضع الوبائي في العالم.

“دونالد ترامب” في الولايات المتحدة، صرح بأن بلاده قادرة على التصدي للوباء بمختلف الآليات المتوفرة لديها، وذلك منذ مطلع شهر فبراير 2020، وهذا ما كذبته الأرقام المسجلة على أرض الواقع والتي كانت قياسية ومهولة في الآن نفسه. كذلك أشار متهما، دونما مرة وتوجه بجام غضبه إلى اعتبار الفيروس صيني الصنع.

وإلى جنوب الولايات المتحدة، البرازيل بالتحديد، ومن خلال مجموعة من التصريحات زعم الرئيس “جايير بولسونارو”، أن الفيروس فيروس عاد ولا داعي للإجراءات الاحترازية الصعبة والمعقدة. وبتصريحاته تلك، تم تأخير إعلان حالة الطوارئ الصحية في البلاد. وقد أًسفر عن هذه الوضعية، كما هو معلوم، تسجيل عدد كبير في الحالات التي لحقتها العدوى. فما كان إلا أن وجهت له أصابع الاتهام مباشرة جراء ما آل إليه الوضع في البرازيل حاليا.

يبقى القاسم المشترك بين ترامب وبولسونارو، هو كونهما درجا على تبني الخطاب الشعبوي في أسلوبهما التواصلي. وهنا يطرح السؤال: ما أثر هذا النوع من الخطاب على ما حصل اليوم في أكبر بلدين في القارة الأمريكية؟

برزت الشعبوية من جديد بمختلف بقاع العالم، عند مطلع العقد الأخير، من خلال ظهور مجموعة من الحركات والتيارات المتبنية لهذا التوجه. والأمثلة بهذا الخصوص متعددة: حركة الخمس نجوم في إيطاليا وحركة بوديموس في إسبانيا، فضلا عن “بوريس جونسون” في المملكة المتحدة، الذي صب جام غضبه على الاتحاد الأوروبي بوصفه سببا في البطالة والهجرة غير النظامية التي تعاني منها بلاده. مما ساعده في تحقيق مشروع “Brexit”.

ويمكن القول إن الخطاب الشعبوي برز بشكل كبير مع صعود ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض سنة 2016، إذ أصبح يعتبر رمز الشعبوية في العالم، ثم في سنة 2018 مع نجاح بولسونارو في خطف منصب الرئاسة في البرازيل.

إن الشعبوية كمفهوم لازال يكتنفه اللبس لدى السياسيين أنفسهم. فهم يتأرجحون بين من يعتبره تعبيرا عن الديمقراطية غير الليبيرالية، وبين من يراه يمثل الديمقراطية الاستبدادية.

بغض النظر عن هذا الاختلاف، فالشعبوية وبمختلف أشكالها وتعبيراتها يجمعها قاسم مشترك، يتعلق بالظروف التي أفرزتها والمرتبطة أساسا بالهجرة والاستلاب الثقافي والفقر المتصاعد بين صفوف الطبقة الوسطى.

يعتبر عزمي بشارة في مقال له بعنوان “الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية” أن “ظاهرة الشعبوية السياسـية نمط من الخطاب السياسي، يتداخـــل فيه المستويان الخطابي والسلوكي بشكل وثيق. وقد يتفاعل هذا الخطاب مع عفوية تقوم على مزاج سياسي غاضب لجمهور فقد الثقة بالنظام والنخبة الحاكمة”.

إن مقتل المواطن الأمريكي ذي البشرة السوداء “جورج فلويد” كان النقطة التي أفاضت الكأس، بعد استفحال الأزمة الاقتصادية التي خلفها الوباء في الولايات المتحدة، وزاد من تأجيج الوضع في البلاد والخروج في مظاهرات صاخبة اكتسحت العديد من المدن والولايات. كل هذا ساهم في التذمر أكثر من الرئيس “ترامب” صاحب التوجهات والخطابات المتطرفة وهو ينظر إليه منذ انتخابه سنة 2016 كمتحدث باسم “البيض من الطبقة الوسطى المهمشة” والذين يجتاحهم القلق والشعور بالخوف من ضياع ما يتمتعون به من امتيازات، نتيجة الهجرة والأزمات الاقتصادية المتتالية.

وإذا كان الخطاب الشعبوي، للتغطية عن فراغه النظري وخوائه المعرفي، يعمل على الاستنجاد بالنعرات العرقية (العنصر الأبيض) وبالعاطفة الدينية واستغلالها سياسيا، (فقد التقطته عدسات الكاميرا وهو متجه نحو كنيسة تاريخية بالقرب من البيت الأبيض رافعا الإنجيل، موظفا المبنى الكنيسي والإنجيل لأغراض سياسية). بالإضافة إلى مجموعة من التصريحات التي دأب على التفوه بها على امتداد توليه رئاسة الدولة، والتي يغلب عليها تحريك النعرات العنصرية وهو ما يمكن أن يبث نار الفتنة في البلاد.

أما البرازيل، فهي تعرف بدورها جدلا واسعا ومطالب بعزل “الرئيس بولسونارو”، عقب اتهامه بفشله الذريع في مواجهة أزمة كورونا وبافتقاره للقدرة على إدارة البلاد وحماية صحة وأرواح البرازيليين.

“وإن يكن” كان لهذا الرد المرتجل والمستفز والبارد والمفتقر لكل تعاطف من قبل الرئيس، عقب سؤال موجه له من طرف أحد الصحفيين إثر تجاوز البرازيل خمسة آلاف حالة وفاة بسبب الوباء، وقع بالغ الأثر، أفرز موجة سخط عارمة وإشعال عاصفة من الغضب والجدل. وقد كان من تداعيات هذا الموقف أن قرر حزب العمال البرازيلي المعارض تقديم طلب رسمي للبرلمان، لتدشين إجراءات عزل الرئيس حيث تبقى كلمة الفصل بيد رئيس البرلمان لعرضه على التصويت أم لا.

في الأخير يمكننا القول على ضوء ما سبق، إن المثالين المذكورين –ترامب و بولسونارو- قد دخلا إلى نفق مغلق من شأنه الإلقاء بهما خارج سدة الحكم. وهو أمر يكشف عن أن متبنيي الخطاب الشعبوي فشلوا وافتقروا للقدرة على مواجهة الأزمات وقطف ثمار منها، تمكنهم من البروز وتقوية مواقعهم. وهذا دليل على أن هذا الأسلوب يصعب معه مواجهة الأزمات بحكمة وتعقل وسلاسة نظرا لما يعتري الخطاب الشعبوي من ضعف نظري وخواء معرفي.

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42

جدل فيديو “المواعدة العمياء”