إسقاط الاستبداد أم إسقاط "القابلية له" ؟!

إسقاط الاستبداد أم إسقاط "القابلية له" ؟!
الإثنين 26 مارس 2012 - 00:43

” الشعب يريد إسقاط النظام “.. الشعار المصري الخالد الذي رفعه الشعب المصري في مواجهة حكم الطاغية حسني مبارك . وهو الشعار ذاته الذي شكل شرارة الثورة في سوريا بعد ذلك . فحينما انطلقت الثورة في تونس ، ثم في مصر ، فليبيا واليمن، لم تكن الصورة واضحة في سوريا . فموقف النظام السوري حول الحراك الشعبي الذي عرفته هذه البلدان، في تلك الأثناء، لم يكن واضحا .كما أن الشعب السوري لم يشارك بالقوة والزخم المنتظر منه في التظاهرات المساندة لهذا الحراك . والشعوب العربية لم تكن تنتظر من هذا الشعب “الخانع” ، “المذلول” –زعموا !!- ؛ الشيء الكثير ، حتى خرج علينا بهذه الهبة الجماهيرية الكاسحة التي انخرط فيها لإسقاط صنمه الذي تربع على جماجم وأشلاء “حماة ” ( 1981) ، واستطاع أن يكمم الأفواه ، ويفرض السكوت على الصمت ، بله الكلام ؛ لعقود!!. وظل – في المقابل- يُمَوِّهُ على الشعوب العربية والإسلامية عبر “البروباغوند ” الإعلامي الرخيص ( قناة المنار الشيعية العميلة) ، في المحافل الدولية والعربية ، بالتسويق للدور الجوهري والخطير لنظامه الديكتاتوري في نصرة القضية الفلسطينية من خلال نصرته للحركات الفلسطينية المقاومة ، وإيوائه لقادتها الأشاوس ، ولحزب الله اللبناني الشيعي العميل الذي كشفت الثورة السورية عن حقيقة ما يكنه من حقد ضد “أهل السنة”، وهي الحقيقة التي ذهلت عنها الشعوب العربية والإسلامية أيام كانت تخرج في المسيرات المؤيدة له في حرب يونيو 2006 ، ويتناقل شباب “النيت” –آنئذ- صور المجرم “حسن هزمه الله” ، ويرسمونها على قمصانهم ، ويصدرون بها شاشات هواتهم النقالة ، ويرفعونه إلى مصاف الصحابة والتابعين .. !! .كما كشفت عن حقيقة بعض علماء الفرش والأرائك الناعمة الذين تتلمذنا على كتبهم ، وكنا نعدهم من الأخيار ، ممن آثروا أن يركنوا إلى الذين ظلموا ، و يولوا الشعب الأدبار ؛ فبئس الاختيار !!…

قلت : ظل هذا النظام الديكتاتوري يلمِّع صورته المهترئة ، ويُسَوِّق لإنجازاته “الاستثنائية” في خدمة ا”القضية” ، في موازاة مع العمل – في الداخل – على تكميم الأفواه ، وهتك الأعراض ، وتكسير عظام “أهل السنة” في المعتقلات والمنافي .. حتى “تطوع” بضعة أطفال في حراك عفوي ، وتصرف رمزي طفولي ينضح بالبراءة والعفوية ، وكتبوا على جدار من جدران “درعة ” الصامدة ، الشعار الخالد :”الشعب يريد إسقاط النظام ” ، في تجاوب “افتراضي” مع الشعب المصري الثائر الذي أبدع هذا الشعار وجعل منه لازمته الثورية ، وعنوان ثورته المجيدة ؛ حتى وصل صداه الآفاق.

فهؤلاء الفتية لم يقصدوا لكتابة هذا الشعار سوى التنفيس عن تأثر لا شعوري بجرسه الموسيقي ، وبما يحدث ترديده الجماهيري من رهبة ورعشة تدفع لترديده بدون تردد .وهي الحالة النفسية التي –لا شك – انتابت كل من كان يتابع الحراك الشعبي المصري. وهذا بالضبط ما أشعر الفتية السوريين ، فاندفعوا يخطون حروفه على الحائط ببراءة ، وبدون أية خلفية سياسية، أو أجندة خارجية أو ثورية . لكن النظام السوري الحاقد الخبيث لم يكن بالذكاء والرَّوِيَّة التي يستلزمها هكذا مشهد ، فيكلفَ من يمسحه دون مشاكل ، ولا إثارة زوابع . ولم يكن بـ”الذكاء” و”الروية” التي “يتحلى” بها إزاء العدو الصهيوني الغاصب لـ”جولانه” حينما يخترق أجواءه “المقدسة” بطائراته ، و”يبصق ” عليه وعلى الذين خلَّفُوه ؛ فيرد الإساءة بــ “التي هي أحسن” ! ، فينسحب – كما النعامة – في رمال الصحراء . ولكنه اعتبر ما فعله هؤلاء الفتية الصغار مسا خطيرا بكبريائه ، وإساءة طائفية ، من أبناء السنة، ضد الطائفة الشيعية العلوية النُّصَيْرِيَّة الحاكمة ، ومؤامرة خارجية كبيرة ، ومحاولة لزعزعة النظام ، ووو..فأُصدِرت الأوامر لزبانية نظام بشار ، وتم اعتقال الفتية ، وإخضاعهم لتعذيب جهنمي غير مسبوق ( قلع الأظافر ، تكسير الأسنان ، الاغتصاب بواسطة كلاب مدربة ،…). لتكون هذه هي الشرارة التي أشعلت الثورة السورية المجيدة ، تماما كما أشعلت لطمة الشرطية للبوعزيزي الشرارة التي أوقدت الثورة التونسية…

أما في المغرب فلم يتجاوز الشعار المرفوع المطالبة بإسقاط الاستبداد .فجعل الحراك الشعبي يردد نفس اللازمة المصرية ، بنفس الجر س الموسيقي ، وبسقف مطلبي أقل بكثير ، لكن بعبارة :”الشعب يريد إسقاط الاستبداد” !.

والاستبداد ليس حاكما ولا مسؤولا كبيرا أو صغيرا ؛بل هو سلوك قد يصدر من كل هؤلاء ويدخل في خانة ” الشطط في استعمال السلطة”. وقد يكون أقل من ذلك فنربطه بمجرد “فرض للرأي” في نقاش صالوني فكري أو إيديولوجي أو سياسي ، وهو ما نطلق عليه بـ :”الاستبداد بالرأي”.والاستبداد يمارس –دائما- من طرف الأعلى على الأدنى ، أو من طرف الأقوى على الأضعف . لكن الاستبداد –أيا كان مصدره- لا يمارس إلا على من كانت لديه “القابلية له”، أي أن الذي “يخلق” الاستبداد هو الذي يمارَس عليه هذا الاستبداد….فمثل المستبَدين – بفتح الباء- كمثل عالم اخترع آلة على شكل تِنِّينٍ كبير ، فأكلته . فلولا المستبَدين- بفتح الباء- لما كان هناك مستبِدون- بكسرها- .فقابليتنا للاستبداد ، و”رضانا” بأن نُظلم ، وتُنتهك حقوقنا ، وتُمرَّغ كرامتنا في التراب ،.. هو الذي “يخلق” المستبِدين بيننا .

إن “القابلية للاستبداد” “جينة” ورثناها أبا عن جد ، وتربينا عليها في بيوتنا ، ومدارسنا ، ومعاهدنا ، ومعاملنا ، ووظائفنا ،..فالطفل الصغير يشاهد أباه يمارس “الاستبداد” على أمه الخانعة ، فيمارسه هو على أخيه الصغير أو أخته ، ويمارسه بعد ذلك على زوجته وأبنائه، والأستاذ أو “لفقيه” يمارسه على طلبته ؛ قيستلذونه ، ويرضون به لأنه رسخ في عقولهم أن طاعة “الشيخ ” ( المعلم)، في الحق والباطل ، من طاعة الله !! .والموظف الحكومي يمارسه على المواطنين ؛ فيذعنون ويخنعون خوفا من الأسوء ، لأن “المخزن ما معاه اللعب” !. وكم تعجبت لأناس تعرضوا –خلال سنوات الرصاص – للاعتقال التعسفي ، والتعذيب في المخافر والكوميساريات ، لأتفه الأسباب ، وبعد أن أفلتوا بجلودههم ، وبدل أن يتابعوا جلاديهم ويفضحوهم ، يردون كل ماوقع لهم من تعسف واضطهاد ، وما مورس عليهم من استبداد وظلم ، إلى “أخطاء” ارتكبوها . لماذا ؟ ! قالوا :”لأن المخزن مكيظلم حد” !!. وقد تكون هذه “الأخطاء” مجرد “آراء” سياسية أو دينية تراجعوا عنها بعد ذلك.

إن قبولنا بالاستبداد ، ورضانا به ، هو الذي “يخلق” بيننا هؤلاء المستبِدين . فالمستبِد هو بشر ، لكنه بشر مريض يستهويه ضعف الناس ، وحاجتهم ، وخوفهم ، وقابليتهم للخضوع لنزواته ، والركون إلى استبداده . وهؤلاء “المستبَدين” –بفتح الباء- هم قبيلة “البلاحسة” بمختلف مناصبهم ، ومستوياتهم ، وهيئاتهم ؛ فنجدهم في التعليم ، والصحة ، والجماعات المحلية ، والسلطة ، وفي كل القطاعات ،وحيثما خضعت الوَجَاهَة والمنصب “والقُرْب” ، لمعيار : “أقربكم مني منزلا ؛ أشدكم ” بلحسة” لي ، وقبولا بهَذَيَانِي ” !!!…
إذن ، قبل أن ندعو لإسقاط استبداد “الآخر” ، علينا أن نسقط “قابليته” فينا .فمادام ثمة بيننا من يقبل أن يُمارَس عليه الاستبداد ، ولا يستطيع أن يدفعه ، بل ويرضاه ، ويستلذه (شأن “البلاحسة” جميعهم)؛ فلن نتفاءل أبدا بسقوط هذا الاستبداد …

وصدق الشاعر الحكيم ، مفخرة الأدب العربي ، أبو الطيب المتنبي ، حينما قال :

ذَلّ مَنْ يَغْبِطُ الذّليل بعَيشٍ **** رُبّ عَيشٍ أخَفُّ منْهُ الحِمامُ
كُلُّ حِلْمٍ أتَى بغَيرِ اقْتِدارٍ **** حُجّةٌ لاجىءٌ إلَيها اللّئَامُ
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ **** ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ

‫تعليقات الزوار

1
  • عمر مغفور
    الثلاثاء 27 مارس 2012 - 00:16

    شكرا اخي الكريم على هذا التحليل الجميل.نعم المغاربة سقطوا في 20 فبراير لانهم لم يدرسوا لوازم وقواعد التغيير.اسقاط الاستبداد كان شعارا مبهما وكان الاولى طرح المستبدين في الواجهة لكي يعرف الناس من هو المقصود ثم البعض من الفبراريين كانوا من الصعاليك الزنادقة الذين لم يحترموا لا المبادئ ولا المناضلين ولا الساحة اما المستبدين بغتح الباء فقادوا معركتهم قبالة النظام بجدوجهد قليل ليتسلموا مقاليد الادارة ولا اقول السلطة وقد وصلوا الى مبتغاهم فهاهم اليوم في حيرة من امرهم لايستطيعون الوفاء بعهودهم ولا يستطيعون الدفاع عن مبادئهم وخاصة فيما تعلق بسوريا وتسليح الجيش الحر وما تعلق بزيارة برلماني اسرائيل وموازين ووووو ولتجدنهم يسهرون الليالي من اجل اعداد التصريحات لذر الرماد في العيون

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة