ساعة في الجحيم: فاجعة تيشكا والموزمبيق

ساعة في الجحيم: فاجعة تيشكا والموزمبيق
الثلاثاء 11 شتنبر 2012 - 02:20

بمجرد ما يستعد المغاربة من الاستفاقة من صدمة بدرجة 50 على سلم ريشتر في حوادث السير والتي راح ضحيتها أكثر من 62 من سكان الجنوب الشرقي الأبرياء قتلى وجرحى، ، حتى ضربهم زلزال أخر في الكرة، بنفس الدرجة على سلم الموزمبيق، حيث عاد منتخب الأسود إلى حديقة الحيوانات، محملا بهدايا موزنبيقية قيمتها هدفين نظيفين، و الإقصاء من كأس أفريقيا ، و العالم ، و ربما سيحالون لعب أدوار البطولة الوطنية للهواة، مع فرق مثل إتحاد ورزازات، و إتحاد زاكورة، و فريق سبورتينك تيشكا.

هذه الصدمات و الكدمات التي أصبحت تنهال على رؤوس المغاربة من كل صوب وحدب وفي كل حين و في كل القطاعات، أقصد التعليم و النقل و القمح و الديون، و الرياضة، و الحريات، و القضاء، والسجون، والصحة، وهلم جرا…، لا يمكن في كل الأحول أن تكون من قبيل الصدفة أو راجعة إلى القضاء والقدر.. بل من تدبير خبراء حكماء .

طريق تيشكا المظلم أو ما سمي قصدا بطريق الصراط المنعوج في ثقافة المارين منه، والذي يجبرك على استعمال كل حواسك الخمس، إضافة إلى الحاسة السادسة أي الحدس، و يجبرك على التفكير في احتمالات عدة عندما تريد أن تزور قريبا لك بمدينة ورزازات أو زاكورة أو تنغير … ويجعلك تعد حسناتك وسيئات بأصابعك علك تنجو من نار الطريق ونار جهنم الكبرى، وتشهد ألا إله إلا الله حتى ولو كنت ملحدا، وتحس وأنك تدخل حربا لا هوادة فيها مع المنعرجات الخطرة، و التي يجب أن تستعمل معها كل الأسلحة الميتافيزيقية والمادية. هذه الطريق كما يعلم أغلبكم لم تحض بأي اهتمام منذ الأربعينيات من القرن الماضي، أي مند التفكير لأول مرة في حفر نفق تيشكا الذي ضل يتنقل بين رفوف وزارة لأخرى قرابة الستين سنة حتى أصبح في عداد الموتى كالألف من المغاربة الذين لقوا حتفهم بسبب الطرق المتهرئة … .

هذه الطريق، أي تيزي نتيشكا، أولها غيث و أخرها غيث، فبمجرد أن تركب الحافلة متجها إلى مدينة مراكش قادما من ورزازات، تشاهد أفواه الركاب تهمس بكلمات صغيرة ، أستغفر الله، إن لله و إن إليه راجعون، أشهد أن لا إله إلله، إلخ، فالناس هنا في بلدتي تستعد مسبقا لموت محتم، أو على الأقل إلى دخول غمار قصة مجهولة مدتها ساعة في الجحيم، تهتز معها أنفاسهم وتنقطع كلما سمعوا منبها صغيرا لسيارة قادمة من الجهة الأخرى لأن الطريق، حمدا لوزارة التجهيز ونقل الأموات، لا تكفي إلا لعربة واحدة أو سيارتين من الحجم الصغير، لأنه بمجرد التقاء حافلتين، يعكل حمار الشيخ في العقبة وننتظر الفرج إلى يوم يبعثون.

طبعا، بمجرد الوصول إلى منطقة الخوف، تشاهد وجوه جميع الركاب باستثناء الشيفور، تصفر من شدة الخوف، ”خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ”، ، ويقول أغلبهم ”هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء”، وإذا كنت من هواة قراءة الملامح، واكتشاف أسرار الشعور، ما عليك إلا إن تمشي وسط الحافلة قادما من أولها إلى أخرها هذا إذا كانت لك الجرأة بعد الحادث أن تفكر في النهوض من مكانك ومتيقن انك لن تضعها في سروالك، قم لترى ملامح لم تشهدها من قبل، ملامح الناس المبعوثون يوم القيامة، ”مشهدهم مسرعين لا يلوون على شيء ، ولا يلتفتون إلى شيء ، رافعين رؤوسهم ، لا عن إرادة ، ولكنها مشدودة ، لا يملكون لها حراكاً… يمتد بصرهم إلى ما يشاهدون من الرعب ، فلا يطرف ولا يرتد إليهم ، وقلوبهم من الفزع خاوية خالية ، لا تضم شيئاً يعونه أو يحفظونه ، أو يتذكرونه ، فهي هواء خاوية . هذا هو اليوم الذي يؤخرهم الله إليه”، حيث يقفون في هذا الموقف ، ويعانون هذا الرعب … وتراهم ينسجون حكايات في مخيلتهم و لا يستطيعون النظر من النافذة من شدة الخوف، عارفين عالمين أنهم يحاكمون في قضية موت أو حياة، وهذا ما أراد لهم حاكموهم، أن يعيشوا أبد الدهر حالة من الرعب و الهلع كلما فكروا أن ينتقلوا من بلدانهم البعيدة إلى ما يسمى بالمغرب النافع.

عفوا، في عودة إلى الموضوع الأساس، أي إلى الرياضة، لأنها تحض باهتمام أغلبية المغاربة، لأننا قد خرجنا من السياق حتما، ولأن كل الأوصاف التي قلتها عن تيشكا ما هي إلا من نسج الخيال، و حكاية من قصص ألف ليلة وليلة لا أساس لها من الصحة، ولأننا في بلد وحمدا للوطن يوصف كأجمل بلد في العالم، وأحسن دستور في الكون، لا يخصه سوى مشاريع في حجم التيجيفي بقيمة 33 مليار درهم، و مهرجان في حجم موازين بقيمة ”…” مليار درهم، سنعود بكم طبعا إلى واقعة مزمبقتين لصفر على حد تعبير أحد أصدقائي، علما أن حجم التعليقات و الاستياء الذي خلفته الخسارة في الكرة لم تخلفه حادثة تيشكا في الطرق، فحادثة الموزمبيق التي تصدرت الصفحات الأولى من صحف اليوم ربما يطالب بسببها – أقول ربما- معضم المغاربة المهتمين بالكرة، بإقالة كيريتس، وحل الفريق كرة القدم، وإسقاط جامعة الكرة، وتشكيل مجلس تأسيسي لسن دستور كروي ديمقراطي، وربما قال أغلبهم: الشعب يريد كرة شعبية ديمقراطية، ومدرب منتخب باقتراع مباشر، ومحاسبة جميع المتورطين في نهب المال العام الكروي، وجميع المتورطين في قيادة جرائم وصدمات وأزمات نفسية لجمهور كرة القدم، لكن لا أحد من هؤلاء قال، الشعب يريد إسقاط الاستبداد ومحاسبة المسؤولين عن إراقة دماء الشعب في تيشكا وإقالة متورطين في نهب المال العام، وإطراق سراح شباب دخلوا السجون بسبب أرائهم المعارضة، …

‫تعليقات الزوار

1
  • karima marrakech
    الثلاثاء 11 شتنبر 2012 - 17:43

    والله العظيم كل ما قلته صحيح اصبت يا اخي
    انا لدي اختي في تنغير لايزورها احد منا وكانها في تورا بورا في مدة عشرين عاما وهي في تلك المنطقة زرتها اربع مرات وفي كل مرة اقول لها هذه اخر مرة انجي فيها وملي كنمشي وانا مريضة حتى نجي فحالي والوخة والرضان وكنبقا مريضة ملي كنجي وكتجني الشقيقة وحلفت لباقي مشيت الى ديك الدنيا والطريق تشكا تكول شي حد هزك او كيدرب بيك الارض والله العظيم
    الله يكون فعون الناس اللي مجبرين بحال اخت مسكينة والله يجيب الى راجلها شي انتقال ويدخل مراكش ويجمع شملنا امين حينت وقت ما جاية اوغادية ما كتصل حتى احنا كنموتو الله يستر على الجميع

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات