إذا كنت من الذينيشتغلون الأسبوع تلو الأسبوع ، ولا يجدون حولهم مكانا مناسبا يتنفسون فيه هواء نقيا ، لأن المدينة التي يقطنون بها لا توجد بها مناطق خضراء يهرع إليها القلقون للتنفيس ، ولأن القائمين على تلك المدينة قضوا على الحياة البرية والغابات التي كانت تحيط بتلك المدينة ، لأنهم رأوا في اكتساح المعمار لتلك الأراضي الطبيعية يعني المدنية ، وربما تناسوا بأن لا معنى للمدنية دون بيئة طبيعية يحتاج إليها الإنسان كالأوكسجين ،فاعلم أنك تعرض نفسك لخطر صحي قد يفاجئك يوما ما.
فسكان المدن قد يقضون على أنفسهم ، ويعرضون صحتهم لكل أشكال الأمراض إن هم اكتفوا واستمروا في العيش بين الجدران ووسط الضجيج والتلوث الدخاني المنبعث من كل أشكال المؤسسات الصناعية . لذا من الحكمة أن يبرمج الإنسان خرجات متتالية مع أسرته أو عائلته أو أصدقائه إلى ضاحية المدينة حيث الطبيعة بأشجارها الظليلة ومياهها المرقرقة وطيورها المزقزقة وعشبها الأخضر اليانع.
في مدينة الدار البيضاء الكبيرة بسكانها والغارقة في ضجيج الحافلات والسيارات ، وأدخنة المعامل يحتاج ساكنتها إلى لحظات هادئة من العمر يقضونها خارج المدينة .لذلك يفضل العديد من سكان الدار البيضاء التوجه إلى الغابات والمساحات الطبيعية الخضراء خارج المدينة لقضاء يوم الأحد،حيث ينعمون بالطبيعة عندما تلبس الأرض لباسها الزاهي الأخضر. فكثيرون من بين سكان البيضاء والمحمدية وابن سليمان والرباط من يفضل التوجه إلى غابة ” الواد المالح ” بضواحي المحمدية . والتي هي غابة كبيرة وجميلة وآمنة يقصدها المولعون بجمال الطبيعة ، والمحبون للسكينة.
هناك عائلات تقصد ” غابة الواد المالح ” راجلة أو على متن سيارات ، لتتمتع بيوم جميل ، وأكل لذيذ تحت الأشجار بطريقة خالية من أي تكلف.هناك يتنعم الناس بحياة بلا تصنع ولا كبرياء ، حيث يرمي الناس كل شباك المدنية ، وقيود التصنع لسرقة لحظات سعادة مع الأحباء بالاستماع للموسيقى تارة أو للقرآن تارة أخرى ،أو في لعب كرة القدم أو الجري كالأطفال. هناك يعود الإنسان لإنسانيته التي ابتزتها منه الحضارة.
غير بعيد عن هؤلاء أو أولئك تنشد فرق غنائية أمازيغية أغاني جميلة مغربية أصيلة ، هي قيمة مضافة لطبيعة الغابة التي تجعل المرء ينسى ألامه ، وأتعابه اليومية ، وكل مشاكل المدينة وكل أشكال الازدحام والضغوط .
فيتحول الإنسان بفطرته إلى لون من ألوان الطبيعة ، ينسجم دون أن يدري مع من حوله من الناس، وحيث ينسج علاقات اجتماعية جديدة ، تكون الأساس للقاءات أخرى سواء في نفس المكان أو في مكان آخر عبر التراب المغربي.
إن الخروج من ” الروتين ” وهو مسلسل ممل تعيشه ساكنة المدينة طيلة أيام الأسبوع يتكون من نفس المكان ، ونفس الزمان، ونفس المسلسلات ونفس الأفكار والحكايات والأخبار المليئة بالأحداث الساخنة والموت والدمار. ومن المفيد أن يحاول المرء الابتعاد عن هذا النوع من الحياة المملة، والتي من الممكن جدا أن تتسب للإنسان في العديد من الأمراض ومنها ” القلق، الذي لا علاج أفضل من أوكسجين الغابات في فصل الربيع .
وقد يكتشف كل زائر لغابة ” الواد المالح ” يوم كل أحد من أيام الربيع ، أن حياته تتجدد ، وحيويته تنتعش لأن الغابة ( أي غابة واد المالح” هي كنز طبيعي منحه الله لمدينة الدار البيضاء الكبرى (أي رئة طبيعية ) وعلى السلطات المعنية الحفاظ عليها ، وصيانتها من كل تخريب ، بل وتشجيرها كل سنة . فهي غابة جميلة ، ومن الممكن جدا أن تصبح “مقصدا ” لعدد أكبر من الرواد إن لقيت من المهتمين المزيد من العناية خاصة فيما يتعلق ” بالطرق ” التي تخترقها في كل الاتجاهات ، والتنظيم في فترتي الدخول والخروج منها في الصباح والمساء ، وهو ما يتطلب حضور رجال الدرك باستمرار إلى حين خروج آخر رجل من الغابة ،حفاظا على سلامة أصحاب السيارات ، وحفظا للأمن.
ولدت و قضيت معظم طفولتي بمدينة الزهور، المحمدية. أذكر كيف كان يكفينا في الثمانينات كيس ثوبي لاصطياد أسماك نهر المالح التي كنا نزدردها كالسكاكر. بالمناسبة الغابة للأسف ليست بالكثافة التي تصورها فالعمران اجتاح معظم المناطق الغابوية سواء المحادية لنهر المالح في الجنوب أو نفيفيخ في الشمال.
بالمناسبة مدينة الدار البيضاء فيها حديقة واحدة في المدينة العتيقة – ساحة الجامعة العربية– – وبالمحمدية ساحة خضراء واحدة هي ساحة المدن المتوأمة – البارك- وبالرباط سحاتان أربع ساحات واحدة قرب وزارة التربية وأخرى وزارة الفلاحة وأخرى قرب صومعة حسان والاخيرة قرب السويسي .
وكما قال عبد الحافظ : إننا نختنق! إننا نختنق !
نريد ساحات بها تشجير واسعة ومنظمة . صحيح سيجتمع فيها أصحاب الكحول، ولكن لا يجب تركها سائبة، بل على الأمن أن يكون دائما متواجدا بها. ومن حصل فليخلص ثمن تهوره هذه هي الحقيقة.
من غير الممكن أن يقطع الرجل الأميال ولا يجد مكانا يستريح فيه أو شجرة يستظل بها. كل مدن أوروبا بها أشجار إلا مدننا . لقد حولنا مدننا إلى كرينات للحجر.وأصبحنا كالحجر بعدما ابتعدنا عن الطبيعة فطبيعتنا.