تدبير الأزمة الحكومية:من الحكومة إلى التحكيم

تدبير الأزمة الحكومية:من الحكومة إلى التحكيم
الثلاثاء 21 ماي 2013 - 15:00

اشتدت الأزمة الناشئة بين حزبي المصباح و الميزان ، فانفجرت بانسحاب حزب الإستقلال من الإئتلاف الحكومي ، و الذي كُنَّا نَحسِب أن تنفرج بالآليات الدستورية التي أقرها الدستور الجديد في تدبير النزاع الحكومي . و هنا تجدر الإشارة إلى أن السلوك السياسي لحزب الإستقلال أخذ أبعادا جديدة في المشهد السياسي المغربي ، بعدما أن أفضت العلاقة بينه و بين حزب العدالة و التنمية إلى نفق مسدود ، و انقطاع حبل التواصل بينهما ، و ذلك بسبب الملاسنات بين أعضاء حزبيهما من جهة ، و لانعدام الحوار بسبب غياب الملك ” الحَكَم ” من جهة أخرى ؛ ولعل هذا ما يدل على الأزمة البنيوية التي تميز الأحزاب السياسية المغربية . فلابد من انتظار رجوع الملك من فرنسا من أجل فض نزاع حزبي ، لا تستطيع الأحزاب تدبيره فالأحرى أن تدبر شؤون البلاد ، كما لم نسمع مبادرة في هذا الإطار من حزب ثالث أو مجموعة أحزاب للتدخل لإيجاد تسوية بين الإثنين ، و التي تنم عن قصور سياسي في الذهنية الحزبية المغربية .

إن قراءة سريعة في الخطاب السياسي للأمين العام لحزب الإستقلال ، تكشف عن غياب الثقافة السياسية في المغرب ، و يجرنا هذا إلى المؤتمر الذي عقده المجلس الوطني لحزب الإستقلال ، من أجل التصويت على قرار الإنسحاب من التحالف الحكومي ، و هو ما تم إقراره ؛ و لعل ” شباط ” أول المتضررين من هذا السلوك : فلا هو قادر على رد العربون أو العرفان إلى أولئك الذي أوصلوه إلى قيادة الحزب ، على أمل استوزارهم ، و لا هو باستطاعته تلبية المآرب السياسية لمن يسعى إلى عرقلة العمل الحكومي ، و إن كان قد تحقق بعض ذلك ، بإلهاء الحكومة بالمناكفات الحزبية ، عن ما هو أهم ، و المتعلق بتدبير الشؤون العامة .

لكن من الواضح أن شباط قد فَقَدَ كثيرا من حظوته لدى بعض الإستقلاليين ، لعدم تجاوزه سقف ما حققه سلفه عباس الفاسي من حيث الحقائب المسندة إلى حزب الإستقلال .

لكن المثير في سلوك شباط هو أنه عند رفعِه تقريرَه إلى الملك ، و المتعلق بشرح حيثيات قرار الإنسحاب الحكومي ، فإنه لم يُشِر البتة إلى رغبته في إجراء تعديل حكومي ، الذي كان السبَبَ الرئيسَ في قراره الإنسحاب ، مقتصرا في ذلك على إيراد الشكوى من رئيس الحكومة ” بنكيران ” ، بتجاهله مطالبَه واقتراحاتِه . و بذلك يكون ” شباط ” قد أبان صراحةً ، عدم قدرته على تدبير النزاع السياسي في كنف الحكومة ، ليحيله إلى الملك ، من أجل التحكيم و اتخاذ القرار و حسم الموقف.

أما بالنسبة إلى حزب العدالة و التنمية ، فقد أحرج ” عبد الله باها ” حليفَه الأول في الحكومة ، وكذا غريمه في الوقت ذاته ” شباط ” ، و صرح بأن قرار الإنسحاب من الحكومة تلزمه اجراءات دستورية لم تُنجَز بعد ، مضيفا إلى أنه يتعين على ” شباط ” سلوكَ الإجراءات الدستورية ، و هي إما أن يقدم وزراء ” الاستقلال ” استقالتهم أو أن يسعى الحزب إلى ملتمس الرقابة . و بالتالي إجراء انتخابات مبكرة .

و هكذا تبدو بعض ملامح الأزمة الحكومية التي جرَّها شباط على حزبه ، و التي سبق أن كان من نتائجها ظهور حركة ” لا هوادة للدفاع عن الثوابت ” الفاسية . في حين يبقى تيار شباط ينتظر حلولاً ” رحيمةً ” به ، بعيدة عن خوض انتخابات جديدة ، لأن الحزب سيجد نفسه لا محالة أمام عقاب صناديق اقتراع الناخبين ، ليكون بذلك ” شباط ” كبش فداء المرحلة .

و لذا بات ” تيار الإنسحاب ” يتمنى أن يأتي الحل من بنكيران لإيجاد حليف بديل ، و الاصطفاف في المعارضة ، أو الاستجابة لمطالب التعديل ، و إن كانت مغيَّبَة و غير واردة في تقرير اللجنة التنفيذية الاستقلالية إلى الملك ، لذلك رجح مراقبون رفض الإستقلاليين الرجوع إلى ” بيت الطاعة ” لحكومة بنكيران . لكن المؤشرات لا تؤكد ذلك ، باعتبار الرفض المبدئي لكل من حزبي التجمع الوطني للأحرار و الاتحاد الدستوري ، في القيام بدور ” عجلة الإنقاذ ” .

و بالرجوع إلى مواقف باقي أحزاب الائتلاف الحكومي ، فإنه يبدو أنها على غير استعداد لتعديل محتمل ، و لاسيما بالنسبة إلى نبيل بن عبد الله الذي كان قد صرح عند تقديم شباط المذكرة الأولى ، بمعارضته الشديدة للتعديل الحكومي ، و ذلك وعيا منه أنه في حال إعادة الأمور إلى سكة البداية ، فإن أول المتضررين سيكون حزبُه ، و ذلك بالنظر إلى عدد الحقائب الوزارية التي حصل عليها ، و التي تفوق حجم الحزب ، و مقاعده في البرلمان البالغة 18 مقعدا فقط . لذلك يبقى على شباط انتظار التحكيم الملكي ، و ما قد يفرزه من تقريب بين وجهات الأطراف الحزبية المعنية ، و إيجاد حلول وسط و مسافة مشتركة ، و إلا فسنكون أمام واقع انتخابات جديدة . لكن يبقى هناك حل دستوري آخر يخول الملكَ الحق في تكليف بنكيران بتشكيل حكومة جديدة ، و البحث عن ائتلاف حكومي جديد بميثاق جديد ، ليخرج بذلك الغريمان بلا غالب و لا مغلوب .

و إذن فالحكومة جوهرُها تدبيرُ أزماتها قبل أن تكونَ تحالفًا أو حقائبَ وزاريةٍ . و تدبير الأزمات لابد أن يكون من الحكومة و بالحكومة ، لكي تصير مؤسسةً قويةً ، و مستقلة بقراراتها عن سائر المؤسسات الدستورية ، بناءً على الفصل الإيجابي للسلطات .

* سكرتير عام للتحرير بجريدة أقلام الغد

‫تعليقات الزوار

2
  • ملاحظ
    الأربعاء 22 ماي 2013 - 13:29

    كان من الممكن أن يكون تحليلك أضفى وأوفى لو أضفت بن كيران ولشكر إلى شباط،
    ليجتمع الثالوث المُفَلَّس في ا لمشهد السياسي المغربي الراهن .
    وعلى كل حال ، فكل واحد من الثلاثة يستدعي الآخر، تصريحا أو تلويحا .
    ولكاتب المقال جزيل الشكر.

  • marocain
    الأربعاء 22 ماي 2013 - 15:48

    تحليل منطقي للوضع الراهن ..شكرا

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء