كائن غريب اسمه "الموظف الجماعي"

كائن غريب اسمه "الموظف الجماعي"
الأحد 14 يوليوز 2013 - 14:05

شاءت الأقدار أن أكون موظفا داخل قطاع الجماعات المحلية وأنا الذي كنت إلى وقت قريب حديث عهد بالوقوف في طابور الانتظار للحصول على وثيقة إدارية في باب الملحقة الإدارية ألزمتنا حينها الحكومة بها، لاجتياز مباراة أو الحصول على ترخيص وكانت نظرتنا حينها لهذا الفضاء” المرفقي” شمولية رسمنا معها صورة الموظف الجماعي الذي في غالبيته حالفه الحظ في الحصول على وظيفة، مكافأة له على خدماته للرئيس في مشواره الانتخابي أو نتيجة “حلاوة ” حصل عليها سماسرة المناصب وفي أفضل الأحوال نتيجة “واسطة” لا يشق لها غبار، وقلة قليلة من ابتسم لها القدر قبل الحظ، ومرت من صراط المباراة وفي جعبتها ما تحمله ذاكرتها من مستوى تعليمي ومعرفي، وعلى جبينها مكتوب “حسبي الله ونعم الوكيل”، ومن حين لآخر تدس يدها في جيبها لتحس وثيقة “الاستدعاء لاجتياز المباراة”….

شاءت الأقدار أن أنتمي لفئة الموظفين الجماعيين، الذين يلج الواحد منهم مقر البلدية في يومه الأول ومع مرور الشهور والأيام يكتشف أشياء تثير الحسرة ولحظات تجبرك على الابتسامة ومحطات تلعن فيها اليوم الذي دخلت فيه الجامعة وأنت تسمع حوارات الموظفين والموظفات الجماعيين وتنصت بإمعان إلى تساؤلاتهم التي تشبه إلى حد كبير الاستنطاق لكن بلطف كبير وذكاء بالغ من قبيل كيف ولجت الوظيفة ؟وفي أي سلم ؟ ثم مباشرة قد يفاجؤك أحدهم بسؤال عن النزاهة والشفافية.

والجميع يعلم علم اليقين أن السائل هو أول من خرق منطق الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص وهو الذي نال تلك الوظيفة بعد حمله للرئيس فوق أكتافه وهتافاته المستميتة للرئيس المرتقب وصاح ملء فاه ووسط الشارع بحياة الرئيس ونسله وصحبه وفصيلته ……..

شاءت الأقدار أن أحصل على كرسي بالجماعة وأنصت إلى أحاديث هؤلاء الموظفين التي تتوزع بين مناقشة مستجدات الرئيس وتحالفاته وماذا كتبت عنه الصحف وعن فوائد القروض وأثمنة البقع الأرضية وأسعار المواد الاستهلاكية، ومصير ملف من ملفات التطبيب والدواء وطبعا لا مجال للسؤال عن أوقات العمل التي لا يتم احترامها إلا عندما يكون السيد الرئيس موجودا بمقر رئاسته لينتشر الخبر كالنار في الهشيم بين بقية الموظفين الذين يحضرون على عجل وطبعا مخافة السيد الرئيس وليس خدمة للصالح العام وعندما تثير الموضوع مع احدهم جوابه الآني والميكانيكي هو” دبا نشوفوك ملين تقدام في السربيس” .

شاءت الأقدار أن أخالط فئة “انتهازية” “متملقة ” كل ست سنوات ترتدي زيا حزبيا معينا يتماشى ولون الرئيس الجديد ولا تخجل في أن ” تقلب” بسرعة البرق على من كانوا إلى وقت قريب أولياء نعمتها وأسيادها يأتمرون بأوامرها وينتهون بنواهيها وينجزون التقارير المفصلة لها عن تحركات المناوئين “مساخيط الرئيس” لتكون النتيجة ” الحريك” بمعناه السلبي المقيت وليس بمعناه البطولي الذي يغامر صاحبه من اجل تامين لقمة عيش بكرامة وعزة نفس.وبطيعة الحال لا مجال للاستغراب عندما يكون في المكتب ثلاثة موظفين منكبين على مناقشة موضوع معين وبمجرد انصراف احدهم يتحول في رمشة عين إلى موضوع للتنكيت والنميمة والسخرية .

شاءت الأقدار، وأنا أتمعن في سراديب الجماعة أن أكتشف مفارقة عجيبة مفادها أنني قد أستفيد من ” الشاوش المرتب في السلاليم الدنيا بما يفيدني في مشواري العملي والوظيفي في حين هناك “رؤوسا” لا تملك وسط هذا الفضاء إلا التبجح برتبتها الوظيفية وأحيانا كثيرة يقوم هذا العون باكتشاف الحل وإبداء الرأي الصواب وأنا الذي اعتقدت أن أولئك الموظفين يحتكرون المعلومة قبل أن اكتشف حقيقة صادمة مفادها أن فاقد الشيء لا يعطيه ومرد تلك العجرفة بالأساس هي الرغبة في تسييج وحماية عورتهم من أن تكتشف لزملاء المهنة .

شاءت الأقدار أن ألج فضاء يقبع فيه جزء تابع لوزارة الداخلية بعدده وعتاده وكل شيء تحت بصره ومسمعه حتى وجدت الفضاء ملئ حرسا شديدا وأعينا… ولسان حالهم يقول “غير ديرها زوينة توصل توصل”.

‫تعليقات الزوار

5
  • أحمد موظف جماعي
    الأحد 14 يوليوز 2013 - 17:30

    أشكر صاحب المقال وكلامه ينم عن أنه يكتوي بنار المشاكل وبصدقه ونزاهته ومعاناته في عمليه بين الانتهازيين والمتملقين، وأقول لصاحب المقاللا زادك اللع عزا وصدقا وثباتا على مواقفك
    وأنا عمري في الجماعة 4 سنوات ونصف والله لقد مللت من العمل في هذه البيئة الموسخة ومع السياسيين الموسخين والموظفين الشفارة والمرتشين والمقاولين الشفارة والله لو وجدت باش بنبدل إلى قطاع آخر ما ترددت أبدا

  • HASSANE RHRISS
    الإثنين 15 يوليوز 2013 - 01:41

    وانت الملاك والخبير القدير الجامعي الذي لا يشق له غبار . ومن يومك بدات الحياة والعمل وان العجلة لم تدر الا بطاقتك وكفاءتك التي لم تحك لنا عن انت في وسط هذا الخضم البئيس الذي واكبك من يوم ولدت و حتى تموت ويستمر مع ذوي الحقوق فيك .راجع نفسك ونظاراتك كي ترى الالوان جميعا وتجد نفسك مصبوغا بلون ما.خزعبلات الكلام والكتابة الفجة المبتذلة

  • bouyass
    الإثنين 15 يوليوز 2013 - 11:30

    لا تكتفي بالنظر إلى العملة من وجه واحد… للعملة يا أخي … وجهان
    وأنت تتحدث عن الموظف الجماعي وكأنه مخلوق غريب ومشوه… يتنمي "نشازا"
    إلى مجتمع عادي وسوي … (بعيــــــــــــــــــــــدا عن ذاك الحلم)
    وأنت تتحدث عن الموظف الجماعي، لا تشكل الاسثناء على ما يبدو… وكأنك من غير هذا البلد، التحليل السطحي للظواهر وللحالات كما فعلت ينم عن تحامل غير مبرر إزاء هذه الفئة من الموظفين العموميين … التي لها عيوبها ومزاياها وإكراهاتها… (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)…

  • ايفوني
    الثلاثاء 16 يوليوز 2013 - 01:57

    انا موظق جماعي واعرف جيدا هذا النوع من طينة الموظفين، هذا الصنف يعتبر نفسه خريجا جامعيا وله ثقافىة عالية يمكن ان يخلق بها المعجزات في الادارة لكن لما يلجها ويتساطح مع التسيير والمساطير يجد نفسه جاهلا لكن ا يعمل على تطوير مقدراته وتطويع علمه لخدمة الصالح العام. اقول لهذا الزميل مشكلة اغلب الملتحقين بالجماعات من خريجي الجامعات هو جهلهم للعمل السياسي وعدم قدرتهم على التطور وتقدير الاخر

  • موظفة جماعية
    الجمعة 19 يوليوز 2013 - 11:12

    الجماعات المحلية عالم غريب عن معالم الوظيفة العمومية ,كل ما جاء في المقال صحييييييييييييح جدا و ما خفي كان أعظم……

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة