هل الجنس تناسل أو تواصل؟

هل الجنس تناسل أو تواصل؟
الثلاثاء 30 يوليوز 2013 - 15:11

لا شك أن السؤال استفزازي ، ومدغدغ جوانح اللاهثين إلى استكشاف عوالم الجنس المسكوت عنها في مجتمعاتنا ،و كاشف واقعا موجودا تعبر عنه حالات الجنوح و الميلان نحو اللذة و المتعة و الشبق الجنسي ، و إطلاق العنان للغريزة الطبيعية دون ضبط و إلجام للفورة الجنسية العارمة .

إن هذه القضية حساسة و مؤثرة في السلوك الفردي لدى الإنسان ، و قد تعد قاصمة الظهر لأخلاق المجتمع ، و مبعثا للتفسخ بشتى أنواعه ، فدائما ترافق الحديثَ عن الجنس الإثارةُ و إيقاظُ الغريزة و التسربلُ بلباس الورع و التقى و العفة تارةً ، أوِ الادِّثار بلباس فض الكبت الجنسي ، و الهيجان على المقيدات التي تصفد النزوع نحو إباحة الحديث عن الجنس علنا جهارا دون قيد أو شرط تارة أخرى .

صار من المغيبات الحديث العفوي عن الجنس، بل حراما يستحق فاعله التعزير ، كون ذلك يشكل هدما للقيم و الفضائل ،و إذا سُومح الحديث عنه وجب، الاختصار و الاتحاد على أن موضوع الجنس فطرة بشرية، وجب ممارستها داخل مؤسسة الزواج و كفى ، و أي زيادة على ذلك فهو مبعث لإثارة الفتنة و الشهوات . لكن هذه النظرة لا تحل المشكلة ، بل تزيدها تفاقما و تناسلا ، بدليل ما نراه من شيوع واضح لمظاهر الجنس في الحياة العامة : في أحاديث الناس و سلوكاتهم و بعض أفعالهم الشاذة التي تعبر عن ضمأٍ جنسي واضح ، و عن ثقافة جنسية منعدمة ، فصرنا نرى حالات شبهَ علنية ،حتى في شهر رمضان ، تفجر مكبوتاتها الجنسية الدفينة ، سواء بالدخول في علاقات غير شرعية بين الجنسين ، أو الشروع في أفعال جنسية شاذة كاللواط أو السحاق أو زنا المحارم ، و يصل الأمر خطورةً حين الاغتصاب ، و هو فعل جنسي فيه إكراهٌ من أحد الجانبين على الآخر، للرضوخ للكبت الجنسي الدفين .

ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها ، و هي أن مجتمعنا جاهل بالثقافة الجنسية ، و يتعامل مع الجنس تعاملا حيوانيا ، و يفتش عن تضاريس جسد الآخر فقط ضاربا عرض الحائط الجانب الروحي و العاطفي و الوجداني في الجنس ، و من ثم تدب مشكلات نفسية و أسرية تِلْوَ الجهل الصارخ بالجنس . إن ثقافة (حشومة) لم تكن دائما تجيد الطرح ، و ساهمت في هذا الجهل الجنسي ، و في مظاهر الكبت التي بدأت تطالعُنا بها بعض وسائل الإعلام ، فأن تسمع اغْتصاب الأب لأحدى بناته ،أو شخصا متزوجا لأحد الأطفال، أو هروبَ أحد الزوجين من فراش الزوجية ، أو مغامرةَ عجوز أرملة أو مطلقة مع فتى، شغفها حبا و عشقا ،و العكس أيضا مع عجوز كهل بلغ السن منه عثيا … فكلها أنموذجات للفشل الجنسي ، و للأزمة النفسية التي تخلفها عدم إشباع نهم النفس من الأسئلة التي تراود فكر الإنسان عن الجنس ، منذ مرحلة بلوغه ، إلى اكتماله و اقترانه ، و ممارسته الفعلية لذلك ، لكن تكون النتيجة سيئةً حين نرى تلك الأنموذجات الحية .

أعجبتني عبارة للدكتور خالد المنتصر، رغم اختلافي البين معه ، حين قال : الجنس تواصل لا تناسل ، بمعنى أن مفهوم المجتمع تِلقاء الجنس أنه وسيلة للتوالد و تكثير النسل ، و ليس وعاءً روحيا و وجدانيا و عاطفيا يتماهى فيها جسدان رغبةً لا قسرا ، و من هنا يمكن أن نخرج بأن مشكلات مجتمعنا الجنسيةَ نابعةٌ من هذه الفكرة ، أغلبية أفراد مجتمعنا لا يتمثلون هذه القولة ، سواء حين يمارسون الجنس داخل مؤسسة الزواج أو خارجها ، الذين ينقضون الشرع و يتمردون عليه، بممارسة الجنس خارج إطار الزواج ، يسعون إلى نهمهم الشبقي، فتكون ممارستهم لا تجاوز الجسد ، و لا تصل إلى الروح ، فتكون ممارستهم أشبهَ بالتناسلية ، حتى و إن ادَّعى البعض ممارستهم له خارج إطار الزواج بالتماهي الروحي و العاطفي، لكن غالبا هذا الوجدان يجب أن يكون ممزوجاً بالقيم التي تربت عليها النفس، فتأبى ممارسته خارج إطار الزواج ، حفاظا على سمو النظرة الروحية إلى الجنس الوجداني التواصلي .

صار بعض الدعاة بمختلف مشاربهم الفكرية ، إسلاميةً أو علمانيةً … يدعون إلى المَتْحِ من معين الثقافة الجنسية ، و إدخالها إلى المناهج الدراسية ، و عدم الغَضَاضَة من الإجابة عن أسئلة الأطفال حول بعض الأسئلة التي تشوب الجنس،فالإسلام لم يغيّب الثقافة الجنسية من تشريعه ، انظر إلى القرآن كيف تناول قصة يوسف عليه السلام ،مع امرأة العزيز، بنوع من البوح عن سرائر أنفسهما الجنسية ، و انظر كيف أن كتب الصحاح تبين لك كيفية مجامعة النبي صلى الله عليه و سلم لزَوجه بأدق تفاصيلها و حيثياتها ، حتى إن عائشة رضي الله عنها بُهِثَتْ إلى نساء الأنصار، حين قالت رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمور دينهن .

سلاح الجنس سلاح فتاك ، يستثمر فيه المتربصون بالإسلام أموالا كثيرة ، من خلال إنشاء قنوات تلفزيونية ،او مواقع إباحية تشهر سهامها صوب مريديها ، و هذه حقيقة لا تنكر ، فالمغرب يحتل رتبا متقدمة في زيارة أفراده هذه القنواتِ و المواقعَ الإلكترونية ، مما جعل بعض أبناء جلدتنا يستثمرون في مثل هذه الأشياء للأسف ، و يستقطبون فتيات صغيرات السن لعرض خدماتهن الجسدية ، سواء للباحثين عن اللذة الجسدية التناسلية أو عرض أجسادهن في القنوات و المواقع الجنسية الإباحية .

حين يعي مجتمعنا أن الجنس ثقافة ، و علم، و به يمكن أن تدوم العشرة الزوجية فحينها لن يجد هؤلاء المتربصون موطئ قدم في قيمنا و ثقافتنا ، أما حين يترعرع أطفالنا على الكبت الجنسي منذ الصغر ، و يتأفف الأستاذ عن الإجابة عن أسئلة تلميذه الجنسية البريئة ، أو الأستاذة مع تلميذتها البريئة ، و كذلك الحال مع الوالدين ، فحينها ستبقى هذه الصورة التي نجدها ، من شتات أسري صدقوني إذا قلت لكم أن نسبة الفشل الجنسي طاغية فيه ، أو تولية شبابنا وجوههم شطرَ المواقع الإباحية ، و مواخير الدعارة ، و شيوع العلاقات التي سأسميها علاقات التناسل لا التواصل ، سواء في الزواج أو خارج الزواج ، و ذلك لغياب ثقافة التواصل الجنسي التي تنبني على الوجدان الروحي من كلا الجانبين ، و الذي يأبى ممارسته إلا في أرضيته المناسبة ، و هي حتما الزواج .

*أستاذ مادة اللغة العربية

‫تعليقات الزوار

6
  • Idrissi
    الثلاثاء 30 يوليوز 2013 - 17:52

    الجنس لا تواصل ولا تناسل، الجنس شهوة للتنفيس عن ضغوط الحياة اليومية وحاجة بشرية لتحقيق التوازن النفسي والصحة الجسدية.

  • ochfy driss
    الثلاثاء 30 يوليوز 2013 - 18:18

    مقال رائع شكرا جزيلا اتمنئ المزيد في الموضوع

  • Mustapha From Lux
    الثلاثاء 30 يوليوز 2013 - 20:40

    حدد لنا أولا مفهوم الثقافة الجنسية حتى يمكننا الحكم على مقالك, لأن مفهومها لدى البعض هو نفس المفهوم الجاري به في الدول الغربية, و لست أرى اختفاءا للجرائم الجنسية و لا جنس المحارم و لا البيدوفيليا و لا ادمان البورنوغرافيا و التي هي أصلا صناعة غربية بامتياز و لا العلاقات الجنسية الميلتي متعددة حتى و يمكنني أن اتيك بالعديد العديد من النماذج, ان كنت تقصد تثقيف الشباب بمخاطر الجنس غير المقنن و غير الشرعي و توعيتهم بمفهوم الجنس الصحيح الصحي فقصدك مقبول اضافة الى العمل على ايجاد حلول اقتصادية و تحفيزات للشباب على الزواج , أما ان كنت تقصد ما سبق ذكره, فأنت انما تريد صب الزيت على النار

  • محمد
    الأربعاء 31 يوليوز 2013 - 09:31

    أتفق مع الكاتب. فتجد أغلب المشاكل الزوجية سببها عدم التصارح بين الزوجين. وتجد سبب وقوع الأطفال فريسة سهلة للمتربصين عدم وعيهم واستعدادهم للتعامل مع كل ما يتعلق بالجنس.

  • Khouribgui
    الخميس 1 غشت 2013 - 16:59

    Excellent article, je connais l'écrivain je l'ai pas vu depuis mon enfance, mais je lui dit que malgré ton esprit rationnel et ton analyse logique , ca na mérité que des notes négatives dans quelques commentaires, et ca montre que nous avons un problème avec "al3a9l" bien avant le problème du sexe.

  • sifao
    السبت 3 غشت 2013 - 03:41

    الجنس كغريزة طبيعية هو تناسل ، لكن كثقافة فهو تواصل ، ضعف الثقافة الجنسية ، بل، وانعدامها راجع اصلا الى طبيعة عقيدتنا الدينية التي احطته بهالة من القدسية ، حتى اسماء الاعضاء التناسلية يتمر الاحالة اليها دون ذكر اسمائها ، وعندما تذكر تُردف ب "حشاكم" ، كما ان المناهج التعليمية لا تشمل التربية الجنسية ، وما يتم التعرض له لا يتجاوز حدود بعض المعلومات المتعلقة بأعضاء جسم الانسان ووظائفها ، ولا يتعمق في دراسة الجنس الا طلبة شعبة الفلسفة والعلوم الانسانتية ، وبالتحديد تخصص "علم النفس" ، ومن يريد التوسع في الموضوع ما عليه الا ان يقرأ كتاب "تفسير الاحلام " ل سيجموند فرويد " والدراسات الكثيرة حوله ، انه مهم جدا لمعرفة بعض الظواهر النفسية التي يكون اساسها الجنس ، وخصوصا الامراض العقلية ، وبالمناسبة هناك كتب أخرى معنونة بنفس العنوان ، لبعض الفقهاء ، وقد أُلفت هذه الكتب ووزعت على المكتبات بالمجان للتشويش على المؤلف الاساسي والفريد من نوعه في الموضوع .

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء