في سبيل الوطن

في سبيل الوطن
الأربعاء 11 شتنبر 2013 - 17:04

كانت عطلة طويلة بكل المقاييس، و كان الملل يجثم على أنفاسي، و ضاعف من حدة الأمر مكوثي في البيت لمرض ألم بي و تركني طريح الفراش. أبريل شهر التقلبات، و الأمطار الكاذبة، و الأخبار الملفقة، و…

النافذة مفتوحة على مصراعيها، والسماء زرقاء بدون سحابة واحدة. أريد أن أخرج من هذه السجن وأركض في البراري. أريد أن أتسلق الجبال و أقف ولو لبرهة على قممها الشماء ، و لو لهنيهة. أريد أن أصير قمة من هذه القمم، و أن تداعبني الشمس ربيعا، و تلهبني صيفا، و ترطبني خريفا، و تثلجني شتاء.

عزائي أني أزجي الوقت بالذكريات و هي تجري مني مجرى الدم في العروق…

الكون فقير فقير بدون ذكرى لماض قريب أو بعيد. من حسن حظنا كبشر أننا نحتمي بذكريات عهد جميل ولى وكاد ينطوي بقوة الزمن في تضاعيف النسيان.

النسيان ؟

بت اليوم أدمن التذكر حتى لا أذوب في بحر النسيان…

علي. اسمي علي، و أنا في الثامنة و العشرين…

قبل أيام قليلة، ناقشت رسالة الدكتوراة بنجاح، و انهيت دراستي في الجامعة. و الآن في انتظار الهجرة إلى كندا مع مطلع سبتمبر المقبل، وجب العمل بكثافة و توفير بعض المال لهذا المشروع القريب.

كانت رحلة الحصول على عمل معيشي شاقة جدا و تزامن ذلك مع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بفرنسا بدون رحمة. نحن في عام 2010. و فرنسا، بل أوربا كلها تعيش على إيقاع الأزمة.

شغل قليل، و تصاعد خطير لموجات العنصرية و الكراهية ضد الأجانب، خصوصا العرب. حتى الطلاب المساكين لم يسلموا من ويلات الأزمة، و بات المال قليلا، و الانفاق ضيقا، و حطمت الكثير من الهمم، و صار العديد من الأجانب يحلمون بالعودة إلى أوطانهم الاصلية. وهي في جلها للأسف أوطان فقيرة.

هل هذا هو البديل؟ هل العودة هي الحل ؟

و على فكرة، فان القدر السعيد هداني إلى تجريب طريقة فريدة في البحث عن عمل، بل حتى عن عمل غير مألوف في بلاد الفرنجة.

أسرعت الى الانترنت و قمت بتنزيل إعلان خدمة أقدمها بالمقابل. مدرس خصوصي للغة و الحضارة العربية. الساعة بعشرة يوروهات و المساومة ممكنة طبعا.

تركت في الاعلان بياناتي الشخصية : الاسم الكامل، المؤهلات العلمية، الكفاءات التقنية، و ملخص مفصل للدرس المقترح، مع التركيز على أهدافه و شكله، و تنظيمه و حجمه الزمني (القابل طبعا للتمديد حسب الحاجة و القدرة المالية).
و مر أسبوع، و اثنان، و ثلاثة…

و جاء الفرج من صاحب الفرج… و شعرت بالفرح.

كارول، اسمي كارول و أنا أعمل ممرضة، لا أشتغل في القطاع العام، بل أعمل لحسابي الخاص. مرحبا بك.أحب أن أتعلم العربية. منذ أكثر من 10 سنوات و أنا أفكر في هذا الموضوع، و أعتقد أنه حان الوقت لأخرج بفكرتي من السلبية الى الفعل الفورى و المباشر. ألا توافقني الرأي؟

بلى، و حان الوقت بالنسبة لي (قلت في أعماقي) كي أعمل أكثر و أكسب بعض المال.

أحب من العالم العربي، الحروف و الخط، و الأرابيسك، و الرقص الشرقي، دون أن ننسى طبعا الحلويات…امممم… كعب الغزال و البقلاوة و المقروض… و زد على ذلك أطباقا يسيل لها لعابي : الكسكس، و الطاجين، و البسطيلة و الشكشوكة و المروزية و الرفيسة…

مهلا مهلا… (قلت في داخلي)… لقد تحدثت كثيرا عن الأكل… العالم العربي، و المغرب كنموذج له، ذو تاريخ عريق و ثقافة قديمة و متنوعة تمتد لآلاف السنين، فلماذا بالله عليك تختزلينه في الأكل ؟؟

أنا لا أريد أن أقلل من قيمتك و رصيدك الثقافي. فالأيام، و حصص الدروس التي أقبلت عليها بنهم شديد يفوق نهمك للأكل، أثبتت لي جليا أنك انسانة طيبة و خلوقة.

كثر الله من أمثالك في بلد سكانه مسالمون في الأغلب، لكنهم محتاطون بشكل مبالغ فيه تجاه الأجانب.

يا ابن الفرنجة، إذا اختلفت عنك في لون البشرة، أو العينين أو العقيدة، أو الاديولوجية، أو الأفكار، فهل معنى ذلك احتياط في التعامل، و حذر، و توجس، وقلة تواصل، و إقصاء أحيانا ؟؟

الله يهديك…

ليس كل الأجانب “كيف كيف”، و الصالح و الطالح في كل مكان…الاختلاف غنى و فضيلة، أنت تعلم أنه حتى أصابع اليد تختلف في الطول و الأهمية و الوظيفة. أريدك أن تنفتح أكثر، وتغادر قوقعتك خارجا إلى النور، مستمتعا بألوان الكون اللانهائية.

ألا تحب قوس قزح ؟

و مر عام و اثنان و ثلاثة…

و نشرت بالفرنسية 3 كتب عن تعايش الغرب مع العرب و المسلمين. و تصادف أني ألغيت مشروع الهجرة الى كندا. إلى متى ؟، أنا هنا منذ أزيد من 7 سنوات، و بت أمقت الغربة الى حد لا يمكنكم تصوره.

إلى متى ؟ غربة، في غربة، في غربة ؟

وما النتيجة ؟ هل يضيع الوطن ؟

و مر عامان، سريعا، سريعا جدا، بل أسرع مما تخيلت، و عدت إلى المغرب الأقصى كي استدفئ بشمسه الذهبية و ناسه الطيبين، و اشتغلت أستاذا في إحدى المدارس العليا الخاصة بكازابلانكا.

و كان التدريس، لسعادتي البالغة… كان حلما بدأ في المهجر، و تحقق بإرادة المولى في أرض الوطن.

أديب و أستاذ جامعي
[email protected]

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة