معلقات السيد بنكيران

معلقات السيد بنكيران
الخميس 3 أكتوبر 2013 - 14:06

حينما أسمع لمسؤولين غربيين وأجانب، وهم يتحدثون عن المغرب وخيراته، وصفاء شمسه، ونقاء هوائه، وجمال طبيعته، وعن تاريخه وإستراتيجية موقعه، وعظمة استقراره وحِكْمة مَلِكه، أشعر أن عين حاسد أصابتنا حيث لم تصبنا عينٌ مثلها من قبل، حتى ابتلانا الله تعالى بهذه الحكومة الغراء، التي ينسينا آخرُ كوارثها في أولها، فلا نكاد نخرج من أزمة إلا لنستقبل أزمة أشد، ولا تكاد أقدامنا تنجو من وحل، إلا لتُغرس في وحل أعمق.

كلما أفقتُ في الصباح، اتجهتُ إلى السماء، رافعا أكف الضراعة إلا الله راجيا إياه، بأنني لا أسأله رد القضاء الذي سيجريه على يد بنكيران، ضدا على الشعب ذلك اليوم، ولكنني أسأله اللطف فيه، وفي الوقت ذاته، ترفع التماسيح زعانفها، والعفاريت أذيالها، بأن يطيل الله في عمر رئيس حكومتها، حتى تتكاثر في سلام، وتتناسل في وئام، بعدما وعد بنكيران في حملاته الانتخابية، أنه سيجعلها تنقرض من على وجه الأرض.

لقد ألِفْنا قفشات السيد بنكيران، وألفنا عفويته وعصبيته وارتجاليته، ولم تعد غرابة قراراته، وندرة مواقفه وتصريحاته تستنفر أحاسيسنا، أو تستفز مشاعرنا، أو تجعل الدم يغلي في عروقنا مثل أول يوم، فقد تعودنا عليها يوما بعد يوم، وتطبعنا معها فعادت جزءا ثمينا من حياتنا اليومية، لا هي تنوي أن تفارقنا، ولا نحن نقوى على ذلك.

لقد صار الغد بالنسبة لنا مستقبلا مظلما، وشبحا مرعبا، من خوفنا أن نفقد رجلا ألمعيا، أمتعنا دوما بمسرحياته المرتجلة، ومواقفه المبهجة والمثيرة، فإلى ما سيؤول مصيرنا بعدما تزول هذه الحكومة الغراء، ويزول معها السيد بنكيران المبدع؟ من سيجعلنا نضحك كالصبيان، ونتسامر في المقاهي بالحديث عن نوادره التي لا تخطر على بال، ولا يتخيلها جنان؟ من سيكسر الروتين الذي نعيشه كل يوم، وينثر على جراحنا بلسم النكت والأفراح؟ صحيح أنه هو من يتسبب في أغلب جراحاتنا، لكن إقناعه لنا بأنها ليست جراحا، تجعلنا نشعر وكأنها قطعة من العسل.

الكثيرون يتساءلون عن الأسباب التي جعلت هذه الحكومة لا تنجب، لحد الآن، نسختها الثانية، والكثيرون يستغربون تأخر هذه الولادة التي طال انتظارها، والقلة القليلة من يعرفون يقينا أن عِلّة ما أصابت ساعتها البيولوجية، فجعلتها حائضا على الدوام، والحائض لا تلد.

إن ارتباك هذه الساعة البيولوجية هو ما جعل هذه الحكومة بدون أدنى شعور بقيمة الوقت، أو أدنى إحساس بالمسؤولية المترتبة عنه، لهذا تُراها تخبط خبط عشواء، هل تزيد ساعة، أم تنقصها، أم تتراجع عنها في آخر لحظة؟ الشيء الذي أربك الكثير من الإدارات العمومية، وأثر سلبا على سيرها العادي.

لقد فطن السيد بنكيران مبكرا كعادته، إلى أن التلاعب بالساعة قد يساهم في ضرب التوازن الكامن في شخصية الإنسان، وقد يؤثر سلبا على استقراره النفسي والعقلي، من أجل هذا اعترف في البرلمان، بأنه لا يزيد في ساعته اليدوية، بل يزيد فقط أثناء قراءته لتوقيت الساعة، وهي خطة عبقرية ومذهلة، شبيهة بطريقة قراءة الحاسوب للمعطيات، حيث يلجأ إلى تشفيرها وتخزينها بما يلائم طبيعة تركيبته واشتغاله، ثم يسترجعها للمستعمل على طبيعتها الأولى.

إننا لسنا بصدد إنسان عادي يفكر مثلما نفكر، ويقرأ المعطيات والمستجدات السياسية مثلما نقرأ، بل نحن بصدد امرئ يرى ما لا نرى، العفاريت نموذجا، ويحلل على غير النحو الذي نحلل، “les bananes” نموذجا، فمن الطبيعي أن ينتهي إلى ما لا نتوقع، فيصيب ونخطأ، ويهتدي حيث نضل.

قال السيد بنكيران في مهرجانه الخطابي الأخير بفاس، بأن حزب العدالة والتنمية في أفئدة الجماهير، ولستُ أدري من أين استقى السيد بنكيران معلومته تلك، ربما ألهمه بذلك الحضور الغفير الذي حج لمؤازرته، والذي تجاوز 60 شخصا حسب إحدى الإحصائيات، وكان أغلبه من الفضوليين، والمراهقين، والأطفال.

إن هذا التصريح للسيد بنكيران في غاية الصراحة والدقة، إذ يعترف فيه بأنه لا يُعَوّل على أدائه الحكومي الضعيف، أو إلى حصيلته السياسية الفارغة من كل إنجاز، بقدر ما يُعَول على العاطفة الجياشة للشعب اتجاهه، والذي قد يؤنبه أو يعاتبه أو حتى يثور عليه، لكنه في الوقت الحاسم والحازم سينحاز حتما إليه، لأنه يحبه ويعشقه، وعين المحب عن كل عيب كليلة، في حين أن عين السخط تبدي المساوئَ.

حينما سئل السيد بنكيران عن النسخة الثانية من الحكومة أجاب بأنها في جيبه، وأخشى ما أخشاه، أن يعتقد بنكيران بأن الشعب أيضا في جيبه، خصوصا بعدما صرح مؤخرا بأن الشعب مغرم بحزبه، لأننا سنكون حينئذ بصدد ديكتاتوريات لم يشهد التاريخ السياسي المغربي مثيلا لها من قبل، وسيجعلنا أمام قرارات أكثر “شجاعة”، وأكثر “حكمة” من ذي قبل، وسَينْظُم فيها السيد بنكيران، من دون شك، قصائد غزل، تُكتب بماء الذهب، وتُعلق على قبة البرلمان، وستحفظها الأجيال القادمة تحت مسمى: “معلقات بنكيران”.
[email protected]

‫تعليقات الزوار

15
  • ريم
    الخميس 3 أكتوبر 2013 - 14:56

    شكرا لهسبرس على هاد المقالات الرائعة لهاد الكاتب العبقري
    نتمنى مزيد المقالات لفضح المتلاعبين بالدين
    يحيا الاسلام، والموت لأعدائه

  • Abdou8050
    الخميس 3 أكتوبر 2013 - 16:53

    سيذكر التاريخ نوادر هذا الشخص مثلما يذكر التاريخ الآن نوادر معمر القذافي.لقد جاء على المغرب حين من الدهر اصبح يسيره شخص من هذه الطينة.

  • abdellatif jmili
    الخميس 3 أكتوبر 2013 - 17:51

    كل الشكل والامتنان لصاحب المقال مشكور ،مقال في الصميم

  • ابن الصحراء
    الخميس 3 أكتوبر 2013 - 19:15

    دائما و ابدا لنا راي في ما يكتبه الاستاد القدير الا ان هده المرة كان مقاله في الصميم و فضح بلسانه الفصيح تلاعبات الإسلاماويين في حزب النذالة و التعمية فمزيدا من المقالات و تحية من صحراء المغرب لهسبرس

  • amine
    الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 01:19

    d'abords je pense que la réalité c'est face aux peuples marocaines et le défit c'est de changement totale de cette gouvernement non compétente qui pousse notre pays vers une catastrophe politique Economique et sociale et je passe un grand remerciement a cette personne qui a un Esprit critique ainsi que une volonté; son oublie le courage d’écrire de cette manière
    cordialement aminios publie hespress

  • boudal
    الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 14:12

    وهل كان لنا في المغرب بعد الاستقلال سياسيون اكفاء حتى نفرغ هدا الركام من التحيلات على رجل لم يدفئ كرسيه .كل الحكومات وبدون استثناء ساهموا في تاخير البلد على جميع المستويات .
    كفاكم سكيزوفرينيا واتحداك ادا اعطيتني سياسيا واحدا يقدم مصلحة المواطن على مصالحه.

  • oujdi 7ore
    الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 14:24

    الحزب، الذي يتقن لغة واحدة البلا بلا والعفاريت والتماسيح، وشعاره الوحيد الزيادة تم الزيادة والتصدي للمعطلين والفقراء، بن كيران ها انت تتلقى الصفعة تلوى الصفعة، وإنهيار حكومتك تم إنهيار حزبك أصبح وشيكا، وبذلك سيتخلص الشعب المغربي من هذه الجرثومة التي مند وصولها للحكم ونحن نعرف تراجعات خطيرة بسببها. سيدي الرئيس تدكر لعل الدكرى تنفعك، فمن أصل 27 من الإنتخابات الجزئية لن يفز حزب العدالة والتنمية إلا ب 3 مقاعد أو أقل. حلل وناقش لنفسك؟ الشعب عاق بك، وها هو يعاقبك.

  • bousalim
    الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 20:00

    لمادا تنتقد بن كيران لوحده ادا كنت عادلا يجب عليك ان تنتقد جل امناء الاحزاب من معارضة وحكومة وان تكتب عن الفساد المستشري مند زمان بن كيران ليس سوى مواطن مغربي له نقط قوة وضعف. حتى روؤساء اعرق الديمقراطيات يخطؤون ويتسببون في بعض الاحيا ن في حروب.

  • عيسى العثماني
    الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 22:08

    مهما حلقت عاليا ستظل عصفورا صغيرا اسم على مسمى

  • mostafa fes
    الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 - 14:15

    أمقت الأحزاب ذات المرجعيات الدينية، لأنها تتعامل بتعالي مع الرأي العام وكأنها تملك الحقيقة وتعترف كيف تدبر شؤون البلاد لوحدها. هذه الأحزاب تتعامل أيضا بالخطاب الديني الذي قد يرفع أسهمها في البورصة السياسية والحزبية!

  • basma
    الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 - 14:19

    للذكرى
    سسيذكر التاريخ يوما أن "الاسلاميين" في المغرب وصلوا الى حكومة لا الى الحكم , فزادت الوضع تأزما

  • جليلة
    الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 - 14:30

    بئس التأسلم و بئس الاحزاب المتأسلمة

  • رسالة
    الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 - 14:34

    بن كيران حلت به لعنة المستضعفين من الشعب اللذين اثقل كاهلهم بالزيادة في الاسعار ويقول بان سبب الفساد هم العفاريت والتماسيح وهو اكبرهم

    حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا ابن كيران ويا مضلل البلاد والعباد

  • FOUAD
    الأربعاء 9 أكتوبر 2013 - 00:05

    ابجديات يجهلها من كان في صدره ضيق و في قلبه غل و في فكره تطرف و في نيته عوج و في تفكيره تسرع و في ثقافته سطحية!
    – الدمقراطية هي ان تقبل ان يحكمك خصومك السياسيون و الايديولوجيون!
    – التناوب يقتضي الصبر على الحكومة الحالية حتى تكمل فترتها حسب ما يقرره القانون و الدستور! و الانتخابات لها اجل و عمر الحكومة له اجل!
    – الدكتاتورية هي اسقاط حكومة عن طريق الدبابات او الاحتجاج و "الفوضى" و ليس عن طريق صناديق زجاجة او بلاستيكية شفافة!
    – الانتقاد يقتضي اعطاء حلول! و الكاس بعضها فارغ و بعضها ممتلئ!
    النصيحة تقتضي الاخلاص لله و حده! و من كان غير مؤمن فعليه ان يكون مخلصا لوطنه! يقول لمن احسن احسنت و لمن اساء اسات!
    لا تقل عن شيء ذا ناقص vvv جئ باوفى و قل ذا اكمل
    بنكيران لو كان يبحث عن "الاقامة" في الحكومة فاقصر طريق هو القرض عجز الميزانية و "التواطؤ" مع الجماهير الشعبية!
    انتظرت منك يا ايها "المنشد الاسلامي" و باحثا في "البخاري" ان ترد على "علامة الزمان" و السيد حميد شباط و تهكمه ب"لخوانجية" فوجدتك في سبات يصحبه غطيط!
    الله يهدينا
    غطيط : شخير
    Mon salam

  • م. سقراط
    الأربعاء 9 أكتوبر 2013 - 16:46

    يمكن للسيد بنكيران أن يقوم بأي دور إلا دور رئيس حكومة، فالإمكانيات الثقافية والعقلية للرجل محدودة جدا.
    رئيس حكومة دولة تنافس في القرن 21 أشبه بمدرب وطني لكرة القدم، ملزم باختيار أحسن اللاعبين في كل ميدان بقطع النظر عن الخلفيات الأيديواوجية والدينية والإقليمية…
    فكيف يختار من لا خبرة له في الحكم… وقلبه يغلي حقدا على طوائف من مواطنيه؟؟

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 8

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال