المغرب غير مهيأ لمجابهة وقع التغيرات المناخية!

المغرب غير مهيأ لمجابهة وقع التغيرات المناخية!
الخميس 16 أكتوبر 2008 - 08:43

إلى عهد قريب كان الخوض في موضوع “التغيرات المناخية” حكرا على الخبراء والمتخصصين، أما عامة الناس فلم تكن تبال بذلك مادام وقع تلك التغيرات عبارة عن تخمينات لم تتحقق بشكل جلي في الواقع… ولكن سرعان ما تغير الوضع وأصبحنا وبشكل متزايد نسمع عن حدوث أعاصير خطيرة وفيضانات مهولة بشكل متكرر في كثير من بقاع العالم، كما نسمع عن موجات جفاف حاد تجتاح بقاعا أخرى.


بلادنا وللأسف لم تسلم من ذلك، ففي المدة الأخيرة أصبحت موجات الأمطار الطوفانية والعواصف الرعدية القوية تهدد أرواح وممتلكات المواطنين في كل مناطق المغرب؛ من الناظور والفنيدق إلى تنغير وإمينتانوت، مرورا بمناطق الأطلس المتوسط (أزرو والحاجب) ومناطق الغرب (الدار البيضاء والمحمدية)… نعم فقد أصبحت تخمينات الخبراء بخصوص التغيرات المناخية واقعا ملموسا لا يمكن التغاضي عنه، فكثير من بلدنا العالم غير مؤهلة تماما لمواجهة ذلك، بما فيها بلادنا.


صحيح أن المغرب وقّع على الاتفاق الإطار بشأن التغيرات المناخية منذ 28 ديسمبر 1994…


وصحيح أن المغرب أيضا لا تأثير له يُذكر في حدوث اختلالات مناخ الكرة الأرضية، بحيث لا يتعدى انبعاث ثنائي أوكسيد الكربون CO2 وطنيا 1,8 طن في السنة لكل شخص…


ولكنه رغم ذلك سيبقى عرضة لوقع تلك التغيرات مادامت الدول العظمى ذات اليد الطولى في ما يحدث، لم تذعن لرغبة المجتمع الدولي التي جسدها «بروتوكول كيوطو» القاضي بالخفض التدريجي للانبعاث الغازي على سطح الكرة الأرضية، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أكبر مسبب لهذا الانبعاث (%25 من الانبعاث الغازي على الصعيد العالمي) لم تصادق بعد على هذا البروتوكول.


نعم ستبقى بلادنا عرضة لتأثيرات اختلال المناخ العالمي، وبذلك تؤدي ضريبة عقود طويلة من سوء التخطيط والتسيب في تسيير الشأن العام والشأن المحلي…


• تسيير جعل أحياء بكاملها إن لم نقل مدنا تحت رحمة السيول الجارفة…


• تسيير سيمته تفشي الرشوة والمحسوبية وعدم المساءلة والمتابعة، فخلف بنيات تحتية هشة ومغشوشة…


• تسيير فقّر مناطق بأكملها من أدنى مقومات المقاومة لمثل هذه الظروف المناخية الصعبة…


• تسيير لم يمكن من إرساء أنظمة فعالة لرصد الكوارث ولا وسائل ناجعة للإغاثة والتدخل السريع…


إنها وضعية ساهم في تكريسها الجميع من أجهزة الدولة وجماعات محلية وشركات خاصة والمواطنون أيضا…


وحتى يتحمل الجميع مسؤوليته ولا تكرر أخطاء الماضي، فلابد من التحسيس بخطورة الموقف وإثارة هذا الموضوع على أوسع نطاق وإشراك الجميع في إبداء الرأي، واقتراح الحلول الناجعة والمناسبة لتدارك الموقف. ومن هذا المنطلق أضع بين يدي القارئ هذه المعطيات بخصوص ظاهرة التغير المناخي:


تعريف وكرونولجيا


نعني بالتغيرات المناخية مجموع الظواهر المناخية الملاحظة منذ عقد السبعينات من القرن الماضي والمرتبطة بالأنشطة الصناعية المسببة للانبعاث الغازي.


• بعد اكتشاف مفعول “البيت البلاستيكي” (Effet de serre) من طرف Fournier سنة 1827 قدم السويدي Svante Arrhenius سنة 1896 فرضية مفادها أن ارتفاع نسبة انبعاث غاز ثنائي أوكسيد الكربون في الهواء يمكن أن يحدث ارتفاع حرارة الأرض.


• في سنة 1972 تحرك علماء المناخ وأطلقوا برنامج الأمم المتحدة للبيئة (PNUE) بعد قمة الأمم المتحدة حول الإنسان والبيئة بستوكهولم.


• سنة 1979 تم عقد مؤتمر جونيف حول المناخ.


• بعد ذلك أصبح يتضح شيئا فشيئا كون انبعاث الغازات ( CO2 “ثنائي أكسيد الكربون” وCH4 “الميتان” وN2O “بروتوكسيد الأزوت”) يعتبر مسؤولا عن ظاهرة الانحباس الحراري.


• سنة 1988 تأسست “المجموعة العالمية حول التغير المناخي GIEC” والتي وضعت الأوراق المقدمة لمؤتمر جنيف (1990) الذي انبثقت منه دعوة المجتمع الدولي لاتخاذ الاحتياطات والتدابير المستعجلة للحد من انبعاث الغازات المسؤولة عن الانحباس الحراري.



• سنة 1992 في قمة الأرض ب”ريو” وضع مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية مشروع Agenda 21 الضخم الذي يهدف الدفع بالتنمية المستدامة خلال القرن 21 ( ). وخلال نفس القمة التزمت 178 دولة بخفض نسبة الانبعاث الغازي وإقراره في مستوى لا يضر بالمناخ.



• سنة 1995 أكدت (GIEC) أن حرارة الأرض ترتفع سنويا بمعدل 0.3 إلى °C 0.6 خلال قرن واحد. وأن الإجراءات المعلنة خلال قمة “ريو” غير كافية.



• سنة 1997 انعقد المؤتمر العالمي الثالث ب”كيوطو” اليابانية: (قمة الأرض الثانية) وخلاله رفضت الولايات المتحدة الخضوع لمقترح الاتحاد الأوروبي القاضي بخفض الانبعاث الغازي المسبب للانحباس الحراري بنسبة %15 في حدود 2010 وتم الاتفاق على نسبة %5.2 في حدود سنة 2012، ولكن بعض الدول الصناعية لم تحترم التزاماتها في ذلك . ومن غريب الصدف أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب كان سباقا إلى إثارة ملف التغيرات المناخية في المحافل الدولية منذ سنوات (1987-1988(.



• سنة 2000 انعقد بلاهاي المؤتمر السادس لمقاومة الانحباس الحراري ولم يتمكن من وضع نص نهائي متفق عليه. كما أن المؤتمر المنعقد بنيويورك سنة 2001 سجل رفض الولايات المتحدة الأمريكية الإذعان لمقتضيات بروتوكول “كيوطو“.


نتائج التغير المناخـي


إن تركيز CO2 وCH4 وN2O في الهواء عرف ارتفاعا مهولا خلال القرن العشرين نتيجة كثافة الأنشطة الصناعية والسوسيواقتصادية ويساهم CO2 في الانحباس الحراري بنسبة %75 و%25 المتبقية يشترك فيها كل من CH4 وN2O وتسجل فرنسا أقل نسبة للانبعاث الغازي مقارنة بالدول الصناعية نتيجة استخدامها للطاقة النووية في الإنتاج الكهربائي. إن التغير المناخي سيؤدي مستقبلا إلى ارتفاع منسوب مياه البحر بنسبة قد تصل إلى 95 cm سنة 2100 وذلك نتيجة ذوبان الكتل الجليدية القطبية بفعل ارتفاع حرارة الأرض مما سيشكل خطرا حقيقيا على التجمعات البشرية المستقرة في المناطق الساحلية. كما أن هذا التغير الحراري سينتج عنه ارتفاع ملوحة الأراضي الزراعية ووثيرة انجرافها وستزداد بسببها حدة بعض الظواهر المناخية كالنينو El Nino والعواصف والأعاصير وكل ذلك ستكون عواقبه كارثية بتدمير الكثير من المنظومات البيئية وانتشار العدوى ببعض الأمراض. وسيشهد العالم أحوال مناخية غير عادية:


– جفاف حاد في المناطق المتوسطية وأمريكا وإفريقيا وجنوب آسيا وأستراليا.


– تساقطات مهولة في شمال كل من أوروبا وأمريكا وآسيا.


وتشير بعض الدراسات أن هذه التخمينات بدأت تتحقق في الواقع بحيث سجل سنة 2003 تضرر 254 مليون شخص من الكوارث الطبيعية مقابل 90.000 فقط سنة 1990.


وقد توقع تقرير سري وجه للإدارة الأمريكية، أنه في العقدين القادمين سيخلف التغير المناخي كوارث ضخمة ستودي بأرواح الملايين، وحذر من العديد من المدن الأوروبية ستغرق في غضون 2020، وأن بريطانيا سيغطيها صقيع جليدي بشكل كامل، وأن نهر “ساكرامنتو” سيحول كاليفورنيا إلى منطقة بحرية وكل ذلك سترافقه موجة من الصراعات والحروب حول مواقع الحياة الآمنة. هذا التقرير خلف زوبعة في صفوف الأوروبيين الذين حملوا أمريكا كامل المسؤولية بسبب تقاعسها عن التدبير الجدي لملف التغيرات المناخية ( )، كما أن مجموعة من كبار المفكرين والعلماء بدؤوا يدقون ناقوس الخطر، وكلهم يحملون القائمين على لتفاقمها.

‫تعليقات الزوار

6
  • نورالدين ناجي
    الخميس 16 أكتوبر 2008 - 08:51

    المغرب غير مهيأ لأي شيء، حظ مزاليط أجمل بلد في العالم أن تبلوهم الأقدار بحكومات متعاقبة مشلولة لا تفلح سوى في تنمية المشاكل والمصائب والكوارث و النهب و تطوير إقتصاد الريع والإقطاع والفساد بكل صنوفه.
    المغاربة لا يعولون سوى على سواعدهم وكل أملهم هو أن تتجنبهم الكوارث.

  • أنثى النسر
    الخميس 16 أكتوبر 2008 - 08:53

    اللهم إنا لا نسألك رد القضاء و إنما نسألك اللطف فيه. بحكم أننا نعيش في آخر الزمان أعتقد بأن كل هاته الأشياء تمشي بمنظومة إلاهية و أنها تتفاعل فيما بينها لتشكل نهاية العالم و هذا قريب جدا و الله أعلم. فحتى لو تكاتفت الجهود و عملو على استخراج الحلول فهناك حكمة أكبر تتحكم بهذا المصير.

  • jalovandi
    الخميس 16 أكتوبر 2008 - 08:45

    الدول الصناعية هي المتسببة الاولى في التغيرات المناخية التي تتفاقم تاثيرها سنة بعد اخرى ولكن عواقبها تتحملها جميع الدول لبمافيها الفقيرة التي ليست لديهاشركات كبرى تلوث المحيط البيءي اي دول تلوث واخرى تتلوث وهذه هي نتيجة الراسمالية المتوحشة التي تبتلع كل من يعترض طريقهاولا تبالي سوى بالانتاج والسباق نحو الارباح اما ان تفكر في صحة الانسان والمحيط الذي يعيش فيه فذلك أخر شيء في الحسبان’
    وكما يعلم الجميع فان عوادم السيارات والمحركات هي من اهم الملوثات للمناخ وتصوروا معي لو ان الصين والتي يبلغ سكانها ازيدمن مليار وثلاثمءة نسمة كانو يستعملون السيارات كوسيلة رءيسية للتنقل لكانت الكارثة العالمية المناخية الكبرى ولكن والحمد لله فان اغلبهم يفضلون البشكليط علا ذوات المحركات’
    هناك سياسةles polueurs payeursالتي احدثتها جمعيات حماية البيءة في الغرب وتساهم بشكل فعال في الحد من التاثيرات السلبية للجشع الراسمالي وتفرض كل سنة قوانين جديدة كتشجيع الناس على استعمال سيارات بمحركات الكولزا او الطاقة الشمسية او الماء المكرر بدل محركات البنزين التي تبعث Co2 بكميات كبيرة ‘وكذلك رفع قوانين التامين على مستعملي السيارات الكبيرة وبالتالي التشجيع على اقتناء السيارات الصغيرة الحجم twingo ‘ polo ‘etc
    المهم الله يجعل العاقبة على خير والسلام’

  • م.علي التنغيري
    الخميس 16 أكتوبر 2008 - 08:47

    شكرا للسيد صدقي على مقاله الرائع والذي غلب فيه المعطيات العلمية والدولية واكتفى بالمرور مر الكرام عن ما حدث في الأيام الأخيرة على مرئ ومسمع منه وأمام أم عينه بمنطقة تنغير من تزكي إلى حارة المرابطين المنكوبة .<<حل عينك شويا آسي أحمد>>

  • تنغير تيكوتار
    الخميس 16 أكتوبر 2008 - 08:49

    تشكراتي لك الأخ أحمد على هذا الموضوع القيم. غير أني أقترح لو تعنون المقال باستبدال كلمة المغرب بالعالم. لأن استمرار الدول الصناعية قي مضاعفة نسب الكاربون و الغازات السامة التي تننتشر في الجو دونما اكتراث بالعواقب البيئية الخطيرة جريا وراء الربح السريع و لو على حساب حياة الإنسان فوق البسيطةهذا الأمر يهدد العالم بأسره و لا دولة واحدة في العالم مهما كانت قوتها مستعدة لمجابهة تلك التغيرات المناخية التي لا قبل لنا بها.نسأل الله اللطف بعباده أما المغرب و بنياته التحتية الهشة و المهترئة و المعدومة أحيانابفعل تنامي ظاهرة الغش و البناء ليلا و ردم الأودية و الشعاب القديمة لإقامة التجزءات السكنية عليها …..فغير مرشح أصلا للحديث عنهو عن تصرفه إزاء تلك التغيرات.و شكرا مجددا

  • عبد الكريم تنغير
    الخميس 16 أكتوبر 2008 - 08:55

    أشكرك الأخ الكريم صدقي عل هذا المقال الجيد و أقترح لو تعنون المقال باستبدال كلمة المغرب بالعالم.فاستمرار الدول الصناعية الكبرى و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكيةفي تعنتها و نفث المزيد من ثاني اوكسيد الكاربون و الغازات السامة بنسب تفوق المعايير الدوليةجريا وراء الربح و لو على حساب مصير الإنسان المهدد على البسيطة و عدم اقتداء USA بالمغرب البريء من الصناعةبنوعيهاالخفيف و الثقيل في التوقيع على البروتوكول الخاص بالبيئة الوارد في المقال سيفضي بالعالم إلى كارثة بيئية لا قبل لأي دولة بها مهما بلغت قوتها الاقتصادية و المالية و العسكرية…. أما المغرب صاحب البنيات التحتية الهشة و المهترئة و المعدومة في غالب الأحيان بفعل الزبونية لأجل التحايل على جودة مواصفات البناء.و ردم الأودية الجافة و الشعاب لإقامة الأحياء السكنية عليها. و البناء ليلا مستغلين نوم الإدارة التي يرشونها نهارامتى استفاقت من سباتها…فهو أصلا غير مرشح للحديث و التنبؤ بطبيعة تفاعله مع التغيرات المناخية خالا أو مستقبلا . و شكرا مجددا

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 7

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال