المغرب الكافكوي أو مستوطنة العقاب

المغرب الكافكوي أو مستوطنة العقاب
الخميس 27 نونبر 2008 - 14:18

ما هو الشبه بين المغرب ورواية مستوطنة العقاب للروائي التشيكي كافكا ؟ هل هي الوصايا العشر التي ينبغي عدم مخالفتها أم هو التنظيم القضائي والسياسي بكامله, هل هو الموت البطيء أم الآلام والعبث والسلوكات الشاذة في حياة هي أقرب إلى الجنون , هل هي القطيعة بين مرحلتين ؟ هل هي الحبكة أم الشخوص أم السيرورة أم الأفعال أم الأساليب أم النهاية ….


” إنها آلة رائعة , قالها الضابط للمستكشف , كان قد دعاه القائد لمشاهدة تنفيذ حكم الإعدام على جندي متمرد على رئيسه .. المحكوم تبدو عليه البلاهة , المحكوم في السلاسل شبيه بكلب , الضابط معجب بالآلة , عندما سأل المستكشف لمادا يرتدون هده الأردية الثقيلة في هدا المكان الحار , أجابه أنها تعني لهم الوطن . القائد السابق هو من صمم آلة التعذيب وهي متكاملة . القائد اذي كان قائدا وقاضيا وميكانيكيا وكيميائيا ورساما وكل شيء… آلة التعذيب سوف تكتب بإبرها على جسد المحكوم قبل قتله عبارة : وقر رؤساءك . أما الذنب فلا ينبغي أن يكون إطلاقا موضع شك … بعد موت القائد السابق الذي صممها أصبح الضابط هو الذي يدافع عن هده الآلة وأهميتها في حياة المستوطنة … أصبحت الآلة تتداعى مع الوقت لأن القائد الجديد يعارض هده الطريقة . تداعت الآلة كليا ورفض المستكشف أيضا الإقرار بأن هده الطريقة الصحيحة لمعاملة الشعب , عندما عرف الضابط أن الآلة سوف تنتهي في مستوطنة العقاب انتحر , لكن ثمة أسطورة تعيش بين الشعب وهي أن القائد القديم سيحيى من جديد لاسترداد المستعمرة “..


تلك خلاصة بسيطة لمستوطنة كافكا والتي تطابق على مستوى الرموز دولة المغرب تماما , إن لم تكن هي حقا . فتلك الآلة التي تقتل ببطء وليس دفعة واحدة حتى يتعذب الضحية أقصى وقت ممكن هي النظام المغربي حيث تصميمه السياسي والإقتصادي يطبق بقبضتيه على رقبة المواطن المغربي ويغرز في جسده إبره المسمومة ويتركه يتعذب طيلة حياته حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة , فباستثناء القائد ومعاونيه لا يمكن لأحد الإفلات من هدا القدر المأساوي ,ولا يمكنه التذمر أيضا , فإذا ذهب المواطنون بجروحهم وندوبهم إلى المستشفيات لن يجدوا أدوية أو رعاية بل حصصا جديدة من التعذيب, وإذا ذهبوا إلى المدارس لن يتعلموا إلا الوصايا العشر التي من بينها وقر رؤساءك , وإذا سألوا عن حقوقهم أو تظلموا فهم مجرمون لأن اذنب لا ينبغي أن يكون أبدا موضع شك وكل ما يحكم به القائد هو العدالة عينها , والعدالة لا معنى لها ومساطر المحاكم لانها ليس سوى لسان القائد . وما يقوله النظام وما يفعله هو في مصلحة الشعب ولا يجوز مناقشته لأنه هو الملهم فهو القائد والمحامي والقاضي والمهندس والميكانيكي والرسام الذي يضع أدق التفاصيل . إن براعة النظام المغربي هي براعة قائد مستوطنة العقاب حتى لا يمكنك أن تميز بينهما .. كما أن كل أموال المغرب المصروفة تذهب لصيانة وتطوير الآلة فهيبة مستوطنة العقاب قائمة بالأساس على هيبة الآلة , ولدلك لن تفاجأ عندما نرى الأموال الكثيرة المصروفة ليس في مصلحة المواطن بل ضده , فالأجور الخيالية التي يتقاضاها معاوني النظام وتعويضاتهم التي قد يحدث في الشهر أحيانا أن يتقاضى الفرد من هؤلاء أكثر ما تتقاضاه ألف عائلة ودلك ليس من جيب المحسنين طبعا بل من جيوب هدا الشعب الذي يعيش فقط ليتعذب , كما لن تفاجأ أن نرى أنها تصرف في الحفلات الباذخة والبروتوكولات والإمتيازات في الوقت الذي يموت فيه المواطن لأنه لا يجد علبة دواء , والأطفال يغادرون المدرسة لأن ليس لهم ثمن دفتر مدرسي . أما البرامج والمخططات والسياسات التي يضعونها فما هي في آخر المطاف إلا أشكالا مختلفة من التعذيب اليومي للمواطن . فالسياسات والبرامج مهما تغيرت وجوهها وتعددت أسماءها فجوهرها واحد هو مستوطنة العقاب . الآلة هي هيبة الوطن , الوطن الذي لا يعني لهم أكثر من لباس رسمي . الشعب الذي يقف في السلاسل ببلاهة حتى أنه لا يعرف تهمته هو نفسه مواطن مستوطنة العقاب . ربما يعرفون تهمة واحدة ثابتة عليهم هي أنهم ولدوا في المغرب أي في الذي سترافقهم تعذيباته من الولادة إلى الموت . المواطن اذي جعله القائد يقف ككلب بتصريح كافكا هو نفسه الذباب بتصريح أحد أفراد العائلة الملكية . إنهم ما يبرعون فيه هو التعذيب والسادية ويبدلون قصارى جهودهم لدلك حتى تستمر مستوطنة العقاب كبلد مزدهر , إنه أجمل بلد في العالم , إنه المغرب حيث الشمس والبحر والجبال والصحراء, حيث الفقر والجوع والأمية والصمت , حيث أعظم آلة للتعذيب البشري , حيث المحكوم يقرأ الوشم بجراحه ولا يمكنه أن يقول شيئا . لا يمكنك أن تحتج أو تصرخ لأن الآلة تعمل بدقة متناهية , يدفعونك أن تعيش الألم كاملا وكلما طالت فترة حياتك كلما كانت الآلة متقنة .


أما المستكشف في رواية كافكا فهم الأحرار وجمعيات حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية والمناضلون الحقيقيون التي تدافع عن الكرامة والحرية والتي لا تنقاد للضغوطات ولا تقبل بالرشاوى ولا مكان في عقلها للخوف من همجية الآلة . فمهما تفنن الضابط في الكذب وتبرير جرائمه والدفاع عن أساليبه الوحشية وعن حبه للعدالة , فالتقارير الحرة النزيهة التي تصدر ضد المغرب وضد ممارسات عائلات الآلة فهي تفضح هده الإدعاءات وسوف تساهم يوما في انهيار مستوطنة العقاب وظهور مغرب جديد يحترم الإنسان وكرامته .

ولمن أراد أن يكتشف المغرب الحقيقي أكثر فإنني أدعوه إلى قراءة مستوطنة العقاب لكافكا . كما أدعو وزارة السياحة المغربية أن تعمم هده الرواية على مندوبيات السياحة وعلى وكالات الأسفار في الخارج كي توزعه مع صور المغرب الجميلة مضيفة كلمة المغرب إلى عنوان الرواية حتى تتمكن من تشجيع السائحين إلى استكشاف الآلة المدهشة , وبدلك سوف تتمكن من تحصيل مداخيل إضافية تمكنها من صيانة الآلة وتطويرها إلى أقصى فترة ممكنة لأنها بدأت تتداعى وسوف تسقط قريبا.

‫تعليقات الزوار

4
  • يوسف توفيق
    الخميس 27 نونبر 2008 - 14:24

    بقي ان نعرف ان فصول المحاكمة انتهت باعدام الشعب المغربي و اقرؤا المحاكمة le proccesاو اللجنة لصنع الله ابراهيم لتعرفوا فصولها و قضاتها البلداء.تحياتي لصاحب المقال فهو توليفة موفقة بين الادب و السياسة.

  • ممانع مغربي
    الخميس 27 نونبر 2008 - 14:20

    استوحيت عنوان رائعة فرانز كافكا في كثير من التعليقات و حرفته الى : وطن العقاب ، لاني اعتقد بـأصلاتنا و بعرضية تلك الالة …
    عموما انت كنت بارعا في شرح اوجه الشبه و شد القارئ الى الحكاية المغربية كافكاويا.. اعجابي بمقال يستحق ان يقرأ ايها الشاعر ..
    / إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد؟/ كونفوشيوس.

  • youssef eddazi
    الخميس 27 نونبر 2008 - 14:22

    رائع جدا رفيقي مقصدي ..لاتزال تحافظ على نفس الخط لم نلتقي مند أربع سنوات …زمن بيع الحزب…هل تدكر؟

  • سنكوح
    الخميس 27 نونبر 2008 - 14:26

    شكرا للشاعر مقصيدي على مقالته التي تشبه زفرة من نار ، و أتمنى من أشباه الكتاب هنا أن يتعلموا من أسلوب هذه المقالة كيف يكتبون للقراء الأذكياء

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب