بوقنطار: الجولة الملكية في إفريقيا.. جسور للتعاون المستدام

بوقنطار: الجولة الملكية في إفريقيا.. جسور للتعاون المستدام
الخميس 6 مارس 2014 - 17:33

أكد الدكتور الحسن بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الجولة الملكية إلى إفريقيا تتضمن رسالة واضحة المعالم مفادها أن انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية، وأن عدم وجوده في الاتحاد الإفريقي لا يعني بتاتا تخليه عن أحد روافد هويته التي أكدها الدستور الجديد”.

واعتبر بوقنطار، في مقال خص به هسبريس، أن الزيارة الملكية لإفريقيا “تنخرط ضمن إقرار تعاون جديد جنوب ـ جنوب، وهو مفهوم يحاول تجاوز مقاربة إفريقيا كقارة معتمدة على المساعدات في مسارها الاقتصادي، وقوى خارجية في تدبير أزماتها”، ليخلص إلى كون “التحرك المغربي الذي يقوده الملك محمد السادس يخلق واقعا جديدا في العلاقة المغربية الإفريقية”، يستوجب من الدول الإفريقية الأخرى أن تعمل على عودة المغرب إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي.

وفيما يلي نص مقال الدكتور الحسن بوقنطار كما توصلت به هسبريس:

لقد كرست الزيارة الملكية الأخيرة لأربع دول إفريقية، وهي مالي والكوت ديفوار وغينيا كوناكري والغابون التوجه الملكي نحو إرساء علاقات مع الفضاء الإفريقي تقوم على مقاربة متميزة تفتح جسورا صلبة لتفاعل مستدام.

لقد أبرزنا في مناسبات متعددة، وعلى خلاف ما كان يتم ترديده بنوع من التسرع، كيف أن السياسة الخارجية المغربية في العهد الحالي قد سجلت حيوية متواصلة ومتجددة خاصة في التفاعل مع هواجس القارة الإفريقية.

لقد كان الفضاء الإفريقي بمثابة نقطة الضعف البارزة في السياسة الخارجية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني ، وكان من تجلياتها البارزة تمكن ما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية من الانضمام إلى منظمة الوحدة الإفريقية ، مما دفع المغرب ، البلد المؤسس إلى الانسحاب منها في ستة 1984 . وهناك عدد من العوامل المفسرة لذلك : يكمن العامل الأول في المناخ الدولي الذي كان سائدا ، و الذي كان يتمثل في الحرب الباردة المتجسدة في الانقسام بين أنظمة تدعي الاشتراكية و الماركسية ، كانت سائدة في القارة ، و بين أنظمة كانت محسوبة على الغرب الليبرالي ، و من بينها المغرب.

وثانيها : حيوية الدبلوماسية الجزائرية التي كانت نشيطة بقيادة وزير خارجيتها آنذاك عبد العزيز بوتفليقة . مستفيدة من رمزية دولة المليون شهيد ، والمدافعة عن إعادة بناء نظام عالمي جديد من مبادئه حق تقرير مصير الشعوب ، وحقها في السيطرة على مواردها ، وخاصة الطبيعية منها . وثالثها : استمالة الأمين العام للمنظمة إديم كودجو الذي قام بخرق واضح لمقتضيات الميثاق لصالح أنصار أطروحة الانفصال عندما فضل اللجوء إلى المسطرة العادية لقبول العضوية ، بدل طرخ القضية من زاوية كونها نقطة خلافية يتطلب الحيم فيها التصويت بأغلبية الثلثين بدل الأغلبية المطلقة . و أخيرا: ضعف اهتمام الدبلوماسية المغربية بالقارة الإفريقية ، و ربما إدراكها كمجرد خزان للمشكلات ، لا ينبغي أخذها بالجدية اللازمة.

انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية بقدر ما شكل فشلا واضحا ، بقدر ما كان منطلقا لمراجعة إن لم نقل لنقد ذاتي لا يكتفي بتحميل الآخر مسؤولية الإخفاق ، و إنما يسعى إلى إعادة تقويم للممارسة المغربية إزاء هذه القارة .

لقد شكلت حقبة التسعينات مراجعة تدريجية ، ساهمت حكومة التناوب بقيادة ذ عبد الرحمن اليوسفي بشكل جلي في إبرازها . و قد شكلت الزيارة التي قام بها لخمس دول إفريقية وهي السنغال وغينيا والكوت ديفوار والغابون وبوركينا فاسو ما بين 29 ماي و 5 يونيو 1999 علامة واضحة في هذا المسار .

لكن القارة الإفريقية، وخاصة الدول التي ترتبط بروابط روحية و ثقافية و اقتصادية واجتماعية، ستحتل حيزا هاما في انشغالات الملك محمد السادس تشهد على ذلك كثافة الزيارات التي قام بها لتلك الدول، وفي مقدمتها السنغال والغابون ومالي والكوت ديفوار، لكن علاوة على كثافة هذه الزيارات.. ما هي الركائز التي توجه هذه المقاربة المغربية المتواصلة منذ سنوات ؟

أولا : لا ريب في أنها تتوخى بالأساس توجيه رسالة واضحة المعالم مضمنها أن انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية ، و عدم وجوده في الاتحاد الإفريقي لا يعني بتاتا تخليه عن أحد روافد هويته التي أكدها من جديد الدستور الحالي في تصديره . فجذور المغرب تضرب في إفريقيا ، وتغذيها روابط متشعبة لا يمكن لأي طرف أن ينكرها . و لا يمكن لمناورات خصوم الوحدة الترابية أن تعزل المغرب عن امتداده الإفريقي . لكن أكثر من ذلك ن فغن المغرب الذي ساهم في الجهود الدولية من أجل استقرار و تنمية القارة الإفريقية كلما برزت الحاجة إلى ذلك لا يمكن له إلا أن يواصل هذا المنحى لاقتناعه أن الإنسان الإفريقي يستحق أحسن من هذا الوضع الذي يوجد فيه . و وحدها الدول الإفريقية التي تتمتع بالاستقرار و التطلع نحو بناء مستقبل أفضل قادرة على المساهمة في هذا المجهود الإفريقي الذاتي من أجل وضع القارة الإفريقية على سكة النمو والتقدم .

ثانيا : إنها تنخرط ضمن إقرار تعاون جديد جنوب / جنوب . و هذا المفهوم في حد ذاته يحاول تجاوز مقاربة إفريقيا كقارة معتمدة على المساعدات في مسارها الاقتصادي ، و على قوى خارجية في تدبير خلافاتها و أزماتها.. بدل من ذلك يتوخى بناء علاقات شراكة تتحمل فيها الدول الإفريقية مآلية مصيرها و تدبير قدراتها . فصحيح ، القارة الإفريقية لا تخلو من أزمات و معوقات ، لكنها أيضا تزخر بالمؤهلات والفرص.فهي تشهد وتيرة نمو سنوية مستقرة لا تقل عن 4 % . وبفعل عودة الاستقرار إليها، وتوفرها على موارد طبيعية معدنية مهمة ، و حاجياتها المتزايدة نحو التنمية بفعل تزايد حجم الطبقة المتوسطة في بعض دولها، فإنها أصبحت قبلة للتنافس بين عدد من الأقطار انضافت إلى القوى التقليدية الاستعمارية ، ومن أبرزها الدول الصاعدة كالصين و الهند وتركيا .

و بالنسبة لهذه الرؤيا المغربية فهي تستند إلى ترسيخ التعاون على أسس مشاريع ملموسة . وهو الأمر الذي يعطي استمرارية لهذا التعاون ، و في نفس الوقت يحصنه بسياج متين . فما يتردد في التحرك الملكي ، و في أنشطته ليس فقط مجرد مساعدات ، و لكن هناك باستمرار البحث عن الفاعلية والنجاعة من خلال مشاريع اقتصادية و اجتماعية ذات الآثار الملموسة و المتنوعة على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي . و كما قلت في كتاب سيصدر لي في الأيام المقبلة حول السياسة الخارجية المغربية منذ سنة 2000 حتى 2013، فإن هذه المقاربة هي امتداد للمقاربة الداخلية الباحثة باستمرار عبر مشاريع مهيكلة ، و مشاريع مرتبطة بالبنية التحتية ، و أخرى محفزة عن النجاعة لمواجهة الخصاص في المجال السوسيو اقتصادي . . و طبعا ، فإن هذا المبتغى لا يمكن أن يتحقق إذا لم ينخرط الفاعلون الإفريقيون ، وخاصة المنتمون للقطاع الخاص في هذا المجهود التنموي . فالمشاريع التي يساهم فيها المغرب تبقى مرتبطة بإرادة الفاعلين المحليين في تثمينها وضمان ديمومتها .

ثالثا: لا تقتصر هذه المقاربة على البعد التعاوني الباحث عن النجاعة فقط ، بل إن ذلك بدوره يظل رهينا بتحقق شرط الاستقرار في الدول الإفريقية نفسها . فمن الواضح أن العلاقة العضوية بين الاستقرار و السلم و التنمية من جهة أخرى لا تحتاج إلى دليل إضافي . لذلك ، فقد سعى المغرب بشكل مباشر في هذا المجهود الهادف إلى إقرار شروط المصالحة و تدبير النزاعات . و دون العودة إلى كافة الأمثلة ، فإن الدول التي زارها المغرب مؤخرا ، باستثناء الغابون شاهدة على بصمات المغرب في جهود حل أزماتها التي كادت أن تصيبها بالانهيار . لقد ساهم المغرب بشكل واضح في حل الأزمة الغينية بعد الانقلاب الذي كان قد قاده العقيد موسى كامارا داديس الذي تعرض فيما يعد لمحاولة اغتيال . و توجد القوات المغربية في ساجل العاج في سياق القوات الدولية المرابطة هناك . و منذ بداية الأزمة التي كادت أن تعصف بالوحدة الترابية في مالي ، لم يتردد المغرب في الانخراط في المجهود الرامي إلى مواجهة الحركات المقاتلة التي كانت تتوخى تحويل مالي إلى بؤرة لنشر الإسلام الراديكالي المتشدد في باقي الدول غرب إفريقيا . لقد ارتكز الحضور المغربي على مساندة التحرك الفرنسي ، و على تقديم مساعدات عاجلة ، و كذا المساهمة في جهود المصالحة من خلال إيجاد تسوية لمشكلة الطوارق على أساس ضمان الوحدة الترابية لمالي . فهذه الدول كلها شاهدة على المجهود المغربي من أجل تجنيبها مخاطر التمزق و الحرب الأهلية .

هذا التحرك المغربي الذي يقوده الملك محمد السادس يخلق واقعا جديدا في العلاقة المغربية الإفريقية ، على الدول الإفريقية الأخرى التمعن في كنهه عسى أن تقتنع بضرورة العمل من أجل عودة المغرب إلى حظيرة النظام المؤسساتي الإفريقي المتمثل في الاتحاد الإفريقي . ولا يمكن أن يتحقق ذلك مع استمرار وجود ما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية في هذا المنتدى . فلا مناص على الأقل من تجميد عضوية هذا الكيان المصطنع حتى يتسنى للمغرب العودة بفعالية إلى الاضطلاع بمسؤولياته في نظام إفريقي محتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أعضائه الذين ساهموا في تأسيسه .

‫تعليقات الزوار

3
  • الناصري
    الجمعة 7 مارس 2014 - 10:23

    أصاب استادنا الحسان بوقنطار في قراءته لهده الزيارة الملكية

  • الناصري
    الجمعة 7 مارس 2014 - 10:52

    أصاب استادنا الحسان بوقنطار في قراءته لأبعاد هده الزيارة .التي سجلت نقاطا إضافية للمملكة في صراع النفوذ والتي تأكد الحضور القوية للقارة الإفريقية ضمن الإستراتيجية الشاملة لإدارة العلاقات الدولية للمملكة المغربية ،
    و خاصة في منظورها الأمني المرتبط بالتنمية في هده المنطقة .

  • أفريقي غيور.
    الجمعة 7 مارس 2014 - 13:14

    الجولة الملكية في إفريقيا هي جسور للتعاون المستدام أم هي خدمة لمصالح فرنسا وأيضا لتحقيق أهداف الاستعمار الغربي الجديد للقارة السمراء، وبالتالي لتكريس التخلف بكل تبعاته بها؛ تلك تتجلى في التبعية للغرب الإمبريالي وفي انتشار الفقر والجهل والخراب والحروب على شكل اقتتال داخلي بين جماهير أمم واثنيات وطوائف المكونة لشعوب كل أقطار أفريقيا؟

    إن هذا السؤال الجد مختصر لا أتوقع أن يجد طريقه للنشر. كما لا أظن بأن أحد أعتى فطاحل دكاترة الخبز المتزلفين الوصوليين الانتهازيين يستطيع الاجابة عليه إن هو قرأه أو توصل به أو مر بمسامعه.
    أما الذين يتحلون بالضمير الإنساني فقد تنقصهم الشجاعة للخوض أو في نقاش ذا الموضوع أو في تقييم جولة ملك المغرب لأفريقيا، وذلك لخطورة وشائكية وحساسية الموضوع.
    مع صادق تحياتي لهسبريس المحايدة.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة