هكذا تطورت الاتجاهات الجديدة للإرهاب في إسبانيا

هكذا تطورت الاتجاهات الجديدة للإرهاب في إسبانيا
السبت 4 أكتوبر 2014 - 14:45

تمثل إسبانيا نموذجا لدولة عانت من ويلات العنف السياسي في تاريخها الحديث، فمن حرب أهلية بين الجمهوريين والوطنيين تحت قيادة الجنرال فرانكو في ثلاثينات القرن الماضي، والتي تركت آثاراً كارثية على مستقبل جيل كامل من الأسبان، إلى صراع زاد عن ستة عقود من الزمن مع منظمة “إيتا” التي كانت تدافع عن انفصال إقليم الباسك عن إسبانيا بقوة السلاح.

لم يكن الصراع مع إيتا بحجم الخطورة والمعاناة التي سببتها الحرب الأهلية، إلا أنه شكل كابوسا منذ تأسيس المنظمة الإرهابية في أواخر خمسينات القرن الماضي، إلى غاية إعلانها التخلي عن السلاح.

الإشارة هنا إلى هذه المعطيات التاريخية تكتسي أهمية خاصة، حيث إن هذه التجربة ستجعل إسبانيا أكثر تسليحا من نظرائها بأدوات مكافحة الإرهاب على المستوى العملياتي والقانوني والاجتماعي كذلك.

وتعتبر تفجيرات الحادي عشر من شتنبر من العام 2001 حدثا مفصليا في تاريخ الإرهاب، فبالإضافة إلى كون هذه الأحداث صنعت هزة وصل صداها إلى مختلف أنحاء العالم، وجعلت المواطن الغربي بشكل عام والأمريكي منه على وجه الخصوص يصاب بالذهول وعدم الأمان داخل بلاده، فإنها دفعت أكبر دولة في العالم للدخول في حرب مفتوحة ضد الإرهاب لا زالت مستمرة إلى يومنا هذا.

ويجمع الكثير من الباحثين على حدوث تغير إستراتيجي حدث بالفعل بعد هجمات الحادي عشر من شتنبر، حيث يمكننا أن نوجز هذا التغير في خطة تنظيم القاعدة التي تمثلت في فتح معركة على جبهات عدة، وإن كان ذلك دون تحديد مكان جغرافي لهذه المعركة، مع تركيزه في نقل المعركة إلى عقل دار العضو البعيد، والمقصود به تحول البلدان والمجتمعات الغربية إلى هدف مباشر في الأجندة الجديدة لتنظيم القاعدة.

إعلان الحرب على تنظيم القاعدة في أفغانستان، وإسقاط حكومة طالبان لم يكونا كافيين بالنسبة للمحافظين الجدد والإدارة الأمريكية تحت رئاسة جورج بوش الابن، فقرروا غزو العراق تحت مسوغات الحرب على الإرهاب.

في ما يخص إسبانيا كانت من أكثر الدول المتحمسين منذ إعلان الإدارة الأمريكية نيتها خوض حرب جديدة، مشاركة وحماس الحكومة الإسبانية للدخول في تحالف غير مشروط مع الولايات المتحدة لم يجد دعما شعبيا داخل البلاد، حيث إن معظم استطلاعات الرأي كانت تعبر عن رفض شعبي واسع للحرب ضد العراق.

الإرهاب في إسبانيا: العدو الجديد

في التحليل الذي نشره معهد إلكانو الملكي في شهر مارس الماضي، والذي قام بإعداده أستاذ العلوم السياسية والخبير في القضايا الأمنية في جامعة غرناطة خافيير خوردان وصل إلى عدة نتائج مهمة.

وتتناول الدراسة تطور الجماعات الجهادية في إسبانيا بين الفترة الممتدة ما بين عامي 1995 و2013 (الشكل أ)، وقد اعتمد في تحليله على 64 عملية أمنية قامت بها وحدات الأمن المكلفة بمكافحة الإرهاب.

يطلق مصطلح «الذئاب المنفردة» على أشخاص يتبنون النهج الأيديولوجي للتنظيم دون أن يكون لهم بالضرورة ارتباط بشكل مباشر، أي أن القاعدة تمثل مصدرا للإلهام والتوجيه العقائدى لهم، ولكنهم يعملون بشكل مستقل.

من أهم النتائج التي خلصت إليها دراسة خافير خوردان؛ ارتباط التهديد الإرهابي بين الفترة التي تتراوح ما بين عام 1995 و 2004 وهو تاريخ حدوث تفجيرات الحادي عشر من مارس في العاصمة مدريد بالتنظيمات الكبرى، خصوصا الجماعة السلفية للدعوة والقتال‎، والجماعة الإسلامية المسلّحة، بالإضافة إلى الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة.

خوردان يؤكد أن معظم العمليات التي قامت بها الأجهزة الأمنية في تلك المرحلة تؤشر على نفس النتيجة التي تم التوصل إليها في بلدان أوروبا الغربية، وهو عدم ثبوت لوجود أي تعاطف فردي خارج الانتماء التنظيمي لفكر السلفية الجهادية في إسبانيا.

إذ يسجل النصف الثاني من عقد التسعينيات من القرن الماضي ظهورا ملفتا للانتباه لأنشطة هذه التنظيمات والخلايا التابعة للجماعة الإسلامية المسلحة في الساحة الإسبانية، وكان جهدها يقتصر على الجانب اللوجيستي (تمويل، تزوير الوثائق، بالإضافة إلى السهر على إيجاد خطوط الإمداد إلى الجزائر)، بدون أن تفكر بالقيام بعمليات داخل التراب الإسباني.

التحول سيحدث مع بداية الألفية حيث سيمثل نموذج تنظيم القاعدة إغراء لفصائل وشبكات وأفراد من جميع أنحاء العالم. هذا الصعود سيواكبه تغيير إستراتيجي حدث فعليا مع استهداف الولايات المتحدة الأمريكية داخل حدودها، وواكب ذلك توجه التنظيمات المتطرفة في التفكير في تجنيد وإيجاد موطئ لها في البلدان الغربية، ليست لتأمين خطوط الإمداد كما كان من قبل، بل من أجل الدفع بالصراع إلى داخل حدود البلدان التي تعتبرها معادية للإسلام.

في نفس الدراسة يشير المؤلف الذي يعتمد على معطيات أمنية إلى وجود خلايا وأشخاص لهم صلة بتنظيم القاعدة قبل أحداث الحادي عشر من مارس من العام 2004، و يذكر مثال السوري عماد الدين بركات جركس (ابو الدحداح) باعتباره زعيما مفترضا لخلية تنظيم القاعدة في إسبانيا، والذي تمت محاكمته بتهم الإرهاب.

بالإضافة إلى أبو الدحداح اعتقل 5 أشخاص في إسبانيا للاعتقاد كونهم مولوا تفجيرات جزيرة جربة التونسية التي أودت بحياة 20 شخص.

باقي الخلاصات يمكن أن نوجزها في أمرين مهمين:

الأمر الأول يتمثل في غياب حاضنة اجتماعية للجهادية في إسبانيا، حيث يمكن دعم هذا الاستنتاج بأرقام الجهاديين الذين التحقوا بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من إسبانيا، والذي لا يتجاوز 51 شاب (ونركز هنا على كلمة شاب) وهو رقم يعد منخفضا جدا إذا ما قورن بأرقام دول أخرى كفرنسا و بريطانيا على سبيل المثال حيث تعد الأرقام بالمئات.

أما الأمر الثاني فيتعلق بالاتجاهات الجديدة للجهادية في إسبانيا، هنا لاحظ الكاتب بروز منحى جديدا (وإن كان الجزم به أمرا مبكرا لازال مبكرا) بروز الدور الفردي أو بتعبير آخر خطر الذئاب الوحيدة” وهو خطر مرتبط بالعائدين من “الجهاد”.

تعد تجربة إسبانيا في الحرب على إرهاب منظمة إيتا التي تهدف لتأسيس وطن قومي لشعب الباسك منجما يمكن الاستفادة منه من حيث الوسائل والآليات التي تم الاعتماد عليها في التصدي لهذه الظاهرة، فلم تقتصر المقاربة التي اتخذتها الدولة في الاعتماد على الذراع الأمنية والمخابراتية فحسب، ولكنها تمت داخل إطار استجاب للضرورات الأمنية الملحة واحترام دولة القانون.

أما التهديد الأمني الجديد المتمثل في الجهادية، فهو تهديد عابر للحدود والاستفادة من التجربة الإسبانية في مواجهته يجب أخذه على محمل الجد.

*باحث وعضو مؤسس في مركز “باب الشمس” للعلاقات الدولية

‫تعليقات الزوار

7
  • Rachidovi
    السبت 4 أكتوبر 2014 - 15:00

    المرجوا عدم تسمية منظمة ايتا بالارهابية لان اسبانيا لاتعتبر البوليساريو منظمة ارهابية، والسلام

  • علولة
    السبت 4 أكتوبر 2014 - 15:53

    تجتمع اليهودية والنصرانية الا اذا كان المراد عدوهم الاسلام وهذا بدون شك
    الا ان المسلمين أنفسهم يرمون بدينهم لهذا الموقف في الحرب عن الاسلام والمسلمين
    داعش اسم يخيف حتى المسلمين أنفسهم لأنهم يكفرون الكل وهذا ليس من حق اي كان انه مرض أصيب به العالم اسمه داعش وأخرجه الظالمين من وقتنا وصرنا كلا متهمين بهذا الظلم الذي اصبح يلااحقنا ونحن أبرياء منه اللهم أني مسلم ولست من اهل داعش وما هم عايهً من ظلم واعتداء

  • youba
    السبت 4 أكتوبر 2014 - 16:38

    وبلغت أوجها في مجال تدوين الحديث والتاريخ حيث تم إعدام وتحريف مجمل الروايات الصحيحة كلفت المسلمين التوقف عن الكتابة والسكوت لمدة ثلاثة قرون وحين سمح بجمع الأحاديث والروايات شكل ذلك فرصة للوضع والتأويل والزيادة والنقصان حتى بلغ الأمر إلى شيوخ التطرف أمثال بن ثيمية والنووي والالباني وغيرهم ممن بالغوا في التشدد وقلب الحق باطلا والباطل حقا وزينوا القتل وشجعوا عليه وحرفوا الشريعة فحرموا الحلال وحللوا الحرام وأمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف وحولوا العلماء عواما والعوام فقهاء حتى بات الأمي عارفا وفقيها ومفتيا وصار العارف ملحدا وكافرا وجهولا, تلك هي الحقيقة المرة التي بلغها الاسلام مع فقهاء الشر وعلماء الفساد وأحزاب الشيطان الذين حولوا العالم الاسلامي إلى الجحيم والحرب في وقت تنعم فيه العوالم الأخرى بالاستقرار والرفاهية والأمن والتنمية حتى بات قائل يسأل من المؤمن منا ومن الكافر؟

  • Mohammed
    السبت 4 أكتوبر 2014 - 18:32

    تعتبر حركة إيتا بحسب تاريخ مقاومة الشعب الباسكي من أجل التحرر من هيمنة الاستعمار الإسباني وبحسب برامجها وأهدافها المعلنة والثابثة حركة تحرر وليست حركة إرهابية. يجب أن لا ننسى أن الاستعمار الأسباني ما زال يحتل مدنا وجزرا مغربية وإن كان من إرهاب يمكن إثارته هنا هو إرهاب الدولة الإسبانية ضد شعوب شبه الجزيرة الإيبيرية والشعب المغربي.

  • علولة
    السبت 4 أكتوبر 2014 - 21:49

    لقد فات القتل بالدبح كل المقاييس عند هذه الفرقة التي اسما داعش او بالدولة الاسلامية وان الاسلام لبريء من هؤلاء براءة دم الذئب من سيدنا يوسف فيكف يقتل مسلما نفسا بغير إثم ؟
    حسبنا الله ونعم الوكيل في هؤلاء الذين جعلوا دين الله مذبحة لغباد لا نعلم عن قلوبهم شىء

  • بدرالدين المرابط
    الأحد 5 أكتوبر 2014 - 01:57

    باسم الله الرحمان الرحيم
    يمكن القول ان هذا الموضوع يشكل حساسية كبرى على مستوى البحث العلمي،وان مجرد الخوض فيه يشكل خطرا لا علىمستوى البحث ،ولا على مستوى الإنتماء.إلا أن الذي يسهل الإقتراب من الموضوع هو محنة المثقف الذي يعتدى عليه صباح مساء بسبب توجه فئة من الناس إختارت التطرف و قتل النفس المحترمة،وعدم الإنصات إلى حكم الشرع..بيد أن الموضوع الذي درسه الباحث حول إسبانيا فيه من الضعف ما يجعله يتجاهل تماما العوامل الاساسية لظهور الإرهاب في إسبانيا.إذكان على الباحث أن يتحدث عن دور الإقصاء و الحيف الإداري والمجتمعي،والعنصرية المتجدرة في الإسبان تجاه المسلمين وإن كانواينفعونهم،وفي خدمتهم.
    إن الإندماج الحقيقي هو الذي يعطيني الحق أن أعيش في مجتمع آخر مقبول الهوية كيفما كانت بجدورها الدينية و اللغوية والتراثية .
    إن الإقصاء لا يصنع فقط الإرهاب وإنما يعطي إنطباع شديد بتهاوي المنظومة التعليمية و السياسية و الإقتصادية والمجتمعية…إننا أمام إختيار صعب جدا،فإما أن أقبلك كما أنت و أعد لك عالما من التسامج و الإندماج المزدوج ،وإما أرفضك مجتمعيا و أقبلك إداريا بإعتبارك من دافع الضرائب ،وهنا يكمن الخطر .

  • عثمان
    الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 23:12

    العنوان يناسب المحتوى، اعتقد ان الاستفادة من اسبانيا امر غير مهم لكن نظرة الكاتب يبدو انها إيجابية للتجربة الاسبانية

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين