تقرير 'الحريات الدينية' ومحاكم التفتيش الجديدة

تقرير 'الحريات الدينية' ومحاكم التفتيش الجديدة
الثلاثاء 30 نونبر 2010 - 13:55

ثمة ملاحظة جديرة بالإهتمام بخصوص التقرير الأخير حول الحريات الدينية في العالم الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، وهي استمرار ازدواجية خطاب الولايات المتحدة الأمريكية وعدم تغير موقفها من العالم الإسلامي بالرغم من التفاؤل الذي صاحب الخطاب الشهير للرئيس الأمريكي أوباما الموجه إلى العالم الإسلامي، ويبرز عن رغبة عميقة من طرف الولايات المتحدة في السيطرة على الدول عبر العامل، عكس ما اعتقده البعض خلال الفترة الأخيرة.


أولا، لا بد من فهم السياق الذي برز فيه تقرير الحريات الدينية عبر العالم، فهو يعتبر من الناحية العملية التجسيد العملي لـ”قانون الحريات الدينية الدولية 1998″ الصادر عن الكونجرس الأمريكي سنة 1998، والذي تمت المصادقة عليه بهدف ” تشجيع الحريات الدينية باعتباره داخلا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبهدف الدفاع عن مصالح الأفراد الذين تم التضييق عليهم في الدول الأخرى بسبب دينهم”، وهو يمثل انتصارا للتيار الإنجيلي داخل الكونجرس الأمريكي، المنتمي أغلبه إلى الحزب الجمهوري، والذي كان يمتلك الأغلبية داخل الكونجرس واستطاع تحوليه إلى قانون بعد مقترح القانون الذي قدمه النائب الجمهوري المعروف فرانك وولف في شتنبر 1997، ثم بعد ذلك تم اعتماده بعد سلسلة من النقاشات داخل الكونجرس بعد إجراء سلسلة من التعديلات على مسودته، خصوصا منح صلاحيات اكثر مرونة للرئيس للتعامل مع الدول التي تخرق القانون، ليتم توقيعه من طرف الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في 27 أكتوبر 1998.


ويعطي هذا القانون للرئيس الأمريكي الحق باتخاذ قرارات قاسية بخصوص الدول التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها لا تخرق قانون “الحريات الدينية”، يعطي الفصل 405 من هذا القانون للرئيس الأمريكي صلاحيات واسعة في عقوبة الدول المعنية، مثل أن يؤجل أو يلغي اتفاقيات التبادل الثقافي أو العلمي، بل ويمكن له أن يصل إلى عقوبات إقتصادية مثل قطع المساعدات الاقتصادية، وتجميد كل الاستثمارات والتحويلات البنكية إلى الولايات المتحدة، ومنع المؤسسات الاقتصادية الأمريكية من منح قروض أو توفير اعتمادات أكثر من 10 ملايين دولار خلال 12 شهرا التي تلي صدور تقرير يدين إحدى الدول التي خرقت الحريات الدينية، وغيرها من الإجراءات العقابية المقررة في القانون، والتي يحددها الفصل 402 و405 من هذا القانون، إلا أنه من الناحية العملية لم يتم معاقبة أية دولة سنة 2010 بناء على هذا القانون، ولكنها اصدرت انتقادات شديدة اللهجة لعدد من الدول، أبرزها الصين وإيران.


إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تسقط في تناقضين على الأقل، الأول يبرز في أن الدولة الوحيدة التي لم يشملها التقرير هي الولايات المتحدة نفسها، وهذا بالرغم من تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كيلنتون عشية الإعلان عن تقرير الحريات الدينية لسنة 2010 بأن سبب عدم إدراج الولايات المتحدة ضمن التقرير راجع إلى “أن وزارة العدل ترصد تحديات الحرية الدينية في الولايات المتحدة والقضايا المرتبطة بها على مدار السنة”، هل هذا يعني أن الدول الأخرى-سواء المتقدمة أو المتخلفة- لا ترصد الحرية الدينية في دولها؟، وهذا يبرز التناقض الأول في موقف الولايات المتحدة الأمريكية.


التناقض الثاني يبرز من خلال ازدواجية الخطاب بخصوص الموقف من الدول العربية والإسلامية من جهة، والموقف من “إسرائيل” من جهة أخرى، فلما يتعلق الأمر بالدول العربية والإسلامية، (خصوصا مصر ومسألة الأقباط) يتم استعمال خطاب حاد وقاس عندما تقوم الدول الإسلامية بحماية أمنها الروحي، وتسعى إلى الحد من انتشار الأنشطة التنصيرية في المناطق ذات التوتر الإجتماعي والإقتصادي، مثل المناطق ذات الانتشار الأمازيغي في الجزائر والمغرب، والتي تستهدفها الأنشطة التنصيرية بشكل أكبر، وتغفل في الوقت نفسه الإضطهاد الذي عانى وما زال يعاني منه آلاف المسلمين يوميا جراء منع القوات “الإسرائيلية” المصلين من الدخول إلى الصلاة في المسجد الأقصى، ولم تشر إلى ذلك بتاتا في التقرير، بل اكتفت فقط بذكر أن ” الحرم الشريف الذي يوجد به المسجد الأقصى وقبة الصخرة يعتبر من الأماكن الأكثر قداسة في الإسلام، وبأن اليهود أيضا يعتبرونه بأنه يحيل إلى جبل الهيكل”، بل ويشيد التقرير بكون “سياسات الحكومة الإسرائيلية ساهمت بشكل عام في حرية الممارسة الدينية”، وأضافت بأن هناك “تحسن وتطورات إيجابية على مستوى احترام الحرية الدينية” في إسرائيل، هذا بالإضافة إلى ليونة الخطاب بخصوص بعض “الأخطاء” التي تقوم بها “إسرائيل” للتضييق على الحرية الدينية، بل وحمل التقرير المسؤولية عن انتهاكات الحرية الدينية إلى الإعتداءات الخارجية من طرف المقاومة الفلسطينية.


إن الدول الإسلامية من حقها أن تحافظ على أمنها الروحي، باعتباره خزانا استراتيجيا للأمن القومي لا ينبغي التفريط به، وفي نفس الوقت العمل على تحقيق حرية دينية واسعة، انطلاقا من المرجعية الإسلامية نفسها التي تدعو إلى عدم الإكراه في الدين، والدعوة بالتي هي أحسن.

‫تعليقات الزوار

5
  • MEHDI
    الثلاثاء 30 نونبر 2010 - 13:57

    أخر من يتكلم عن الحريات الدينية هي الدول الاسلامية فنحن نرى يوميا كيف يموت يوميا العشرات من المسيحيين في العراق و مصر عن طريق تفجير الكنائس من طرف الارهابيين وكيف تم إبادة أكثر من مليون مسيحي في جنوب السودان بسبب تطبيق الرئيس النميري للشريعة الاسلامية التي تنص على قتل الكافر والمرتد طبقا للحديث الشريف من غير دينه فاقتلوه
    انشري ياهسبريس

  • marocain
    الثلاثاء 30 نونبر 2010 - 14:03

    merci frereالحق يعلى و لا يعلى عليه جزاك اله خيرا اخي الكاتب

  • محمد
    الثلاثاء 30 نونبر 2010 - 13:59

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أشكر الكاتب على المقال، فعلا القانون يتناقض كليا مع السياسة الأمريكية، فهي تحاول التضييق على الإسلام في العالم الإسلامي ولكن سبحان الله الإسلام الدي يحاربونه في الخارج يتزايد وبشكل كبير في مجتمعهم. عدد المسلمون في أمريكا 8 ملايين والنسبة تتزايد بدرجة كبيرة .
    2- عدد المسلون في قارة أوربا 30 مليون مسلم ، في فرنسا فقط 5 مليون ويتوقع أن يتزايد العدد في فرنسا فيصبح 20 مليون بحلول عام 2020 .
    3- قال الباحث الروسي د.بيلو توقعه أن عدد المسلمين في بلدان أوربا الغربية والولايات المتحدة سيتزايد بشكل كبير جداً. وقوله تعالى “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون”

  • Vérité
    الثلاثاء 30 نونبر 2010 - 14:05

    Les pays islamiques, déforment l’islam et en altèrent le sens, ils ne citent que les versets du coran qui les arrangent, pareil pour les hadiths du prophète SAW,je trouve normal et légitime que les états unis s’en mêlent.Paradoxalement les musulmans ont plus de droits dans les pays à tradition chrétienne comme l’Anglettere.

  • رشيد
    الثلاثاء 30 نونبر 2010 - 14:01

    اشهد انني اقول الحق امريكا اول امبرطورية في تاريخ البشري يتعامل مع العالم بالعدل ويدافع عن الفقراء والاقليات والاديان ويحارب الدكتاتورية عاشت امريكا قوية والموت للعرب الخونه لشعوبهم وتجويعهم لولا خوفا من امريكا لدخلت السجن بهادة التعليق

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين