بوتشيش: العربي دلف زمن "اللا خوف" والتغيير الناعم

بوتشيش: العربي دلف زمن "اللا خوف" والتغيير الناعم
الخميس 12 فبراير 2015 - 04:12

أكد إبراهيم القادري بوتشيش، الأكاديمي وأستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة مكناس، أن الإنسان العربي ولج مسارات أزمان جديدة، مثل زمن ما بعد الخوف، وزمن ما فوق الإيديولوجيات الأحادية، والزمن العاجل الذي يعارض الانتظارية، والخطب الخشبية الطويلة، ويلتصق بمطالب اللحظة المعاشة.

وأردف بوتشيش، الحائز أخيرا على إحدى جوائز “الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية”، التابعة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر، إلى جانب باحثين مغاربة آخرين، بأن العربي دلف زمن التغيير الناعم، كبديل لنظريات العنف التي كانت تتبناها بعض الحركات الثورية”.

تحولات الربيع العربي

وبخصوص بحثه “سؤال تجديد أدوار المثقف في ضوء تحولات الربيع العربي..”، أفاد بوتشيش بأن أهمية الدراسة تكمن في الطرح الذي تقترحه لتجاوز ما سماها حالة الانسداد التي وصل إليها المثقف العربي، والتي كشف عنها غيابه وتقاعسه في ثورات الربيع العربي.

وأبرز الأكاديمي المغربي أن “مرحلة التحولات التاريخية الكبرى، وضمنها تحولات الربيع العربي الحالي، تشكّل محكا حقيقيا لامتحان قيمة الدور الذي يقوم به المثقف، وتشريحه بمبضع النقد والمراجعة في ضوء المتغيرات الجديدة”.

وأوضح الباحث أن المقولة التي ترى أن دور المثقف يتمثل في تغيير العالم، هي مقولة معكوسة، بمعنى أن دور المثقف ينبغي أن ينصبّ حول فهم العالم قبل أن يمارس أشكاله النضالية لتغييره، ما يستدعي فهم مستجدات المحيط الدولي، خاصة في مجال تكنولوجيا الاتصال، والتحولات الاقتصادية والجيو سياسية.

ولفت المتحدث إلى أن دراسته عول فيها على كتابات المثقفين العرب والغربيين حول ثورات الربيع العربي، وأيضا على الشعارات المنطوقة والمكتوبة في المظاهرات، وما تحمله لافتات حركات احتجاج الربيع العربي من أيقونات وعلامات سيميائية، ثم الكتابات الجدارية والرسوم الغرافيتية، والطرائف المتناثرة في مواقع التواصل الاجتماعي.

محددات المعرفة

وبخصوص آليات تجديد دور المثقف العربي، أكد بوتشيش أنها تتأسس من خلال مقاربتين؛ الأولى: فهم وإدراك المتغيرات الدولية والمحلية وانعكاساتها على المثقف، حيث إن تجديد أدوار المثقف العربي ينبغي أن تنطلق من فهم المتغيرات العالمية التي حدثت في العقدين الأخيرين”.

واستنتج البحث بأن المثقف أصبح محكوما بثلاثة محددات تتجلى في تكنولوجيا المعرفة، واقتصاد المعرفة، ثم مجتمع المعرفة، وهي تحولات غيرت مفهوم المثقف وأناطت به أدوارا لم تكن مألوفة من قبل، إذ لم يعد صاحب سلطة علمية أو المصدر الأساسي للتزود بالمعرفة”.

وتوقف المصدر عند التحولات الذهنية التي تمخضت عن الربيع العربي، ومنها تشكل “الكثرة البشرية” العربية التي أصبحت تناقش مفاهيم التغيير من خلال عملية التشبيك، ثم ظهور شباب البطالة المتعلمة كرأس حربة في عملية التغيير، مما يستدعي تسليم القوى الهرمة مسؤولية التغيير للفئات الشابة.

ولفت بوتشيش أيضا إلى أن التحولات الذهنية همت أيضا مجال الجندر، حيث تثبت الإحصائيات ارتفاع مؤشر المشاركة النسائية في عملية التغيير في قلب أحداث الربيع العربي، من قبيل توكل كرمان اليمنية، وبالتالي انخفاض منسوب تسيّد العقلية الذكورية”.

اشتغال المثقف

أما المقاربة الثانية، فتتمثل في تجديد آليات اشتغال المثقف، اعتمادا على مثلث إشكالي يجمع بين التواصل الشبكي المنفتح كعلامة للتجديد، وتعديل المشاريع الفكرية بما يناسب القضايا المعرفية المستعجلة، وتطعيمها بأسئلة إبداعية تراعي متغيرات الربيع العربي.

ويرتكز الضلع الثالث من سؤال تجديد دور المثقف العربي على “المكان”، وذلك من خلال توسيع مساحات حضور المثقف، لتشمل إلى جانب مدرجات الجامعات ومقرات الأحزاب والنقابات، الميادين والساحات العمومية، لوصل منجزات الثورات السياسية التي جاء بها الربيع العربي، بثورة ذهنية تشكّل المادة الخام “لربيع عربي ثاني”.

ولتجاوز حالة التكلّس التي بلغها دور المثقف وتجاوز انعزاليته وانفصاله على الجمهور، اقترح بوتشيش “خطة عمل” تتلخّص أبرز أهدافها في العمل الجماعي التبادلي، وتأسيس جبهة افتراضية شبكية تجمّع طاقات المثقفين لإيجاد حلول للأزمات، كالأزمات المناخية والأمراض والبطالة وإشكاليات التنمية.

وأبرزت الدراسة ذاتها أن دور المثقف الشبكي لا يكتمل إلا بحضوره الميداني الذي يتيح له التصنّت لنبضات المجتمع، والتشخيص الدقيق لمشاكله ومطالبه، والاحتكاك بالرأي العام قبل الكتابة والتنظير.

‫تعليقات الزوار

15
  • وديع حدوش
    الخميس 12 فبراير 2015 - 07:50

    لقد اثرت التكنولوجيا على الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي للمواطن العربي.
    ولقد كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور في انتشار موجة الربيع العربي، رغم تحفظي على تسميته بالربيع،فنتائجه من حرب سوريا اللامنتهية وفوضى ليبيا ومصر تدفعنا للتساؤل حول مدى نجاعة تلك الثورات.

  • L autre
    الخميس 12 فبراير 2015 - 09:26

    العولمة أدت الى تجاوز المثقف كونه ينتمي الى هيكل نخبوي يفتقد في خطاباته وخط تحليلاته لطوباوية معرفية بعيدة عن مخاض الواقع…. وعليه اصبح يشتغل بادوات لا تتلاءم مع الواقع الجديد… لهذا غذت شبكة الانترنت اكثر اقبالا من كتابات المثقفين … كونها تشاركية وعابرة للجغرافيا والثقافات المحلية … كما السياسي والاقتصادي والفنان وووو… في بلدنا المثقفون يمارسون اما الترف او الدجل الفكري كونهم لم يعولموا مجالات النضال والاجتهاد فأصبحوا بذلك يمارسون -بوعي او بدونه- عملية إقصاء لأنفسهم من مجال ديناميات المعرفة الجديدة …

  • rachid elazzouzi
    الخميس 12 فبراير 2015 - 10:40

    كان لي الشرف أن أكون واحدا من بين طلبة الأستاذ الدكتور إبراهيم القادري قامة معرفية وعمق في النضر رمز للأستاذ الجامعي المهتم الباحث في زمن التسيب الأكاديمي مع تحفضي حتى على هدا النعت ,,,

  • فدوى
    الخميس 12 فبراير 2015 - 10:57

    صراحة هذه النوعية من المثقفين على شاكلة الاستاذ إبراهيم القادري بوتشيش ، اصبحت نادرة في زمننا الحالي ، الذي أصبح فيه مثقف السلطة هو الذي تفرد له المساحات من أجل الدفاع عنها و عن وجهات نظرها .

  • مول الجمال
    الخميس 12 فبراير 2015 - 11:24

    أتبارك الله على با بوتشيش و صافي
    الله يرحم من قراك
    جائزة من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر = خطر
    هاد الناس ديال التاريخ و الجغرافيا ديما كيبغيو يستعملو شي مسطلحات باش يبانو انهم جابو الجديد من قبيل التشبيك و التشبك
    الله يعغو و السلام

  • almohtadi
    الخميس 12 فبراير 2015 - 12:07

    ان المواطن العربي مواطن بسيط ومتواضع وسهل وواع ومتفهم وصبور اذا ما :
    احس بالامن والامان في ماله ومحيطه ووووووو
    الصدق والصراحة والشفافية ممن يديروا دوالب مصالحه
    والاهم العدل والعدالة الصادقة والجدية في تدبير شؤونه
    كي لانمشي بعيدا ونختبأ وراء الشعارات الفضفاضة التي لاتسمن ولاتغني من جوع
    حيث بات من المهم ان يفهم (السياسيون)ان المواطن العربي رغم الفقر ووووووو
    فان له من الحس السياسي والاستراتيجي وبعد نظر ما يخول له ان يقراء ما لايقدر على قراءته من يدعون السياسة او ………
    العدل والعدالة ثم العدالة والعدل وان لايبقى احد فوق القانون

  • مصطفى الكبيري
    الخميس 12 فبراير 2015 - 12:12

    أولا هنيئا لدكتورنا العزيز القادري بوتشيش على هذا التتويج بالجائزة العربية الكبيرة، ونشكر الجهة التي اعترفت بجهوده .
    ثانيا: بالنسبة لدور المثقف: أعتقد أن المثقف العربي لم يعد له وجود ، واغلب المثقفين عندنا في المغرب باعوا أنفسهم مقابل حفنة من الدراهم والدليل على ذلك تحول بعضهم إلى وزراء. أي تغيير في دور المثقف يجب أن ينطلق من تنظيف ضميره .

  • د.عبد الواحد
    الخميس 12 فبراير 2015 - 12:40

    سلمت يداك د.بوتشيش على هذا المقال الممتع،
    اختلف معك بعض الشيء في القول بان المثقف الشبكي هو المفتاح السحري لأزمات هذه الأمة، لأننا لا نقرا سواء في الكتب الورقية او في الإنترنيت . لا بد من التفكير في المثقف الاقتصادي الذي يغير الأوضاع ، لان المثقف عندما يجد نفسه فريسة الفقر فانه ينبطح، ويتنكر لأفكاره ونظرياته اذا وجد ولي نعمته.
    جميع الأساتذة الذين التقيت بهم في ماليزيا وكذلك طلبتي يبلغونك تهانيكم الحارة بالفوز بجائزة المركز العربي ويسألون أين يمكن قراءة كتابك.

  • Mohajir
    الخميس 12 فبراير 2015 - 12:50

    هل فعلا أن هذا المثقف يملك قراءة علمية محايدة سياسيا حتى يتمكن من الإحاطة حول المحيط اللذي يتحدث فيه (العربي)،لا بل يتجاهل أشياء كثيرة نابعة عن قصده الثقافي والسياسي،فاليعلم القارئ أن الوضع العام الذي يتكلم فيه غير واضح .أقول أن الحضارة والفكر عنصران ينتميان إلى المجال المحدد جغرافيا لتلك الثقافة التي يقصدها،أما أن يخلط الأشياء بالقوة والعنف فلا نتيجة في المستقبل.

  • مريم
    الخميس 12 فبراير 2015 - 13:23

    أستاذ كبير في بلد لا يقّدر مثقفيه، هو أهل للجائزة، وله جائزة أخرى عند ربه لأنه علمنا وربّانا أحسن تربية، كان دائما يحفزنا لقراءة الكتب والمراجع ويدربنا على المنهج والمنطق.
    حفظكم الله ورعاكم يا دكتور، ولدي ملاحظة وهو ان الربيع العربي لم يكتمل بعد، وان ما نراه حاليا هو مجرد التقاط الأنفاس، لكن نلاحظ أن المثقفين لم يتغيروا كما كانوا قبل الربيع العربي بقوا كذلك بعده، فهل بقي من دور للمثقف إذا كانت مواقفه لا تتغير؟ أتصور أنه كما قال عبد الله العروي أن ذهنياتنا لا تتغير إلا بالتغير التكنولوجي، ونحن للأسف لا زلنا نقتات من فتات التكنولوجيا.
    وهذا مجرد رأي.

  • المحمدي علال
    الخميس 12 فبراير 2015 - 19:16

    أولا هنيئا لأستاذنا المفضل بالجائزة التي حصل عليها ،بخصوص دور المثقف العربي الذي غاب دوره في العصر الحالي خصوصا في زمن النظام العالمي الأحادي القطبية وما يصطلح عليه الربيع العربي نجد غياب لدور المثقف العرب في لحضة الأزمات التي مرت بها الأمة الإسلامية ،على المستوى الدولي بشكل عام ، وعلى المستوي المحلي الذي يعيش فيه ،لأن مختلف التغيرات والتحديثات التي عرفتها الأمم كانت تنطلق من المجال الذي يعيش فيه المجددون والعلماء والمثقفين ،وربما هذا هو السبب في عدم نجاج الثورات العربية.

  • محمد
    الخميس 12 فبراير 2015 - 19:23

    لقد تحدث إدوارد سعيد عن خيانة المثقفين، وتتدث الدكتور بلقزيز عن أن المثقفين يعانون من الأمراض العصابية ووهم الزعامة، فهل يمكن أن نتحدث عن أي دور لمثقفين مرضى وخونة؟ لا نعمم ولكن هذا هو حال المثقفين العرب.

  • عبد الشكور
    الخميس 12 فبراير 2015 - 22:54

    "الحضور الميداني للمثقف" فكرة مهمة قام بها جون بول سارتر ورفاقه في احداث باريس 1968. ولكن المثقف العربي المتعجرف يفضل البقاء فوق الكنبة يتفرج على احداث الربيع العربي بواسطة جهاز التلفاز. والتعجرف يساوي الجهل، اذن هل لدينا مثقفون حقيقيون؟؟!

  • ملاحظ
    الخميس 12 فبراير 2015 - 23:39

    عندما قرأت منذ سنة 2000 كتاب الدكتور بوتشيش " مستقبل الكتابة التاريخية في عصر العولمة"، شعرت أن عندنا في المغرب مفكرين يستقرأون ثقافة المستقبل في سياق مدرسة المرحوم المهدي المنجرة، لذلك فإن اكثر التعاليق لم تنصف المثقفين العرب أو على الأقل بعضهم من أمثال العروي والجابري وطه عبد الرحمن وأركون. والمقال الذي يطرحه الدكتور هو نقل تجربة هؤلاء وتقريبها للجمهورعبر مواقع التواصل الاجتماعي .
    فألف مبروك لألستاذنا الجليل الشريف البوتشيشي الذي شرف المغرب

  • سعيد
    الخميس 12 فبراير 2015 - 23:43

    المثقف العربي في الزمن الراهن أصبح أداة طيعة في يد الطغمة الحاكم على غرار شعراء التكسب في بﻻط الحكام، و عملة في مزاد السلطة وأداة لتكريس بنيات التخلف والجهل والفقر. وهو الأمر الذي اعتبره إدوارد سعيد خيانة من لدن المثقفين العرب. فتحية للأستاذ بوتشيش على تجديد طرح عﻻقة المثقف العربي بهموم مجتمعه.

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس