بوقنطار: الإرهاب يدمر بلا حدود .. لكن حذار من "الفوبيا"

بوقنطار: الإرهاب يدمر بلا حدود .. لكن حذار من "الفوبيا"
الإثنين 29 يونيو 2015 - 05:00

بعد الأحداث الدموية التي استهدفت في يوم واحد تونس والكويت وفرنسا والصومال، ذهب الدكتور الحسن بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس في الرباط، إلى أن “هذه العمليات الإرهابية تدعو من جديد إلى توخي اليقظة، باعتبار أنه “ليست هناك دولة اليوم في مأمن من تلك الأعمال الإجرامية”.

وأورد بوقنطار، في مقال توصلت به هسبريس، بأن “الإرهاب دائما مناهض للعقلانية، ومنجذب نحو التدمير”، محذرا في نفس الوقت من “السقوط في نوع من الفوبيا التي لا تخدم إلا مصالح المتطرفين الذين يسعون إلى بث شعور من الرعب والخوف داخل المجتمع، حتى ينشروا أفكارهم الظلامية”.

وفيما يلي نص مقال الدكتور الحسن بوقنطار:

إرهاب بلا حدود

تؤكد العمليات الإرهابية التي عرفتها الجمعة الثانية من شهر رمضان الأبرك، رغم اختلاف أساليب تنفيذها، أن الإرهاب خاصة في صيغته التي تجسدها حركة داعش، يتمتع بقدرة واضحة على الضرب في أمكنة متعددة، وتقريبا في وقت واحد.

فقد تمكن مقاتلو هذه الحركة من تنظيم عمليات ضد فندق في سوسة بتونس، ومسجد شيعي في الكويت، وجنود تابعين الاتحاد الإفريقي في الصومال، فضلا عن معمل للغاز في فرنسا. فنحن أمام مشروع واضح يهدف عولمة الرعب والهمجية بشكل مادي، والاستئثار بسلطة الصورة، وبردود الأفعال التي تجسدها اليوم المواقع الاجتماعية بشكل رمزي. فحركة داعش إلى جانب نجاحاتها الميدانية خاصة في سوريا والعراق مستثمرة حالة الفوضى والهشاشة التي تعرفها الدولة، حيث تحولت عمليا إلى دولة غير معترف بها ، فإن أكبر نجاح تحققه هو قدرتها على التحول إلى كائن متعدد الجنسيات يستقطب أشخاصا من مختلف بقاع العالم، يتحركون ويقاتلون لفرض نموذج للعالم والمجتمع لا علاقة له لا بالإسلام المتسامح، ولا بالعصر ومتطلباته.

أكثر من ذلك، فإن هذا التنظيم بات يستفيد بعدد من الخلايا النائمة التي يمكن أن تنفذ مخططاتها الإجرامية في كل لحظة. ففي بلادنا، فقد مكنت المقاربة الاستباقية للأجهزة الأمنية من تفكيك عدد من الخلايا، مما جنب البلاد انعكاساتها المدمرة لو تركت لحالها.

لا يتعلق الأمر فقط بالعنف المادي، بل أخطر منه العنف الرمزي الذي بات منتشرا كالسرطان عبر المواقع الاجتماعية، والذي يحاول أن يزحف على كل المجتمعات خاصة تلك الإسلامية من خلال محاولة فرض نموذج متطرف في الحياة يرتكز على ثقافة المنع، وعلى التحكم في سلوكات الأفراد، وفي حياتهم الخاصة.

ففي كل هذه المجتمعات نلاحظ وجود هذا التوتر بين الفضاء العام و الفضاء الخاص. أكثر من ذلك، فإن الهدف هو دفع الحكومات إلى اتخاذ إجراءات ردعية وقمعية تتوخى تقييد الحريات، وهو ما يفضي في نهاية المطاف إلى إضعاف دولة القانون والحريات.

بالرغم من اختلاف الأهداف التي تعرضت لهذه العمليات الإرهابية، فإنها تؤكد على مخطط يرمي إلى إقرار ثقافة الكراهية ورفض التنوع والتعدد، ومحاولة إقرار نوع من صدام الحضارات والديانات حتى داخل الدين نفسه، كما تبين ذلك العملية التي تعرض لها مسجد الإمام الصادق في الكويت الذي تؤمه الطائفة الشيعية.

فهو يندرج ضمن مخطط إرهابي كان من حلقاته العملية الانتحارية التي شهدها مسجد للشيعة في المنطقة الشرقية المملكة العربية السعودية في الأسابيع الماضية، لكنها أكثر من ذلك تسعى إلى زعزعة الاستقرار، وتكريس المواجهة الطائفية.

وفي هذا المناخ، تبدو تونس الأكثر عرضة لتداعيات هذا المخطط الإجرامي. فشهورا قليلة على عملية متحف باردو، فإن عملية سوسة تبين بوضوح أن المخطط الهادف إلى ضرب القطاع السياحي الذي يرمز إلى الانفتاح على الآخر، إنما يتوخى في العمق تقويض التجربة التونسية التي استطاعت أن تدبر ما بعد الربيع العربي بنوع من السلاسة مكنت من المحافظة على مكتسبات المجتمع المتعلقة بالتعدد والحداثة.

من خلال التأثير على القطاع السياحي الذي يمثل قرابة 7% من الناتج الخام، والذي يشغل نسبة هامة من اليد العاملة، فإن انهيار الاقتصاد لا يمكن إلا أن يزيد من المصاعب الاجتماعية، مما يقوي من تيارات الاحتجاج والفوضى. لذلك، تحتاج تونس اليوم إلى الكثير من التضامن الفعلي من أجل مواجهة هذه المرحلة الحرجة التي تمر منها، لا سيما في ظل جوار ليبي مضطرب ومشتت بدون مركزية سياسية، يزيد من جراحها، ومن مصاعبها.

إن فظاعة هذه العمليات التي تضاف إلى الجرائم المرتكبة ضد المدنيين والأطفال في سوريا والعراق تطرح تساؤلات مقلقة حول الإستراتيجية العالمية لمواجهة هذا الطوفان، خاصة ما يتعلق بالضربات الجوية التي يقوم بها التحالف، ومدى نجاعتها في توقيف المد الداعشي الذي بات يسيطر على أجزاء من العراق وسوريا التي قد تسقط نهائيا بين يديه إذا لم تتحرك الدول النافذة بشكل أكثر فعالية.

هناك اقتناع عام لدى المختصين باستحالة مواجهة حركة داعش بالاقتصار على الضربات الجوية التي تواجه صعوبات عملياتية واضحة. ففي ظل هشاشة الجيش العراقي، وتراجع الجيش السوري، يبقى السؤال مطروحا حول طبيعة القوة التي يمكن أن تواجه بريا مقاتلي داعش.

وفضلا عن ذلك، تبقى الشكوك قائمة حول قدرة النظام الدولي على التصدي للصراعات التي تغذي ولو بشكل غير مباشر هذا المد المتطرف، كما هو الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية أو الأوضاع في سوريا و العراق وفي ليبيا التي تشكل اليوم إحدى مصادر القلق واللا استقرار بالنسبة لجوارها. لذلك، وفي ظل تردد وغموض إستراتيجية الدول الغربية، يبدو واضحا أن حركة داعش ماضية في مخطط بناء ما تسميه بالخلافة الإسلامية .

من الواضح، أن هذه العمليات الإرهابية التي ضربت في أماكن مختلفة تدعو من جديد إلى توخي اليقظة. فاستراتيجيا لا يمكن الحديث عن المخاطرة / الصفر. فليست هناك دولة اليوم في مأمن من هذه الأعمال الإجرامية. فالإرهاب دائما مناهض للعقلانية، ومنجذب نحو التدمير. لكن في نفس الوقت لا ينبغي السقوط في نوع من الفوبيا التي لا تخدم إلا مصالح هذه العناصر المتطرفة التي تريد أن تخلق شعورا من الرعب و الخوف داخل المجتمع حتى يتسنى لها بسط أفكارها الظلامية .

إن مواجهة هذا الوباء ليس بالأمر الهين كما يتخيل البعض، فليست هناك وصفة جاهزة لمحاربته. لكن هناك اتفاق بضرورة إعمال مقاربة مندمجة كتلك التي تبنتها بلادنا، وما زالت، منذ الاعتداءات الغادرة التي شهدتها الدار البيضاء في 16 ماي 2003 تدمج في ثناياها المقاربة الأمنية المتعددة الأبعاد، وخاصة منها الاستباقية التي تناهض الشبكات الاستقطابية للعناصر الجهادية، وتحركات الخلايا النائمة، كل ذلك في ظل احترام مقتضيات القانون، وكذلك المقاربة السوسيو ثقافية التي لامناص منها، باعتبارها ترتكز على الانكباب على مواجهة مغذيات التطرف كما هو الأمر ببؤر الهشاشة والإقصاء والبطالة والعنف بكافة أشكاله المادية والمعنوية. وكذلك العمل على إذكاء إسلام متسامح يتصالح مع عصره، وينبذ الراديكالية بكل أشكالها، في ظل إمارة المؤمنين التي يتولاها جلالة الملك محمد السادس.

‫تعليقات الزوار

11
  • مثليون منتصرون لا محالة
    الإثنين 29 يونيو 2015 - 05:06

    أقول لهؤلاء السلفيين الله يحفظنا منكم ومن افكاركم المتخلفة الهدامة للفكر الحر وللحداثة،واقول لكم إن العلمانية ليست كفرا ولا ديننا جديدا انها طريقة في الحكم تفصل الدين عن أمور السياسة وبس،اما طريقتكم في الحكم بليدة ومتخلفة تريدون الرجوع بنا الى الوراء ولا تؤمن بالتطور والديمقراطية
    وماذا استفادت السودان والصومال وافغانستان والسعودية من الشريعة الاسلامية؟ اليست هذه الدول التي يضرب بها المثل في كل مظاهر التخلف والتحرش الجنسي.تصوروا امراءة صحفية في افغانستان صنعت درعا لتحمي به اعظاءها الحساسة لانها تتعرض للتحرش الجنسي.عن اية شريعة تتحدوثون يااهل الشريعة.العالم اليوم يعرف منافسة شرسة في كل ميادين العلم منافسة لارحمة فيها للضعيف فاين موقعكم انتم من الاعراب؟وهل تعتقدون انكم سوف تغزون العالم بالشريعة اظن انكم واهمون.

  • عابر سبيل
    الإثنين 29 يونيو 2015 - 05:36

    روى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي حازم قال : أخبرني سهيل بن سعد رضي لله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : "لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله "، قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ، فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ، فأتى فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ، ودعا له ، فبرأ كأن لم يكن له وجع، فأعطاه الراية ، فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ، فقال :" أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ."
    فقد كان هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل الناس في الإسلام ، لأنه جاء رحمة للعالمين .

  • محمد
    الإثنين 29 يونيو 2015 - 06:00

    انواع الارهاب تعددت. فالنوع الخطير من الارهات والدي اصبح متداولا و هو بداية مشوار الارهابيين الفعليين هو الارهاب الفكري و يعتمد على التكفير و التهديد لكل من خالف افكار الضلاميين.

  • joulid
    الإثنين 29 يونيو 2015 - 11:59

    تحياتي الاستاذ بوقنطار مع اجمل الذكريات عام 1997

  • الحسن لشهاب
    الإثنين 29 يونيو 2015 - 12:19

    فعلا ،و مما لا شك فيه ان بؤر الهشاشة الاجتماعية و الاقتصادية،و الاقصاء و البطالة ،و العنف المادي و خصوصا المعنوي (تقتيل روح العقيدة و الوطنية)،تعتبر الاطعمة الخصبة و المواقع الرسمية التي يتغدى و تحتضن كل انواع التطرف الاجتماعي ،وعليه فان حكومة الظل (المؤسسة الملكية و صديقتها الطبقة البورجوازية ) و الحكومة المنتخبة مجبرتان على تفعيل عمق المقاربة السوسيو-ثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية و الحقوقية ،وليس فقط بالاجتهاد في كل ما من شأنه ان يفعل الاجراءات الردعية و القمعية (شراء احدث الاجهزة الالكترونية التجسسية ،ابرام صفقات مع المخابرات الغربية….) ،و لا بالاجتهاد في سياسة الاغراءات و التحفيزات التي يستفيد منها نخب دون غيرها ،و ضرورة رفع الايدي على اختصاصات و حرية القانون ،و كفى من التدخلات الهاتفية الفوقية التي تعيق سير و تفعيل قانزن الجزر و العقوبات على المخالفين مهما كان وضعهم المادي و السلطوي و المادي.

  • mohamed
    الإثنين 29 يونيو 2015 - 12:32

    ما يقوله الدكتور بخصوص ‏(الفوبيا)‏ قريب نسبيا إلى الصواب_‏ لكن سؤال يطرح نفسه من المسؤول عن التنظيمات الإرهابية؟ و من له المصلحة في خراب و اللاستقرار السياسي خاصة في الدول العربية؟!‏ هذه أسئلة بسيطة لكن إذا نظرنا إليها بعمق سنركز للبحث عن الأسباب أكثر من الإهتمام بالنتائج

  • sahih
    الإثنين 29 يونيو 2015 - 12:33

    A dieu et Adieu le Tourisme de nord Afrique

    Daech ils ont tuer les touristes et le tourisme et la civilisation humains

    Bonjour la crise économique au Maroc
    Tunis
    Alger
    Egypte

    La religions d Islam de Daech c est la mort et rien que la mort

    A dieu la civilisation des Arabes

  • مشارك
    الإثنين 29 يونيو 2015 - 13:34

    يجب اقرار حرية المعتقد فورا وبشكل عاجل قبل فوات الاوان ونصبح دولة تملؤها الفوضى والاحزان.

  • تجفيف ينابيع الارهاب والظلام
    الإثنين 29 يونيو 2015 - 14:05

    ان الهجوم المخزني القمعي الشرس ابان سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي على حركة الشعب التقدمية المغربية المثمثلة في اليسار الثوري الجذري في الجامعية المغربية والنقابات العمالية الراديكالية وزرع بذور الارهاب والظلام والتطرف فيها هو ما اوصلنا الى هذه النتيجة من حالة الخوف واللاطمانينة وعدم الاستقرار الذي يتهدد مجتمعنا العربي والمغربي على الخصوص…ان مواجهة الارهاب والتطرف والمد التكفيري الداعشي يتطلب تعبئة مجتمعية شاملة من جميع اطياف المجتمع المغربي ومنظماته الحزبية والنقابية العمالية والطلابية وهيئات وجمعيات المجتمع المدني الشبابية الثقافية والبيئية وكل المنابر الاعلامية الديمقراطية الحرة وذلك من اجل وضع ميثاق وطني شامل لمجابهة وتجفيف يناببع المد الظلامي التكفيري الغادر الغريب عن مجتمعنا العربي والاسلامي عموما والمغربي على الخصوص والذي يتهد القيم المجتمية المغربية المؤسسة على مبادئ التسامح والتضامن و التكافل والتآزر وتعدد الثقافات ونبذ الحقد والكراهية ووضع برامج تربوية بيداغوجية وتثقيفية لتدريس هاته المبادئ في المدارس والجامعات المغربية…

  • خالد
    الأربعاء 1 يوليوز 2015 - 01:56

    شكرا للدكتور بوقنطار نعم رسالتكم وصلت،فقط يبقي الفقر الثقافي افة المجتمع وفجوة من خلالها ينسل التطرف.

  • احمد
    الخميس 2 يوليوز 2015 - 05:53

    الضلم اﻹجتماعي واﻹنحلال الخلقي هما الجانب الخفي الذي يتخذ دريعة لجلب شبابنا لصفوف اﻹرهابيين بنية الدفاع عن القيم والدين فﻻ جدوى للتوعية أو المقاربة اﻷمنية فكلما تصاعد هذا الجانب فهو على حساب الجانب اﻵخر فمادامت الدولة تغض الطرف عما يقع متسارعا هذه اﻷيام فﻻرقيب وﻻحسيب فهذا نذير شئم فسيجعل الناس مضطرين ﻷخد حقهم بأيديهم كما وقع في إنزكان وفاس ودليلنا على ذالك أن الخلية التي ألقي علها القبض في إيطاليا كانت تريد تدمير مهرجان موازين فاسمعوا ماقاله أحد هاؤﻵء إن حاربناكم بالقنابل والمتفجرات فقد حاربتمونا بالنهود والمأخرات فقبل فوات اﻵوان يجب على الدولة أن تحرص على التوازن واﻹتزان فاللهم أدم علينا نعمت اﻷمن واﻷمان.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 3

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال