مثقفون مغاربة يسلطون الضوء على أعطاب النخب في المملكة

مثقفون مغاربة يسلطون الضوء على أعطاب النخب في المملكة
الأحد 8 أكتوبر 2017 - 22:30

“هل سيدفع غياب الوسطاء بين السلطة والمجتمع بالملك إلى الرفع من حضوره على الواجهة السياسية والاجتماعية؟”، كان هذا السؤال واحدا من الأسئلة لتي أثيرت خلال يوم دراسي نظمته مؤسسة أبو بكر القادري للعلم والثقافة بسلا، خُصِّص لمناقشة موقع المثقف المغربي في الساحة اليوم، خاصة في ظل الحراك المجتمعي المتنامي، على أكثر من صعيد، والذي يوازيه سؤال “هل ما زال المثقف العضوي موجودا؟”.

السؤال أعلاه قدّمه خالد القادري، رئيس مؤسسة أبو بكر القادري للعلم والثقافة، في سياق بحثه عن سؤال: “أين هو المثقف المغربي ممّا يجري اليوم في المغرب؟”، إذ قال إنّ الوضع القائم في المغرب يعطي الانطباع بأنّ البلاد بها عيْب يمنعها من التقدم إلى الأمام، ويجعل المغاربة في حالة انتظار دائم، بسبب عدم وضوح الرؤية وخفوت دور الوسطاء، من أحزاب ونقابات وغيرهم، الذين لا يستقيم النظام السياسي الديمقراطي بدونهم.

وتساءل القادري: “أين يكمن الخلل الذي يمنع المغرب من إنتاج نخب جديدة، سياسية وثقافية واقتصادية.. وغيرها؟”، تاركا السؤال معلّقا أمام من يهمّهم الأمر؛ لكنّه حذّر من مغبّة ترك هذا السؤال عالقا، إذ إنّ عدم البحث عن جواب له ستكون له تبعات سلبية بدأت أعراضها تظهر منذ الآن، وتتجلى، أساسا، في نزول المغاربة إلى الشارع، دون تأطير من لدن أي جهة، مُبرزا أنّ هذا يؤّكد الحاجة الماسّة إلى وسطاء اجتماعيين.

النخبة الاقتصادية

في هذا الإطار، تطرق عبد العلي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة، إلى تدخل الدولة لإعادة التوازن إلى المجال الاقتصادي، الذي كانت تهيمن عليه البورجوازيتان السوسية والفاسية، إلى حدود منتصف الثمانينيّات من القرن الماضي؛ وذلك بفتح المجال أمام بزوغ بورجوازية “قروية” صغيرة، خوفا من حدوث انتفاضات، حيث توسّعت روح المقاولة، ولم يعد الفاسيون والسوسيون هم المسيطرون عليها.

بنعمور تحدث عن “فكرة المواطنة” لدى النخب الاقتصادية المغربية، مُبديا ميْله إلى التحلّي بقدر من البراغماتية والواقعية حين الحديث عن هذه الفكرة؛ ذلك أنّ منطق اقتصاد السوق، يقول، هو السعي إلى إنجاح صاحب المقاولة لمقاولته، وتحقيق النجاح والتألّق الشخصي؛ وإن كان هذا الطموح ينعكس على المصلحة الاجتماعية ككل، إلا أنّ الدافع الأساس خلفه هو النجاح الشخصي وليس التعبير عن المواطنة.

السعي إلى تحقيق النجاح الشخصي في المجال الاقتصادي بالنسبة إلى بنعمور أمر مشروع، موضحا “لكل مقاولة قبّعتان، شخصية واجتماعية، وكل من يعمل لصالح قبعته الشخصية فهو موضوعي، ومن يقول إنه يعمل للقيَم فهذا فيه نوع من الكذب، لأن إعطاء الأسبقية للبُعد الشخصي هو ما يقتضيه منطق السوق”، وتابع أنّ المطلوب من المقاول هو أن يؤدّي الضرائب، وأن يسهم في إرساء أسس الحكامة في البلاد وذلك بالتعبير عن مواقفه.

وقسّم بنعمور المقاولات المغربية الكبرى إلى أصناف؛ صنف يتمتع أصحابها بغطاء سياسي “وتتمتع بأنواع من الريع فير الشرعي وغير المواطن”، وصنف ثان يعمل في نمط تنظيمي، وصنف ثالث يشتغل في إطار “تعاقد سرّي غير تنافسي ولا تؤدي الضرائب”. وصنّف رئيس مجلس المنافسة المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى صنف يناضل بالرغم من كل الصعوبات التي تواجهها، وصنف يعمل في القطاع غير المهيكل ولا يحترم القواعد الاجتماعية للمقاولة.

ويرى بنعمور أن هناك روحا مقاولاتية في المغرب؛ غير أنّه أشار إلى أن السوق تضجّ “بالمقاولات ذات الغطاء السياسي المبني توجهها على نوع من الريع”.. أما فيما يتعلق بالتنافس الشريف، فقال إنه متوفر، نسبيا؛ “لكن هناك تجاوزات واضحة لدى كثير من المقاولات”، مضيفا أن النخبة غالبية النخبة الاقتصادية في المغرب تعطي الأسبقية للنجاح الشخصي، وتحرص على التعامل الإيجابي مع السلطة السياسية.

تهميش المثقف

الباحث عبد الجليل طليمات خصّ عرضه للحديث عن الأسئلة القلقة التي يطرحها واقع المثقفين في ظل التحولات الكبرى التي طالت المجتمع في مختلف مناحيه، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والتي أفقدت الفعل الثقافي كثيرا من فعاليته، وإشعاعه وقدراته على تأطير العقول والنفوس، والاستقطاب؛ وهو ما أدى إلى فقدان المثقفين لكثير من مَلكاتهم الاجتماعية كفئة تنتمي إلى الطبقة الوسطى.

واعتبر طليمات أنّ كثيرا من التغيرات طرأت على وضعية المثقف المغربي، ما أدى إلى تدهور مكانته الاجتماعية والمعنوية والرمزية. كما أنه كان عُرضة “للتهميش والإقصاء والمصادرة للحريات، وفي مقدمتها حرية الاجتهاد والتفكير والإبداع”، مشيرا في هذا الإطار إلى أنّ الجزء الكبير من ضحايا سنوات الرصاص من المثقفين، كما اعتبر أن أكبر ضحايا التقويم الهيكلي في الثمانينيات هم المثقفون (من أساتذة ورجال التعليم).

التهميش والإقصاء الذي لحق المثقفين المغاربة أدى إلى ظهور “نوع من المثقفين متخصصين في كل شيء ولا شيء، يقدمون الخدمات لمن يطلبها”، يقول المتحدث.

وبخصوص وضعية المثقف داخل الهيئات السياسية، قال طليمات إنّ المثقف يتعرض للتهميش الحزبي، حيث أضحى حاملو الهم الثقافي داخل الأحزاب لا يجدون أنفسهم داخل الأحزاب، “وأصبحوا مجرد تحف من الماضي أو الزمن الجميل”.

وبالرغم من هذه الصورة السوداء التي رسمها طليمات عن راهن المثقف المغربي، فقد اعتبر أنّ المشهد الثقافي “ليس بالقتامة التي تدفع إلى إعلان نهاية المثقف، فهو ما زال حاضرا، لم يمت ولم يستقلْ، ولكنه مهمّش، فمن يقرأ له؟ ومن يحاوره؟ أية فضاءات ومؤسسات تحتضن أعماله وتوفّر شروط إسماع صوته؟ وأين إنتاجاتهم وإبداعاتهم الأدبية في المقررات المدرسية؟ وأين البنيات التحتية والمؤسسات المنظّمة والمروجة لمنتوجهم الثقافي ودعمه؟”..

وتطرق طليمات إلى الانتقادات التي طالت المثقفين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عقب اندلاع “الثورات الديمقراطية، والتي وصلت حدّ اتهامهم بـ”الخيانة”، قائلا “معزوفة نهاية المثقف واستقالة النخبة الثقافية وأنها أخلفت الموعد مع هذه اللحظة التاريخية (الربيع العربي)، صدرت عن تمثل خاطئ لوظيفة المثقف”، موضحا “مهمة المثقفين ليست هي قيادة الحشود، إلى الميادين والسهر على سلميّة المظاهرات، وإنما التفكير في الدينامية المجتمعية وتعزيز مبادئها وقيمها واقتراح البدائل الممكنة والمتاحة لإعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس ديمقراطية وعقلانية”.

وقدّم المحاضر جملة من الاقتراحات لإخراج النخبة الثقافية من “أزمتها”، داعيا هذه الأخيرة إلى النهوض بدورها في التنوير لمواجهة التأخر الفكري والجهل والتطرف، والدفاع عن الثقافة الوطنية دون انغلاق، بل لمواجهة ثقافة العولمة، وإعادة ربط الجسور بين السياسة والثقافة بما يعيد إلى السياسة نبل وظيفتها ويجعل الثقافة قوة محركة؛ وهو ما دعا إلى إصلاح تربوي عميق، بما يجعل المدرسة مشتلا لتشكيل النخب.

‫تعليقات الزوار

9
  • معتذر لخريجي الجامعات
    الأحد 8 أكتوبر 2017 - 23:12

    ان النخب التي تبحث عنها اليوم هي تلك التي نبغت 20 سنة أو اقل من بين خريجي الجامعات لكن مالذي حصل انذاك وبعده؟ لقد كانت ظاهرة العطالة قد وصلت إلى صفوف حاملي دكتوراه السلك الثالث، فبعد تضحيات الآباء بالصحة والمال والسهر من اجل دراسة الابناء وبعد نضال الابناء في صفوف الدراسة ومع هموم التنقل ووو، ووجهوا "بالإصلاح" التخريب الجامعي لكي يستفيقوا على أكذوبة اوهكذا اريد لها ان تكون اسمها الدراسة والبحث العلمي بالمغرب ورمي بالأدمغة حوالي 5000 حامل لدكتوراه السلك الثالث فقط قبل سنة 1997 وحملة الدكتوراه الوطنية بعدهم إلى المجهول فمن أين تأتي بنخب سياسية وو لقد تم سحقها وأصبحت ترى حامل دكتوراه السلك الثالث أو الدكتوراه الوطنية في الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و علم الزلازل ووو … تائها في الشوارع أو "مكمش في شي بيرو مصابا بالصدمة" بيد ان مكانه الطبيعي في الجامعة ومختبرات البحث العلمي، سنوات الرصاص الحقيقية هي تلك التي أنتجت هؤلاء وليس الذين زج بهم في السجون فقط لايمكن إيجاد نخب لأن المعين أصيب بجفاف متعمد ساهمت فيه الحكومات والأحزاب من خلال البرلمان الذي يمرر القوانين القاتلة. 

  • ستالين
    الأحد 8 أكتوبر 2017 - 23:25

    وهل لدينا فعلا مثقفون لكي ينتقدوا النخبة كلهم في الهوا سوا

  • citoyen
    الإثنين 9 أكتوبر 2017 - 00:39

    لاوساطة بين الملك والمجتمع
    الملك الحاكم الفعلي يجب ان يكون في تواصل مستمر مع الباحثين لاعداد التقارير ومن تم فتح نافذة علي المجتمع من خلال اجتماع الملك بابناء المجتمع بدون برتوكول
    الوسطاء هم الذين يقدمون تقارير مغلوطة عن الوضع من خلال كل شيء بخير ويوزعون التهم الجاهزة هذا متمرد وهذا انفصالي وهذا شبع خبز
    ولم لايمكن لمواطن عادي ان يراسل الملك ولم لا يتوصل بجواب بدون واسطة

  • محمد
    الإثنين 9 أكتوبر 2017 - 00:49

    لا تنسوا كذلك النخب العلمية على قائمتكم وخصوصا في الرياضيات والفزياء النظرية وعلوم الكون والفلسفة والفكر والعلوم الفكرية العميقة التي تشكل وعي الإنسان وتدفعه الى الخلق والإبداع فكل هته الميادين تعرف تهميشا ممنهجا في المغرب . أنتم لاتدركون حجم ما يعنيه أن يحصل مغربي على نوبل في الفزياء أو فيلدز في الرياضيات وأثره الإيجابي على نفسية النشئ ودفعها نحو التطور والإنجاز وقهر العوائق وتشكيل أجيال طموحة قاهرة للتحديات ومؤمنة بذاتها وواثقة من نفسها. حينها يصبح الخروج من نفق التخلف المظلم أمرا يسيرا.

  • سفيان
    الإثنين 9 أكتوبر 2017 - 01:06

    المشكل ليس مشكل نخب. فهي دائما موجودة.
    المشكل يكمن في تقافة و وعي هذا المجتمع و كيف أفرز نخبا تفننت في البحت عن مصالحها الشخصية على حساب من انتخبها. تم جعلته يعيد انتخابها و يهلل لها مرة تلوى الأخرى.
    هناك هوة كبيرة بين المتقف و المجتمع. العديد هاجر و من بقي أغلق على نفسه و خلت الساحة إلا من بعض الانتهازيين و الشعبويين الدين اساؤوا للتفافة و المجتمع.

  • المتفرج
    الإثنين 9 أكتوبر 2017 - 01:38

    أحد جيراني ينتمي إلى مجتمع المثقفين لكن انتماؤه لهذه النخبة العالمة لايمنعه من ركن سيارته فوق الرصيف. سنظل نبحث عن الخلل إلى يوم القيامة !!!

  • مغربي وافتخر
    الإثنين 9 أكتوبر 2017 - 01:38

    المثقف في المغرب مهمش فبالله عليكم نجد اميون في البرلمان ورؤساء جماعات لماذا لا يقطع القانون الطريق على الامي لولوج هذه المناصب لماذا لا يشترط في المنتخبين مستوى دراسي معين ؟؟؟؟المشكل في القوانين التي يجب اعادة النظر فيها لانه لا يعقل ان يكون اميا في التشريع او امر بصرف ميزانية شعب مهزلة بكل المقاييس !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  • said
    الإثنين 9 أكتوبر 2017 - 11:42

    l'intervention du roi dans le dossier social apparait inevitable suite au blocus du dit "hiwar ijtima3i" pour l'augmentation des salaires et autres dossiers de regularisation des diplomes fonctionnaires.

  • سركوح المعطي
    الإثنين 9 أكتوبر 2017 - 19:30

    كان يصور خطاب النخبة المغربية حالة البلاد سوداوية وغير قابلة للتحول ومن تم كان للانتلجانسيا التي كانت تحرر في اعمدة بعض الصحف و كدا في كتاباتها عموما نوعا من كره الوطن و الياس في نفوس شباب الطبقات الوسطى و الفقيرة مما جعل كل من تحمل مسوولية ما في المجتمع كان يبدو وكانه ياخد بثاره و يعتبر كل الطرق مباحة ليرفع من مستواه الطبقي فتفاقم الفساد

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة