قياديان يسائلان "الاشتراكي الموحد" ضمن خارطة المشهد السياسي

قياديان يسائلان "الاشتراكي الموحد" ضمن خارطة المشهد السياسي
الثلاثاء 16 يناير 2018 - 07:00

يستفاد من سيرورة التحضير للمؤتمر أن هذا الأخير سينعقد ليرسم الإجابة عن سؤال وحيد يمكن صياغته على الشكل التالي: أي جواب للتناقض القائم بين جاذبية مفترضة يتمتع بها الحزب الاشتراكي الموحد وضعف نتائجه وتراكماته على مستوى الممارسة؟ ويمكن كذلك استنتاج أن الطريقة التي ركب بهذا السؤال تريد، من جهة، تسويق نوع من الإحساس بالاكتفاء الذاتي بفكرة الحزب، وتحاول ربط الإخفاقات بمعيقات ذاتية وجب تحقيق القطيعة معها، من جهة أخرى.

إن هذا السؤال يلغي بطريقة غير مباشرة كل محاولة حقيقية لتشخيص وتقييم غلق النظام لقوس الانفتاح الذي فرضته سياقات ما سمي بالربيع العربي وأسباب إخفاق الحركة الديموقراطية والتقدمية في المسك بلحظة عشرين فبراير لتحويل الانتقال إلى الديموقراطية واقعا ملموسا، وعجزها عن إنجاز ما هو أكبر من التضامن مع الحركات الشعبية والحركات الاجتماعية. بمعنى آخر، فالتركيز على الذات الحزبية وسؤال إعادة بنائها لتحويل جاذبيتها إلى انتصارات انتخابية يفيدان منطقيا التغاضي عن المعطيات الموضوعية التي تعاكس البحث عن الهروب من هامش المؤسسات.

إن الإكراهات الموضوعية، وحتى لما تسللت، بشكل صريح أو ضمني، إلى بعض فقرات الأدبيات، التي تبتغي تأطير فعل الحزب مستقبلا، فإنها لم تقيد خلاصاتها، ولم تتمكن من أن تصير من مرتكزات النسق، بل تبين أن إقحامها استدعته ضرورات شكلية لدعم أطروحة أفق جديد لا يختلف عن الأفق القديم سوى في إسقاطه لمركزية شعار “الملكية البرلمانية، الآن وهنا”، وإقحامه عناصر ترمي بشكل ملتو إلى التراجع عن تعاقدات تاريخية أسست لميلاد الحزب كتلك المتعلقة بالموقف من الحركات الأصولية أو صيرورة توحيد التنظيمات اليسارية.

إن القفز على كل عناصر الجزر التي يشهدها الحقل السياسي المغربي هو في جوهره بحث عن تسييد منطق الاستمرارية للأغلبية التي تحكمت في القرار الحزبي خلال الولاية الأخيرة، ومحاولة ربط عجزها في انتشال الحزب من هامش المؤسسات بوجود عراقيل داخلية تعتبر عملية تفكيكها أولوية الأولويات. وهكذا، وبدل الوقوف، مثلا، على دروس انقلاب النظام السياسي على نتائج انتخابات تشريعية، رغم أنها جاءت في مصلحة حزب يتقاطع معه موضوعيا في الاختيارات الكبرى، يتم الهروب إلى الأمام من خلال الحديث عن التحضير المبكر للاستحقاقات القادمة!

ولما يتحقق هذا التنصل المراوغ مما تقتضيه كل قراءة موضوعية لكل ما يحبل به الحقل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المغربي يصبح جدول أعمال المؤتمر بالنتيجة هو تهييء الذات الحزبية لتستوعب الإمكانيات التي يتيحها الواقع المقروء بشكل مقلوب.

هذه الأطروحة التي أسس أصحابها بطريقة دقيقة للهيمنة على كل مدخلات مؤتمر الحزب، تعتبر عملية القطيعة مع كل ما من شأنه تأجيل الترسيم النهائي لسياسة الانفتاح هي الشرط الأساس لتحقيق الطفرة الانتخابية الموعودة. وفي السياق نفسه يصبح العمل على محو الصورة الراديكالية، التي لازمت الحزب بسبب انتصاره للأفق الاشتراكي أو نقده الصريح لطبيعة النظام السياسي أو ربطه الجدلي بين النضال المؤسساتي والنضال الجماهيري…، هو شرط تحقق الشرط الأساس، أي نجاح سياسة الانفتاح على الفئات الوسطى وبعض المثقفين وجزء من البورجوازية “الوطنية والمتنورة”.

ولتكتمل الصورة، عملت هذه الأطروحة على التنصل بشكل غير مباشر من موقف مقاطعة التشريعيات، التي واكبت حركة عشرين فبراير، والتشكيك في جدوى الانتصار لمطلب العلمانية بدعوى الخصوصية، والعمل على إعادة النقاش حول مكسب التيارات إلى مربعه الأول.

إن المنشود الذي يتوارى خلف خطاب هذه الأطروحة، في نظرنا، هو التخلص النهائي من الهوية اليسارية والممانعة للحزب حتى تستقيم وتسهل عملية العودة إلى خط سياسي لم يقتنع أصحابه بفشله النهائي في تحقيق التغيير المنشود، ولم ينتم المنافحون عنه إلى تجربة الحزب بناء على وعي نقدي تاريخي لتجربة الحركة الوطنية واليسار الجديد، ولم يتخلص مهندسوه من ثقل الماضي وجراحاته. ولعل ما يجعلنا نقتنع بهذه الخلاصة هو اقتران هذا السعي باستنبات وتوطين ممارسات تحيل على الماضي كالتطبيع مع شخصنة الحزب على حساب المؤسسات، واستسهال تجاوز الزعامات للتعاقدات الحزبية، وإشاعة ثقافة التجييش بدل ثقافة النقد والنقد الذاتي.

وما يفيد كذلك هذا السعي هو التأصيل لثقافة هيمنية تحيلنا على تجارب سابقة ترهن استراتيجية تجميع اليسار الديموقراطي بتحقق شرط مركزية الحزب في كل مشروع مستقبلي لا يكون فيه الآخر سوى تابع وملحق. إن التوجس من استراتيجية الاندماج بذرائع تتوزع بين البيروقراطية النقابية ومطامع تنظيمات ضعيفة سياسيا من حيث التأثير وإخفاقات التجارب الاندماجية السابقة…، يحيلنا كذلك على تفشي ثقافة “زعاماتية” تؤطرها نوازع وطموحات فردانية لا يمكن لها التعايش مع ثقافة بديلة قوامها التضحية ونكران الذات وابتغاء انتصار المشروع في المقام الأول.

لم تكن تجربة الخمس عشرة سنة الماضية كافية ليتشكل الوعي لدى أصحاب هذه الأطروحة بالحلقة المفرغة التي أصبحوا سجناء لها. فبقدر ما تم الرهان على موقع متقدم داخل المؤسسات بقدر ما تراكمت الإخفاقات والهزائم، وبقدر ما أراد الحزب إقناع الفئات الوسطى بعرضه السياسي، بقدر ما عرفت قاعدة هذه الفئات انكماشا وتقلصا مقابل تصاعد مطرد للهشاشة والفقر. وبقدر ما توسعت قاعدة النضال الجماهيري السلمي وضعفت الثقة في المؤسسات، بقدر ما أصبحت المقاعد هي الهدف. والخطير في الأمر أنه بدل استخلاص العبر والدروس الضرورية من كل هذا، يتم نهج سياسة الهروب إلى الأمام والاجتهاد في نسج خطاب يسوق ويبشر بمستقبل وردي للحزب بناء على “حب” الناس لزعيمته، وزيادة طلبهم على نموذج حزبي معتدل لا يحيل كثيرا على مفردات اليسار الحقيقي.

إن تركيزنا، في المقام الأول، على تفكيك هذه الأطروحة، التي نعتقد أنها تحاول الانفراد بالحزب، لا يبرره سوى مسعانا لتوضيح أمر نعتبره غاية في الأهمية. فلو حتى اعتبرنا أن الطريق سالكة لسيطرة هذا الأفق بالقوة وبالقانون، فإنه من العقل التشكيك في قدرة الحزب الاشتراكي الموحد مستقبلا على لعب دور محوري في تجميع اليسار تحت سقف الديموقراطية والعدالة الاجتماعية؛ وبالنتيجة نستطيع القول إن هذا الأفق لن يعيد سوى إنتاج تجربة ستكون عنوانا آخر لمسلسل إهدار الإمكانيات التاريخية.

ومن وجهة نظرنا، فهيمنة الفكر اليميني المحافظ والمتطرف كونيا ومحليا، والتراجع عن مكتسبات المرحلة السابقة، رغم محدوديتها، وعودة الاستبداد للاستفراد بالمبادرة، والإمعان في نهج سياسات ليبرالية متوحشة تعمل على تصفية الأدوار الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وتمدد الفكر الظلامي وأذرعه السياسية والثقافية…، يستلزم من الحزب التشبث أكثر بهويته اليسارية والمساهمة على المديين المتوسط والبعيد في التأسيس لشروط إحقاق الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية عبر استراتيجية النضال الجماهيري، التي تكون المشاركة في المؤسسات متكاملة معها وليست سابقة عليها.

وتأسيسا على كل هذا، نعتبر أن الحزب الاشتراكي الموحد يجب أن ينزاح أكثر إلى “يسار اليسار”، بما يعنيه ذلك من ضرورة خوض معركته السياسية، أولا، في جبهة الدفاع عن الحق في الشغل والتعليم والصحة والسكن وحرية الرأي، في تحالف مع القوى اليسارية والديمقراطية الأخرى، وتسريع وتثمين كل مبادرات توحيد اليساريين، والمبادرة ببناء وتقوية ودمقرطة آليات الدفاع الذاتي للمجتمع من نقابات وجمعيات حقوقية وثقافية، والمساهمة في إخراج المجتمع المغربي من هيمنة الفكر المحافظ، من خلال التأسيس لشروط انبثاق وعي جمعي يتمثل إيجابيا مكسب العلمانية، وينتصر للعقل والوعي النقدي.

إن التبشير بما يسمى “الاشتراكية الإيكولوجية” والإلحاح على استنساخ تجارب الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، رغم ارتمائها في أحضان النيولبرالية المتوحشة، لن يجعل الحزب الاشتراكي حزبا فاعلا في مرحلة عنوانها الحركات الشعبية والحركات الاجتماعية والاحتجاجات الشعبية.

إن واقع البلاد والمعطيات الإقليمية والدولية يفيد بأننا لسنا في مرحلة مد تستدعي تأهبنا واستعدادنا الذاتي لقطف الانتصارات الانتخابية، بل على العكس من ذلك نحن في مرحلة تستدعي إنجاز مهمة وحدة اليسار، ويكون عنوانها الأبرز هو الممانعة والمقاومة على جميع الأصعدة.

*قياديان في الحزب الاشتراكي الموحد

‫تعليقات الزوار

8
  • ديموقراطي
    الثلاثاء 16 يناير 2018 - 08:33

    ما معنى يسار اليوم ؟ بعد قراءة نقدية إيجابية وديموقراطية لتاريخ اليسار وبواعث ميلاده. وحول اية مطالب سيجتمع اليوم انطلاقا من واقع الحال بما أنجز ، ويجب تصحيح الاخطاء التي حالت دون تحقيق ما لم يتحقق في إطار المعيقات الداخليةللدولة والمجتمع والعوامل الخارجية الأصل في كبح التقدم المطلوب في نظام عالمي ضاغط؟ وبأي أداة فكرية سياسية وايديولوجية نظريا وعمليا يجب البناء والتاطير للسير إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية المعبر عنها بالحرية والديمقراطية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية الضامننة لكرامة الإنسان بمنطق اشتراكي ديموقراطي حداثي الثوابت والمتغيرات؟

  • Etudiant Management
    الثلاثاء 16 يناير 2018 - 09:46

    من حقنا ان نسأل أيضا نور الدين جرير الذي ارتبط اسمه بشكل كبير بالنضال الطلابي في صفوف القاعديين عن مساهمته في بناء الحزب من 2011 الى الان وكم نشاطا قام بتأطيره وكم مواطنا اقنع بالالتحاق بالحزب وكيف يعتبر نفسه قياديا وهو من صدر في حقه قرار بتجميد عضويته بعد التحاقه (لاسباب لا يعلمها الا هو) بنقابة البام ضدا عل قرار واضح للحزب بمقاطعتها.
    القيادة في الميدان رفيقي وليست بالأمجاد الغابرة والتنظير
    مع التحية ا السي نور الدين

  • Zakaria
    الثلاثاء 16 يناير 2018 - 10:18

    المؤتمر سينعقد خلال ايام
    ويأتي قياديان لا نعرف منهما ويتحدثان بهاته الطريقة الماساوية فهذا يضع أسئلة كثيرة عن الهدف من هذا الكلام على وسائل الاعلام قبل ثلاثة ايام من انعقاد المؤتمر
    أين كُنتُم خلال 6 سنوات ومنذ المؤتمر الأخير
    ام هي طريقة للتنصل من المسؤولية
    الحزب الاشتراكي الموحد أكبر من هاته التراهات

  • Hggh
    الثلاثاء 16 يناير 2018 - 13:42

    Au Maroc y a ni gauche ni droite.y a les partis autorisés qui bossent sous tutelle du régime royale .et ils y a les hommes libres que le régime les jette en prison.alors il faut arrêter le tchach et le blabla

  • Psu
    الثلاثاء 16 يناير 2018 - 14:13

    لو كل يساري اشتغل ميدانيا مثل ما ينظر شفويا لتغير الوضع. لكن مشكلتكم تتقنون فن القول دون عمل على أرض الواقع. "الفم الماضي والدراع الكاضي". هذا حالنا.
    الاندماج لم تنضج شروطه بعد. ماتشوفوش مركزيا هبطوا محلبا وشفوا الاخرين شكون اللي فيهم شادين التنظيمات راكم غادي تثدموا. عاهرة باسم الفيدرالية تترشح وتجي تقولي نندامج ونوحد اليسار. النبق لاوه غي خليه مشتت.

  • متعاطفة
    الثلاثاء 16 يناير 2018 - 19:17

    كلامك فيه شيء من الصحة ،لكن لا يمكن ان نكون عدميين، هناك فروع تشتغل في الميدان تم لا ننسنى اننا في مرحلة بناء اليسار الاشتراكبي الكبير …….وعدم الاندماج جزء مهم في الحالة المزرية التي تعيشها الفيدرالية
    لكن عفوا عن اي عاهرة تتكلم …….هل تقصد منيب
    كلام نوجه لتعليق رقم 5

  • أبو رضا
    الثلاثاء 16 يناير 2018 - 20:22

    الحزب الاشتراكي الموحد يخطو خطوات جيدة إلى الأمام، المرجو من الرفيقين تجسيد مقترحاتهم في الميدان، لأنهما ما ذهبا إليه لايبتعد عن الأرضيتين المقدمتين إلى الى المؤتمر، فيكفي الاجتهاد لتجسيد كل هذه الاقتراحات ميدانيا، نقابيا أو حقوقيا أو ارتباطا بالجماهير المكتوية بسياسة الدولة، أما شباب الحزب فمشاركته في كل المعارك مشرفة ومشرفة جدا، عليناا أن لانجلد الذات أكثر من اللازم.

  • Psu
    الأربعاء 17 يناير 2018 - 02:09

    القياديين عندما لايسعفهم منطق التوازنات يبحثون جاهدين في خلخلة الوضع او التهديد بخلخلته وما خرجات الإعلام إلا تكتيك في هذا الجانب نقطة أولى تسويق سابق لأوانه لمصطلح القيادي وفرز غير متكافئ قبل صافرة المؤتمر نقطة ثانية تربية التنظيم تكبل تربية الحلقية نقطة ثالثة الأقرب إلى اليمين من ضل طول مساره فاتح قنوات تواصله مع رموز البام نقطة رابعة وهي نقطة ضوء وحيدة اوطاط الحاج تحسب عليكم نقطة خامسة من موقع الريادة كتيار إلى موقع التقهقر سببه قناعات فارغة وإن على صيحاتها وارتزاقية واقصاءية في الممارسة سادسا أن وجدتو وسيطرتم أكلتم دواتكم سابعا اليسار قيم عالية في الإنسانية تليها السياسي …….

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس