هزائم وانسحابات تدفع مقاتلي "داعش" إلى التوجه صوب إفريقيا

هزائم وانسحابات تدفع مقاتلي "داعش" إلى التوجه صوب إفريقيا
الأربعاء 21 مارس 2018 - 04:15

منذ سقوط دولة الخلافة المزعومة لتنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وسوريا والجميع يتساءل إلى أين ستكون وجهة عناصر ذلك التنظيم الإرهابي الأشرس في العالم؟ ومن أين سيعاود نشاطه مرة أخرى؟ وكيف ستكون طبيعة المواجهة القادمة بينه وبين البشرية جمعاء؟ ومن يقف وراء إمداده مجدداً بإكسير الحياة ليبقى تهديداً قائماً لدول بعينها؟ وهل سيبقى «داعش» تهديداً قائماً في الشرق الأوسط فحسب أم ستكون له وجهات أخرى يصنع منها بؤراً جديدة للصراع العالمي بعدما كاد أن يُقضى عليه في العراق وسوريا؟

والجواب يبدو مُستغرباً من قبل البعض، وغير متوقع من قبل البعض الآخر. لكن طبيعة الأزمات المتلاحقة تضع سيناريوهات جديدة للتعامل مع الإرهاب وتنظيماته الدولية التي تبدو للعيان أنها رغم ما تمثله من تهديد للعالم، فإن ثمة دولاً كبرى تقف وراء تمويله ورعايته وإمداده الدائم بما يكفيه للبقاء كتهديدٍ يُوظف لخدمة أغراضها ومصالحها في إبقاء أزمات المنطقة مشتعلة، وربما تتداخل تلك المصالح مع تقاسم الثروات الطبيعية والنفوذ السياسي والسيطرة على مصائر الشعوب.

وليس بخافٍ على المتتبعين أن أفريقيا، وبخاصة دول «الساحل والصحراء» تمثل مطمعاً لدول كبرى، ما جعل منها بؤرة صراع عالمي مرشحةً للتعاظم خلال السنوات المقبلة، وهو كذلك ما رشحها وجهةً للتنظيمات الإرهابية المفضلة خلال السنوات المقبلة كملاذ أكثر هدوءً، وأرض معركة بكر ترسم ملامحها من جديد على أيدى فلول «داعش» الفارين من نيران المواجهة القوية والساخنة في دولتهم المزعومة في كل من سوريا والعراق، خاصة بعدما أغلق الجيش المصري الباسل أبواب سيناء في وجوههم، وصار من يدخلها وإن ساندته دول كبرى تستهدف أمن مصر والنيل منها، يواجه حروباً ضروساً بلا هوادة مع أقوى جيش في المنطقة.

إن وجهة عناصر «داعش» بعد هزيمتهم المنكرة في سوريا والعراق تتمثل في أفغانستان وليبيا وغرب أفريقيا وباكستان وآسيا الوسطى (انظر الإصدار المرئي الجديد الذي نشره تنظيم «داعش» الإرهابي بتاريخ 4 مارس 2018م، تحت عنوان «أرض الله واسعة»)، مما دفع بمفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي «إسماعيل شرقي» إلى إطلاق تحذيرات من إمكانية عودة نحو 6 آلاف مقاتل أفريقي قاتلوا في صفوف «داعش» إلى القارة السمراء، داعياً الدول الأفريقية إلى التأهب للتعامل القوي معهم، وهو الأمر الذي يثير مخاوف من أن يتكرر ما حدث في الجزائر عقب عودة مقاتليه من أفغانستان، حيث أنشؤوا في حينها جماعات مسلحة (الجماعة الإسلامية المسلحة)، وحصدوا أكثر من 200 ألف روح بريئة.

منطقة «الساحل والصحراء» تمثل خطورة كبيرة على القارة الأفريقية، وعلى أمن واستقرار الدول، وهو ما يستوجب تعاوناً بينها وتبادل المسلحين بالشكل الكافي لمنع تسربهم لشرايين القارة السمراء، فضلاً عن أنه صار لـ«داعش» ثلاث ولايات في الأراضي الليبية هي طرابلس، وبرقة، وفزان، ومن ثم جعل التنظيم من ليبيا خلال عامي 2015/ 2016 ليبيا مركزاً لتنفيذ عملياته الإجرامية في شمال أفريقيا، كما استولى «داعش» على سرت في 2015 قبل أن يستردها الجيش الليبي لتبقى مشكلة الخلايا «الداعشية» المتناثرة في الصحراء الليبية تحدياً قائماً، وهو الأمر الذي أكده تصريح للبنتاجون في 2016 بوجود نحو 6500 مقاتل «داعشي»، فيما خرجت إحصاءات أخرى ترجح زيادة العدد عن سبعة آلاف مقاتل «داعشي»، كما جرى الحديث عن دخول نحو 400 سنغالي لصحراء ليبيا من الجنوب، وكل ذلك يرنو إلى تحويل ليبيا لمركز لانتشار الإرهاب شمالاً إلى أوروبا وجنوباً إلى مناطق الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، فضلاً عن تهديد أمن دول الجوار الليبي وفي مقدمتها مصر.

ومن أجل جعل ليبيا منطلقاً داعشياً للتوسع نحو منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، نجد تحالف «داعش» مع «بوكو حرام»، التي تنشر الرعب في نيجيريا ومناطق بحيرة تشاد وجنوب النيجر وشمال الكاميرون، وفي تلك المنطقة نجد ما أُعلن عنه من تشكيل ما سُمي «جيش الصحراء»، الذي يقوده شخص ليبي سمى نفسه «أبو البركات»، إلى جانب تواجد قادة آخرين مثل أبومعاذ في درنة، وهو قائد لما سمي بلواء صلاح الدين، «الداعشي»، وهاشم السدراتي خبيب، وهو يطلق عليه لقب وزير الحدود، وبتواجد هؤلاء القادة ووجود الجغرافيا الحدودية المهترئة تسمح بامتدادات لا محدودة، وخاصة أن الجديد في أفريقيا وجود تحالف ما بين رافدي الإرهاب العالميين الآن «داعش» و«القاعدة» بخلاف ما حدث من صراع في سوريا، وهو الأمر الذي فضحه تصريح لأبي وليد الصحراوي الـ«داعشي» بالتعاون مع جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التي تنتمي لـ«القاعدة»، وهو ما يعني استراتيجية تحالف التنظيمات الإرهابية من جديد.

مما أكده كذلك الصحافي السويدي، في مقال نشر في صحيفة «سفينسكا داجبلاديت»، في هذا الصدد، بأنه تم خلال السنوات الأخيرة «تشكيل تنظيم القاعدة في شمال غرب أفريقيا تحت مسمى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، مبرزا أن «الحركة تورطت بقوة في الهجمات الإرهابية واحتلال شمال مالي لمدة سنتين»، وأن «تقارير ترد أكثر فأكثر حول تزايد التعاون بين «البوليساريو» وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».

وبالالتفات لقضايا تمويل الإرهاب ورعايته لا يمكننا أن نغفل تلك الزيارات المتلاحقة لكل من أمير قطر والرئيس التركي إلى المنطقة، فالأخير زار كلا من السودان وتشاد وتونس، أمير قطر زار السودان ودول غرب أفريقيا في تناسق للأدوار، ما يعكس أن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على هذه المنطقة، وليس بخاف من قبل إعلان السلطات المصرية ضبطها لطائرات قطرية محملة بالأسلحة للجماعات الإرهابية في ليبيا، وضبط السلطات القبرصية باخرة تركية مُحملة بأسلحة كانت مُتجهة إلى مصراته الليبية، فالأمر صار مفضوحاً.

زيارة أردوغان الأولى والثانية إلى أفريقيا، وزيارة أمير قطر إلى غرب أفريقيا والمؤشرات المالية على بداية حشد وتجميع للجماعات الإرهابية في منطقة الساحل وتسهيل وصول المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى ليبيا، المعركة تنتقل من الشرق الأوسط إلى أفريقيا، وقد يتم استعمال هذه الجماعات خدمةً للمشروع الصفوي-التركي-الإخواني، ضد أمن دول المغرب العربي ودول عربية خليجية.

وخلاصة القول إن دول «الساحل والصحراء» وغرب أفريقيا وليبيا دول مرشحة بقوة لأن تصبح إحدى وجهات الصراع العالمي على تقاسم ثرواتها الطبيعية، وكذلك مركزاً لتقاسم النفوذ بين دول كبرى، وبالتبعية مركزا لانتشار الجماعات الإرهابية، وربما هذا ما رجحته تصريحات للظواهري من دعوة لقتال فرنسا في دول «الساحل والصحراء»، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلاً جديداً: هل بعد انتهاء مهمة «داعش» في المنطقة ستعود القاعدة إلى قيادة الإرهاب العالمي من جديد؟

‫تعليقات الزوار

9
  • المهدي
    الأربعاء 21 مارس 2018 - 04:49

    هناك مبالغة في تضخيم هذا التصور ، فتدمير النواة الصلبة لداعش بالموصل والرقة وباقي أطراف هاتين المدينتين مما كان يشكل الحيّز الجغرافي لدولة الخلافة المزعومة شكل ضربة قاصمة للتنظيم الإرهابي بعد تبخر الحلم الوهم وانحسار عوامل الجذب والتجنيد في صفوفه وإحكام السيطرة على الممرات والمنافذ التي كان يتسلل منها الملتحقون الجدد بصفوفه خاصة عبر تركيا .. الكاتب يرى بعض الأمور بشكل معكوس إذ يرى ان ليبيا ستكون ضمن الوجهات الجديدة لداعش بينما الواقع ان هذا التنظيم تلقى ضربات موجعة في معقله بسرت قبل ان يتشردم في أصقاع الصحراء المترامية هربا من ضربات قوات حفتر والمليشيات المسلحة على حد سواء .. افريقيا لا يمكن أن تكون عنصر جذب لاستقطاب مقاتلين جدد فالمسالك غير المسالك وحتى القدرة على التمويه والذوبان وسط السكان المحليين غير ممكنين كما كان عليه الحال خلال مراحل الكمون بتركيا الى حين التسلل عبر الحدود .. ما تبقى إذن من فلول داعش قد تضرب هنا إو هناك للبقاء على السطح لكنها لن تكون بنفس الحدة والقوة كما كانت عليه وهي ذات مقومات تقترب من مقومات الدولة برقعتها الجغرافية المترامية وحكومتها ودواوينها ونفطها

  • iben Maghreb
    الأربعاء 21 مارس 2018 - 05:28

    هذه العصابات التي تسمى داعش يتم تكوينها من طرف CIA ثم بعد دلك تزرع في مناطق الصراع لتأمين مصالح أمريكا وبعد انتهاء دورها في العراق وسوريا هاهم ينقلونها إلى ليبيا كي لاتكون هناك دولة ديمقراطية تعطي الحقوق لمواطنيها في شمال إفريقيا

  • aziz580
    الأربعاء 21 مارس 2018 - 05:58

    الله يبعد شرهم علينا نحمد الله ونشكروه على نعمة الامن من الإرهاب أقول الارهاب المنظم وحتى إلا فعلا بغاو يجربو مرحبا بيهم هناك شعب يموت على ارض من ارض الله اسمها المغرب

  • أمازيغ مراكشي
    الأربعاء 21 مارس 2018 - 07:20

    بالحاضنة الشعبية يمكن أن يتواجد الدواعش في أي مكان…في المغرب هناك الآلاف من يحمل فكر الدواعش و يحلم بخلافة إسلامية على منهاج النبوة و يحلمون بتطبيق الشريعة الإسلامية و ضد المساواة في الإرث و مع تطبيق الحدود و يحملون نفس الفكر الداعشي و الإجرام المقدس..فهؤلاء يمكن أن يستقبلو الدواعش و يساعدون في تدمير وطنهم فقط من أجل خزعبلات تافهة

  • فلاح
    الأربعاء 21 مارس 2018 - 08:00

    الدين والجهل لهما علاقة جدلية, لذلك ستجد داعش في افريقيا حيث الامية والفقر متفشيان ارضا خصبة. اواسي افريقيا على النقمة والوباء اللذان سيحلان بها.

  • البغدادي على حدود الجزائر
    الأربعاء 21 مارس 2018 - 09:41

    نقلت عدة صحف عالمية و جزائرية خبر وجود البغدادي على حدود الجزائر.

    وعلى هذا الأساس فإن المغرب يجب أن يأخذ جميع الإحتياطات.

  • ادريسي
    الأربعاء 21 مارس 2018 - 10:24

    استنتاج يناقض التحليل
    ان ما جرى ويجري في المنطقة لا يكتمل تحليله دون تسطيردور دول خليجية في تنفيد مشروع صهيو امريكي اخواني لتقسيم وتفكيك كل الدول العربية

  • طنجاوي
    الأربعاء 21 مارس 2018 - 11:12

    جميعنا يعلم ان داعش،صناعة جهاز المخابرات دول الخليج ،و بتمويل من طرفهم،وبتزكية من المريكان والصهاينة،انها اداة تخريب يسلطونها على الدول،لكي تبقى تحت التراب وتحت سيطرتهم،اللهم احفظ بلدنا من كل شر،واجعل كيدهم في نحرهم

  • ABARAN
    الأربعاء 21 مارس 2018 - 15:41

    هؤلاء حثالة البشر التي تؤمن بالإسلام الصهيوني المتحالف مع الوهابية القذرة لتمزيق الأوطان خدمةً مجانية للصهيونية المسيحية
    إفساد عقائد المسلمين وتحطيم أخلاقهم ونظمهم وإبعادهم عن صراط الله المستقيم
    اعتمد الصهاينة هذا الأسلوب بمساعدة حكومات العالم الإسلامي ونخبه الوظيفية
    إذ فتحت الأبواب للصهيونية العالمية وسهلت لها نشر سمومها عن طريق البرامج التعليمية في مدارس المسلمين وجامعاتهم، فقد تبنى الصهاينة أفكار شخصيات يهودية وغير يهودية تدعو لهدم العقيدة ومجابهة الاخلاق الفاضلة، وجعل حكامنا ونخبنا من هذه الشخصيات رموزا وقدوات لشعوبهم وجعلوا مراجعها الحجر الأساس للتعليم والثقافة في الجامعات، فقد تبنوا آراء “فرويد” الذي يفسر كل شيء في سلوك الإنسان بالاسترسال وراء الغريزة الجنسية، والانطلاق في نشوة الشهوات والملذات المحرمة، وتبنوا آراء “كارل ماركس” الذي أفسد على الكثير عقولهم بنظرياته الملغية للأديان، و”نيتشة” الذي ألغى الأخلاق وأباح للإنسان أن يفعل ما يريد مادامت أفعاله تؤدي لسعادته ولو كانت قتلا أو اغتصابا أو تخريبا وغيرهم من الفلاسفة الغربيين الكفرة.

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 19

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات