في مقال حول موضوع: “وحدات اجتماعية، مجموعة مصالح وتدبير جماعي لشؤون الجماعة: وادي إلمكَرت (الأطلس-الصغير الأوسط) نموذجا”(1)؛ وفي الفصل الرابع الخاص بـ”تدبير الماء وشبكة الري”؛ يورد الباحث الأنتروبولوجي أبو القاسم الخطير أفولاي أسطورة أخرى لاكتشاف العين الوحيدة الأساسية بالمنطقة والتي شكلت نواة لاستقرار الوحدات الاجتماعية المشكلة للمداشر الثلاثة بهذا الوادي. وقد قمنا بترجمتها إلى العربية من نصها الأصلي بالفرنسية.
وبعد أن بين كيف أن النشاط الذي يعكس بشكل أفضل التضامن والتعاون لدى سكان وادي إلمكَرت، والذي يحفز، على أكثر من مستوى، سكان المداشر الثلاثة، يتمثل في تدبير مياه عين السقي المنبعثة فيه (أي في واي إلمكَرت).
منذ البداية شكل الماء مصدرا مركزيا وسببا رئيسيا في تهيئة الوادي وجعله قابلا للاستيطان والاستقرار.
إن هذه الرواية، رواية اكتشاف العين، ينبغي التمييز بينها وبين تلك الرواية التي تسرد أصل القبيلة(2) المنتمية إليها المداشر الثلاثة. فهذه الرواية تتحدث عن أسطورة مفادها أن مجموعات ذات نسب مشترك، لم تتم الإشارة إلى عددها وإلى أسمائها، كانت تعيش حياة تجوال غير مستقر على سفوح الجبال القريبة من المجال الحالي لوادي إلمكَرت. وتحت ضغط المناخ والمجال، يقودون قطعانهم بحثا، في آن واحد، عن الكلأ والماء.
ولقد أدت التنقلات المتوالية والمتكررة إلى جعل الحياة صعبة، وغير قابلة للاستمرار بهذا النمط؛ بل أدى ذلك إلى خلخلة وظائف المجتمع، لكون الأسطورة – خلافا للتوزيع النوعي للعمل- تقدم لنا مشهد طفلة صغيرة تتكفل برعي قطيع عائلي أو جماعي.
كانت تقود، وفق بعض الروايات، برفقة كلبتها، قطيعها إلى أعالي الوادي. في وسط النهار وأثناء فترة استراحة القطيع من أجل الاجترار (rumination)، وبعد شرب القليل من الماء الذي يوجد في نقط تجمعات مائية نادرة، تجوب الكلبة قيعان الأودية الجافة وتعود في الوقت الذي يعود فيه القطيع إلى مكان التخييم الأولي أو مكان السكن. حين التحقت الكلبة بالقطيع أدركت الفتاة أن زغبها مبلل بالماء. وتكرر ذلك في اليوم الموالي.
استنتجت الطفلة الراعية، من ذلك، وجود مياه سطحية غير بعيدة من المراعي التي تردادها. وبذلك قررت أن تقتفي أثرها في اليوم الموالي. حين وصلت الكلبة بدأت تحفر بقوائمها وتبلل زغبها.
في المساء، أخبرت الطفلة الراعية أسرتها بالمستجد وبذلك تأسست سيرورة الاستقرار” 3).
المراجع:
من المنظور الانتروبولوجي او الاتنوغرافي يمكن اعتبار تاريخ عيون المياه بمثابة دراسة لتاريخ استقرار وتوطن الرحل في منطقة جغرافية معينة. فحبذا لو يتم تسليط الضوء على نقط المياه التي استقر حولها او قربها إنسان جبل إيغود( اليوسفية) او انسان لقبيبات( الرباط) او انسان سيدي عبد الرحمان او كاريان طوما( الدار البيضاء). فهل الابحاث الاركيولوجية لهذه المواقع كشفت ايضا عن عيون ماء قرب بقايا هذه التجمعات البشرية البدائية؟؟