تجريم الإثراء غير المشروع .. الحكومة تتبنى "الطريق المختصر"

تجريم الإثراء غير المشروع .. الحكومة تتبنى "الطريق المختصر"
الأحد 24 يونيو 2018 - 04:15

شرعت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب منذ 29 ماي الماضي في مناقشة مشروع قانون رقم 10.16 يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي الذي أحيل عليها في 27 يونيو 2016، بعد مخاض عسير عرفته ولادة هذا المشروع في المجلس الحكومي الذي انعقد يوم الخميس 9 يونيو 2016 بسبب تضمنه لفصل يجرم الإثراء غير المشروع لم تحض صيغتاه الأولى والثانية بإجماع مكونات الحكومة.

هذا الفصل تم تعديله مرتين دون باقي مواد مشروع القانون، وواكبت ذلك تصريحات حادة لوزير العدل آنذاك المصطفى الرميد الذي وصل به الأمر إلى أن هدد بتقديم استقالته في حال تم استبعاد هذا الفصل من مشروع القانون المذكور، وعاد مؤخرا ليضيف بصفته وزيرا لحقوق الإنسان أن هذا التجريم هو السبب في البلوكاج التشريعي الذي عرفه مشروع تعديل القانون الجنائي.

تعرف جريمة الإثراء غير المشروع لدى بعض بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط بجريمة الكسب غير المشروع، ويرجع بروز هذا التجريم على المستوى التشريعي إلى حقبة الخمسينيات من القرن الماضي حيث نص عليه التشريع اللبناني سنة 1953 وعرفته الجمهورية العربية المتحدة إلى جانب العراق سنة 1958 التي لحقت بها مجموعة من الدول عبر العالم ابتداء من الستينيات من القرن الماضي.

وعلى مستوى الاتفاقيات الدولية، فقد تم لأول مرة النص على هذه الجريمة في اتفاقية البلدان الأمريكية لمكافحة الفساد الصادرة سنة 1996، ثم في البرتوكول حول مكافحة الفساد الذي تبنته المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا سنة 2001، واتفاقية الاتحاد الإفريقي للوقاية ومكافحة الفساد الصادرة سنة 2003، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الصادرة في السنة ذاتها، التي لم تدخل حيز النفاذ إلى غاية 2005، ثم الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد الصادرة سنة 2010.

إن تضمين تجريم الإثراء غير المشروع في مشروع القانون رقم 10.16 المعروض على البرلمان المغربي يجسد محاولة من الحكومة لتنفيذ الالتزامات الدولية للمغرب في مجال مكافحة الفساد، وهي الجريمة التي لا يعتبر النص عليها إلزاميا بمقتضى المادة 20 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد لسنة 2003 التي عرّفتها بأنها زيـادة في موجودات الموظف العمومي زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا إلى دخله المشروع، غير أن هذه الصيغة لم تحض برضا كافة الدول الأطراف في هذه الاتفاقية.

وفي هذا الصدد، أكدت دراسة أممية تحت عنوان “حالة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد” على أن العديد من هذه البلدان قد نظرت في إمكانية اعتماد هذا النص التجريمي وبذلت جهودا حقيقية في سبيل تقييم مدى توافق استحداثها مع نظمها القانونية الوطنية، لكنها خلصت إلى أن ذلك لن يكون ملائما أو ساورتها شكوك شديدة حول ما يستتبعه ذلك من خرق على ما يبدو لمبادئ العدالة الأساسية وللقيود الدستورية وبشكل أساسي انتهاك قرينة البراءة.

وقد شهدت اللجنة المعنية داخل مجلس النواب، في إطار مناقشتها لتعديل القانون الجنائي، تجاذبا حادا في ما بين مؤيد ومعارض للصيغة المقترحة لتجريم الإثراء غير المشروع، في ظل غياب أي نقاش أكاديمي وسياسي سابق أو مواكب حول الموضوع بالنظر لما له من أهمية وراهنية، خاصة ما يتعلق باستحضار الالتزامات الدولية للمغرب التي يلزم تنفيذها نظرا لسموها على القوانين الوطنية وفق مقتضيات الدستور إلى جانب استحضار التشريعات المقارنة بهدف الاستفادة من إيجابياتها وسلبياتها، خاصة ما يتعلق بالإشكالات التي يطرحها التطبيق.

تطبيق القانون من حيث الأشخاص

تختلف التشريعات المقارنة والاتفاقيات الإقليمية والدولية لمكافحة الفساد في تحديد الفئات الخاضعة للنص التجريمي للإثراء غير المشروع (الركن المفترض)، فمنها من حصرها في الموظف العمومي بمفهومه الجنائي كما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية البلدان الأمريكية لمكافحة الفساد والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد (2010) والاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد (2003)، فيما أخضعت اتفاقية الاتحاد الإفريقي للوقاية ومكافحة الفساد (2003) لهذا التجريم جميع الأشخاص، سواء كانوا موظفين أم لا.

وكذلك هو الشأن بالنسبة للتشريعات المقارنة فمنها ما حصر الأمر في الموظف العمومي من قبيل التشريع الجزائري والمصري والصيني، فيما البعض الآخر أخضع لذلك جميع الأشخاص ولو لم يكونوا موظفين من قبيل القانون الكولومبي والنيجيري، وكذا القانون العراقي في إحدى الحالات.

أما في ما يتعلق بالمغرب، فقد نصت المادة 8-256 من مشروع القانون رقم 10.06 على اقتصار التجريم على فئة من الموظفين العموميين فقط، وهي الفئة الملزمة بالتصريح الإجباري بالممتلكات التي يناهز مجموعها 100 ألف شخص، الذين أوصى المجلس الأعلى للحسابات في تقريره حول أنشطته برسم سنة 2014 بتقليص عددهم إلى 6 آلاف (6% من عدد الملزمين حاليا) على أن يتم الاقتصار على كبار المسؤولين السياسيين والعموميين لوحدهم كأعضاء الحكومة، أعضاء البرلمان، القضاة، الموظفون والأعوان المعينون في المناصب العليا، الرؤساء المنتخبون للجماعات الترابية الكبيرة والمتوسطة ومسؤولو المؤسسات والشركات العمومية الوازنة اقتصاديا. فيما تضمنت صيغة المسودتين الأولى والثانية لمشروع القانون رقم 10.16 إخضاع جميع الموظفين العموميين انسجاما مع الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، سواء كانوا ملزمين بالتصريح الإجباري بالممتلكات أم لا.

وللإشارة، فإن القانون الجنائي المغربي يجرم إحدى صور جريمة الإثراء غير المشروع التي لا تستلزم قيام صفة موظف عمومي لدى الشخص المشتبه به أو المتهم، ولا تتعلق بالمال العام، ويتعلق الأمر بالمادة 498 في الفقرة 7 التي تعاقب كل شخص “عجز عن تبرير مصادر مالية ملائمة لمستوى معيشته في الوقت الذي يعيش فيه مع شخص اعتاد على تعاطي البغاء أو الدعارة أو له علاقات مشبوهة مع شخص أو عدة أشخاص يتعاطون البغاء أو الدعارة “، وهو النص الذي يتعارض بشكل واضح مع قرينة البراءة.

السلوك الإجرامي في جريمة الإثراء غير المشروع

يتمثل السلوك الإجرامي في الإثراء غير المشروع وفق مشروع القانون رقم 10.16 في حيازة الموظف العمومي الملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات لزيادة مهمة في موجوداته غير مبررة بالنسبة لمداخيله المشروعة، إضافة إلى حالة وجود تلك الزيادة في الذمة المالية لأولاده القاصرين؛ ما يعني أن سلطة الاتهام يلزمها أن تثبت وجود تلك الزيادة الموصوفة بالمهمة قبل توجيه أي اتهام، أي إنها يجب أن تحوز معلومات عن المداخيل المشروعة للموظف العمومي ثم بعد ذلك عليها أن تثبت وجود زيادة مهمة في الذمة المالية غير مبررة بالنظر لتلك المداخيل، ثم كخطوة أخيرة فإنها تطالب الموظف العمومي المعني بتقديم تبرير بشأن تلك الزيادة وإلا اعتبر مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع.

وهذه الصيغة جاءت لتلافي العجز الحاصل من أجل متابعة الموظف العمومي جراء حيازته لأموال ذات قيمة مهمة غير متناسبة مع مداخيله المشروعة يفترض أنها متأتية من جريمة أو مخالفة للأنظمة تكون غير معلومة، من قبيل الارتشاء أو خيانة الأمانة أو الاختلاس أو ممارسة التجارة وغيرها.

ففي غير هذه الحالة، فإنه لا يمكن متابعة أي موظف عمومي راكم ثروة هائلة لمجرد أن راتبه المتواضع جدا الذي يعتبر دخله الوحيد لا يسمح له بذلك مطلقا؛ وذلك لعدم وجود نص يجرم حيازة هذه الثروة ولو كانت غير مبررة احتراما لمبدأ شرعية الجريمة والعقاب الذي ينص عليه الدستور والقانون الجنائي، والذي مفاده أنه لا جريمة ولا عقابا إلا بنص قانوني صريح.

غير أن الصيغة المغربية كما هو الحال بالنسبة للصيغة الأممية تطرح مجموعة من الملاحظات لعل أهمها أنها لم تتطرق للإثراء السلبي، الذي يتمثل في نقصان الجانب المدين في الذمة المالية للموظف العمومي المعني نقصانا مهما غير مبرر بالنسبة لمداخيله المشروعة، حيث يمكن أن يعمد الموظف العمومي بدل أن يتلقى الأموال مباشرة إلى تحويلها من لدن الطرف الآخر الذي يمكن أن يكون الراشي إلى دائن الموظف العمومي مباشرة مقابل حصوله على إبراء منه، وهي الحالة التي ينص عليها قانون كل من الكويت والبارغواي والأرجنتين، على سبيل المثال.

كذلك الشأن بالنسبة للحالة التي يقوم فيها الموظف العمومي بإثراء الذمة المالية لشخص آخر إلى أن يغادر الوظيفة ليتم نقلها إلى ذمته المالية، حينها ستكون تلك الزيادة المهمة في الموجودات لا تتعلق بالذمة المالية لموظف عمومي لانتفاء الصفة، ومن ثم انعدام الركن المفترض وكنتيجة انعدام الجريمة؛ لذا فإن بعض الدول عمدت إلى إطالة النطاق الزمني للجريمة إلى ما بعد مغادرة الشخص للوظيفة العمومية، من قبيل الأرجنتين وكولومبيا وباناما، والتي وصلت إلى غاية خمس سنوات.

كما يطرح مشكل حين يقوم الموظف العمومي بإثراء الذمة المالية لزوجه أو أبنائه الراشدين، فبخصوص الزوج فإنه يكون بدوره خاضعا للتصريح الإجباري بالممتلكات عند الاقتضاء، وحتى لو ثبتت حيازته لأموال ذات قيمة مهمة وغير مبررة، فإن ذلك لا يفيد شيئا في اتهام الموظف العمومي بالإثراء غير المشروع لغياب الركن المادي للجريمة؛ وهو ما يشكل ثغرة في هذا المشروع. وحتى لو نص القانون على هذه الحالة، فإنه ليس من العدل متابعة الموظف العمومي لكون الذمة المالية للزوج تعرف زيادة مهمة غير مبررة إعمالا لمبدأ شخصية العقوبة، وهو ذاته ما يمكن أن يكون عليه الأمر بالنسبة للأبناء الراشدين.

الأموال محل جريمة الإثراء غير المشروع

وفق مشروع القانون رقم 10.16، فإن الأموال محل الإثراء غير المشروع هي ذاتها الأموال الخاضعة للتصريح الإجباري بالممتلكات، وهذه الأخيرة تتكون من العقارات والمنقولات التي تدخل في الذمة المالية للموظف العمومي الملزم بتقديم التصريح التي امتلكها أثناء فترة تعيينه أو انتخابه في المنصب المشمول بقانون التصريح الإجباري بالممتلكات، إلى جانب المداخيل المستلمة بأي صفة من الصفات خلال السنة السابقة للتعيين أو الانتخاب، وكذا التصريح بمجموع النشاطات المهنية والمهام الانتخابية عن فترة التعيين أو الانتداب.

ويتضمن التصريح بهذه المداخيل وصفا لها، وتحديد تاريخ تسلمها، ثم تحديد قيمتها، وفق ما هو مسطر في المرسوم الوزاري رقم 2.09.207 الصادر بتاريخ 8 دجنبر 2009 المتعلق بتحديد نموذج التصريح الإجباري بالممتلكات ووصل التسلم وبالحد الأدنى لقيمة الأموال المنقولة الواجب التصريح بها.

فبالنسبة للعقارات، فإن الملزم يجب عليه التصريح بطبيعتها وأصلها، وتاريخ تملكها، ومحتواها، وموقعها، وقيمتها الشرائية أو المصرح بها في حالة الإرث، وحصته في ملكيتها، ثم أخيرا المرجع العقاري، والأمر نفسه بالنسبة للأبناء القاصرين، وكذلك بالنسبة للزوج عند الاقتضاء.

كما يلزمه التصريح بخصوم ذمته المالية؛ وذلك بتحديد الهيئة المقرضة أو اسم وعنوان مانح الدين، طبيعة الدين وتاريخه وموضوعه، المبلغ الإجمالي للقرض، وأخيرا مبلغ القسط الشهري، ويشمل كذلك الممتلكات المشتركة مع الأغيار أو التي يسيرها الملزم لحسابهم، ويلزم وصفها وتحديد تاريخ تملكها أو تعيينه كمدبر لها، ثم تحديد قيمتها.

وبالنسبة للمنقولات الأخرى، كما تم تحديدها بمقتضى المرسوم الوزاري المذكور، فيجب وصفها وتحديد تاريخ تملكها وكذا قيمتها الشرائية أو المصرح بها في حالة الإرث، والأمر نفسه بالنسبة للأبناء القاصرين، التي تتكون من الأنواع العشرة التالية: الأصول التجارية، الودائع في حسابات بنكية، السندات والمساهمات في الشركات والقيم المنقولة الأخرى، الأموال المنقولة المتحصل عليها عن طريق الإرث، العربات ذات محرك، الاقتراضات، التحف الفنية والأثرية، الحلي والمجوهرات، والتي حدد القرار الوزيري رقم 3.87.09 الصادر بتاريخ 11 فبراير 2010 الحد الأدنى لقيمة كل صنف منها ليلزم التصريح بها في ثلاثمائة ألف درهم (300.000 درهم).

وبالتالي، فإن الشخص الملزم بالتصريح الذي يتوفر على الفئات العشر من الأموال المنقولة لا يلزمه التصريح بتلك التي لا تصل قيمتها بالتحديد إلى ثلاثمائة ألف درهم (300.000 درهم)، وبالتالي هناك إمكانية لكي يكون في ذمته المالية ما يقارب 3 ملايين درهم موزعة على الأصناف العشر دون أن يكون ملزما بالتصريح بها، ومن ثم لا يمكن أخذها بعين الاعتبار للتقصي بشأن جريمة الإثراء غير المشروع.

تحريك الدعوى العمومية

ينص الفصل 147 من الدستور على أنه تُناط بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وحسب المادة 156 مكررة من مدونة المحاكم المالية، فإنه في حال تبين عدم اتساق جلي وغير معلل بين تطور ممتلكات الموظف العمومي الخاضع للتصريح الاجباري بالممتلكات ومداخيله وبين نشاطاته المصرح بها، يتم إجراء تقص بشأن الأغلاط أو الاغفالات المحتملة حيث يتم الاطلاع على الوثائق والمستندات الإثباتية التي يمكن أن توفر معلومات حول التصريح كما يمكن القيام بالاستماع إلى الشهود دون أن يكون لهم الحق في الاحتجاج بالسر المهني، بما في ذلك الحصول على المعلومات التي في حوزة مديرية الضرائب والبنوك ومؤسسات الائتمان والمحافظة على الأملاك العقارية.

وفي الحالة التي يتبين فيها بعد سلوك تلك الإجراءات وجود قرائن جسيمة ومتوافقة حول ارتكاب الموظف العمومي المصرح لجريمة الإثراء غير المشروع، تتم إحالة الملف على الجهة القضائية المختصة.

ومن جهة أخرى، وفي إطار الولاية العامة للنيابة العامة، فإنه يخول لها بمجرد تلقيها مجرد وشاية بشأن ارتكاب موظف عمومي لجريمة الإثراء غير المشروع أن تقوم بالأبحاث اللازمة، حيث تكون ملزمة لتوجيه الاتهام بالحصول على معلومات بشأن مداخيله المشروعة مع إثباتها وجود زيادة مهمة في موجوداته غير مبررة بالنسبة لتلك المداخيل، ثم كمرحلة أخيرة تقوم بمطالبة المشتبه به بتقديم تبرير بشأن تلك الزيادة وإلا تمت متابعته بتهمة الإثراء غير المشروع، حيث يمكن للنيابة العامة الحصول على كافة المعلومات اللازمة لها التي يتوفر عليها المجلس الأعلى للحسابات وفق ما تنص عليه النصوص القانونية المنظمة للتصريح الإجباري بالممتلكات.

وفي تونس، نص مشروع القانون رقم 89/2017 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، كما صادقت عليه لجنة التشريع العام بمجلس الشعب في شهر ماي الماضي، من خلال الفصل 40، على أنه “تتعهد النيابة العامة بالنظر في دعوى الإثراء غير المشروع، بناء على إحالة من الهيئة أو بكل وسيلة من وسائل إثارة الدعوى العمومية المنصوص عليها بمجلة الإجراءات الجزائية”.

غير أن عمل النيابة العامة أو المجلس الأعلى للحسابات لن يكون ذا فعالية كما هو منتظر لمكافحة هذه الجريمة إذا لم يتم تمكينهما من الحصول على مساعدة المواطنين الذين يلزم منحهم الحق في الاطلاع إلكترونيا على التصريح بالممتلكات، من قبيل ما يجري في فرنسا.

مدى تعارض التجريم مع قرينة البراءة

لقد سجلت العديد من الدول “المتقدمة” تحفظها على المادة 20 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد باعتبارها تمس بحق من حقوق الإنسان، وهو افتراض البراءة، أو ما يسمى كذلك بقرينة البراءة، الذي يكون له أثران أولهما أن عبء الإثبات ملقى على عاتق سلطة الاتهام، وثانيهما أن الشك يفسر لفائدة المشتبه به أو المتهم. ومن قبيل هذه البلدان، نجد السويد واسبانيا والمملكة المتحدة وكندا، التي تعتبر أن مطالبة الموظف العمومي بتبرير الزيادة المهمة في موجوداته التي لا تتوافق مع مداخيله المشروعة يعتبر قلبا لعبء الإثبات، أي إن المشتبه به أو المتهم يكون ملزما بإثبات أنه بريء بدل أن تقدم سلطة الاتهام الحجج لأجل إدانته.

غير أنه كان لخبراء هيئة الأمم المتحدة رأي آخر أوردته الدراسة الأممية المعنونة بـ “حالة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد” تعقيبا على موقف البلدان الرافضة لتجريم الإثراء غير المشروع، وفق المادة المذكورة، الذين أكدوا على أنه من باب أولى أن يوصف هذا العكس المتصور لعبء الإثبات في قضية جنائية بالقرينة غير القاطعة، بدل اعتباره انتهاكا لقرينة البراءة.

ففي بعض الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون ينقلب مبدأ افتراض البراءة إلى مبدأ افتراض الإدانة، أي إن عبء الإثبات حينئذ ينتقل من النيابة العامة إلى المشتبه به أو المتهم، حسب الحالة، وقد أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في هذا الشأن على أن القرائن الواقعية والقانونية في القوانين الزجرية لا تنتهك بالضرورة قرينة البراءة إذا ما تم حصرها في حدود معقولة تراعي جسامة الجريمة والمحافظة على حقوق الدفاع (قضية سلابياكو ضد فرنسا)، كما نصت المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا على أن القرائن الواقعية أو القانونية لا تكون مقبولة إلا إذا كانت قابلة للدحض، مما يسمح للمتهم بإثبات براءته.

هذه الشروط نجدها متحققة في تجريم الإثراء غير المشروع، فافتراض الإدانة قابل للدحض بما أن المشتبه به أو المتهم عليه أن يثبت أن تلك الزيادة مبررة استنادا إلى مداخيله المشروعة، كما أنها لا تمس حقوق الدفاع على اعتبار أن للمشتبه به أو المتهم أن يلجأ إلى كل وسائل الدفاع المتاحة قانونا لدحض التهمة الموجهة له، كما أنها محصورة في حدود معقولة؛ إذ إنها تقتصر على واقعة وحيدة تتمثل في الحيازة موضوع الجريمة بحيث لا يقتضي الأمر سوى تبريرها فيما يجب على سلطة الاتهام أن تثبت وقوع زيادة مهمة في موجودات الموظف العمومي بدون تبرير، كما أنها لا تتعلق بجريمة خطيرة تفرض استبعادها من أن تكون موضوع قرائن قانونية غير قاطعة من هذا القبيل.

على سبيل الختم

إن دعوة الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد الدول الأطراف إلى النظر في تجريم الإثراء غير المشروع من خلال المادة 20 لا تعني بالضرورة أن يتم الاقتصار في التشريعات الداخلية على تبني صيغة المادة ذاتها وإن بتعديلات طفيفة، وهو الطريق المختصر الذي تبنته الحكومة المغربية من خلال مشروعها، إنما هذا المقتضى يدعو البلدان إلى وضع صيغة لتجريم الإثراء غير المشروع تمتاز بالفعالية وتكون محترمة لمبادئ حقوق الإنسان والقوانين الداخلية والدستور دون أن تقوم هذه الدعوة بالغوص في تفاصيل التجريم الذي ترك أمره للتشريع.

وفي هذا الإطار، نجد مجموعة من التشريعات المقارنة التي صدرت قبل الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد بعشرات السنين قد خصصت لمكافحة الإثراء غير المشروع قوانين خاصة، من قبيل القانون العراقي واللبناني والمصري، تضمنت كذلك تنظيم التصريح الإجباري بالممتلكات بدل تشتيت وسائل الكشف عن هذه الجريمة على مجموعة من النصوص القانونية كما هو الحال بالنسبة للمغرب.

‫تعليقات الزوار

19
  • الشرقي
    الأحد 24 يونيو 2018 - 05:26

    المعادلة بسيطة جدا: بعد المصادقة على هذا القانون يقومون بتجربته على أعضاء مجلس النواب بشقيه والمجالس المحلية وكذا الموظفين العمومين من الوزير إلى الخفير .(وهذا أمر مستبعد) وبعد هذه التجربة ستتبدل أحوال المغرب 180درجة إلى الأحسن. فانتظروا إنا منتظرون

  • محمد
    الأحد 24 يونيو 2018 - 05:31

    ينبغي إدخال أصحاب المهن الحرة كذلك خصوصا تلك المتعلقة بالقطاع العام

  • Abou majd
    الأحد 24 يونيو 2018 - 05:35

    هذا من باب الهروب الى الامام واضاعة حقوق الناس فعصرنا الحالي يحفل بوسائل المراقبة الانية الآلية االحظبة لافعال الافراد اما ان نترك الحبل على الغارب وننتظر حتى تتحرك جهة ما في وجه المعني بالامر وربما لا تتحرك نهائيا فالامر لا يستقيم بتاتا لانه يكون قد ضاعت فرص وحقوق على المتضررين من جراء الأفعال قد يستحيل او على الاقل يصعب استردادها او تعويضها وبالتالي تنعدم الجدوى الاقتصادية والاجتماعية من وراء القانون ما عدا اعطاء المثل لمن يحاول اعادة الفعل اذن احداث اليات المراقبة الفعلية الصارمة وإحداث راي عام فاعل ونحمي قانونا هو السبيل لمحاربة الفساد والاستبداد وعدم إضاعة الفرص وهنا اتذكر الاغنية المغربية التي تجسد فكرتي يا اللي تأ فات الفوت عاد سولني كيف بقيت شكرا على التنوير والاخبار

  • زكرياء
    الأحد 24 يونيو 2018 - 05:50

    شكرا هسبريس على الموضوع الرائع متمنيا المزيد من هذه المواضيع التي تضع أداء الحكومة تحت المجهر.
    و ما ذكر في التقرير يؤكد رأيي في أن النخب المغربية ليست على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقها بالنظر إلى عجزها عن الخروج بصيغة شاملة تتماشى و قوانين بلدنا و خصوصياته بشأن الإثراء غير المشروع.
    و شكرا.

  • مول الكاميرا
    الأحد 24 يونيو 2018 - 06:06

    القانون لن يصادق عليه.وإن صودق عليه فلن يطبق.لأنه في حالة تطبيقه فإنه 90% ممن هم في الحكومة و الإدارات العمومية كلهم متورطون في عمليات النصب و الفساد و ٱختلاس المال العام. المغرب بقرة حلوب و من غير المعقول أن تفطم هؤلاء الناس عن مصدر ثرائهم.شنيولة را عايشة غير بمصان الدم ديال عباد الله.

  • الله يسهل
    الأحد 24 يونيو 2018 - 07:46

    لا أثق في كل هذا . المهم هو الاقتناع بأن الله يدبر الأمور كي لا يذهب عقلنا. شخصيا عندما ارى اني لا أستطيع فعل أي شيء . ألجأ إلى خالقي بعد أن استغفره . لأن ذنوبي سبب بلاءي .

  • لحسن الكبير
    الأحد 24 يونيو 2018 - 08:35

    خلاصة القول هو العمل على استرجاع كل ما تم نهبه منذ اكثر من ستة عقود

  • ABDERAHMAN
    الأحد 24 يونيو 2018 - 09:03

    المفسدون في هذا البلد العظبم والشعب الكربم وما أكثرهم حتى إصبحوا هم القاعدة والإستثناء أن تجد رجالا نزهاء لاهدف لهم إلا خدمة هذا الشعب مرابطون في مواجهة التيار السائد من الموظفين وغير الموظفين حتى صج محاولة وضع هؤولاء الآخرين ضمن كتاب الحمقى والمغفلين وهم مع ذالك صامدون يرجون لقاء الله ويدهم بيضاء غير ملطخة بعرق ودم جميع المواطنين . وأعتقد انه يجب أن تطبق على الجميع موظفين وغير موظفين في بلاد لا بفرف البعض بين تجارة الموز و الحشيش والقرقوبي اللعين…..

  • أكاديري من المانيا
    الأحد 24 يونيو 2018 - 09:39

    إبدؤوا بأنفسكم وكل من يجلس في البرلمان والقضاة والشرطة والدرك وكل موظفي الإدارات العمومية والحكومية والعملات والبلديات والأطباء والممرضين
    لأن الراتب الشهري في هذه الإدارات لا يمكن أن تكون عندك فيلا وسيارة Ranger Rover ومرسديس آخر موديل وتبعث أولادك إلى اوربا للدراسة وتحقق هذا في أقل من عشر سنوات من الخدمة. ..

  • مدحت
    الأحد 24 يونيو 2018 - 09:55

    يمكن للموضف أن يفرق الأموال والمكاسب المحصل عليها في فترث عمله على زوجته وأبنائه وإخوانه وعائلته ويبرئ دمته كما يحصل مع معضم موظفين في المغرب الحبيب والمثل مثال تنامي وانصر اليه يوميا دريك بسيط تمكن من جمع ثروت طائلة ووزنها على زوجته وأخوانه وعائلته ويضهر هو في سيارة قديمة لا تساوي ثبات ملايين سنتيم كل الموظفين الفاسدين يلجؤون إلى هاده الوسائل والدولة والقوانين لا تتحرك يتحركون عندما تطالب بمحاسبتهم

  • Hakim
    الأحد 24 يونيو 2018 - 10:31

    هذا القانون لن يطبق لأن المجرمون الحقيقيون هم البنك الدولي ومجموعته من البنوك المركزية في هذا الإثراء الغير الشرعي، لان النظام المالي هو في حد داته مشروع إجرامي 100% ،وإن طبق هذا القانون سوف تسجن الكثير من البرلامانات حتى الامم المتحدة سوف تسجن ،ولهذا القرار لن ينفد والذين يتكلمون هكذا فإنهم لايعرفون السر الحقيقي للنظام المالي فهناك اسرار في هذا العالم لاتدرس في المدارس والجامعات وتبقى سرا ،لهذا فالذين يصلون الى المسؤولية في هذا العالم لهم دراية بهذه الأسرار ويقبلون بها ويزكونها، فالديمقراطية هي عبارة عن مسرحية عالمية.

  • من أين لك هذا؟
    الأحد 24 يونيو 2018 - 10:37

    مسطرة من أين لك هذا تكفي للبث في الموضوع عموديا وافقيا في الزمان والمكان وبالوسا ءل العلمية والتقنيىة وهي متوفرة ومتعددة أن كنتم تريدون العودة إلى التوازن للانطلاق إلى مجتمع الثروة المشروعة والتوزيع العادل والدخول إلى حضارة جديدة تقطع مع ماض لا يزال قائما وتزداد بشاعته انتشارا وامتدادا مع الفوضى والجشع.

  • meme
    الأحد 24 يونيو 2018 - 10:40

    بمن سيبداون يا ترئ ؟؟؟ باصحاب البلايبن او المليارات ؟ ثم التي توجد في سويسرا او في الداخل ؟؟؟

  • elhass
    الأحد 24 يونيو 2018 - 11:57

    كل من عارض تجريم الاثراء بلا سبب فهو برلماني فاسد .

  • صوت الحق
    الأحد 24 يونيو 2018 - 13:03

    يقول المثل الفرنسي faut pas chercher midi a quatorze heures كأنكم ما عرفتوش لي إغتنى الغنى الغير المشروع ؟ البداية كانت منذ فجر الإستقلال. كل هذه العائلات "المحظوظة" التى نزلت عليها مائدة من السماء، بمساعدة ذويهم الذين إستغلوا مرورهم من مراكز القرار، إستولت وإلى اليوم على خيرات وثروات البلاد،فأصبحوا "قارونات" المغرب بثراء فاحش.. هؤلاء، ولحسن حظهم، صدر فيهم عفو آيات الله بن كيران، بقراره المشهور والتاريخي : عفا الله عما سلف ؟؟؟؟ وكعادتنا، إذا كانت النوايا صادقة، ونريد حقيقة إسترجاع أموال الشعب ومعاقبة المختلسين، فالبداية من كل من تحمل مسؤولية إتخاذ القرار والتصرف في أموال الدولة، والبقية تأتي.

  • محمد بلحسن
    الأحد 24 يونيو 2018 - 13:10

    أعجبتني العبارة:
    "ليس المهم أن يفلت شخصا ما من العدالة، ولكن الأهم أن لا يظلم أحد.".
    قالها المحامي الأستاذ عبد اللطيف وهبي و نشرتها جريدة هسبريس في 06 يونيو 2018 وردت بمقال صحفي يحمل عنوان:
    الإثراء الغير المشروع .. حق أريد به باطل.
    شكرا لكاتبي المقالين (يوم 06 و 24 يونيو 2018) فاعلين الأول سياسي و الثاني جمعوي.
    شكرا هسبريس.

  • شوف تشوف
    الأحد 24 يونيو 2018 - 14:16

    حتى وإن صارت قوانينكم الدنيوية كلها موثقة ببنود إلاهية وإنتهجت قانون ملك الملك سليمان اللذي سخر الله له الدنيا والطير والريح والإنس والجن والحيوان ليفهم لغته ويعلم ما يريد فمن يحكموننا لا يفهمون لغتنا ولا يسمعوننا ويسخرون آلتهم المنصبية لكل شيئ ونا يخدمون إلا أنفسهم فالقانون سيبقى حبر على ورق والفساد لا يحاكم به المفسدين ومن يجول في ركبهم وإذا خرج هذا القانون للوجود وحيز التنفيد فأول من يجيب أن يحاكم به من عاثوا في البلاد فسادا وأغلبهم القيادات الحزبية المعطلة للآلة الديموقراطية وبعدهم ملوك الناقابات وكبار الپاطرونا وإغتنائهم الفاحش حتى يمكن أن نقول نحن فعلا في دولة الحق والقانون وما تتقنه هاته الزمرة الحاكمة هو التهليل والتطبيل أما التطبيق والتنفيذ يبقى ظرب من الخيال فالفساد ينخر الأسس والهياكل القاعدية للدولة .

  • تطبيق القانون
    الأحد 24 يونيو 2018 - 14:36

    تطبيق القانون هو المشكل الدي نعاني منه في بلدنا اما مشاريع القوانين فهدا ما الفنا سماعه مند ولدنا

  • بنمري
    الإثنين 25 يونيو 2018 - 05:05

    حتى وان اعتمد هذا القانون‬‎ سيظل حبرا على ورق اذا لم تتوفر الارادة السياسية للقطع مع الفساد

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة