أدمينو: اللاتركيز يوسّع صلاحيات الولاة ويعيد إنتاج مركزية جديدة

أدمينو: اللاتركيز يوسّع صلاحيات الولاة ويعيد إنتاج مركزية جديدة
الأربعاء 14 نونبر 2018 - 12:00

يطلق فريق البحث حول الأداء السياسي والدستوري بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بجامعة محمد الخامس، بدعم من المجلة المغربية للسياسات العمومية، وبشراكة مع جريدة هسبريس الإلكترونية، سلسلة إصدارات عبارة عن أوراق سياسات، يتوقف خلالها مجموعة من الأساتذة والباحثين في تحليل موجز لقضية تشغل الرأي العام.

الورقة الثانية: اللاتركيز الإداري بين الإصلاح وإعادة إنتاج مركزية من نوع جديد

التزاما مع الاختيارات المعبر عنها من خلال الدستور التي تمحورت على تدعيم خيار اللاتمركز الإداري قصد مواكبة الدينامية الجديدة التي تعرفها اللامركزية الترابية، فإن إعادة النظر في بعض محددات هذا اللاتمركز وكذا تنظيم المصالح اللاممركزة للقطاعات الوزارية تبدو ضرورية للتنزيل الكامل والفعال لورش الجهوية المتقدمة في بلادنا.

لقد عرفت سياسة اللاتمركز تحولات مهمة تناسبت مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والديمغرافية التي ميزت بلادنا منذ الاستقلال. وشكل التقسيم الإداري في مرحلة ما بعد الاستقلال وسيلة مهمة لترسيخ وحدة الدولة وانسجام مكوناتها. إذ تم إحداث العديد من الوحدات الإدارية اللاممركزة من خلال التقسيم الإداري الذي تم القيام به في دجنبر 1959، والذي تلته عدة مراجعات حاولت دائما التكيف مع التحولات التي عرفها المجتمع المغربي وحاجة السكان إلى الخدمات الحيوية والضرورية. ويبقى أهمها التقطيع الإداري الذي تم اعتماده سنة 2003 الذي رفع عدد الولايات من 12 إلى 17 ولاية لكي يتناسب التقسيم الإداري مع التقسيم الجهوي الذي عرفه المغرب سنة 1997 والذي قسم المغرب إلى 16 جهة.

أما على صعيد البنيات الإدارية التابعة للوزارات أو ما يعرف بالمصالح الخارجية للوزارات، فقد أكدت معظم المناظرات الوطنية حول الجماعات المحلية في توصياتها على ضرورة اعتماد منظور للاتركيز وربطه بمسار اللامركزية وشكلت العمالات والاقاليم مجالا لعدم التركيز عبر استقطاب الإدارات الحكومية سواء كانت تتصل بالمجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو العمراني أو السياسي، وإن كانت بعض الوزارات لا تتوفر على تمثيليات مجالية.

وحدد هذا التوجه مرسوم 20 أكتوبر 1993، الذي أناط بهذه المصالح الخارجية مهام تنفيذ السياسة الحكومية وجميع القرارات والتوجهات الصادرة عن السلطات المركزية المختصة. كما نص على إحداث لجنة دائمة اللاتركيز الاداري تتولى:

ـ إعداد جرد لجميع أعمال الإدارة التي يمكن تفويض الإمضاء فيها؛

ـ التوفيق بين عمليات نقل الاختصاصات إلى المصالح الخارجية ونقل الوسائل اللازمة لتنفيذها؛

ـ التوفيق بين الشروط المتعلقة بمستوى التأهيل والدرجة المطلوبين لتعيين رؤساء المصالح الخارجية.

وأنيطت باللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم مهمة دراسة جميع التدابير المتعلقة باللاتركيز الإداري، ولا سيما منها إحداث المصالح الخارجية اللازمة لتلبية حاجات المنضمين لدى العمالة أو الإقليم أو الجماعة واقتراحها على اللجنة الدائمة.

إن هذه المقتضيات المؤسسة لبنيات اللاتركيز الإداري سيتضح بعض مظاهر محدوديتها، خاصة مع تعزيز خيار الجهوية سنة 1997، وهو ما سيؤدي إلى اعتماد مرسوم جديد يتعلق بتحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واللاتركيز الإداري في دجنبر2005، الذي حدد الهياكل المكونة للوزارات على المستوى المحلي، في مديريات جهوية ومديريات إقليمية ومصالح/ والذي تتكلف بتنفيذ المقررات والتوجيهات الصادرة عن السلطات المركزية، مع مراعاة الاختصاصات الموكولة للعامل.

ولضمان حسن سير المصالح اللاممركزة، يتعين على رؤساء القطاعات الوزارية تفويض الإمضاء ومسؤولية اتخاذ القرارات الإدارية الفردية إلى رؤساء المصالح اللاممركزة على صعيد الجهة والعمالات والأقاليم باستثناء تلك التي لا يمكن تفويضها.

ولتجسيد هذا المبتغى، ألزم المرسوم رؤساء القطاعات الوزارية ببعث تصاميم مديرية اللاتركيز الإداري إلى لجنة الهياكل الإدارية واللاتمركز الإداري تتضمن:

ـ الاختصاصات المزمع نقلها إلى المصالح اللاممركزة برسم السنة التي تم فيها إعداد التصميم والتي سيتم نقلها لفائدتها خلال السنوات الموالية؛

ـ عدد الموظفين المزمع إعادة انتشارهم لفائدة المصالح اللاممركزة؛

ـ الوسائل المادية المخولة للمصالح اللاممركزة وتلك المزمع وضعها رهن إشارتها؛

ـ القرارات الإدارية الفردية المزمع الاحتفاظ بها من طرف الإدارات المركزية، وأيضا الإمكانات المتوفرة لدى القطاع المعين والإجراءات الضرورية والمدى الزمني لإنجاز هذا التصميم.

لقد شكل المرسوم تحولا مهما في رؤية الحكومة لسياسة اللاتركيز الإداري التي يجب أن تنضوي في شكل مخططات مديرية؛ غير أن الانتقال إلى دينامية ترابية جديدة، كما كرسها الفصل الأول من الدستور من خلال نصه على “أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة”، جعل الإطار القانوني للاتمركز الإداري لا يواكب الرغبة في دعم اختصاصات المنتخبين على المستوى الترابي.

لقد نقلت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية اختصاصات مهمة إلى هذه الجماعات وخاصة إلى الجهة، التي أسندت إليها مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة، بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها ولا سيما فيما يتعلق بتحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيته الاقتصادية واتخاذ التدابير المشجعة للمقاولة والعمل على تسيير وتوطين الأنشطة المنتجة للثروة والشغل وغيرها.

ولتحقيق هذه الغايات، تمارس الجهة اختصاصات ذاتية، ومشتركة مع الدولة ومنقولة إليها من هذه الأخيرة.

وتماشيا مع توجيهات الخطب الملكية الموجهة إلى الحكومة، قامت هذه الأخيرة بإعداد مشروع مرسوم (تحت رقم 2.17.618) بمثابة ميثاق وطني للاتركيز الإداري تم التداول بشأنه في المجلس الحكومي الذي انعقد بتاريخ 25 أكتوبر 2018 والذي أضاف فاعلا جديدا للمساهمين في صناعة القرار العمومي على المستوى الترابي والمتمثل في الجماعات الترابية.

وحافظ هذا المشروع على البنية الأساسية للمرسوم السابق، باستثناء استحضار المستجدات المرتبط باختصاصات الجماعات الترابية وكذا تركيز تنسيق مهام البنيات الإدارية اللاممركزة في يد الولاة والعمال.

فعلى الرغم من أن هذا النص تضمن إحداث آليات لضمان الحكامة وكذا تقييم سياسة اللاتركيز، فإن الملاحظة الأولية التي يمكن إثارتها هنا تتجلى في تعزيز وتوسيع صلاحيات الولاة في صناعة القرار العمومي الترابي، وكذا تعدد البنيات الإدارية المستحدثة والتي تشتغل تحت إشرافهم، أي الولاة، بشكل قد يؤدي إلى إنتاج مركزية جديدة ولكن من نوع جهوي.

انطلاقا من هذه الملاحظة، يطرح التساؤل حول طبيعة العرض التدبيري الذي يقدمه هذا المرسوم من أجل ضمان فعالية تنفيذ البرامج والسياسات العمومية على المستوى الترابي، وحول مكانة الجماعات الترابية في ظل الهندسة الإدارية التي تم وضعها وتعزيزها عبر هذا المرسوم؛ بل إن الإشكالية الكبرى التي تثار في ارتباط بهذا النص تتعلق بالضمانات الكفيلة بعدم إعادة إنتاج مركزية من نوع جديد، مما قد يجعل التفكير في تجاوزها ورشا مفتوحا يتطلب إصلاح الإصلاح.

*أستاذ القانون الإداري بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، جامعة محمد الخامس بالرباط.

‫تعليقات الزوار

10
  • خالد
    الأربعاء 14 نونبر 2018 - 12:20

    ما فائدة الانتخابات اذا تمّ الحد من سلطات العمدة او المنتخب مقالل توسيع سلطلت الوالي…..

  • الفيلسوف
    الأربعاء 14 نونبر 2018 - 12:25

    السؤال الوارد في الفقرة الأخيرة مطروح بجدية كبيرة، خاصة أن هذه اللامركزية معروضة بصيغة تمنح للولاة والعمال صلاحيات أكبر، ما الضمانة لعدم تحول هؤلاء الولاة والعمال والقياد لأمراء جدد على مناطق نفوذهم خاصة في ظل انعدام آليات محاسبة جدية لهؤلاء الموظفين. وما الضامن لعدم تحول المغرب لعهد "السيبة "من جديد .
    * البديل الحقيقي هو إعطاء صلاحيات للجهات على أن يُنتخب العمدة انتخابا مُباشرا وأن يُسمح حتى للا منتمين للأحزاب بالترشح، ووضع آليات صارمة لمراقبة الجهات، في المحصلة حسب رأيي:
    * جهوية موسعة والسلطة بيد الولاة = عهد السيبة
    * جهوية موسعة والسلطة بيد عمدة عبر انتخابات نزيهة يعني مزيد من الديموقراطية والمسؤولية .

  • zak
    الأربعاء 14 نونبر 2018 - 12:31

    ماهو دور رؤساء الجهات المنتخبون، التنضيم الجديد غير ديموقراطي ولا مجال فيه للمحاسبة

  • Peace
    الأربعاء 14 نونبر 2018 - 12:45

    العبرة ليست في صلاحية الولاة و انما في صلاحهم و كيفية تعاملهم مع المواطنين و اشراكهم في اتخاد بعض القرارات التي تخصهم مباشرة و سؤالهم عن رئيهم و اشراكهم في النقاش, اما ان تكون لالدولة صلاحيات واسعة, فهذا امر طبيعي او تريدون ان لا تبقى للدولة اي صلاحيات و تعويضها بصلاحيات واسعة لاناس مجهولون, لا نعرف بلضبط اي اجندة يوالون, فتلتبس علينا الامور و لا نعرف من الدولة بالضبط و من يتخذ القرارات?!

  • الجهوية...
    الأربعاء 14 نونبر 2018 - 13:00

    حقيقة أن الأمر صعب أن تجعل مستقبل جهة جغرافيا في يد رجل واحد… و قد يكون غير صالح لتسيير الأمور… و لهذا يجب انتخاب هذا الشخص من طرف الساكنة أولا ثم خلق لجنة مشتركة من 50 عضو من جميع الهيئات والمؤسسات مع إشراك الطرف المدني (الشعب) و جعل هذه الجنة بمثابة مجلس إدارة الجهة للمراقبة و التشاور و أخد القرارات المناسبة من أجل تحقيق رواج اقتصاد الإقليم
    أو الجهة…!

  • nihilus
    الأربعاء 14 نونبر 2018 - 13:12

    الأعراف والنصوص الدستورية في الدول ذات الجهوية المتقدمة، تتمحور علي نقل الصلاحيات للنخب المنتخبة وا استمرار الدولة عبر الولات لمراقبة واتنفيذ القوانين الدستورية وا الميزانيات المبرمجة من طرف الدولة، وليس التحكم الدولة العميقة او ما يسما بالنظام

  • محمد
    الأربعاء 14 نونبر 2018 - 13:26

    علاش نمشيو ننتخبوا هههه ما دام الولات و العمال فيدهم كووولشي .. الغباااااااااااء

  • abd 1
    الأربعاء 14 نونبر 2018 - 13:27

    بمعنى آخر فهو "لاتمركز مركزي" على غرار "حكومة محكومة" والخلاصة وأب التجربة الجهوية حتى قبل ان تبدأ فعليا .

  • جريء
    الأربعاء 14 نونبر 2018 - 13:58

    المخزن متايق فحتى واحد، خاصو ادير كولشي بوحدوا، عبر خدامه من قياد و عمال و ولاة، و هنا مكمن المرض. اطلقوا البلد و كفى من تكبيلها. واش ما شبعتوش الثروات للنهبتوا

  • mouatine
    الأربعاء 14 نونبر 2018 - 16:34

    سيشهد التاريخ انه في عهد العثماني و حزبه انه تم الاجهاز بصف نهائية و رسمية على امل الديموقراطية بالجهات. كيف يعقل لاحزاب الكارطون ان تقبل بهذا.
    هل الوالي منتخب. هل تربط قراراته بالمحاسبة الشعبية ام بمصالح محتكري القرار بام الوزارات…
    فيق السي العثماني…

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين