الانتخابات الإسبانية تبعثر أوراق اليسار وتقلب ترتيب أحزاب اليمين

الانتخابات الإسبانية تبعثر أوراق اليسار وتقلب ترتيب أحزاب اليمين
الأربعاء 13 نونبر 2019 - 04:00

لازال التشويق هو الطابع الغالب على المشهد السياسي بإسبانيا، إلى درجة يصعب معها تصديق مجريات الأحداث ومواكبة وتيرة تسارعها، وهو ما بـرر المتابعة الإعلامية الكبيرة على المستوى العالمي لتشريعيات يوم 10 نونبر 2019 باسبانيا، في نسختها الرابعة وداخل أربع سنوات (منذ دجنبر 2015) في مشهد استثنائي في أوروبا.

لــقـد دُعـي 37 مليون ناخب إسباني إلى انتخابات مبكرة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية، تُــولـد من رحمها حكومة وطنية طــال انتظـارهـا..واتفــق أغلب المحللين على أن تشريعيات يوم الأحد 10 نونبر عرفت أولا تموقع حزب الاشتراكي بيدور شانسيز في صدارة النتائج بـ120 مقعدا، خاسرا ثلاثة مقاعد بالنسبة لتشريعيات أبريل 2019، ثانيا تعافي شعبية الحزب الشعبي المحافظ في عهد بابلو كاسادو بحصوله على 88 مقعدا مقابل 66 مقعدا في أبريل الماضي، ثالثا الصعود الصاروخي لحزب فوكس اليميني المتطرف، والذي يعتبر امتدادا لعهـد “الكوديللو”، أي الجنرال فرانكو، بحصوله على 52 مقعدا مقابل 24 مقعدا في أبريل؛ ورابعا فهو الزلزال بحزب المواطنون من وسط اليمين وحصوله على 10 مقاعد مقابل 47 في أبريل الماضي..وأخيرا تراجع حزب بوديموس من 42 مقعدا إلى 35 مقعدا.

لم يكن سهلا توقع هذه النتائج، خاصة أن الاشتراكي شانسيز خرج فائزا في انتخابات أبريل وماي، وبالتالي كان يتوفر على رصيد كبير من الثقة السياسية، سواء بالداخل أو على مستوى الاتحاد الأوروبي، إذ بدا مستعدا للعب دور كبير إلى جانب كل من ميركل وماكرون في سياسات الاتحاد الأوروبي.

وأظهرت هذه النتائج أن جميع الأحزاب بقيت بعيدة عن الأغلبية المطلقة، أي 176 مقعدا، وهو ما يعني فشل رهان الحزب الاشتراكي على هذه الانتخابات من أجل توسيع قاعدته الانتخابية والحصول على أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل حكومة بدون تحالفات متعددة؛ كما كان من نتائجها تآكل القوة التفاوضية للاشتراكي شانسيز، وظهر سانتياغو اباسكال، زعيم حزب “فوكس”، الرابح الأكبر من هذه الانتخابات، حيث ضاعف رصيده من المقاعد البرلمانية، وأزاح حزب المواطنون من الرتبة الثالثة، ما اضطر معه زعيمه ألبير ريفيرا إلى تقديم استقالته في اليوم الموالي، أي 11 نونبر…

فهل بالـغ سانشيز في تقديره لـقوته السياسية، خاصة بعد النتائج الإيجابية لـتشريعيات أبريل والانتخابات الأوروبية في شهر ماي 2019..؟ وهل لم يستحضر نتائج مغامرة سياسية، كان في غنى عنها بقبوله لحزب بوديموس كحليف سياسي حقيقي وشريك فعلي في الحكومة…؟.

كطلونيا ورفات فرانكو..مفاتيح السياسة والذاكرة الوطنية

نعتقد من جهة أولى أن المسألة الكطلونية لعبت دورا كبيرا في بعثرة كل أوراق الاشتراكي شانسيز، وتحديدا بعد نطــق المحكمة العليا الإسبانية بأحكام ضد قادة الانفصال الكطلان يوم 14 أكتوبر بصك اتهام ثقيل من حجم التمرد وتبديد أموال عمومية في تنظيم استفتاء الانفصال، وبأحكام تجاوزت عشر سنوات…وهو ما جعل أنصار تيار الانفصال ينضمون مسيرات احتجاجية ويشلون الحركة في إقليم كطلونيا ويــدعون إلى عصيان مدني وإفشال الانتخابات التشريعية ليوم 10 نونبر.

كما ظهرت حركة “تسونامي الديمقراطي”، والتي اعتمدت على منصات إلكترونية في تنظيم مسيراتها وطرق احتجاجاتها، وردت عليها مدريد بإصدار عدة قرارات، من بينها تأجيل الكلاسيكو الكروي بين الريال وبرشلونة، وبدعم قوات الأمن وتنظيم مسيرات مضادة من طرف تيار الوحدويين الكطلانيين…وهو ما جعل الاشتراكي شانسيز في موقع سيئ أمام الكطلان رغم دعواته المتكررة للحوار وأيضا أمام الإسبان في أسلوبه المتردد في تدبير مسألة كطلونيا…

في حين أمسك زعيم حزب فوكس سانتياغو اباسكال بجمرة المسألة الكطلونية، وأبدى الكثير من الحزم في الموقف من أولوية وحدة إسبانيا وتطبيق الدستور.. فوضوح الرؤية لدى اباسكال وتردد سانشيز ساهم كثيرا في الرفع من أسهم حزب فوكس كحزب وحدوي إسباني، بالإضافة إلى ترديــده “تيمات” اليمين المتطرف، أي وقف هجرة المسلمين إلى أوروبا المسيحية، ومواقفه في مسالة الإجهاض والأسرة…وهو ما جعل من حزبه الثالث وطنيا والأول في مورسيا مثلا وبأربعة نواب في البرلمان الأوروبي…هـذا رغم دعـوة شانسيز للذهاب إلى صناديق الاقتراع لمحاصرة تهديد اليمين المتطرف…

المسألة الكطلونية أصبحت رقما صعبا في أي تمرين انتخابي في إسبانيا، وهو ما أفرزته نتائج يوم 10 نونبر، حيث حصلت الأحزاب الاستقلالية بكطلونيا على 23 مقعدا، ما يجعل منها لاعبًا أساسيًا في أي عملية بنـاء أو الإطاحـة بأي تحالف سياسي وحزبي على المستوى الوطني.

من جهة ثانية، ساهم “التعامل الانتخابي” للحزب الاشتراكي الحاكم في إسبانيا مع قرار المحكمة العليا الإسبانية بقبول نقل رفات الجنرال فرانكو من مقبرة شهداء الحرب الأهلية الإسبانية إلى مقبرة العائلة بعد سنة ونصف من الجدال القانوني والقضائي، في تفوق نسبي لليمين واليمين المتطرف في النقاشات المتعلقة بالذاكرة الجماعية والمصالحة الوطنية.

فقد اعتبر أكثر من ملاحظ أن استعمال مسألة نقل رفات الجنرال فرانكو كورقة انتخابية وسياسية شكل خرقا من شانسيز “لاتفاق النسيان” الذي سهل الانتقال الديمقراطي بعد موت الجنرال فرانكو، إذ عرى عن جرح قديم يحاول الإسبان نسيانه بعد مرور أكثر من 44 سنة على وفاة الجنرال الذي أمر ببناء مدفن جماعي لحوالي 33 ألفا من ضحايا الحرب الأهلية الإسبانية، سواء من هذا الجانب أو من ذاك، على سفح الجبل كرمز للمصالحة الوطنية.

ولم تكن هذه الفرصة السياسية لتمر دون أن يستعملها زعيم حزب فوكس اليميني المتطرف في كسب أصوات جديدة. وقد اعتبر اباسكال أن قرار شانسيز نقل رفات الجنرال فرانكو من مقبرة شهداء الحرب الأهلية يحمل في طياته الرغبة في إحياء أحقاد قديمة وخرق لاتفاق النسيان. وقد تمكن حزب فوكس بتبنيه الدفاع عن الذاكرة الوطنية من خلال الدفاع عن رفات الجنرال فرانكو من جني أصوات من الحزب الشعبي المحافظ، كما استمال أصواتًا كثيرة من ناخبي وسط اليمين، خاصة من حزب المواطنون، بعد إعلانهم فتح قنوات الحوار مع شانسيز إبان مفاوضات تشكيل الحكومة.

نعتقد أن الملف الكطلاني ونقل رفات الجنرال فرانكو كان لهما دور محوري في ترجيح كفة اليمين واليمين المتطرف في انتخابات 10 نونبر، حيث استغل اليمين المتطرف ممثلا في حزب فوكس هاتين المسألتين لتقوية خطابه الكلاسيكي المتمثل في وقف هجرة المسلمين إلى أوروبا المسيحية ومواقفه في مسالة الإجهاض والأسرة.

وفي المقابل فقد ترتب عن انشغال الاشتراكي شانسيز بتدبير أزمة كطلونيا، خاصة بعد الأحكام القضائية، بالإضافة إلى انشغاله بتداعيات نقل رفات الجنرال فرانكو، ارتباك كبير في تنظيم الحملة الانتخابية التي دامت 10 أيام فقط، وهي أقصر مدة في تاريخ الديمقراطية الإسبانية…بينما انشغل حزب بوديموس في الوقت نفسه في ترتيبات رأب تصدعه الداخلي وانشقاقه بميلاد تيــار حزبي جديــد عنه فـاز بثلاثة مقاعد يـــوم 10 نونبر.

إلا أن سُـرعة تحرك كل من الحزب الاشتراكي وبوديموس بتوقيعهما اتفاقا للتحالف التقدمي لمدة أربع سنوات، بعد مرور أقل من 48 ساعة عن الانتخابات، من أجل تسهيل تشكيل حكومة يسارية تقدمية لمواجهة اليمين المتطرف، قــد تكون خطوة تُعيــد الثقة إلى مكونات اليسار، مع العلم أن ذلك لن يمكنه من أغلبية عددية في البرلمان؛ لكنها في الوقت نفسه قــد تستعمل كذريعة لمهاجمة بيدور شانسيز حول فرضيات انفتاحه على اليسار الكطلاني الداعم للانفصال.

وفي انتظار تكليف الملك الإسباني فيليب السادس لشانسيز بالبدء بمفاوضات تشكيل الحكومة وتنظيم الغرف البرلمانية فإن الوضع السياسي الراهن يدفع بطرح العديد من الأسئلة، من جملتها ما هي نسبة نجاح شانسيز في تكوين تحالف حكومي يحظى بثقة البرلمان، خاصة بعد تآكل قوته التفاوضية..؟ وهل سيختار الحزب الشعبي الامتناع عن التصويت لإعطاء فرصة خلق حكومة شانسيز…؟ أم سنعيش نفس السيناريو الذي قد يدفع في اتجاه انتخابات مبكرة خامسة؟.

إننا نطرح هذه الأسئلة ونحاول فهم الصورة وتقريبها، بالنظر إلى تواجد جالية مغربية مهمة تقارب المليون مهاجر مغربي في إسبانيا، من بينهم آلاف الحاصلين على الجنسية الإسبانية، وبالتالي اعتبارهم كتلة ناخبة في إسبانيا يمكنها تغيير معادلات سياسية مهمة.

ومن جهة أخرى فإن تفاعلات المشهد السياسي الإسباني سلبا أو إيجابا تؤثر بكيفية أو بأخرى على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي لمغاربة إسبانيا، خاصة مع صعود حزب فوكس اليميني المتطرف، ما قــد يُـهدد حقوقا مكتسبة أو تأجيل مطالب حقوقية أخرى لحوالي مليون مهاجر مغربي بإسبانيا…وتجعلنا بالتالي أمام تحديات جديدة تتطلب منا المزيد من اليقظة والمزيد من العمل.

‫تعليقات الزوار

2
  • مغربي محب لبلده
    الأربعاء 13 نونبر 2019 - 11:07

    اسبانيا في حاجة الى اليمين وليس الى اليسار،اليمين يحرك الاقتصاد ويقويه ،عندما يكون هناك فائض نلتجا الى اليسار مثل السويد،الاسبان أخطاو مع الموعد وستعصف بهم أزمة سيكرهون به اليسار الى حيث لارجعة،هذه من أخطاء الديمقراطية لاتصلح الا للدول الراقية،الاسبان لم يرقوا الى مستوى الدول الكبرى مثل الدول الاسكندنافية يتابعون ممتلكاتهم يوميا بل أتابعها بنفسي ولاناقة لي في ذلك،بل لافولفو لي في ذلك،المستثمر لن يقبل باليسار الا اذا تبنى أفكار يمينية وهي موجودة في السويد ،هناك فرق بين الراس والقدمين ،راس اوربا ليس كقدمها،والمشكلة أن المغرب يسحب منها البساط بل هي في حاجة الى المغرب من المغرب في حاجة اليها في كل شيء أكثر من فرنسا،وما دخول شركة (الس) في المغرب الا تقارب بين البلدين اقتصاديا الذي يجب أن يكون عليه هو الاندماج اكثر مما هو موجود على جميع المستويات ولا اعتقد أن كبار القوم لايعملون على ذلك،بل هو حاضر بقوة وتظهر ملامحه ولكن يجب فتح الباب على مصراعيه،لأن الوقت كلما استغلته بما يجب كان أفضل للبلدين بل لأوربا وشمال افريقيا وهكذا،اما اليمين فتح له الباب لكي تاخذ الناس منه موقفا يقينيا انه غيرصالح

  • Simmo
    الأربعاء 13 نونبر 2019 - 13:01

    الإسبان صفع بقوة من طرف الحزب الشعبي وهو من اليمين المتطرف الذي بسببه وبسبب فساده وفضائحه ادو إلى البلاد إلى أزمة خانقة والتي سرقة فيها الملايير وكأنك داءما يشكلون العاءق الكبير ضد الرئيس ساباتيرو آنذاك كان داءما يعارضون ما هو فيه مصلحة البلاد وينهبون الأخضر واليابس. والان الإسبان سيصفع مرة أخرى من طرفهم بصعود فوكس والذي هو في الأصل من الحزب الشعبي المتطرف.واما مع المغرب لن يستطيعون فعل أي شيء ولديهم مصالح شخصية مع المغرب

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب